لم يعد الكلام مجديا ولا حتى مسموعا ولا مقروءً عن الفساد لأنه ومع الأسف أصبح واقع حال الحياة في العراق بكل صورها وأشكالها ،فقد بحت الأصوات التي نادت بضرورة القضاء على الفساد والفاسدين ، وتكسرت الأقلام التي كتبت عن الفساد، وبالتالي رفع الجميع الراية البيضاء استسلاما مذلاً أمام غول الفساد المرعب وطاحونته المخيفة التي تسحق من يقف أمامها بكل يسر وسهولة وبلا أدنى صوت ولا ضمير!. الفساد وكما ذكرت آنفا له صوروأشكال عديدة وفي النهاية ، هو دلالة على اهتزاز القيم النبيلةوالمبادئ الإنسانية والاجتماعية والدينية لدى الشخص الفاسد ،ففي العرف الاجتماعي يعتبر الفساد عيبا ، والشخص الفاسد ينظر الناس أليه نظرة معيبة ويقولون عنه ما يقولون من وراءه طبعاوليس أمامه! ، وقانونا يعتبر الفساد جريمة وجريمة مخلة بالشرف! ، أذا الفساد له علاقة بالشرف! ( ولكن لا يقصد بالشرف هنا الأعضاء التناسلية كما يفهم الغالبية العظمى من الناس وتحديدا الفاسدين منهم! بأن الشرف هو في الحفاظ على الأعضاء التناسلية فقط ، أما باقي الأمور كسرقة المال العام والنفاق وأكل السحت الحرام والتعدي على الناس والربا والغيبة والنميمة وما الى ذلك لا تدخل بالمفهوم المضحك المبكي عندهم عن معنى الشرف!! ).ولنتصور حال المجتمع الذي أستسلم ورفع الراية البيضاء أمام طاعون الفساد ، حتى أن الكثيرين وصل به الاستسلام بأن يؤمنواتماما بأن الفساد صار ثقافة المجتمع ولا مفر من ذلك! ، فتصورأي مجتمع ذلك الذي صار الفساد ثقافته! ، وأي أمة بائسة تلك التي أهانت نفسها قبل أن تهين كلمة الثقافة وتربطها بالفساد!. وللفسادانواع واشكال كثيرة ومتنوعة ، وسأتناول في مقالي هذا موضوع الرشا و الإكراميات التي صارت أشبه بدودة الأرض والعثة التي نخرت كل دوائرنا المدنية وحتى العسكرية منها وقوضتها من الداخل ، وقد لا أأتي بجديد عن قصص الفساد في وزارات الدولة ودوائرهاوفضائحها التي تزكم الأنوف ، فالفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي كفت ووفت كما يقال بنشرها الكثير عن قصص الفساد بالصوت والصورة ، وأجمالا يمكن أن أختصر حال دوائر الدولةوأشبهه ( بسوبر ماركت كبير لبيع الفحم! وكل العاملين فيهم من أكبر موظف الى أصغر موظف وعامل فيه يرتدون الملابس البيضاء!، فتصور حال ملابسهم كيف تكون!!؟، فترى موظفا قد غطاهالسخام من رأسه وحتى رجليه ، وآخر نص ونص! ، وقسم منهمتلطخ بقليل من السخام! وبالتالي ترى انهم كسرب من الغربان السود عند خروجهم من العمل!!) . ومع الأسف هذه حقيقة دوائرنا وحقيقة موظفينا وانا هنا لا أعمم فالمثل يقول ( لو خليت قلبت) ،ولكن من الصعب ان تجد ذلك الموظف النزيه الذي يرفض الرشوة وأخذ الإكرامية ، وأن وجد فهو يعد ( غبي ومغفل) بمفهوم هذا الزمن الرديء! ، أو لربما طبيعة عمله وموقعه الوظيفي ليس فيه مجال للرشوة ولا للإكراميات! ، وهنا لابد من الاشارة بأن الكثير من الموظفين الشرفاء والنزيهين ، تركوا وظائفهم وبحثوا عن بديل لعملهم! ، وقسم منهم أحال نفسه على التقاعد قبل بلوغه سن التقاعد خوفا من اجبارهم وتورطهم في الفساد من قبل حيتان الفساد الكبيرة المتغوله في كل وزارة ودائرة!. الذي نريد ان نقوله هو ان الغالبية العظمى من الموظفين ركب موجة الفساد! أما بقناعة باعتبار أن الفساد أصبح واقع حال وفرض نفسه بعد أن تغير مفهومه وأصبح (شطارة ولواته ، والرزق يحب الخفية ، وعلى حس الطبل خفن يا رجليه و أيديه!!) ، والقسم الآخر من الموظفين أراد أن يبرر لنفسه الفساد فوضعه في قالب ( الإكرامية)!! ، وأقنع نفسه بذلك! ،لأنه لم يسرق من مشاريع تخدم الدولة والمصلحة العامة وتؤثر على مصالح البلاد والعباد ، وبالتالي هو غير فاسد! ، بل يرى نفسهأنه أحسن بكثير من غيره من الفاسدين والحيتان الكبيرة الذين نسمع عنهم ونخشاهم!! لأنه يأخذ الإكرامية البسيطة ! مقابل تقديمه الخدمة للمواطن وتمشية معاملته! ، وهو بالتالي يعتبر نفسه نزيها وطاهرا وشريفا! ، ولو أني على يقين أن هذا وأمثاله ،يحسدون حيتان الفساد الكبيرة! على ما نهبوا وسرقوا وصاروا من أصحاب الأرصدة في الخارج والداخل ، وعلى ما يمتلكونه من القصور والفلل والمزارع والمولات حتى في خارج العراق ، ولديهم الخدم والحشم والحراس الشخصيين! ، ولكنهم لم يجدوا الفرصة لذلك!! ، وأقسم بأنه لو تحينت لهم الفرصة لكانوا اكثر جشعا ونهبا للمال العام والخاص وأكثر فسادا من الحيتان الكبيرة نفسها! ، كما أن هؤلاء وغالبيتهم ممن يؤدون الصلاة وبقية الفرائض تجد فيدواخل نفوسهم عكس ما يظهرونه! ، حيث يتمنون ان يبقى العراق بهذه الفوضى لأن الفوضى هي الشريان الذي يديم الفساد ويغذيه! ، فتراه يسأل الله وهو ساجد أن يديم نعمته هذه عليه!!.وأخيرا : لابد من أن نشيد بدور الحكومة ورئيسها وكل الأجهزة الأمنية والاستخبارية والمخابراتية على الجهود الطيبة التي يبذلونها والتضحيات التي يقدمونها للتصدي للفساد والفاسدين ، ودوام الحال من المحال . ولله الأمر من قبل ومن بعد.