كان فجر السابع عشر من الشهر الجاري نهار افراح لدى العراقيين على اختلاف انتماءاتهم وتعددها، فهو يوم انطلاق آخر لمعارك فوق الارض مع تنظيم داعش الارهابي والفرح الاخر الذي غمرهم انه يجري في ظل توافق سياسي لم تشهده الساحة العراقية منذ زمن طويل، وبشروا بالتقدم السريع للقوات الوطنية ولاسيما في المحور الشرقي الذي عهد الى قوات البيشمركة وبمساندة من الجيش، والفرح الذي طغى انه بعد سنوات طويلة تدخل القوات العسكرية الى الاقليم، بل تتعاون مع البيشمركة، ووصف الرئيس بارزاني هذا التعاون بانه رائع وبعث برسالة اطمئنان الى اهالي نينوى يؤكد حرص العراق كله عليهم وعلى اموالهم واعراضهم وبنيتهم التحتية.
الخطة التي رسمت لانقاذ اهل الموصل من رجس الدواعش الارهابيين اشاد بها القاصي قبل الداني الذي خبر قواتنا وعرف تطور تجربتها وارتقاءها من معركة الى اخرى.
كان العراقيون في كل انحاء البلاد مشدودين الى اخبار اليوم وتسمروا امام وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والانترنيت يتلقفون ما تبث ويحللون، والاهم من ذلك ازدادت ثقتهم بالقوات العسكرية والحكومية حين انكشف جزء من الخطة العسكرية والانسجام الكبير بين القوى المنفذة لها، لم تهمهم تصريحات الرئيس التركي ولا وفده الذي ارسله لا ليصلح الخطأ او يجد طريقاً وسبيلا للتراجع يحفظ ماء الوجه والانتهاك للقانون الدولي ومبادئ حسن الجوار الذي كان ينبغي ان يستند اليها ويستفيد من الحلم العراقي عليه.
الواقع ان معركة الموصل ستكون تاج المعارك الذي يكلل هامات العراقيين، ويفتح افاقاً جديدة ليس في دحر داعش الارهابي فقط، وانما اصلاح ما خربه وانهاء الاسباب التي ساعدت على نشوء الوضع الذي نحن فيه هذه المعركة لن تكون فيها القوات المسلحة الوطنية بكل تسمياتها اقل قدرة مما كانت عليه في المعارك من بلدات اربيل الى بلدات صلاح الدين والانبار مع ان طبيعتها اكثر تعقيداً، ولكن العزم الذي لمسناه من تصريحات المسؤولين في العراق الاتحادي يعطينا مساحة واسعة من التفاؤل لا نشك لحظة واحدة في النصر المؤزر، مهما قصرت ايام المعركة او طالت، هكذا عهدنا عندما تتحد القوى السياسية وتتصافى وتخلص النوايا وتنبذ الصراعات والتجاذبات الضيقة وتقدم المسألة العراقية على الاجندات الضيقة، لا شيء ليس له حل او يكون مستعصياً الى النهاية او يسمح للتطرف والغلو ان يبث سمومه بين مواطني العراق.
المعركة المتميزة اصبحت نهايتها تلوح لنا، ولكن هذه معركة عسكرية على سطح الارض وهناك معارك لا تقل عنها شراسة وخطورة تحت الارض غير ظاهرة للعيان الان، ونقصد بذلك الاسباب التي اوقدت ما نحن فيه من حرائق مضت عليها سنتان هذه المسائل بحاجة الى حلول ونفكر فيها بروح الفريق الواحد، واعلاء شأن المشروع الوطني الذي يعطي الى كل فئة حقوقها ويعيد اللحمة ليس بين الموصليين فحسب، وانما بين العراقيين جميعاً.
لدينا مشكلات تتعلق بالمصالحة الوطنية والتعايش السلمي وترسيخ الديمقراطية والبناء الجديد، وقضية اختيار النظام الاداري المناسب للبلاد، وتطمين المصالح على الصعد الاقتصادية والاجتماعية ولتوزيع العادل للثروة والمشاركة الصحيحة في صنع القرار وتطبيقه ونبذ العنف والاكراه علي أي مستوى واتجاه الاخر، والالتفات السريع الى ما خربه داعش واعادة التأهيل على الصعيد المادي والنفسي واشاعة حكم القانون.