المعارك والحروب تضع اوزارها في العادة مهما طالت. وعلى وفق القواعد المتعارف عليها فانها اما تنتهي بمنتصر ومهزوم او لا غالب ولا مغلوب من خلال تسوية ثنائية بين الطرفين او طرف ثالث يتوسط بينهما او قد يفرض احيانا ارادته. وربما يرسم خرائط, وقد يضع لها مددأ زمنية لإنتهائها مثلما هي خرائط سيايكس ـ بيكو (عام 1916) التي وان إنتهت بإقامة دول وغياب اخرى بمن فيها امبراطوريات (الامبراطورية العثمانية إنموذجا) لكن إنتهى اليوم عمرها الإفتراضي (100 سنة)دون ان يكون هناك من سياسيي القوى العظمى اليوم من هو بمنزلة مايكس سايكس او جورج بيكو. والواقع ان هذه مهمة صعبة لان رسم الخرائط وفق ارادة الكبار مهما كان تعسفيا وقد تنتج عنه ازمات بل ومعضلات لا اول لها ولا اخر مثل قيام دولة اسرائيل (1948)بموجب وعد بلفور (1917) لكنها تنهي الصراع على وفق قواعد يتفق عليها بين الاقوياء.
الان تدور رحى معركتين طاحنتين من المتوقع ان تتغير بموجبها الكثير من القواعد والخرائط معا وهما معركتا الموصل والانتخابات الاميركية. وتدور على متن هذين الحربين لاهامشهما حروب ومعارك اخرى لايتوقع لبعضهما ان ينتهيا على خير ويراد لبعضهما الاخر الاستمرار بصيغ ووتائر اخرى.
فعلى صعيد الانتخابات الاميركية التي ستضع بالضرورة اوزارها الشكلية على الاقل بدخول اما هيلاري كلينتون او دونالد ترامب البيت الابيض هذا الاسبوع, لكن الامر لن ينتهي عند هذا الحد مثلما هي قواعد اللعبة في كل الانتخابات الاميركية منذ مائتي سنة حتى اليوم. فالمعركة التي تدور بين كلنتون وترامب هي ليست معركة بين حزبين (الديمقراطي والجمهوري) او حيوانين (الحمار الديمقراطي والفيل الجمهوري) بل هي معركة مزاج بدرجة رئيسية في الداخل الاميركي تعكس متغيرات جوهرية على صعيد اولويات الناخب الاميركي. مثلما هي جزء من معركة الخرائط في العالم لان الكثير مما يحصل من صراعات بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا لاسيما في منطقة الشرق الاوسط يتوقف على نتائج هذه الانتخابات.
اما على صعيد معركة الموصل فان النتائج سوف تعكس بالضرورة رؤية المتحاربين وهم اطراف كثر مختلفو السياسات والمناهج والرؤى والمفاهيم. ولعل الاخطر انهم وان كانوا يحاربون مايفترض انه عدو مشترك (تنظيم داعش) فإن منظورهم لعدواته يختلف من طرف الى اخر واحيانا حتى من معركة الى اخرى (معركة الموصل في العراق من منظور طرف تختلف عن معركة الرقة في سوريا من منظور طرف اخر). كما ان العدو نفسه (داعش) تختلف رؤيته لاعدائه الذين يفترض انهم مشتركين حياله. صحيح انه يعلن مثلما هو التسجيل الاذاعي الاخير للبغدادي تكفير الجميع وضرورة محاربتهم لكنه يستثمر اجواء النزاعات بين اعدائه لصالحه في هذه الساحة اوتلك مثلما يستثمر اعداؤه انفسهم ما يجري من صراعات داخلية واقليمية ودولية لترتيب اوراق ضغط في مفاوضات ما بعد الحرب. ومع احتمال ظهور نسخ اخرى من داعش مما يهدد التسوية التاريخية التي يجري الحديث عنها اليوم فان عدم نموها يتوقف على كيفية التعامل مع البيئة الحاضنة لكن بمنظور المستقبل لا الماضي المشحون بالالام والعداوات.