يميز أفلاطون في كتابه ( الجمهورية ) نوعين من الافعال التي يمارسها الانسان والتي تؤثر عليه وتنعكس آثارها على سلوكياته وتعامله مع الاخرين بشكل واضح وصريح فألاول هو ممارسة الرياضة وتؤدي إلى صلابة الانسان وقسوته وأما الاخر فهو الأستماع إلى الموسيقى ويؤدي إلى رقة قلب الانسان ولين طبعه ،
ولا يخفى على احد بأن مجتمعاتنا قد أصبحت أكثر عنفا عما كانت عليه قبل عدة عقود ، صحيح أن العنف كفعل طالما كان موجودا وفي كل زمان ومكان تقريبا مهما بدا على المجتمع الميل للسلم والهدوء ، فقد كان هنالك دائما سبب ما يدفع بعض الافراد لسلوك طريق العنف من أجل تحقيق بعض الاهداف او الغايات وكانت هناك دائما عوامل مساعدة تحث البعض على سلوك طريق العنف والقوة ، لكن الشيء الاكيد هو أن العنف لم يكن كما هو عليه اليوم سواء من حيث الأنتشار او من حيث تطور أساليبه وأشكاله ،
ولعل التربية الصحيحة وتوفر أسباب الحياة الصحية والسليمة هي من أدعى الامور لكي ينهج الانسان سبيل السلام في حياته وأن ينبذ العنف بكافة أشكاله وصوره ، ومن الواضح والظاهر للعيان ومما لا يحتاج إلى دليل أو برهان بأن من أهم أسباب أنتشار العنف بكافة أشكاله وصوره وتحت مختلف المسميات والمصطلحات المعروفة من الأرهاب او الجريمة او غيرها خلال الاعوام الاخير هو عدم توفر تلك الحياة ، وذلك ما ساعد على تصاعد وتيرة هذا العنف وتطور أشكاله وأساليبه وعلى تغير المفاهيم السائدة وصعود تيارات فكرية متطرفة في الاوساط السياسية والأجتماعية في أغلب المجتمعات الاسلامية وذلك على حساب التيارات الفكرية المعتدلة ،
ومن أبرز تلك التيارات الفكرية المتطرفة هو الفكر الوهابي الصحراوي ، فقد أسهم هذا الفكر المتخلف والذي يهتم بالقشور أكثر من اللب وبالمظهر أكثر من الجوهر في زيادة أنتشار العنف كوسيلة لحل المشاكل والنزاعات سواء أكانت فردية أم جماعية وكذلك لأسترداد الحقوق الضائعة ، فأفكار مثل الحضارة والمدنية والسلم وغيرها لا يعنى بها هذا الفكر بل أنه لا يعنى حتى بجوهر الاسلام في الوقت الذي يدعي فيه الدفاع عن مبادئه وتبني أفكاره ، ففي حين وجد الاسلام لتحقيق سعادة الانسان على هذه الارض وتحقيق العدالة بين البشر فقد أهمل هذا الفكر كل ذلك وركز على المظاهر التي بدا عليها المسلمون الاوائل في أول عهد الدعوة الاسلامية ،
لذا صار الاستماع للغناء أو للموسيقى أو الشعر أكثر خطرا عندهم من الظلم أو الكذب أو إيذاء الاخرين والنتيجة هي ولادة مجتمع متناقض ظاهره أسلامي وجوهره جاهلي ومختلف في حقيقته عن حقيقة الاسلام تمام الاختلاف ،
وفي المقابل لم تستطع الحركات والاحزاب السياسية أن توجد أنظمة سياسية تلبي طموحات و آمال المواطنين في الحياة الحرة والكريمة او أن تحقيق الرفاهية للمواطنين وظل الفساد مهيمنا على مؤسسات هذه الانظمة وظلت تردد نفس الأقوال والوعود التي سئمها الأنسان المسلم فلم يعد يصدق أي شيء مما يسمعه من أولئك وفقد ثقته بهم ، وقد رافق ذلك هبوط في الذوق العام وتدني في مستوى الفنون المقدمة فصار البعض من أراذل الناس هم المتنفذين في الاوساط الفنية والتي صارت في كثير من الاحيان مرتعا للحثالات وغير المثقفين وأمثال هؤلاء لا يمكن أن يقدموا فنونا راقيا لذلك صار من الواضح للعيان بأن معظم ما يقدم على شاشة التلفاز او غيره من وسائل الاتصال الجماهيري على أنه فنون ما هو في حقيقة الامر إلا أسفاف وأبتذال وتهريج وهذه برأينا هي من الاسباب التي تقود إلى زيادة العنف داخل المجتمع لا تقليله كونها تخاطب وتحرك غرائز الانسان وتهبط به إلى الأسفل في حين كان يفترض بالفن الحقيقي أن يسمو به إلى أعلى ، فأذا بهذا الانسان المحبط والمكبوت والمهمش يجد نفسه أكثر تقبلا لفكرة العنف من أجل أسترداد شيء حقوقه الضائعة ،
ان أنفاق المليارات من الدولارات على شراء الاسلحة وتجييش الجيوش وأطلاق الخطب وغيرها لا يمكن أن تسهم وحدها في القضاء على الفكر المتطرف والعنف في مجتمعاتنا ، فبناء الانسان هو الاساس الذي يجب أن يعمل عليه لتحقيق هذا الغرض وكذلك توفير حياة حرة وكريمة لجميع المواطنين ، كما يجب الاهتمام ببناء الجانب الروحي للأنسان والتأكيد على أهمية الفنون في حياة كل أنسان ، ولو حاولنا هنا أن نلعب دور الطبيب الذي يصف علاجا مساعدا لمجتمع يعاني من الارهاب والعنف الدموي فإننا سنقول : دعوا أفراد المجتمع يستمعون ولو لساعة واحد للموسيقى الراقية والألحان العذبة ، فقد تكون ساعة واحدة تجبرون فيها التلاميذ في مدارسهم والموظفين في دوائرهم والمواطنين في منازلهم او أعمالهم أن يستمعوا إلى الاصوات الموسيقية الراقية و العذبة قد تكون أكثر فائدة من الكثير صفقات السلاح التي تكلف ميزانية الدولة وترهقها كثيرا في وقت قد تكون هذه الاموال أكثر نفعا لأفتتاح مشروع صناعي او تجاري او غيره مما يخدم الانسان ويسهم في تحقيق الرفاهية لأبناء هذه المجتمعات .