23 ديسمبر، 2024 7:22 ص

كانت الاعلانات التي اعلنها المهرج عن نفسه قد اخذت صداها، وهو جاد في تقديم حفلة مختلفة هذه المرة، ساقلد اصوات جميع الآلات الموسيقية، وسأنجح تماما، وساجني الاموال، المسرح المكتظ بالناس جلب له الانتشاء، هؤلاء جميعهم دفعوا اموالا ستصب في جيبي في النهاية، وهذا الامر لن يكون ليوم واحد، بل سيستمر لايام عديدة، سيكون ليلي المقبل مليئا بالعربدة، ساختار من النساء ما اشاء، ومن الطعام والشراب، كان اليوم الاول مملوءا بالتصفيق والتشجيع للمهرج الذي قلد اصوات جميع الآلات الموسيقية باجادة تامة، وكان من بين الحضور موسيقار كبير، لم يستهوه التقليد الساذج الذي قام به المهرج، لم يظهر اصوات الآلات بشكل دقيق، كان يبالغ في بعض الاحيان، وفي احيان اخرى كان يفشل فيغطي على فشله بالانتقال السريع الى آلة اخرى.
كان الناي على غير عادته بفم المهرج
صار زعيقا ولم يكن حشرجات مكبوتة كما هو
انتقل الى الكمان الذي كان اشبه بصوت الربابة بفم المهرج
اما الايقاع والعود فلم يكن احد يستطيع ان يميز بينهما في فمه
لن اسمح له باستغفال الناس واستغلال سذاجتهم، انها مهمتي ان اكشف عن الاصوات الحقيقية للموسيقى الراقية، وماهذا الا قتل للموسيقى، وعليّ ان ادافع عن الموسيقى التي تستهوي الناس بانغامها الرائعة، امام التقليد الساذج الذي يقوم به هذا المسخ الذي صبغ وجهه، فففففففففففففففففففففففو ، لم تخرج كما تخرج من فم الناي وقصبته المثقبة، كانت مليئة بالاصباغ التي لن تستر عري المهرج، يا الهي عليّ التفكير بطريقة تبعد الناس عن هذا الدجال، سمع الهتافات والضوضاء التي ترافق حركات المهرج، ولم يستسلم لليأس، اتصل باصدقائه الموسيقيين، شرح لهم الامر، وقال لهم: ان الموسيقى بخطر كبير، فكان ان استجابوا له، واخذ موافقته من المسرح ايضا، ليقلد هو الآخر اصوات الآلات الموسيقية، وتعهد بانه سيقلدها بحرفية فهي مجال عمله.انطلق صباحا وجمع اصدقاءه، كلا مع آلته الموسيقية، لم يصبغ وجهه بالالوان فهو ليس بحاجة الى ان يخفيه عن الآخرين، بل على العكس، ارتدى احلى مالديه من ثياب، عزف المهرج وقلد بعض الاصوات امام ضحكات الجمهور تارة وتارة تشجيعه واستحسانه لهذا الفم الذي جمع السلم الموسيقى، وطورا اخرى هناك ضحكات استهجان وسخرية واضحة من قبل البعض، وهو ينتظر دوره، وقد اوصى اساتذة الموسيقى بما سيقومون به، بعد محاضرة طويلة عن الموسيقى، وانهم يدرسونها لتبقى اذواق الناس سليمة، اما مايجري الآن فهو تشويه كبير وعليهم التضحية في سبيل وقفه عند حده، والا لماذا سيكونون اساتذة موسيقى مقتدرين، وزعهم وارتقى المسرح بهيبته ووقاره، وهو يرتدي ثياب عازفي السمفونيات ، تناول مكبر الصوت وراح يتيه مع الكمان، استسلم الجمهور تماما واسترخى، وتملكته هالة من الوجد، وماكاد ان ينتهي من الكمان، حتى ضج المسرح بالتصفيق، ليستعرض الآلات جميعها بجو اسطوري قريب من الخدر والمتعة، لم تكن اصوات الآلات متشابهة، كانت مختلفة بفم المهرج عنها بفم الموسيقار الكبير، قبل ان يغادر المسرح ، اتهمه المهرج انه لم يقلد صوت الآلات، وانه ربما كان يحمل مسجلا للصوت، وهنا كان لابد للموسيقار ان يعلن الحقيقة، اخواني ، اعزائي من الحاضرين، ساعلن لكم عن اسماء فرقتي الموسيقية المؤلفة من الاساتذة، وازاح الستارة وعدد اسماء الموسيقيين، ثم قال: هذا الفن وصوته يجب ان يكون سيد الموقف، وعلينا ان نحارب المهرجين، هذا صوت الموسيقى الحقيقي الذي يختلف عن ترهات هذا المهرج المسكين، فضج المسرح ثانية بالتصفيق وانتصرت الموسيقى في نهاية المطاف.