23 ديسمبر، 2024 6:04 ص

الموساد.. التأسيس والانشطة

الموساد.. التأسيس والانشطة

أخطر ما في الحديث عن اجهزة المخابرات الشهيرة هو الغرق بشكل او بآخر في اجواء الاساطير والروايات البوليسية. ولا شك في ان صحفاً عربية عديدة غاصت في هذه الاجواء في حديثها عن جهاز المخابرات الاسرائيلي (الموساد).
ولا شك في ان اي صحافي عربي لا يلام في اهتمامه بالموساد، فهذا الجهاز يعمل بشكل اساسي جوهري ضد الاقطار العربية جميعاً، وضد العرب كلهم على اوسع مدى. وربما كان حالياً في مرحلة نشطة جداً.
غير ان معرفة العدو تخدم العدو، اذا كانت وهم معرفة وغير حقيقة. لذلك سنعمد بعيداً عن التصورات الى عرض نشاط الموساد مستندين بشكل اساسي الى تقارير صحفية عربية وعبرية وغربية، تناولت نشاطات وعمليات هذا الجهاز في اقطار عربية عدت مناهضة لوجود الكيان الاسرائيلي على ارض فلسطين المغتصبة.
ان الهيئة المسؤولة عن المخابرات والأمن في اسرائيل هي – فاعادات راشيت هشكيروتيم – اي لجنة قادة اجهزة المخابرات وهي التي تعرف عادة بـ – فعادات -. وهي التي تقوم بوضوح اهداف الانشطة المخابراتية لاسرائيل والتخطيط العام الرئيس للانشطة التي تحقق هذه الاهداف، كذلك التنسيق بين عمليات وأنشطة كل اجهزة الأمن والمخابرات.
وهناك جهاز – موسادليتا فكيديم ميوشاديم – المعروف بالموساد، وهو جهاز الاستخبارات السرية، والمسؤول عن العمليات في الخارج، ويرتبط برئيس الوزراء.
وجهاز – شيروت بيت شين كلالي – اي مكافحة التجسس والأمن الداخلي، وهو يعرف شعبياً بأسم – شين بيت -، ومسؤوليته هي مكافحة الجاسوسية والأمن الداخلي، ويرتبط ايضاً برئيس الوزراء.
بالاضافة الى جهاز – اجاف مودعين- اي الاستحبارات العسكرية، ومهمته الاساسية، الاستخبارات العسكرية الاستراتيجية والاستخبارات الالكترونية، وهو خاضع لقيادة اركان الجيش الاسرائيلي.
كما تزود وزارة الخارجية، اجهزة الأمن والمخابرات الاسرائيلية، وتساعدها في مجال المعلومات والبحوث والتخطيط السياسي من خلال قنواتها الدبلوماسية، كذلك تساعد وزارة الداخلية – الشرطة- في التحقيقات، والحفاظ على أمن الحدود.
وتعود جذور التكوين الحالي لأجهزة المخابرات الاسرائيلية، الى وحدة المخابرات والأمن التي عرفت بأسم –شيروت يديوت- وحدة المعلومات، واطلق عليها شعبياً اسم – شاي- .
لقد كانت هذه الوحدة، فرع المخابرات في قوات المقاومة الصهيونية – الهاغانا- في سنوات الانتداب البريطاني، وقد بدأت عملياتها على نطاق عالمي مع انشاء الوكالة اليهودية عام 1929، في مؤتمر زوريخ الصهيوني في سوسرا.
لقد كانت حركة – شاي – مكونة كما يأتي:
جهاز الاستخبارات السياسية، ويدعى بالعبرية – مخلقيت لاينيت-.
جهاز مكافحة التجسس والأمن الداخلي – شيرون بيتاشون كلالي-.
جهاز الاستخبارات العسكرية – شيروت مودعين-.
فرع شرطة الاستخبارات العسكرية – شيروت مودعين شيف ميت ارتسي-.
جهاز الاستخبارات وأمن البحرية- شيروت مودعين في بيتا كون كوحوف حايام-.
في نيسان/ 1951، ذعر الوزير الاول الاسرائيلي ومعاونوه في مكتبه من اجواء الحسد وعدم الثقة المتبادلة التي كانت سائدة في هذه الاجهزة، ومن زيادة النفقات التي كانت تدفع على انشطة هذه الاجهزة غير المنسقة في ما بينها. فقرر اعادة تكوين مجموعة الاستخبارات الاسرائيلية كلها والقوة الديناميكية التي اعادت تنظيم هذه الاجهزة والمسؤوليات فيها، وأنشأت آلية تنسيق بين نشاطاتها، تمثلت في شخص لافين شلواح، وقد كان شلواح رئيس سلطة الاستخبارات الاسرائيلية التي هي لجنة رؤوساء الاجهزة – فعادات راشيت هشكيروتيم – الذي يدعي – فعادات- فدمج بين جهاز الاستخبارات، وأمن البحرية، ونواة جهاز الاستخبارات الجوي في جهاز واحد هو – اغاف مودعين – الاستخبارات العسكرية. وجعل جهاز الاستخبارات السياسية مستقلاً عن وزارة الشؤون الخارجية، وحوّله الى جهاز استخبارات سرية – موساد ليتافكيديم فيوشاديم – المعروف بالموساد. في حين استبقت وزارة الخارجية على فرع التقصيات – ما شكيليت هاكيكير – ولم يمس شيلواح بجهاز – شين بيت – الافي تعديلات داخلية اجراها فيه فأصبح فرع – المهمات الخاصة- وقد ادت اعادة التنظيم التي قام بها شلواح الى مجموعة استخبارات فعالية وجيدة التنسيق في ما بينها.
وحافظت اجهزة الاستخبارات والأمن الاسرائيلية على بنيتها التي لم تتبدل الا نسبياً خلال الحروب العربية- الاسرائيلية 1956، 1967، 1973، 1982….
الهيكل التنظيمي المركزي في اجهزة المخابرات الاسرائيلية هو – فعادات – ومهمته الاولى هي التنسيق بين انشطة الاستخبارات والأمن داخل البلاد وخارجها، ويضم – فعادات – مدير الموساد ومدير الاستخبارات العسكرية ومدير شين بيت والمفتش العام للشرطة ومدير عام وزارة الخارجية ومستشارين سياسيين وعسكريين في شؤون الاستخبارات ومكافحة الارهاب يعملون في دوائر رئاسة الوزراء. اما قائد فرقة العمليات الخاصة في دائرة التقصيات التابعة للشرطة، فانه يحضر من وقت الى آخر اجتماعات – فعادات- نائباً عن مفتش عام الشرطة او برفقته.
وتعقد اجتماعات – فعادات- الدورية، كل خمسة عشر يوماً، غير انه من الممكن عقدها خلال فترة زمنية أقصر. وفي هذه الاجتماعات يقدم كل مدير تقريراً عن نشاطات جهازه الرئيسية خلال الاسبوعين المنصرمين.
يترأس اجتماع – فعادات – مدير الموساد بصفته الشخصية وبصفته مسؤلاً مباشراً امام رئيس الوزراء، غير ان اعضاء الهيئة متساوون من الناحية الادارية والقانونية ولا يطلق اسم – ميمون- على مدير الموساد الا للاشارة على ان لقب الرئيس الذي يمنح له ليس الا للدلالة على اولوية معنوية له بالنسبة الى اقرانه الآخرين. والواقع ان مدير الاستخبارات العسكرية يفوق حالياً مدير الموساد قوة واهميته، والأمر يعود الى ارتهان بقاء اسرائيل لمدى استعدادتها وقدراتها العسكرية.
مهمة الموساد، هي جمع المعلومات من الخارج وقيادة عمليات تدخل سرية خارج اسرائيل. اما –شين بيت- فهو المسؤول عن مكافحة التجسس والأمن الداخلي، ولا يملك – شين بيت- صلاحية توقيف احد الناس، فهذه المهمة يتولاها فرع المهمات الخاصة الذي يعمل بتعاون وثيق مع – شين بيت- داحل اسرائيل.
اما الاستخبارات العسكرية فهي بالاضافة الى مسؤولياتها في الاستخبارات الاستراتيجية والتكتيكية ، تعد تقارير عامة عن مهمات الاستخبارات وتقويم كل المعلومات المتعلقة بالعرب.
ومن مسؤولياتها ايضاً، تطور وحماية الرموز والشيفرة في اتصالات الاجهزة في ما بينها، ولوزارة الخارجية وفي الاتصالات السرية، ومركز الابحاث والتخطيط السياسي الذي كان تابعاً لدائرة الابحاث في وزارة الخارجية، تحلل المعلومات الخام التي ترد من مختلف الاجهزة ويقدم تقريراً بها الى كبار المسؤولين في الدولة.
والمقاييس المهنية التي تتبعها اجهزة المخابرات الاسرائيلية في اختيار عناصرها، تتجسد في ثلاثة: النزاهة، الفعالية، الأمن.
في ما يتعلق بالنزاهة، يلاحظ ان هناك فرقاً ضئيلاً في اجوء عناصر المخابرات، بين العامل البسيط والموظف الذي أعلى رتبة منه. وقد أدى هذا الفارق الضئيل الى منح الكبار مكافآت تعويضية وامتيازات، مثل نفقات المهمات، وحق شراء السلع من الخارج واداخلها الى البلاد دون ضرائب بطرق ملتوية وما يدعى في اسرائيل – بروتكتيا – والكلمة تعني الحصول على ادوات ومسكن وامتيازات باثمان بخسة وبوساطة جهات حكومية نافذة.
وعن الفعالية، ان اجهزة المخابرات العسكرية هي من افضل الاجهزة في العالم. الفريق العامل فيها يملك الخبرة والتقنيات المتطورة التي جعلت منه فعالاً للغاية وقادراً على تنظيم وحماية وتقويم المعلومات التي تتوافر عبر العملاء.
والعاملون في هذه المخابرات من الجيل القديم يتكلمون احياناً اربع او خمس لغات، اما الجيل الثاني فقد تم تدريبه بشكل مكثف بما في ذلك الدراسة في الخارج والمساعدة على امتلاك مؤهلات وقدرات. ومن المألوف ان ينخرط طلاب اسرائيليون في عمليات سرية.
وقد كان التجسس الالكتروني سابقاً ضد العرب في مستوى من النجاح الى حد ان الاسرائيليين كانوا أقل حاجة منهم الآن الى عمليات مدروسة ينفذها عملاء قادرون وقد كان هذا النجاح عائداً في جزء منه الى الوضع الأمني السيء في اجهزة الاتصال العربية.
ويواجه الاسرائيليون اليوم مشكلة تحسن الاتصالات العربية يوماً بعد آخر. وقد كان فشل استخباراتهم في حرب تشرين – يوم الغفران- نموذجاً لتقصير استخباراتهم الالكترونية في تلك الفترة.
ووفق بعض الدلائل تمر الاستخبارات الاسرائيلية عن العرب في السنوات الأخيرة بفترة عدم نجاح. فقد فشلت عمليات عديدة نفذها عملاء اسرائيليون ضد العرب. وأحد مكامن الضعف في الاستخبارات الاسرائيلية، هو ان التقارير النهائية عن نشاط الاستخبارات واعداد الخلاصات تتم على يد جها الاستخبارات العسكرية لا عبر جهاز مستقل.
وفي ما يتعلق بالأمن، فأن حوالي –كذا- شخص يعملون – للموساد وشين بيت- وقد اجريت حول هؤلاء تحقيقات امنية معمقة وعلى فترة طويلة، فاذا حام ادنى شك حول احد الاشخاص يرفض طلبه ولا تمنح الاجهزة ثقتها عادة لكل من يشير ملفه الى يساريه متطرفة معينة. غير ان هذه المعاملة لا تطبق على اعضاء قدماء في احزاب شيوعية اوروبية، فمن بين هؤلاء اشخاص يملكون مؤهلات ممتازة للعمل السري خصوصاً اذا ما تخلوا عن ايديولوجيتهم الشيوعية وانتموا الى حزب العمل الاسرائيلي.
المعلومات السسرية تحظر مناقشتها في اتصال هاتفي، غير ان الضباط الاسرائيليين، على الرغم من مستوى حرصهم الامين لا يتقيدون دائما بهذا الحذر. والعاملون في الاستحبارات الاسرائيلية يتصلون بشبكة من الرفاق القدماء على غرار ما يحدث في اجهزة المخابرات البريطانية، وهؤلاء القدماء لا يمانعون في الحديث عن امور باتت غير سرية حتى وان كان محدثهم غير مؤهل للحصول على معلومات من هذا القبيل. ويعاني الاسرائيليون ايضاً من مشاكل مع اليهود في الخارج، فهم يحتاجون الى حدمات هؤلاء اليهود، غير انهم لا يثقون بهم تماماً، لانهم يعتبرون فردوجي الولاء.
وبوجه عام يجري اعداد بيانات احصائية بالعديد البشري ثلاث مرات كل سنة، ويتولى كومبيوتر اعداد لائحة فالوثائق السرية في كل وحدة، اربع مرات في السنة. ويذكر ان اليهود الوافدين الى اسرائيل من الاتحاد السوفيتي السابق وبلدان اوروبا الشرقية، تحجب عنهم المعلومات المصنفة سرية حتى اربع او خمس سنوات على الاقل بعد اقامتهم في اسرائيل.
يتكون الموساد من ثمانية اقسام او دوائر:
التخطيط وتنسيق العمليات.
جمع المعلومات.
العمل السياسي والاتصالات.
شؤون الافراد والمالية والتحركات والأمن.
التدريب.
العمليات التقنية.
التكنولوجيا- جمع المعلومات العلمية من الولايات المتحدة والدول المتطورة، وهو احد اهداف الاستخبارات الاسرائيلية.
تعتبر الموساد، المسؤول الاول عن النشاط الخارجي سواء في مجال جمع المعلومات او القيام بالعمليات الخاصة، ولا يقتصر نشاطها على الاهداف العربية داخل وخارج المنطقة العربية بل ضد بعض الدول الاجنبية ايضاً، بل والصديقة لاسرائيل مثل الولايات المتحدة، كما ثبت من كشف قضية تجسس جوناثان بولارد، العميل الاسرائيلي داخل المخابرات البحرية الامريكية. لذلك يمكن القول، ان نشاط الموساد في العمل ضد المصالح العربية قد شمل رقعة العالم بأسره، وهي تتابع ليس فقط الانشطة العسكرية العربية في العالم بل والسياسية والاقتصادية ايضاً.
وقد تعددت انشطتها في مجالات جمع المعلومات وفي العمليات التخريبية الخاصة ضد المصالح العربية، وافساد علاقات الدول العربية السياسية والاقتصادية مع باقي دول العالم، هذا الى جانب التحريض على اثارة القلاقل والاضطرابات الطائفية والعرقية بين الاقليات في الوطن العربي بهدف خلق المشاكل للحكومات العربية واثارة النزاعات بين الدول العربية من خلال بث عوامل عدم الثقة بين العرب بعضهم البعض.
وما جرى ويجري في لبنان وجنوب السودان والعراق والسنغال وموريتانيا ومصر وسوريا… وغيرها من المناطق دليل واضح على انشطة الموساد، بل ويعتبر عملية هجرة اليهود السوفييت (الروس) الواسعة الى اسرائيل على هذا النطاق الواسع، احدى ثمار انشطة هذا الجهاز المخابراتي الخطير.
واما دائرة جمع المعلومات، فمهمتها تنفيذ العمليات السرية في الخارج واعداد تقارير من مصادر سرية، وهي اهم دائرة في الموساد ولها مكاتب عدة خارج اسرائيل تحت ستار بعثات دبلوماسية وتغطيات اخرى غير رسمية، وهي ناشطة بشكل خاص في اوروبا حيث تركز جهودها على اهداف عربية، وذلك عبر بلد آخر على علاقة باسرائيل والعرب.
ويعتبر قسم العمل السياسي والاتصالات مسؤولاً عن العمل السياسي والعلاقات مع اجهزة المخابرات الاجنبية الصديقة. ويتمتع هذا القسم بصلات وثيقة ليس فقط بأجهزة المخابرات الاجنبية بل مع المجموعات السياسية ذات النفوذ في معظم بلدان العالم حتى تلك التي ليست لها علاقة دبلوماسية عادية مع اسرائيل مثل بعض الدول الافريقية والاسيوية – اندونيسيا، الهند، سريلانكا والاخيرتين بهدف اساسي هو افشال البرنامج النووي الباكستاني.
وداخل قسم العمل السياسي والاتصالات يوجد قسم فرعي هو قسم الحرب النفسية والعمليات الخاصة الذي يقوم بالعمليات السرية للغاية، ضد المصالح العربية في مختلف انحاء العالم مثل عمليات زرع الجواسيس.
وتعتبر عملية زرع الجاسوس الاسرائيلي – الياهو بن شاؤول كوهين- في سوريا في الستينات والذي كشفت عنه اجهزة الامن السورية واعدم في أيار 1965، من ابرز عمليات الموساد في هذا المجال، كما قامت الموساد بعمليات ضد النازيين السابقين، ابرزها القبض على ايخمان ومشروعات الحرب النفسية والدعاية السوداء.
ولهذا القسم، اقسام فرعية او محاور تغطي معظم مناطق العالم وتشمل امريكا الوسطى، امريكا الجنوبية والبحر الابيض المتوسط واوروبا الغربية، وامريكا الشمالية. وهناك ايضاً محاور فرعية داخل هذا القسم لكل بلد عربي. ويمثل هذه الاقسام الفرعية في الخارج مكاتب وفروع لها في كل بلد سواء تحت ستار دبلوماسي اسرائيلي او اجنبي في حالة عدم وجود تبادل تمثيل دبلوماسي بين اسرائيل والدولة المعنية او تحت ستار تجاري او ثقافي.
ومحطات الموساد في الخارج منتشرة في معظم عواصم العالم وتتراوح عمليات هذه المحطات بين تبادل المعلومات مع اجهزة مخابرات الدول المضيفة لها بشكل رسمي او من خلال القيام بعمليات خاصة من جانب واحد خاصة تلك التي تنفذ ضد المنشآت والاهداف والشخصيات العربية في الخارج.
ومن انشطة مكاتب الموساد في الخارج، تلك المتواجدة في بلدان محيطة بالوطن العربي، مثل تركيا وايران واثيوبيا واسبانيا وتتواجد اما في السفارات والقنصليات الاسرائيلية او تحت ستار بعثات المشتريات ومكاتب السياحة وشركة العال للطيران وشركة –زيم- للملاحة وشركات البناء والمجموعات الصناعية الاسرائيلية ومنظمات التجارة الدولية او من داخل الشركات والمؤسسات الاجنبية متعددة الجنسيات التي لها انشطة في الوطن العربي. كما تعتبر الامم المتحدة من الاهداف الكبيرة التي تتغلغل فيها الموساد، فمن خلالها تقوم عمليات التبادل الدولية الكبرى في المعلومات والانشطة السرية الخاصة في مجالات عديدة، ويتحرك عملاء الموساد في مؤسسات واجهزة الامم المتحدة تحت ستار دبلوماسي وصحفي.
وللموساد علاقات مع عديد من اجهزة أمن ومخابرات دول العالم، وفي معظم الحالات تكون فقط الاتصال في العواصم الاجنبية، هذا رغم ان بعض اجهزة المخابرات في دول معينة تصر على ان يكون الاتصال في اسرائيل ذاتها. وتتم الاتصالات حالياً بين الموساد واجهزة المخابرات الخارجية من خلال عضوية اسرائيل في مجموعة –كيلواوات- وهي التنظيم الذي يكافح ما يطلق عليه – الارهاب العربي – ويضم المانيا وبلجيكا وايطاليا وبريطانيا ولوكمسبرغ وهولندا وسويسرا والدانمارك وفرنسا وكندا وايرلندا والسويد والنروج بالاضافة الى اسرائيل.
هذا الى جانب علاقة الموساد القوية باجهزة مخابرات اسبانيا والبرتغال والنمسا. كما يذل الاسرائيليون جهوداً كبيرة لتأسيس علاقات رسمية من خلال تشكيل منظمة – ترايدنت- بواسطة الموساد مع جهاز الامن القومي التركي – التنس TNSS – والمنظمة القومية للأمن والمخابرات في ايران – السافاك- في زمن الشاه ويتضمن ااتفاق منظمة- ترايدنت- التبادل المستمر للمعلومات بالاضافة الى اجتماعات شبه سنوية على مستوى رئاسة جهاز المخابرات، هذا فضلاً عن تبادل المعلومات حول الانشطة العربية السياسية والعسكرية والاقتصادية والتعاون القتالي بين اسرائيل وهذه الدول في المجالات المختلفة التي يتعذر على هذه الدول الاعلان عنها والكشف عن انشطة اجهزة المخابرات العربية، كما يقوم الموساد بتدريب وتجهيز واعداد اجهزة مخابرات كل من ايران وتركيا في مجالات المخابرات والمخابرات المضادة والتجسس والنواحي التقنية الحديثة.
وتختلف علاقات الموساد مع البلدان الافريقية من بلد لآخر باختلاف الظروف والاوضاع السياسية، ولقد كان لنشاط الموساد في افريقيا يتم عادة تحت ستار تدريب قادة افريقيا الجدد او المنتظرين، وكذلك تدريب وتنظيم اجهزة مخابرات وشرطة هذه البلدان ومبيعات السلاح وبرامج المساعدات والتنمية، كما نجحت ايضاً في التسلسل الى منظمة الاتحاد الافريقي( الوحدة الافريقية سابقا ) فيما بعد، وكان نشاط الموساد خلف استعادة اسرائيل لعلاقاتها مع البلدان الافريقية.
واخيراً، للموساد محطة قوية ونشاط واسع مع كل من كينيا وزائير وليبريا ونيجيريا واثيوبيا وغانا، بالاضافة لنشاطهم الواسع مع دول جنوب افريقيا خاصة آبان حربها ضد دول المواجهة الافريقية، لا سيما انغولا.
اما في امريكا اللاتينية، فقد كان للموساد نشاط واسع عبر سنوات طويلة خاصة في مطاردة النازيين، وتعتبر عملية خطف ادولف ايخمان الزعيم النازي السابق وغيره من الضباط النازيين من ابرز عملياتهم في امريكا اللاتينية.
كما تركزت معظم علاقاتهم في بلدان هذه المنطقة في مجالات التدريب والعمليات المضادة للارهاب، كما يعتبر متابعة العلاقات العسكرية العربية مع كل من البرازيل والارجنتين من اكثر المهام التي تركز عليها الموساد منذ النصف الثاني من عقد الثمانينات ، حيث كشفت عن مشروع التعاون المصري العراقي المشترك مع الارجنتين في مجال تطوير الصاروخ – كوندور 2000/ العابد- .
ويحتفظ الموساد بعلاقات قوية مع مخابرات المكسيك ونيكارغوا وكوستاريكا وبنما والدومينكان وفنزويلا وكولومبيا والاكوادور وبيرو. وتعتبر كاركاس عاصمة فنزويلا هي المحطة الاقليمية لشمال وغرب ووسط امريكا اللاتينية.
وفي آسيا، نشطت الموساد لفترة طويلة في العمل مع حكومة الصين الوطنية في مجالات تبادل المعلومات والتدريب، ولها علاقات قوية مع محابرات اليابان وتايلاند واندونيسيا وكوريا الجنوبية خاصة في مجال مكافحة الارهاب.
وتعتبر سنغافورة اكبر محطة اقليمية للموساد الاسرائيلي في آسيا، حيث يختلط عملها بالانشطة التجارية مع الدول المجاورة. اما مع اندونيسيا، فعلاقات الموساد بها سرية وحذر وتتم من خلال تمثل الموساد في سنغافورة.
وتعتبر متابعة النشاط النووي الباكستاني من ابرز مهام الموساد في آسيا، لذلك كشفت عن انشطتها مع الدول الآسيوية المجاورة لباكستان، وهي الهند وسريلانكا، حيث تتعاون مع كليهما في مجالات مكافحة الارهاب وتدريب عناصر المخابرات، كما كشف في عام 1987، عن محطط لتوجيه هجمة جوية اسرائيلية من مطار في سريلانكا ضد المفاعل النووي الباكستاني في كاهوتا.
ليس سهلاً ان تجمع بين النتائج الايجابية والسلبية التي حققتها الهيئات الاستحباراتية الاسرائيلية وفي العالم خلال سنوات نشاطاتها، فهذه السنوات كانت مليئة بالمتغيرات والصراعات السياسية والنزاعات والحروب الاقليمية في مختلف القارات.
وهناك عدة اسباب تجعل هذه المهمة صعبة اولاً، لأن جانباً من المعلومات فقط هو ما يقع في متناول يدنا، وهذه المعلومات ضئيلة جداً حيث ان الموضوع متعلق بمنظمات سرية تعمل في الاغلب في الخفاء. اما السبب الثاني فهو ان الاعمال الاستخباراتية تظهر على الملأ عند حدوث اي خطأ او فشل. وهذه هي مأساة الهيئة الاستخباراتية في اسرائيل التي حققت نجاحاً كبيراً. كما ان الافاً من الاشخاص مدينون لها بحياتهم، وكثير من المعارك والحروب انتهت بصورة مرضية بفضل العمل الدقيق الذي كان يؤديه آلاف المسؤولين من رجال الاستخبارات متزينيين بملابسهم الرسمية او متنكرين في ازياء اخرى. واذا ما اخذنا في الحسبان عمليات التصفية ومنع النشاط التخريبي في اسرائيل خلال السنوات الماضية والعمليات التي نفذت بصورة ناجحة بواسطة مصلحة الأمن العام لأمكننا الحصول على صورة عن الافراد الذين افقدتهم حياتهم بفضل هذا العمل الناجح.
وهذا ليس قاصراً على انجازات القوات المسلحة الاسرائيلية التي نعرف عنها الكثير. وهذه الانجازات تنتشر على الملأ في وسائل الاعلام وبالتفصيل بل انها تتضمن شيئاً من المبالغة في بعض الاحيان، كما ظهر في البومات حرب الايام الستة 5/ حزيران/ 1967، والفترة التي جاءت بعدها وخلال الحرب الاستنزافية.
ان هذا الوصف لا يطغى على بعض الاخفاقات وحسب ولكنه يدفع وسائل الاعلام الى تجاهل العيوب والاخفاقات. ومع ذلك فنحن لا نعرف شيئاً عن الانجازات الاستخباراتية، وهذا ما كان ينبغي حدوثه منذ البداية لانه اذا اعلن عن تلك الانجازات فلن تكون تلك استخبارات ناجحة. وبهذه الطريقة نجد ان صورة الاستخبارات في اسرائيل وفي الخارج تبدو غامضة. وبالاضافة الى ذلك نجد ان الجهود ووسائل الاعلام يهاجمون المثالب كلها بل ويضخمونها.
ان هذه الظاهرة قد تكون ذات أثر نفسي عميق، لأن الأمر يتعلق بمجموعة من الطالحين يقومون بالسيء من الاعمال والتي لا تروق للصالحين.
تتولى الموساد – كما أسلفنا- ادارة عمليات الاستخبارات الاسرائيلية في الخارج باستثناء عمليات تنطلق من اسرائيل ضد اهداف عسكرية في البلدان العربية المحيطة، وهي عمليات توكل الى ادارة الاستخبارات العسكرية. وعمليات الموساد في الخارج على نوعين، تلك التي تنفذ في الشرق الادنى باعتباره خط الدفاع الاول وتلك التي تنفذ خارجه، وقد اختار الاسرائيليون مصر كهدف رئيسي لشبكات استخباراتهم، حتى ان نصف جهدهم العملياتي كان ضد مصر عام 1970، وفق تقديراتهم، وتأتي بعد مصر سورية، واكثر عمليات الموساد في الشرق الادنى يتم بتغطية غير رسمية وبواسطة عملاء غير شرعيين، اي غير ديبلوماسيين او بواسطة عرب جرى توظيفهم في البلد الذي اختيروا للعمل فيه. وقضيتا كوهين ولودج نموذجان لعمليات تمت بتغطية غير رسمية.

* الياهو بن كوهين
كان كوهين يهودياً مصرياً شارك في عمليات تخريب اسرائيلية ضد اهداف امريكية وبريطانية في مصر عام 1952، وقد تمكن كوهين من اخفاء امره في حين ان المصريين اكتشفوا اعضاء مجموعته واوقفوهم، فقدم كوهين بعد ذلك الى اسرائيل، وبعد تلك الفترة اختارت الموساد كوهين لتنفيذ عمليات بتغطية غير رسمية من اجل تطوير شبكات استخباراتها والحصول على معلومات سياسية وعسكرية من داخل سورية. ولقد تلقى لهذه الغاية تدريباً كثيفاً، واختيار اسماً آخر هو كامل امين ثابت، وزعم انه مهاجر سوري في الارجنتين، واصبح عضواً ناشطاً في الجالية العراقية المهاجرة. وبعد ذلك قدم كوهين الى سورية حيث عمل بمساعدة عربيين عميلين للمخابرات الاسرائيلية، وقد كان ناشطاً في دمشق من عام 1961 حتى عام 1965، حين حدد السوريون موقعه وهو يجري اتصالات لاسلكية مع تل ابيب، وأحد اسباب وقوعه في ايدي السلطات السورية، كان اعتماده طريقة اللاتصال اللاسلكية القديمة برموز مورس، وعلى مدى ساعة كاملة دون انقطاع. وقد اصدرت محكمة سورية حكماً باعدامه، ونفذ الحكم في ايار/ 1965.

* جوهان ولنغانغ لودج
اما لودج، عرف ايضاً باسم زيف غور آرييه، فقد كان ضابطاً في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية. وفي عام 1955، خلال اجتماع للقيادة –فعادات- قال مدير الموساد انه بحاجة الى رجل غير شرعي للعمل في القاهرة تحت ستار ضابط نازي قديم، وقبل لودج هذه المهمة التي كانت موجهة ضد تطوير المصريين لأسلحة خاصة على يد علماء المان في مصر.
و تلقى تدريباً كثيفاً في اسرائيل اشتمل على دروس في الفروسية ثم قدم عام 1960، الى المانيا حيث اقصى فترة بصفة لاجئ من اوروبا الشرقية وضابط قديم في جيش افريقيا. ومع انه كان متزوجاً وكانت زوجته في اسرائيل فقد تزوج امرأة المانية حتى تسير الخدعة كاملة، وسافر عام 1961، الى القاهرة حيث افتتح نادياً للفروسية.
وعبر نشاطاته في هذا النادي اقام لودج اتصالات عدة بافراد من الجالية الالمانية في القاهرة وتعرف الى مصريين ذوي شأن وقام برحلات عدة بين القاهرة واوروبا الغربية لتمرير بعض التقارير ثم انتهى به الامر الى حد توجيه رسائل تهديد لخبراء ألمان يعملون في مصر فوقع في قبضة المصريين عام 1965، وسجن في مصر حتى عام 1968، حين اطلق سراحه، وعاد الى اسرائيل.
وقد تبين ان المصريين جعلوه يقر بمعلوماته كلها ولو لم يحاول اغتيال بعض الالمان لربما ظل امره غير مفضوح. ويقول الاسرائيليون ان لودج كلفهم يومذاك مئتين وخمسين الف دولار.

* مكاتب الموساد في الخارج
اغلب مكاتب الموساد في الخارج هي اجمالاً بتغطية دبلوماسية داخل السفارات والقنصليات الاسرائيلية وفيها يتم جمع المعلومات على يد دائرة العمل السياسي والاتصال ودائرة جمع المعلومات وهما دائرتان منفصلتان الواحدة عن الاخرى وتصب معلومات كل منهما في ارشيف القيادة العامة، ولكل دائرة في الموساد موظفوها في الخارج في المكاتب الرئيسية. فهنالك مثلاً مكتبان للموساد في باريس لكل منهما دائرة اختصاصه، وفي حال وجود مكتب واحد يخصص فريق منه لجمع المعلومات السرية والآخر للاتصال. مثلاً- للاسرائيلين في باريس سفارة وقنصلية عامة وبعثة لدى وزراة الدفاع الفرنسية. وتحت غطاء السفارة مثلاً توظيف الموساد مراقباً اقليمياً تابعاً لدائرة جمع المعلومات ومراقباً اقليمياً تابعاً لدائرة العمل السياسي والاتصال في العاصمة الفرنسية التي ظلت على مدى سنوات محور نشاطات الاستخبارات الاسرائيلية في القارة الاوروبية. ومن المحتمل ان يكون للموساد جهاز تابع لدائرة جمع المعلومات في اسبانيا، والمعروف ان –باروش آشر كوهين- وهو أحد ضباط الموساد قتل في مدريد عام 1973 على ايدي بعض العرب.
وتقوم الموساد بعمليات في الخارج بقرار من قياداتها العامة في اسرائيل وبواسطة ضباط وعملاء يستخدمون بشكل دائم او مؤقت.
في تموز 1973 مثلاً، افتضح أمر تورط فريق عملاء اسرائيلي يضم (16) شخصاً في مقتل مهاجر عربي مغربي في مدينة ليلهامر في النروج، وقد اعتقلت السلطات النرويجية ستة من اعضاء المجموعة وتمكن الآخرون من الهرب، وخلال المحاكمة تبين ان المجموعة كانت مؤلفة من ضباط اسرائيليين من الموساد ويهود اوربيين اختيروا لتنفيذ هذه المهمة، وان العملية اعدت في باريس، فمن هناك دخل المنفذون الى النروج لغاية محددة – تصفية ارهابيين عرب- وبعد وقوع الجريمة لجأ شخصان من المجموعة الى ضباط أمن في السفارة الاسرائيلية وقد طلب النروجيون من هذا الضابط مغادرة البلاد.
لقد تمكن الموساد منذ سنوات من اقامة علاقات مع شخصيات بارزة وادارات حكومية في مختلف البلدان التي تهم الى هذا الحد او ذاك اسرائيل والمؤسسات التي تستخدمها الموساد كواجهة هي البعثات التجارية الاسرائيلية، السياحة الى اسرائيل، شركات النقل (العال وزيم)، وشركات مقاولات اسرائيلية، وشركات صناعية ومنظمات تجارية، وعلى الرغم من الحيطة البعيدة يتعرض رجالها غالباً للفشل، وهناك حالات عدة افتضح فيها أمر تطويع يهود امريكان بل ان المدعوين الى العمل مع الموساد ابلغوا الأمر احياناً الى السلطات الامريكية.
وتشكل الامم المتحدة هدفاً اساسياً لتغلغل الموساد، فهي اطار ممتاز للاتصالات الدولية وموضع اهتمام اسرائيلي، لانها المؤسسة التي قد تغنى بتسوية النزاع العربي- الاسرائيلي، وينشط عملاء الموساد في الامم المتحدة بصفة ديبلوماسية او صحافيين.
والموساد حذرة جداً في عملياتها داخل دول اوروبا، وهي عمليات تستدعي تدريباً طويل المدى ومراقبة صارمة، ولهذا خصص لهذه المنطقة مكتب خاص يقرر العملية ويديرها.
للأسف، ان بعضاً من العرب ارتضوا العمل للموساد لقاء مبالغ معينة من المال سواء مباشرة او بشكل غير مباشر، غير ان الاسرائيليين لا يعتبرون مخبريهم العرب من اهل الثقة، ولذلك يؤثرون التعامل مع فلسطين لا تزال لهم حسابات في المصارف الاسرائيلية مجمدة منذ عام 1948، وقد افرج عن بعض هذه الحسابات لقاء معلومات معينة وفرها اصحابها للاجهزة الاسرائيلية.
والعامل الأهم في اجتذاب عميل عربي هو المال، غير ان الاسرائيليين يلجأون الى استغلال ثغرات اخرى مثل الصراعات والتناقضات والانشقاقات السياسية، غير ان نجاح الاسرائيليين كان غالباً عبر تجنيد عملاء لهم تحت ستار جهاز مخابرات غير اسرائيلي مزيف.
فقد اتصلوا غالباً ببعض المواطنين في اوروبا مدعين انهم – اي الاسرائيليون – يعملون لصالح جهاز مخابرات تابع لحلف شمال الاطلسي، وانهم بحاجة الى عملاء لتنفيذ عمليات معينة ضد البلدان العربية.
وهناك عملاء للموساد انتقلوا الى العمل ضد اسرائيل، مثل بعض اليهود الاوروبيين الذين عملوا لاحقاً لصالح المخابرات المصرية، وهؤلاء تتبعهم عادة المخابرات الاسرائيلية او تجتذبهم الى اسرائيل من اجل محاكمتهم بشكل سري، وغالباً ما تصدر بحقهم احكام تتراوح بين عشر واربع عشرة سنة او احكام بالسجن المؤبد.

* ايلي كوهين البعثي
على الرغم من أن اسرائيل جندت منذ قيامها وحتى يومنا هذا عدداً كبيراً من العملاء السريين الذين عملوا في مجال التجسس في دول العالم وخاصة في الدول العربية المعادية، فان الجاسوس اليهودي ايلي كوهين يعتبر بحق من اكبر واقدر هؤلاء العملاء السريين، وحتى ضباط الأمن الاسرائيليين الذين عرفوا كوهين وتعاملوا معه في حينه يؤكدون هذه الحقيقة وهي ان كوهين كبير الجواسيس الاسرائيلين في كل الأزمنة؟!
ومن الصعب تقدير حجم الدعم والمساعدة التي يقدمها جاسوس وحيد لأمن الدولة التي ارسلته للتجسس وراء الحدود، وبالنسبة لايلي كوهين كانت تلك المهمة السرية قاسية رغم كل الانجازات والنجاحات الأمنية التي حققها، فالخلافات والصراع السياسي في منتصف سنوات الستينات بين حزب البعث السوري وبين الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، والصراع الايديولوجي بين رؤساء ونشطاء البعث في دمشق وبغداد، كل هذه أدت الى تحويل كوهين في اليوم التالي لاعتقاله في دمشق الى ضحية الخلافات الداخلية في سوريا بصورة خاصة، والخلافات العربية بصورة عامة، فقد تم اعتقاله في الوقت الذي كانت تدور فيه في سوريا والوطن العربي خلافات وصراعات سياسية وايديولوجية حادة.
الصحافة العربية وبخاصة تلك التي تمولها اوساط مختلفة في الوطن العربي فقد استغلت فرصة قضية كوهين من اجل التشهير وتوجيه الانتقادات للزعامة السورية، وقد نشرت هذه الصحف قصصاً مختلفة عن عمق تسلل كوهين الى مراكز السلطة واوساط الزعامة في دمشق، وعن حجم الانجازات التي تمكن من تحقيقها والوصول اليها بفضل هؤلاء الذين فتحوا امامه كل الابواب، كما ان الصحافة الاجنبية نشرت الكثير عن المهام السرية التي قام بها كوهين في سوريا ووصوله الى مراكز رفيعة المستوى في الحكم، ومن خلال كل ما كتب عن كوهين في الصحافة العربية والاجنبية يمكن القول ان ما قدمه كوهين لأمن اسرائيل كان كبيراً جداً؟!
ولقد تحدثت الصحافة العربية والاجنبية عن الانجازات التي حققها كوهين فقالت: لقد كان كوهين عضواً في قيادة حزب البعث، وظهر في العديد من الاجتماعات والحملات الاعلامية والدعائية، وقام بجمع التبرعات المالية في الارجنتين لتمويل نشاطات الحزب، وكان مرشحاً لتولي منصب وزير في الحكومة، وكان صديقاً شخصياً للرئيس أمين الحافظ وقد تعرف عليه في الفترة التي عمل الحافظ فيها كملحق عسكري في الارجنتين حيث تم هناك زرع كوهين من قبل المخابرات الاسرائيلية كرجل اعمال، وأهدى زوجة أمين الحافظ في حينه معطف ثمين، وقد ارسله أمين الحافظ من دمشق لمراضاة رئيس الحكومة السورية صلاح البيطار الذي كان يعيش في المنفى في اريحا، وحاول كوهين اقناع البيطار بالعودة الى دمشق، وفي نهاية المطاف نجح في ذلك؟!
وانضم كوهين الى قائد القوات العربية المشتركة اللواء المصري علي علي عامر اثناء جولته التي قام بها في منطقة الحمة- مصب نهر الاردن – واقام في منزله حفلات فاخرة شارك فيها كبار الضباط السوريين على رأسهم وزير الدفاع اللواء ممدوح جابر ووزير الداخلية العقيد محمد خير بدوي ووزير الاقتصاد العقيد عبد الكريم الجندي وقائد القوات الخاصة والمظليين العقيد سليم حاطوم وغيرهم. وقد اعتاد كوهين خلال هذه الحفلات على التقاط الصور المثيرة الفاضحة لنساء وبنات الضباط والشخصيات السياسية رفيعة المستوى، واستخدم هذه الصورة للضغط على نساء الضباط الكبار وتهديدهن بتسليم هذه الصور لأزواجهن اذا لم يحصل منهن على معلومات عسكرية عن قادة الجيش والمسؤولين؟
وهنا يجب التفريق بين الحقيقة والخيال، والقول بحزم بأن كوهين لم يكن عضواً نشيطا في زعامة حزب البعث، لان مسؤوليه في اسرائيل اصدروا اليه امراً مشدداً للحفاظ على جواز سفره الارجنتيني، وعدم الحصول على الجنسية السورية، وذلك من خلال الرغبة في الدفاع عنه وحمايته وضمان حرية مغادرته لسوريا في حالة الخطر، وقد طلب من كوهين استمرار الحفاظ على مكانته كسائح ارجنتيني وعدم التأييد والتضامن مع هذا الجناح او ذاك في الزعامة السورية، وقد كانت هناك مخاوف من انه في حالة حدوث انقلاب عسكري فان كوهين او كما كان يعرف في سوريا “كامل امين ثابت” ان يجد نفسه متورطاً في خلافات مع الجناح الخصم في الزعامة السورية، ورغم الحذر الشديد الذي كان يبديه فقد اعتبره الكثيرون في دمشق بأنه رجل “أمين الحافظ”، لهذا فليس غريباً انه في اعقاب الكشف عن حقيقة كوهين “كامل أمين ثابت” كان “الحافظ” ورجاله الضحايا الرئيسيين لهذه القضية. فقد سقطت الحكومة، وتم طرد اكثر من ستين ضاطباً سورياً كبيراً من الخدمة، واعدام 17 ضابطاً سورياً آخر.
لقد خضع كوهين لتدريبات أمنية مكثفة في اسرائيل عشية تجنيده للعمل في مجال التجسس، ورغم التدريبات القاسية على استخدام السلاح التي تلقاها في اسرائيل فانه لم يستخدم السلاح ولو مرة واحدة طوال سنوات خدمته، فقد دخل كوهين الى سوريا بدون سلاح، ودخل اليها بجواز سفره الارجنتيني بصفة سائح، وقد تمكن من اقامة علاقات صداقة واسعة جدا داخل الجهازين السياسي والعسكري، وفي اعقاب اعتقاله ورغم التعذيب الوحشي والمعاناة القاسية الطويلة التي تعرض لها في زنازين المخابرات السورية، لم ينجح المحققون بالحصول على اعترافات خطيرة منه خاصة فيما يتعلق بمسؤوليه في اسرائيل، والجواسيس الآخرين الذين يعملون هنا وهناك لصالح اسرائيل.
ان دولة اسرائيل مدينة بالكثير لايلي كوهين في اعقاب كل ما قدمه من اجل أمنها ووجودها، لقد عرف كوهين بالاسم السري “سلمان” اما ارملته “نادية” فقد اطلقت عليه اسم “الملاك” وقد تميز بالخجل الشديد والهدوء التام حتى ان العديد من اصدقائه ومعارفه فوجئوا بحقيقة العمل السري الذي كان يقوم به في سوريا، ذلك أن أحداً منهم لم يكن يتوقع كل هذا.

* من هو كوهين؟
لقد ولد “ايلي كوهين” في العراق وهاجر الى فلسطين عام 1948 أبان الانتداب البريطاني، وكان من مؤسسي القسم العربي في البالماح، وهو القسم الذي تخصص باعداد الجواسيس وزرعهم هنا وهناك، وخلال سنوات عمله في هذا القسم حظي كوهين باحترام وتقدير زائد من جانب رؤسائه، وان احداً لم يستهن بخبراته وقدراته الامنية وذكائه ولم يوجه انتقاد واحد له، بل على العكس من ذلك فالكثيرين اثنوا على قدراته وخبرته الفائقة في هذا المجال الامني وعمل كوهين مدرباً أمنياً ناجحاً في مدرسة الجواسيس الذين اطلقوا عليهم اسم “المحاربين المجهولين”، وكان شعاره الدائم “في كل مكان تذهب اليه تصرف كأهل البيت تماماً حتى لا تثير انتباه الآخرين اليك”، وهذا الشعار تبناه كوهين ومارسه اينما ذهب.
وشارك كوهين بدوره كوماندو (قوات خاصة) مع العشرات من رجال البالماح اليهود خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وقد ارسل ومعه اكثر من ثلاثين يهودياً من اعضاء البالماح الى مصر لتلقي دورة الكوماندو هذه، وكان مقرراً ايفاد الخريجين من هذه الدورة للقيام بعمليات تخريبية خلف خطوط القوات النازية في منطقة الشرق الاوسط. ورغم التدريبات العسكرية القاسية في هذه الدورة “دورة الكوماندوز” فقد اعتاد كوهين على الجلوس في نادي الضباط لقراءة الكتب. وذات يوم اقترب منه قائد الدورة وهو كولونيل بريطاني وسأله: هل -صحيح انك يهودي؟ فأجاب كوهين بالايجاب. وتسأل لماذا طرح عليه الكولونيل البريطاني هذا السؤال.
عندها رد الكولونيل بقوله: اليهودي فقط هو الذي يجلس في النادي ويقرأ الكتب في الوقت الذي يقوم فيه رفاقه بالدورة بتناول كميات كبيرة من البيرة. وأضاف الكولونيل: اذا كنت غير راغب في التخبط… أغلق كتابك وانهض لتنضيم الى رفاقك وعلى فكرة، هذا ليس أمر وانما هو نصيحة واحرس على عدم السكر.
ان نصيحة الكولونيل البريطاني تطابق تماماً الاقوال التي سمعها كوهين من “غئال آلون” الذي كان قائد في البالماح.
ففي تلك الفترة اجتمع “آلون” مع جميع المرشحين لدورة الكوماندو في مصر التي كان قد أعدها الجيش البريطاني وقال لهم: أود هنا التطرق الى موضوع حساس وهام وهو موضوع النساء، فجميعكم لستم قاصرين، وأنا اعتمد عليكم. وأنا لا استطيع حرمانكم من الملذات ولكن يتعين عليكم كبح جماح رغباتكم، لأن اختلاطكم الزائد بالنساء قد يؤدي الى الكشف عنكم وعن المهام الموكولة اليكم، ولا تنسوا ان العدو يمكن ان يلجأ الى استخدام النساء لأغراض التجسس.
وفي النظرة الى الوراء تبرز صورة كوهين اليوم ايضاً كأحد أحسن الجواسيس السريين الذي عملوا في خدمة اسرائيل، وعلى الرغم من ان قسماً من التفاصيل التي نشرت في الصحافة العربية والاجنبية عنه كانت مبالغ فيها، إلا أنه يظل من أكفأ وأقدر الجواسيس الاسرائيليين على الاطلاق.
لقد عمل كوهين في سوريا مدة ثلاث سنوات متتالية، ونقل الى اسرائيل معلومات وتقارير أمنية دقيقة وهامة جداً، وقد اعتاد على ارسال وبث تقاريره الأمنية باللغة الفرنسية بواسطة “جهاز مورس” سريع البث، وبعد ترجمة واعداد هذه التقارير في اسرائيل كان يتم توزيعها على مختلف اجهزة الامن الاسرائيلية موقعه باسم “مناشيه”.. وقائد الوحدة الأمنية السرية “دان” وهو ايضاً من خريجي البالماح كان الوحيد تقريباً الذي يعرف بأن “مناشيه” هو نفسه “ايلي كوهين” الموجود في دمشق، ولكن رغم الحرص والحذر الشديد كان هناك اشخاصاً في الوحدة الامنية الذين كانوا على علم بحقيقة العميل السري “مناشيه”.
ان جميع المعلومات والتقارير الامنية التي كان يبثها كوهين من دمشق الى اسرائيل بواسطة جهاز المورس كانت خطيرة وبالغة الاهمية، وفي اسرائيل كان يتم توزيعها على الفور على مختلف الاجهزة الامنية ووزارة الدفاع وحتى لرئيس الحكومة الاسرائيلية نفسه، ولم يهملوا كلمة واحدة من كل التقارير الامنية التي كان يرسلها وذلك على عكس عملاء سريين آخرين ممن عملوا في تلك الفترة في دول معادية اخرى والذين نادراً ما كانت تقاريرهم الامنية تصل الى وزير الدفاع ورئيس الحكومة الاسرائيلية وهذه التقارير الامنية التي كان الجاسوس كوهين يرسلها من دمشق الى اسرائيل كانت دقيقة على درجة كبيرة من الاهمية، وقد حرص كوهين في تقاريره هذه على تحديد المصادر السورية التي استقى منها المعلومات الامنية، ولم ينساق وراء المبالغات في المعلومات او التقارير التي قام بارسالها، كما أنه أبدى قدرة وكفاءات عالية وذكية جداً في تحليل الوضع السياسي الداخلي في سوريا وتوقعاته للتطورات في الساحة العربية.
وخلافاً للانطباعات التي كانت سائدة عنه حتى في اسرائيل نفسها فقد كان كوهين هادئاً ومتواضعاً جداً وكانت مصروفاته المالية في دمشق أقل بكثير من مصروفات عملاء سريين آخرين، فقد تلقى كوهين راتباً شهرياً بقيمة ألف دولار ومصاريف بقيمة الف دولار أخرى، في حين أن هناك عملاء سريين عملوا لصالح اسرائيل كانت تصل مصاريفهم الشهرية الى آلاف الدولارات للعميل الواحد، ورغم المصروفات القليلة التي كان كوهين يحصل عليها فقد كانت له في دمشق أعداد كبيرة جداً من المعارف والاصدقاء، لقد أحب كوهين النساء، والنساء أحببنه، وكانت له خلال فترة عمله في دمشق مغامرات نسائية كثيرة ورغم ان ذلك يتناقض تماماً والمهمة السرية التي كان يقوم بها الا أن كوهين عرف تماماً كيف يستغل هؤلاء النساء ومعظمهن ان لم يكن جميعهن من زوجات وبنات الضباط السوريين الكبار في الجيش والاجهزة الامنية السورية.. ويمكن التأكد من الحجم الكبير والواسع للمعارف والاصدقاء الذين كانوا لكوهين في دمشق من خلال الحقيقة القائلة بان اكثر من خمسمائة شخصاً قد اعتقلوا في سوريا في اليوم التالي من اعتقال كوهين وقد تم اطلاق سراح غالبية المعتقلين بعد استكمال التحقيق معهم وبقي في المعتقل 69 متهماً فقط بينهم 27 امرأة سورية. كما أن هذا العدد تقلص بصورة تدريجة وفي النهاية قدم للمحاكمة أربعين شخصاً بينهم تسع نساء، وقد أدانت المحكمة سبعة أشخاص أما البقية فقد تمت تبرئتهم.
ان اعتقال كوهين في دمشق يتطلب من اسرائيل القيام بتحركات فورية وعاجلة من أجل انقاذ جواسيس آخرين عملوا في حينه في دول عربية مختلفة، وأحد هؤلاء في دول عربية مختلفة، وأحد هؤلاء هو “باروخ مزراحي” ففي الوقت الذي عمل فيه كوهين كعميل تجاري في دمشق، عمل مزارحي في ادارة مدرسة للغات الاوربية في حلب، وقد طلبت اسرائيل من مزراخي مغادرة سوريا على الفور والحضور الى اسرائيل، وقد تمكن مزراحي في اللحظات الاخيرة من مغادرة سوريا قبل أن تصل المخابرات السورية اليه، وحضر الى اسرائيل عن طريق فرنسا. وبعد أن مكث في اسرائيل فترة قصيرة للاستراحة تم تزويد مزراحي بجواز سفر اجنبي وارسل الى اليمن الشمالي لمراقبة تحركات ونشاطات القوات المصرية هناك التي كانت تساعد العقيد عبد الله السلال ضد قوات الامام البدر. ولكن عشية حرب الايام الستة تم اعتقال باروخ مزراحي في اليمن وقام المصريون بنقله على الفور الى القاهرة لاستكمال التحقيق معه ومحاكمته، وقد اعتقل هناك لسنوات طويلة، ولكن في أعقاب حرب تشرين 1973 تم استبدال باروخ مزراحي باثنين وخمسين ضابطاً مصرياً رفيعاً كانوا قد أسروا خلال المعارك.
ان التحقيقات التي اجريت مع كوهين في دمشق لم تقتصر على سوريا وانما شملت مصر ولبنان أيضاً، فعندما علمت المخابرات السورية بأن كوهين ولد في الاسكندرية توجهت الى القاهرة وطلبت منها تزويدها بأية تفاصيل عنه، الا ان الرد المصري لم يصل الى دمشق الا بعد اعدام كوهين شنقاً في دمشق، وقد اعلن المصريون في ردهم بأن ليس لديهم أية معلومات تشير وتؤكد تورط كوهين في عمليات تجسس داخل مصر.
يقول “روبرت داسا” احد افراد شبكة التجسس اليهودية في مصر في منتصف الخمسينات ويعمل اليوم في سلطة البث الاسرائيلية في القدس، بأن ضباط مخابرات مصريين حققوا معه ومع رفاقه من افراد شبكة شبكة التجسس حول الجاسوس كوهين لم يكن ينتمي لشبكتهم، ولم تكن له أية نشاطات أمنية في الساحة المصرية.
وقد كانت هذه حقيقة حيث أن كوهين لم يعمل داخل مصر على الرغم من أنه قام بعدة زيارات للقاهرة أثناء فترة عمله في دمشق.
وفي صيف عام 1955 وعندما كان أفراد شبكة التجسس اليهودية يقبعون في السجون المصرية لقضاء مدة الأحكام التي صدرت بحقهم قام كوهين بزيارة سرية الى اسرائيل، وتلقى دورة امنية قصيرة، وفي تلك الفترة كان كوهين لازال يعيش في الاسكندرية. وقد غادر الاسكندرية بمفرده الى اليونان بحجة السياحة، ومن هناك بمساعدة اتصالات مناسبة توجه الى اسرائيل، وقد نزل في فندق “بارك” بتل ابيب تحت اسم مستعار، وحظرت المخابرات الاسرائيلية عليه الاتصال مع والديه وأبناء عائلته، ولكن عند اقتراب الدورة الامنية من نهايتها ازداد شوقه للعائلة فاتصل هاتفياً مع “اوديت” شقيقته الكبرى التي كانت تعمل آنذاك كسكرتيرة في محل تجاري بتل أبيب، وبينما كانت لا تزال ترتعش من هول المفاجئة بادرت “اوديت” الى الاتصال بشقيقها الأكبر “موريس” ولكن عندما وصل هذا الى فندق “بارك” قيل له بأنه لا يوجد في الفندق نزيل باسم ايلي كوهين ولم يكن يعرف بأن ايلي مسجل في الفندق باسم مستعار، وهكذا لم يتمكن أحد من ابناء العائلة من رؤيته والجلوس معه، حتى أنهم جميعاً اعتقدوا بأن “اوديت” الشقيقة الكبرى قد اختلقت القصة، وأن ايلي لم يتصل بها على الاطلاق، ولكن في وقت لاحق وعندما طرد كوهين من مصر ووصل الى اسرائيل اعترف امام ابناء عائلته وأقاربه بأنه زار اسرائيل سراً، وأنه اتصل هاتفياً بشقيقته اوديت، ونظراً لضيق الوقت لم يتمكن من مشاهدتهم والجلوس معهم وأنه غادر اسرائيل سراً مثلما دخل اليها عائداً الى الاسكندرية.
ان الزيارة السرية التي قام بها كوهين لاسرائيل في صيف عام 1955 لم تعط نتائج فورية، ففي أعقاب اعتقال أفراد الشبكة اليهودية في مصر في تلك الفترة، والذين كان يصل عددهم الى حوالي عشرة يهود مصريين بينهم الفتاة “مارسيل نينو” اتخذ قرار في اسرائيل وكان قاطعاً وقد نص على عدم استخدام يهود للعمل في مجال التجسس داخل الدول التي يعيشون فيها، وكان كوهين أول من جرى تطبيق هذا القرار بحقه.
وفي بيروت كانت معتقلة في تلك الفترة “شولا كوهين” وهي اسرائيلية عملت في مجال التجسس وبتهريب اليهود من لبنان الى اسرائيل، وقد وجه لها اللبنانيون تهمة التجسس لصالح اسرائيل، وتجاهلوا قضية تهريب اليهود، ونظراً للتقارب في الاسماء فقد ثارت في دمشق شبهات من أن كوهين ربما يكون شقيق “شولا كوهين” او قريب لها، وبالتنسيق مع “المكتب الثاني” اللبناني – المخابرات اللبنانية – قررت سوريا عقد لقاء بين الاثنين، وهكذا ودون ان يتم ابلاغها بشيء مسبقاً، فوجئت “شولا كوهين” بمشاهدة شاب أنيق يرتدي بدلة رصاصية اللون يقف أمامها، فقد أحضر كوهين الى زنزانتها برفقة ضباط سوريين وعدد من الضباط اللبنانيين، لقد وقف كل من ايلي كوهين و شولا كوهين معاً في الزنزانة دون ان تظهر عليهما أية ملامح للتأثر، وعندما اقتنع السوريون بأنهما لا يعرفان بعضهما البعض، أعادوا كوهين الى زنزانته في دمشق.
ان محاكمة كوهين والحكم بالاعدام الذي صدر بحقه دفعا باسرائيل الى القيام بجهود كبيرة جداً في محاولة لانقاذ احد عملائها السريين البارزين من الأسر، وفي نظرة الى الوراء يتضح لنا بأن اسرائيل عرضت الشيء الكثير في سبيل انقاذه ولا نعتقد بأن اسرائيل كانت ستبدي استعداداً للتضحية في اشياء كثيرة في سبيل انقاذ جاسوس آخر كما فعلت من اجل انقاذ ايلي كوهين.
وباشراف ومبادرة رئيس جهاز الموساد الاسرائيلي في تلك الفترة الجنرال مئير عميت تم توكيل محاميين معروفين في فرنسا، ومارست اسرائيل الضغوط على رؤساء دول بما فيهم رؤساء فرنسا والأرجنتين وقداسة البابا من أجل التدخل لدى السلطات السورية في سبيل اطلاق سراح “ايلي كوهين”، كما جندت النقابات العمالية والمهنية والاحزاب الاشتراكية في العالم، وعملت على إثارة الرأي العام في الدول الاوروبية وأماكن اخرى في ارجاء العالم، وعندما تبين لاسرائيل بأن كل هذه الوسائل غير كافية بادرت بعرض المال حيث عرضت على السوريين مبالغ مالية كبيرة وكميات هائلة من الادوية، وفي النهاية اتخذت اسرائيل خطوات غير عادية، فبواسطة أحد المحامين الفرنسيين وأيضاً بواسطة ضابط مخابرات فرنسي رفيع المستوى، اقترح جهاز الموساد الاسرائيلي بأن يضع تحت تصرف سوريا معلومات مفصلة عن محاولة انقلاب كانت تدبر في حينه ضد الرئيس أمين الحافظ، وقد تضمنت هذه المعلومات أسماء الضباط والشخصيات السورية المتورطين في هذه المؤامرة، وعند اجتماعه برئيس المخابرات السورية والذي كان قد اعتقل كوهين العقيد احمد سويداني أعلن المحامي الفرنسي أنه بالاضافة الى الاموال والادوية فان اسرائيل وضعت في خزنة في قبرص كل المعلومات الأمنية المتعلقة بمحاولة الانقلاب الوشيكة ضد الرئيس الحافظ، واذا كانت سوريا توافق على تأجيل تنفيذ حكم الاعدام بايلي كوهين، والى حين توفرت الظروف المواتية لاستبداله، فان قيادة جهاز الموساد ستصدر أمراً بفتح الخزنة في نيقوسيا، وتسليم كافة المعلومات الأمنية للمخابرات السورية.
رفض السويدان العرض الاسرائيلي، وضابط المخابرات الذكي والثعلب هذا ابدى اخلاصاً ووفاء للرئيس أمين الحافظ، لكنه من الناحية الايديولوجية كان مرتبطاً بخصومه في زعامة حزب البعث رئيس الأركان العامة صلاح جديد، وبالواقع فان زعامة حزب البعث في دمشق انقسمت في اعقاب اعتقال كوهين الى قسمين:
الجناح الاول بقيادة الرئيس أمين الحافظ وقد ابدى تفهما كاملاً حيال موقف الرأي العام في العالم، وخرج بتقديرات دقيقة بالنسبة لردود الفعل في الخارج في حالة اجراء محاكمة سرية لايلي كوهين، وقد أيد أمين الحافظ باجراء محاكمة علنية وتوفير الدفاع اللازم عن كوهين وبقية المتهمين المتورطين في ه1ه القضية، وقد حظى الحافظ بهذا الخصوص بتأييد مجموعة كبيرة من الضباط السوريين الذين كانوا يرابطون في هضبة الجولان، وهؤلاء قدموا لرئيس الاركان العامة صلاح جديد عريضة طالبوا فيها باجراء محاكمة علنية للجاسوس الاسرائيلي.
اما الجناح الثاني فقد ضم مجموعة كبيرة من الضباط السوريين الكبار الذين كان غالبيتهم القصوى من الذين ترددوا بصورة منتظمة ومستمرة على منزل كوهين في دمشق، وهؤلاء الضباط الذين حظوا بتأييد رئيس الاركان الجنرال صلاح جديد ادركوا على الفور بأن اجراء محاكمة علنية لايلي كوهين سيؤدي الى الكشف عن تورطهم في القضية، ومثل هذه المحاكمة ستنتهي بقطع رؤوسهم، لهذا فقد كان لهؤلاء الضباط مصلحة باخفاء الحقائق واخفاء كوهين عن اعين الجمهور، وعلى أمل تصفيته فيما بعد بالسرعة الممكنة.
وهذا الصراع الذي كانت تتخلله احياناً مصادمات عنيفة بين كلا الجناحين المذكورين، لم يسهل وضع كوهين وانما على العكس من ذلك فتارة كان رجال هذا المعسكر يخضعون كوهين للتعذيب، ويطلبون منه اخفاء بعض الوقائع التي كانت تكشف عن تورطهم، وتارة اخرى كان رجال المعسكر الخصم يعذبونه بقسوة ووحشية في سبيل ابتزاز بعض المعلومات الخطيرة منه التي تكشف عن تورط الآخرين والتي من شأنها أن تساعدهم في صراعهم ضد خصومهم… وهكذا رغم كل العروض الاسرائيلية التي قدمت فان مصير كوهين قد تحدد حتى قبل تقديمه للمحاكمة، وكان يبدو واضحاً تماماً في ظل الصراعات الداخلية العنيفة الدائرة في الساحة السورية بين الجناحين المتخاصمين في زعامة حزب البعث، بأن لا أمل اطلاقاً بانقاذ حياة كوهين حتى لو عرضت اسرائيل على السوريين عشرات العروض المغرية الاخرى.
ومنذ اللحظة التي تبين لاسرائيل فيها بأن كوهين يتم استغلاله كأداة لمواجهة الخصوم السياسيين في الداخل، وكذلك على صعيد الدعاية في الساحة العربية، أدركت اسرائيل تماماً بأن لا أمل بانقاذ حياته او حتى استلام جثته لدفنها في اسرائيل، وبرفضها الاستجابة للطلب الانساني بنقل الجثة للدفن في اسرائيل بعد تنفيذ حكم الاعدام تثبت سوريا بأن خوفها من كوهين الميت لا يقل عن خوفها من “كامل أمين ثابت” الحي الذي وطوال ثلاث سنوات لعب بزعمائها وزود اسرائيل بمعلومات أمنية كانت ضرورية جداً لأمنها.

* مشروعي ايزيس و 333
كانت المعلومات التي حصلت عليها مصر في الستينات حول قدرة اسرائيل على امتلاك سلاح نووي بعد تشغيلها لمفاعل ديمونة النووي الذي حصلت عليه من فرنسا، مقلقة للقيادة المصرية، كما كانت تشغل حيزاً كبيراً من تفكير عبد الناصر. إذ أنه أدرك أن هناك سباقا بينه وبين اسرائيل للحصول على السلاح النووي، وكان من مشروعاته الحصول على سلاح نووي وكذلك صاروخ أرض/ أرض قادر على الوصول الى عمق اسرائيل سواء برؤوس تقليدية، او فوق تقليدية، وكان اسم المشروع (ايزيس)، وكان الهدف تشكيل قوة ردع مضادة لإسرائيل. وقد استعان عبد الناصر في هذا المشروع بعدد من الخبراء الالمان. ولما أدركت الموساد خطورة المشروع المصري، اتخذ القرار السياسي الاسرائيلي باجهاض هذه المشروعات المصرية قبل ان تكتمل وتبرز مخاطرها الى الوجود. وسادت في اتجاهين:
الاتجاه الاول: اغتيال العلماء المصريين في الميدان النووي: وأبرزهم عالمة الذرة المصرية الدكتورة سميرة موسى، والتي كانت مبعوثة في الولايات المتحدة. وقد أكدت في ابحاثها ان اليورانيوم ليس بالضرورة العنصر الوحيد الذي يصلح لاستخراج الطاقة النووية. وكانت قد رفضت العروض التي عرضت عليها من قبل جامعات الولايات المتحدة للعمل لديها بعقود تتضمن عائدا ماديا مغريا، وصممت على العودة الى مصر. وحاول بعض الامريكيين منعها من السفر الى مصر، الا انها عادت وواصلت ابحاثها حول تأثير اشعة رانتجن والمواد المشعة على الجسم البشري تحت اشراف الدكتور علي مصطفى مشرفة.
وعندما عادت الى الولايات المتحدة عام 1953 لاستكمال ابحاثها، دبرت لها مؤامرة أودت بحياتها عندما خرجت في دعوة مع صديقة امريكية بسيارتها، حيث قامت تلك الصديقة بدفع السيارة التي كانت تستق
لها الدكتورة سميرة موسى نحو الهاوية من قمة جبل وقتلت غدراً. وقد تم تغليف الحادث على إنه قضاء وقدر، وقد أكدت المعلومات أنها اغتيلت بحادث مدبر من الموساد الاسرائيلي طمست معالمه أيد تعمل في الظلام لتحريم مصر من قدراتها النووية. وبعد فترة قتلت تلك الصديقة الامريكية في حادث آخر دبر ايضا وبنفس القدر من الاتقان. ولم تكتف الموساد الاسرائيلي باغتيال الدكتورة سميرة موسى، بل تعقبت العلماء المصريين الآخرين المبعوثين في الولايات المتحدة فكان حادث اغتيال عالم الذرة المصري الدكتور سمير نجيب والذي كان من طليعة الجيل الشاب من علماء الذرة. وكان مبعوثاً في جامعة ديترويت بالولايات المتحدة، وحصل على الدكتوراه في الطبيعة النووية وأظهر نبوغاً وعبقرية، وفاز على أكثر من 200 عالم ذرة في جميع انحاء العالم في مسابقة للحصول على وظيفة أستاذ مساعد في علم الطبيعة في نفس الجامعة، وبدأت تنهال عليه العروض المادية للعمل هناك. ولكنه قرر العودة الى مصر بعد نكسة 1967. إلا انه في ليلة سفره الى القاهرة في 13 آب 1967 فوجئ بسيارة نقل كبيرة (لوري) يتعقبه وأودي بحياته في حادثة بشعة قيدت ضد مجهول، وفقدت مصر عالما جليلا رغم صغر سنه، كان بامكانه ان يعطيها الكثير في المجال النووي.
الاتجاه الثاني: تهديد العلماء الالمان في مجال تصنيع الصواريخ، فلم تكتف الموساد بتعقيب العلماء المصريين واغتيالهم في الخارج، بل تعقبت ايضا العلماء الألمان الذين كانوا يشاركون بخبرتهم في مشروع تطوير الصواريخ أرض/ أرض. فأرسلت الى مصر أحد ضباط الموساد، وهو (زئيف جور آرييه) وذلك تحت اسم (جوهان وولفجانج لوتز)، وغطاؤه انه ضابط نازي سابق ومدرس في الفروسية. وقد تلقى لوتز تدريبا مكثفاً في اسرائيل يناسب مهمته في مصر، بما في ذلك تعلم الفروسية. وفي اوائل عام 1960 ذهب الى المانيا، وظهر كلاجيء من المانيا الشرقية وضابط سابق في (الفيلق الافريقي). ورغم ان لوتز كان متزوجا وترك زوجته في اسرائيل، فقد تزوج من سيدة ألمانية ليحكم قصته بشكل جيد.
وفي عام 1961 حضر الى القاهرة، حيث افتتح مدرسة للفروسية وتمكن من خلال نشاطه ان يقيم اتصالات متنوعة مع الجالية الالمانية في القاهرة. وبمرور الوقت تعرف ايضا على عدد من الشخصيات المصرية البارزة التي كانت تحتل مراكز هامة، وقام بعدد من الرحلات من مصر الى اوروبا الغربية ليناقش مع مندوبي الموساد ما حصل عليه من معلومات.
وأخيراً وفي عام 1962 بدأ لوتز في تنفيذ المخطط الذي وضعته له الموساد عن طريق ارسال خطابات تهديد الى الخبراء الالمان العاملين في مشروع الصواريخ في مصر، وبدأت الرسائل الناسفة تنفجر في أيدي كبار مهندسي هذا المشروع الذي كان يطلق عليه الاسم الكودي (333)، وأصيبت سكرتيرة أحد الخبراء الالمان، واختفى الدكتور الالماني (كروج) ولم يعثر له على أثر حتى الآن. وآثر الباقون الرحيل الى بلادهم، خاصة بعد نجاح بن جوريون في اقناع المستشار الالماني (كونراد أديناور) بضرورة كف العلماء الالمان عن العمل في المشروعات العسكرية المصرية.
وفي شباط 1965 قبض المصريون على لوتز وحاكموه وألقو به في السجن، الا انه أطلق سراحه بعد ذلك عام 1968 وعاد الى اسرائيل في عملية تبادل الاسرى المصريين. وقد ذكر الاسرائيليون ان هذه العملية قد كلفتهم 250 ألف دولار. وقد كشفت اسرائيل مؤخرا عن هذه العملية حيث ذكرت ان عدد الالمان الذين كانوا مستهدفين من الموساد في مصر، ستة علماء من بينهم (فرانس ويليام كيسوف) ممثل احدى كبريات المجمعات الصناعية الالمانية. كما اشار كتاب صادر عن المخابرات المركزية الامريكية، ان الاخطاء التي ارتكبها لوتز في القيام باتصالاته، وقيامه شخصيا بالاعمال التنفيذية هي التي ادت في ايدي اجهزة الامن المصرية التي اعترف أمامها بكل أبعاد العملية التي كلف بها من قبل الموساد.

* الميغ 21 العراقية
بتاريخ 16 آب 1966، هبطت مقاتلة سوفيتية جديدة من طراز ميغ 21 (طراز F- 13) تابعة لسلاح الطيران الاسرائيلي، إن الطيار الذي يقود الطائرة هو النقيب منير روفا وهو مسيحي كاثوليكي ممتلئ الجسم ومتوسط القامة، ويرتدي بدلة طيار خضراء اللون، قابل بعد بضع ساعات من هبوطه بعض المصورين والملحقين الحربيين وتحدث عن كيفية هروبه الى اسرائيل. لقد عمت اسرائيل فرحة عامة وتسابقوا الى احتساء كؤوس الخمر نخباً لوصول الطائرة ال ميغ 21 الحديثة الى الغرب. وقد قام سلاح الطيران الاسرائيلي بترقيم هذه الطائرة برقم (007).
إن قصة هروب الطيار العراقي بطائرته الى اسرائيل ادهشت الكثيرين في مختلف انحاء العالم. ان الصحف العالمية ومختلف هيئات الاستخبارات في العالم زعمت أنه ليس من المعقول أن تكون عملية الهروب عملية تلقائية بل لا بد انها عملية مدبرة من قبل الاستخبارات الاسرائيلية – الموساد- فهي التي وضعت خطتها ونفذتها. لقد نشرت قصص وروايات مختلفة بشأن هذه العملية. بعض التقارير حاولت تحليل الحقائق، أما أغلب التقارير الاخرى فقد كانت في شكل قصص ومغامرات مماثلة لمغامرات جيمس بوند. ويؤكد هذا حقيقة اعطاء هذه الطائرة رمز (007) في سلاح الطيران الاسرائيلي .
إن “ستيوارت استيفن” في كتابه “شيخ الجواسيس الاسرائيلي ” أفرد صفحات كثيرة لوصف مثل هذه العملية مؤكدا صحة كلامه وادعاءاته. لقد أشار محرر الكتاب في مقدمة كتابه، بأنه كتب هذا الكلام بعد أن تقابل مع كبار رجال الاستخبارات الاسرائيلية: (أيسر هارئيل، مائير عميت، بوريس جبريال، أيهود ابرييل، ويهوشافاط هركابي) وآخرين ممن ذكر اسماءهم او اسماء كودية او بعض الشخصيات التي امتنع عن ذكر اسمائها لاسباب معروفة. في هذه القصة مثل أية قصة اخرى اختلطت الحقيقة بالخيال.
عندما تولى “مائير عميت” منصبه كرئيس للموساد بعد “أيسر هارئيل” واجه انتقادا صارخا من جانب كبار رجال الموساد. ولاجل التغلب على المشكلة قام بتنفيذ عدة خطوات، حيث تقابل مع رؤساء هيئة الاستخبارات ووزراء الحكومة وقادة الجيش من اجل الاستفسار عن مجالات احتياجاتهم للمعلومات. وعندما سأل “موتى هود” قائد سلاح الطيران عن احتياجاته قال له: إذا ارادت الموساد اثبات وجودها فعليها أن تجلب له طائرة مقاتلة سوفيتية حديثة من طراز ميغ 21. لقد قبل رئيس الموساد ذلك، وأخذه بصورة جدية وارسلت التعليمات المتعلقة بهذا الموضوع الى جميع مراكز الموساد في مختلف انحاءالعالم .
إن تخطيط العملية وتنفيذها استمر حوالي عاماً ونصف العام، وكانت البداية في شهر كانون اول 1964، في سفارة اسرائيل بباريس. حيث تقدم شخص مجهول للسفارة واعطى اسمه للدبلوماسي ورقم تليفون صديقه المقيم في بغداد وطلب ايجاد اتصالات مع جهات رسمية ففي استطاعته العمل على هروب طيار بطائرة ميغ21 المطلوبة.
لقد راود الكثيرون الشك في هذا النبأ، ان عملاء الموساد كانت لديهم خبرات كثيرة بشأن صحة مثل هذه الانباء التي يرددها في كثير من الحالات اناس غير متزنين يعانون بعض الامراض النفسية- ولكن بالنسبة الى هذا النبأ كانت هناك ثقة كبيرة في حديثة. لقد قررت الموساد دراسة هذا الموضوع خشية ان تكون هذه العملية عبارة عن مناورة من الاستخبارات العراقية التي تهدف الى الكشف عن شبكة تجسس تعمل لحساب اسرائيل في العراق.
لقد أرسل الى العراق ضابط اسرائيلي من شعبة الاستخبارات –أمان – يدعى منصور تحت ستار وكيل مبيعات لشركة اوروبية للمنتجات الطبية. لقد اجرى هذا الضابط اتصالات مع رجل بغداد حيث قدم اليه نفسه بأنه يهودي يعمل في منصب “مدير المنزل” في منزل عائلة مسيحية مارونية. وعلى حد قوله بدأ عمله في هذا المنزل وهو صغير، وهو في الوقت الحاضر يعتبر في مركز احد أبناء العائلة، يهتم بها ويقدم النصائح ويؤثر على حياة العائلة. في الفترة الاخيرة قال لعميل الموساد أنه حدث خلاف مع رب العائلة وعلى اثره اكتشف أصله اليهودي وإنتمائه لاسرائيل، ولهذا فإنه يستطيع أن يؤثر على احد ابناء العائلة، وهو الطيار النقيب/ منير روفا، طيار الميغ21 حتى يهرب بطائرته لاسرائيل بحجة مساعدة عائلته اقتصاديا وتأمين مستقبلها خارج العراق. وعلى حد قول الخادم اليهودي، إن ديانة هذه العائلة كانت المسيحية وانها عانت اضطهاداً من قبل السلطات العراقية، أما حالتها الاقتصادية فقد ازدادت سوءاً.
إن عميل الموساد الذي اقام في فندق بغداد في شارع السعدون في قلب العاصمة العراقية، كان على اتصال دائم مع رئاسة الموساد في تل ابيب. وفي تقاريره ذكر أن العائلة تريد أن تحصل على نصف مليون جنيه استرليني إزاء تنفيذ هذه العملية.
لقد أدى هذا الطلب الى اهتزاز الموساد، لقد كان واضحاً “لمائير عميت” أن مستقبله مرهون بفرصة الحصول على الطائرة الميغ 21. فوافق على طلب العائلة.
لقد شكلت في الموساد مجموعات عمل خاصة. فمنصور وبرفقة عامل لا سلكي أقاما في بغداد، وأجرى علاقات وثيقة ومستمرة مع الوسيط اليهودي، مجموعة اخرى ارسلت الى بغداد بدون معرفة منصور والعامل اللاسلكي، حيث أن مهمة هذه المجموعة انقاذ الاثنين من العراق في حالة حدوث مشكلة. مجموعة اخرى وكانت مزودة بالمعدات الفنية الحديثة ارسلت للقيام بمتابعة ومراقبة ابناء العائلة، ومجموعة اخرى مكونة من رجال شعبة الاستخبارات أمان أقامت في جبال شمال العراق على مقربة من العصاة الاكراد، والذين كانوا يحصلون على مساعدة عسكرية من اسرائيل وكانت مهمتها تهريب افراد عائلة الطيار من العراق. كذلك وضعت في الاهواز بايران مجموعة عمل اخرى كانت مهمتها نقل جميع ابناء العائلة من ايران الى اوروبا بأسماء جديدة.
لقد ازداد نشاط العملية، فقد سافر أحد رجال العائلة الى سويسرا بحجة علاج طبي. وبعد أن تسلم المبلغ المطلوب وقيمته ربع مليون جنيه استرليني كمقدمة بحسب الاتفاق، أرسل بطاقة بريد سرية تعني ان الاسرائيليين نفذوا الشروط.
عملاء الموساد ظلوا في اماكنهم بهدف مراقبة طبيب من اصدقاء العائلة مقيم في لندن اوصى بتقديم علاج طبي في انجلترا لابنة الطيار، التي خرجت الى لندن مع والدتها التي كانت زوجة الطيار منير روفا.
إن الامريكان ووكالة الاستخبارات الامريكية اطلعوا على اسرار العملية، وقاموا بعملية اقناع أخيرة للطيار وأوضحوا له أن هناك أهمية كبيرة في حصول الغرب على هذه الطائرة في صراعه ضد السوفييت، وكان ذلك ضرورياً لمنع تخوفه من الهروب الى اسرائيل. بعد ذلك بوقت قصير حصل منير روفا على اجازة في اوروبا، ومن هناك وصل سراً الى اسرائيل حيث تقابل هناك مع زوجته وابنته ومع قائد سلاح الطيران والقادة الذين خططوا معاً مسار طيرانه من العراق لاسرائيل.
مثل الكثيرين من ابناء العائلات الغنية في العراق، نجد ان عائلة منير روفا حزمت حقائبها وتوجهت الى جبال شمال العراق للاستجمام خلال ايام الصيف المحرقة من شهر آب، وقبل خروجهم من بغداد اشاعوا ان خروجهم هو لغرض الاستجمام فقط بهدف عدم اثارة الشكوك ضدهم.
لقد تحددت رحلة النقيب منير ردفا يوم 16 آب 1966 وفي هذا اليوم كان مكلفاً للقيام بطلعة تدريبية في الفجر.
إن قسم المحاربين من المتمردين الاكراد بقيادة مصطفى برزاني قامت بنقل عائلة الطيار الى ما وراء الحدود العراقية. بحسب تنسيق مسبق هبطت طائرة هليكوبتر في منطقة جبلية ونقلت افراد العائلة الى الاهواز في ايران. وعندما كانت الطائرة الهليكوبتر تقل افراد عائلته متوجهين الى ايران، طار النقيب منير روفا بطائرته من العراق.
ويقول الكتاب : إن الرحلة نفذت من مطار حربي في الموصل نحو الحدود التركية، حيث هبطت هناك بقاعدة سرية لوكالة الاستخبارات الامريكية فزودت بالوقود، ومن هناك طارت وبرفقتها مقاتلات اسرائيلية فوق سطح البحر الابيض المتوسط متوجهين لاسرائيل، لقد تم هذا الاجراء لأن خزانات وقود الطائرة كانت لا تكفي لمواصلة الرحلة مباشرة الى اسرائيل.
إن السوفييت الذين كانوا يخشون من وصول اسرار الطائرة للغرب، اصدروا تعليمات بعدم ملء خزانات الوقود بالبنزين بل ملء نصفها.
وفي اجتماع صحفي اجراه الطيار بعد بضع ساعات من هبوطه في اسرائيل قال بأنه فكر ان يطير الى تركيا او ايران ولكنه خشي من اعادة تسليمه للعراق، ولهذا فضل ان يطير بصورة مباشرة لاسرائيل.
ان اقصى مدى لطائرة الميغ 21 مع صهريج الوقود الاحتياطي الذي تبلغ سعته 480 لترا يصل الى 1100 كيلومتر.
إن الطائرة التي هبطت في اسرائيل طارت 900 كيلو متر من المطار الحربي –معسكر الرشيد- بالقرب من بغداد حتى قاعدة سلاح الطيران الاسرائيلي.
وفي الخطاب الذي كتب في بغداد وكان بتاريخ 3/8/ 1966 وكان نصه:
“من منير روفا الى قائد سلاح الطيران الاسرائيلي مردخاي هود: سآتي على ارتفاع كبير في رحلة من الشرق للغرب فوق الاردن بالقرب من البحر الميت وبمعونة الله آمل ان اهبط في احدى قواعدكم”. وبحسب ما نشر ظهرت في صباح 16 آب على احدى شاشات الرادار صورة لطائرة اجنبية وهي تقطع حدود الاردن في اتجاه اسرائيل. لقد انطلقت طائرتا “ميراج” نحوها لتوجيهها ومساعدتها في الهبوط. بعد ذلك اختفت آثار النقيب منير روفا وعائلته.

* الميغ 23 السورية
بتاريخ 11/ ت1/ 1989، أعلنت المصادر الاسرائيلية عن هبوط طائرة سورية من طراز ميغ 23 الروسية الصنع في مطار صغير بمستعمرة – مجيدو Magido- يستخدم بصفة عامة للطائرات الاسرائيلية الخفيفة التي تستخدم في رش مبيدات الحشرات والطائرات الشراعية وطائرات الهيلوكوبتر.
وكانت هذه اول طائرة قتالية تهبط في هذا المطار الصغير. الناطق الاسرائيلي أعلن كذلك، ان قائد الطائرة الرائد عادل بسام احد طياري سلاح الطيران السوري، اختار هذا المطار لأجل الهبوط بطائرة الميغ 23 التي هرب بها من المطار السوري – بلاي- الى اسرائيل.
وقد نظمت له الدوائر العسكرية الاسرائيلية مؤتمراً صحفياً في 13/ 10 شرح فيه اسباب هروبه بطائرته الى اسرائيل ووجه شتى الاتهامات الى السلطات في بلاده في الوقت الذي اثنى فيه على الكيان الاسرائيلي الذي لجأ اليه طالباً حق اللجوء السياسي بعدما اعلن انه هرب تحت وطأة الاضطهاد في بلاده.
ومما قاله الطيار الهارب- ان قراري بالمجيء كان قراراً شخصياً يستند الى اقتناع بأنني يجب عليّ أن ابدأ مرحلة جديدة من حياتي، ولقد اردت ان اغير مسار حياتي المستقبلية. واضاف- لقد تصرفت من منطلق اقتناعي بأن اسرائيل مجتمع حر وديمقراطي ولم يكن قراري بالهرب سياسياً.
اما المصادر السورية من ناحيتها، فقد اعلنت ان الطائرة هبطت بسبب خطأ في احدى المطارات الاسرائيلية وطالبت باعادة الطائرة واعتبار الطيار أسير حرب.
وبدأت التناقضات في البيانات الصادرة عن المصادر السورية والاسرائيلية تتضع شيئاً فشيئا، الى ان أعلن ناطق عسكري سوري، بأن عملية فرار الطيار هي عملية دبرتها ونظمتها اجهزة المخابرات الاسرائيلية – الموساد- وأشار المصدر الى ان هذه الاجهزة نجحت فعلاً في تجنيد الطيار بسام العدل لصالحها ليهرب بطائرته المتطورة ويضعها تحت تصرف اسرائيل. ولا بد من التنويه هنا بأن المصادر السورية العليا ومن بينها وزير الدفاع مصطفى طلاس اعترف يوم 17/ 10، بأن اسرائيل كانت تهدف من وراء عملية تنظيم فرار الطيار بسام العدل التشويش والتأثير على معنويات الجيش السوري.
وقد ذكر الرائد بسام ايضاً في لقائه مع الصحفيين، بأنه طار مع زميله في سرب التدريب وبعد بضع دقائق غير فجأة مسار الرحلة واتجه نحو الحدود الاسرائيلية، واضاف- ان اجتياز الحدود كان مهمة شاقة اذ توجد قواعد صاروخية في مختلف الاتجاهات على طول الحدود، لقد طرت على ارتفاع اقل من (50) متراً وبسرعة كبيرة تتراوح مابين 1150- 1250 كيلو متراً / ساعة منذ اللحظة التي اجتزت فيها الحدود، اغلقت جهاز اللاسلكي، وكان هناك سكون تام.
لقد ظننت ان الطائرات الاسرائيلية قد تقوم بمطاردتي وقد تأكدت من ذلك من جهاز الانذار الموجود في طائرتي، حيث شاهدت الطائرات الاسرائيلية تطاردني، لم أكن اعرف شيئاً عن المكان الذي سوف اهبط فيه، وهل ظروف الهبوط مناسبة ام لا؟.
لقد طرت حوالي (3- 4) دقائق من اللحظة التي اجتزت فيها الحدود حتى الهبوط وقد طرت من بداية الرحلة من سوريا الى مكان الهبوط في اسرائيل حوالي 15- 20 دقيقة.
ان طائرة الميغ لم تكن مسلحة بالصواريخ بل كانت مجهزة فقط بمدفع ذي ما سورتين مسلح بدانات( اطلاقات متوسطة ) عيار 23مم مركب في بطن الطائرة بصورة دائمة.
لقد هبطت الطائرة في الساعة (1110) وكان الطيار خانقاً مصفر الوجه، خرج من كابينته ورفع يديه وأعلن قائلاً – اريد ان اهرب انا لا احب الحرب.
بعد ذلك بقليل هبطت في –مجيدو- طائرة هيلوكوبتر لسلاح الطيران، وبها وزير الدفاع ورئيس الاركان العامة ونائب رئيس الاركان العامة وضباط كبار من سلاح الطيران قام هؤلاء باساتجواب الطيار وفحصوا الطائرة.
طوال الوقت كان هذا المطار الصغير بمثابة منطقة عسكرية مغلقة، ولكن في الساعة 1820، ازيح الستار وتدفقت مجموعة من الصحفيين الاسرائيليين والاجانب نحو الطائرة للسؤال. وعندما سمح لهم بالاقتراب من الطائرة ساد الظلام التام المنطقة، وبعد ذلك تم اضاءة المنطقة بكشافات ضوئية قوية.
ان الميغ ظهرت امامهم وهي جاثمة على طرف الممر، كانت الطائرة ملونة بالوان تمويه سوريه، وكان في مؤخرتها علم سوري وكان عليها الرقم 2768.
ان الطائرة ميغ 23، لم تكن جميلة الشكل، وهي متوسطة الحجم قريبة الشبه من الفانتوم. وكانت بها اجهزة وعدادات كثيرة كما كانت هناك حمالات صواريخ تحمل بصفة عامة صواريخ جو/ جو من طراز AA-7 وAA- 8 ، كانت هذه الحمالات فارغة وهي موجودة تحت اجنحة الطائرة، كذلك جهاز الحرب الالكترونية الموجودة اسفل مؤخرة الطائرة كان ظاهر للعيان.
بعد ذلك ذكر، ان الطائرة كانت تحمل جهاز حرب الكتروني من صنع سوريا والذي ركب فيها بالاضافة الى الاجهزة الروسية.
هناك فتحات مختلفة في جسم الطائرة كانت معدة للمشاهدة. رجال الصيانة الجوية اخذوا يفحصون الطائرة، وقالوا اننا نشاهد هذه الطائرة لاول مرة لاننا اعتدنا على التقنيات الامريكية، وهذه الطائرة تبدو مختلفة تماماً.
ومما يذكر ان الطائرة ميغ 23، التي هربت الى اسرائيل هي طراز متطور من ميغ 23، لقد سبق ان اسقطت طائرات ميغ 23 كثيرة بواسطة سلاح الطيران الاسرائيلي في حرب لبنان. هذه هي طائرة اعتراضية اقصى مدى طيرانها يصل الى حوالي 1200 كيلومتر.
ان احدى خصائصها البارزة هي اجنحتها المتغيرة هندسياً. فعندما تكون ممتدة الى الخلف يزداد طيرانها بسرعة عالية، اما اذا كانت منتشرة يساعد هذا على خفض سرعتها.
ان الطائرات الاولى من هذا النوع بيعت لسوريا في عام 1975، ان اجهزتها الالكترونية ليست جديدة ولكن هذه الطائرات تعتبر من طائرات الصف الاول في سلاح الطيران السوري.
ان الطائرة واجهزتها بالاضافة الى الطيار السوري سوف يوفران لاسرائيل معلومات سرية للغاية بواسطتها يمكن معرفة الكثير عن سلاح الطيران السوري وقدرته العملية والتكنولوجية ووسائل القتال الموجودة لديه، وقدرته العملية والتكنولوجية ووسائل القتال الموجودة لديه، وكذلك عن طياريه ورجاله.
الجدير بالذكر، ان الطيار بسام غير متزوج ويبلغ من العمر 34 سنة وينتمي الى الطائفة السنية، وهو من مدينة حلب التي تقع في شمال سوريا. وقد قرر الهرب لاسرائيل قبل ثلاثة اشهر حسب قوله للصحافة، واضاف – لقد كان هذا قراراً شخصياً لي لانني كنت اريد ان افتح صفحة جديدة في حياتي، اريد ان اعيش في دولة ديمقراطية يمكن لأي شخص ان يعبر فيها عن ارائه بحرية.
وتجدر الاشارة، الى ان الطيار بسام هو الطيار العربي الثالث الذي يهرب الى اسرائيل، لقد سبقه الطيار محمود عباس حلمي وهو طيار مصري هرب بطائرة باك -11، خلال عام 1964.
اما الطيار العربي الثاني فهو الطيار العراقي منير روفا الذي هرب من العراق في عام 1966 بطائرته الميغ 21، وفي عام 1968، هبطت طائرة ميغ 17 سوريتين في مطار (بيست Betset) الموجود في شمال اسرائيل.

* لماذا الميغ؟!
ان فرار الطائرتين الميغ 21 العراقية والميغ 23 السورية يتطلب تحليل عميق وشامل لهذه العملية الخطيرة حتى نكشف من خلالها مغزى هذه العملية والاهداف المرجوة من ورائها والتحركات الاسرائيلية الظاهرة والخفية التي سبقت هذه العملية.
ولذلك لا بد ان يكون مدخلنا الى ذلك التحليل سؤال نطرحه: هل كانت العملية عملية هروب عادية أقدم عليها الطيار تحت ضغوط معينة ولأسباب شخصية أم أنها عملية مدبرة لتهريب طائرة بواسطة طيار عراقي ام سوري؟
نبدأ من الميغ 23 السورية ، واضح أن المصادر الاسرائيلية حرصت منذ اللحظة الاولى لهبوط الطائرة في قاعدة ” رمات داڤيد” بشمال فلسطين المحتلة على الادعاء، بأن عملية الفرار، كانت مفاجأة لم تكن تتوقعها. ولاعطاء هذا الادعاء شيئا من المصداقية، بغرض التعمية والتمويه، رددت قصة محاكمة عدد من المسؤولين عن وسائل الدفاع الجوي، لعدم اعتراضهم لهذه الطائرة، ولم يقف التضليل الاسرائيلي، عند هذا الحد، بل بلغت درجة التمويه الى ان رئيس الاركان العامة الجنرال (دان شمرون) صرح – بأنه تبين من التحقيق أن عدم اعتراض الطائرة السورية نجم عن خطأ في الحساب وتقرير غير دقيق وصل الى صانع القرار.
لكن التقرير الذي رفعه الى الحكومة.. في جلستها يوم الاحد 22/ 10/ 1989، أكد على ان عدم اعتراض وسائل الدفاع الجوي الاسرائيلي للطائرة السورية، لم يكن بسبب خطأ فني وانما لأسباب اخرى يتعذر كشفها والافصاح عنها على الملأ.
والواقع ان الرواية الاسرائيلية بالمعنى المشار اليه، استهدفت اخفاء الحقيقة، ومحاولة اسدال ستار كثيف من حولها، ليتعذر على المراقب اكتشافها. ولا مناص هنا من مناقشة الادعاء الاسرائيلي الذي يحاول اخفاء الخلفية الحقيقية لهذه العملية، ودور اسرائيل فيها، ولا بد هنا من التعرض لأمثلة مشابهة وقعت في الماضي، وأظهرت فيما بعد، أن أصابع المخابرات الاسرائيلية، كانت وراء تدبيرها وتنظيمها.
اولى هذه الامثلة: هروب الطيار المصري “محمود عباس حلمي” بطائرة تدريب من نوع “ياك 11” في 19 ت2 1964.
فطبقاً للبيان الذي صدر عن الاوساط الاسرائيلية في ذلك الحين، فأن الطيار طلب حق اللجوء لأسباب سياسية، وأدعت تلك الاوساط من خلال الرواية التي اوردتها بشأن عملية هرب الطيار المذكور، ان هناك اسباباً شخصية اخرى كانت وراء عملية الهروب.
واذا امعنا النظر في تلك الرواية التي صدرت عن المتحدث العسكري الاسرائيلي يوم 12 شباط 1964، و 2 آذار في نفس العام، سنلاحظ ما يلي:
ان المتحدث العسكري الاسرائيلي صور العملية على انها مبادرة من جانب الطيار، تحت تأثير الاوضاع العامة في مصر ووضعه الشخصي وعلاقته مع زوجته. وبذلك اراد المتحدث ان ينفي وجود أية صلة بين اسرائيل والطيار، او اي دور للمخابرات الاسرائيلية في تلك العملية. ان المتحدث حاول أن يبرز اختيار اسرائيل لتكون هي الملجأ بالنسبة للطيار، اقناع الطيار بأنه لن يعاد الى مصر مرة اخرى، بسبب طبيعة العلاقة العدائية والصراع القائم بين مصر واسرائيل.
وبالنسبة لهذا الادعاء الاخير، يمكن القول بأنه اذا نظرنا الى العلاقات الاقليمية في تلك الحقبة، سوف نجد أنه كان بوسع هذا الطيار أن يلجأ الى الاردن او السعودية او تونس بسبب سوء العلاقات وتأزمها بين مصر وتلك الاقطار في ذلك الوقت، كما ان الطيار كان ضمن القوات المصرية التي عملت في اليمن، وكان بوسعه ان يلجأ الى السعودية مثلا لا الى كيان معادي.
وقد ثبت كذب الادعاء القائل بأن اسرائيل ملجأ آمن للخونة والهاربين، حيث استطاعت المخابرات المصرية بكفاءتها واختراق الامكنة الحساسة في اسرائيل في الستينات ان ترصد حركة ذلك الطيار داخل اسرائيل وتتعقبه ثم تقبض عليه في الارجنتين وتنقله الى مصر، ليحاكم ويتم اعدامه في 10 ايار 1966، لكن هذه العملية والجهة الواقفة وراءها، ظلت سراً مكتوما حتى عام 1967.
في شهر ايلول صدر عن مزرعة بيت هشيطا الجماعية (كيبوتس) العدد (62) من نشرة تصدر عن سكرتارية الكيبوتس، تتضمن أنشطة وفعاليات الاعضاء. لكن ذلك العدد كان يتميز عن غيره من الاعداد التي يتم صدورها. اذ تضمن مقالة من اربع صفحات متواضعة ذيلت بتوقيع العقيد الطيار (يوسي سريج)، الذي تولى قيادة عدة قواعد جوية منها قاعدة (رمات دافيد) في الشمال وقاعدة متسادة، وحاتسريم في النقب، في الجنوب.
لقد سجل العقيد (سريج) في مقالته هذه، دور أعضاء مستوطنة (بيت هشيطا) في تحقيق الانتصار في عام 1967، وملاحظاته عن الاسباب والعوامل التي ساعدت اسرائيل على احراز النصر التي كان منها:
التفوق الجوي بمجاله النوعي، الطائرات والطيارين.
عامل الاستخبارات ونجاحه في مجال جمع المعلومات عن مستويات اسلحة الجو العربية وعمليات الاختراق الناجحة.
الخيار الاسرائيلي الوحيد، الانتصار او النهاية.
وفي مقالته تلك، توقف العقيد (سريج) عند مآثر وملاحم أعضاء تلك المستوطنة، من منطلق أن هذه المستوطنة، تعد في مقدمة المستوطنات التي أفرزت عدداًَ من الطيارين المتفوقين الذين تجاوزا ال 30 طيارا، غير أن النقطة الهامة التي استوقفت قارئ تلك المقالة والتي تأثرت على شكل عبارات وردت فيها – هي الكشف عن أمرين غاية في الخطورة:
الامر الاول:
ان المخابرات الاسرائيلية، وفي سعيها المحموم لتحييد أسلحة الجو العربية، التي كانت تخشى ان تتحول الى اذرع عربية تطال المدن في اسرائيل، ركزت جهودها على الوصول الى الطيارين العرب لتجنيدهم وللحصول على المعلومات الدقيقة عن تلك الاسلحة والهرب بها الى اسرائيل في حالة الاحساس باكتشاف أمرهم.
ان المخابرات الاسرائيلية جندت الطيار “حلمي محمود عباس” عندما كان يتدرب في تشيكوسلوفاكيا السابقة من قبل عملية تعمل لصالح شعبة المخابرات العسكرية في براغ.
ان الموساد كانت وراء تجنيد الطيار منير روفا، الذي هرب بطائرته الميغ 21 في 16 آب 1966، بمساعدة عميلات للموساد. وكشف ايضاً عن أن هود البريغادير عيزرا وايزمان قائد سلاح الجو الاسرائيلي الاسبق والجنرال منير عميت رئيس الموساد، والبريغادير مردخاي هود خططوا لهذه العملية وأشرفوا على تنفيذها، وانه التقى بالطيار منير روفا قبل هربه بالطائرة الى باريس وان حضوره هذا اللقاء أملته عدة اعتبارات منها:
كونه يجيد اللغة العربية.
كونه قائد لقاعدة رمات دافيد، التي كان قد اتفق مع روفا على ان يهبط بطائرته في هذه القاعدة.
الامر الثاني:
لجوء الطيار، منير روفا بطائرة الميغ 21، العراقية الى اسرائيل عام 1966، ومن خلال فحص البيان الذي صدر عن المتحدث العسكري الاسرائيلي في نفس اليوم الذي لجأ فيه الطيار بطائرته طراز ميغ 21، ف 13 وتحمل رقم 534، والحديث الصحفي الذي ادلى به هذا الطيار، امكننا ملاحظة ما يلي:
ان المتحدث الاسرائيلي، اعلن ان النقيب منير روفا قرر الهرب بسبب اضطهاده وعدم انسجامه مع الاوضاع في بلاده، ولمشاركته في عمليات عسكرية كان يعرضها.
انه اختار اسرائيل للجوء اليها لثقته بأنها الجهة الوحيدة الاكثر امانا.
ان الطائرة دخلت المجال الجوي الاسرائيلي دون ان تعترضها طائرات اسرائيلية او وسائل الدفاع الجوي، وان العملية كانت مفاجئة، وانها كانت عملية عارضة.
وبذلك يتضح لنا مدى التطابق والتماثل في الرواية الاولى الخاصة بعملية هروب الطيار المصري ثم عملية هروب الطيار العراقي، ولكن عند تحليل خلفية هذا الحدث في ضوء المعلومات التي ازيح الستار عنها، نلاحظ:
ان حادثة هرب الطيار منير روفا لم يكن حادثا عرضيا او ارتجاليا، وانما كان مدبرا ومخططا له من قبل الدوائر الاسرائيلية، بل انه كان عملية استخباراتية بحتة، هذا على الرغم من ان البيان الصادر عن قيادة القوات الجوية العراقية ذكر ان طائرة ميغ 21 فقدت اثناء رحلة تجريبية من قبل طيار متدرب، في ظروف جوية رديئة، على الحدود الغربية للعراق.
هذه النتيجة تسندها وتؤيدها عدة حقائق ابرزها:
اولاً: ان الطيار منير روفا كان على اتصال ولمدة اربع سنوات مع الموساد، وتقابل في فرنسا، كما ذكرنا من قبل بكل من مئير عميت قائد الموساد، والجنرال عيزر وايزمان، الذي شغل منصب رئيس شعبة العمليات، والجنرال مردخاي هو قائد سلاح الجو والكولونيل “يوسي سريج”.
ثانياً: ان الطيار منير روفا كان يرسل تقاريره السرية الى صندوق بريد في فرنسا لتصل ليد وكلاء الموساد هناك، ثم يتولى هؤلاء بدورهم تحويلها الى كبار المسؤولين في تل ابيب، ومن بين هذه التقارير، رسالة كانت تحدد موعد حضوره الى اسرائيل طلب خلالها من قائد سلاح الجو الاسرائيلي مردخاي هود بأن يأمر أفراد سلاح الطيران الاسرائيلي بضمان سلامته لدى الهبوط وعدم اعتراضه.
ثالثاً: ابلاغ افراد اسرته بالسفر الى فرنسا قبل هربه، بناء على تعليمات صادرة من مئير عميت شخصيا، حتى لا يتعرض هؤلاء للملاحقة من قبل السلطات العراقية.
رابعاً: انه تم تجنيد منير روفا منذ عام 1962 لاعتبارات عديدة:
استعداداه للتعاون، وما استشفه وكلاء الموساد الذي التقوا به في بغداد في عدة مناسبات من انه متذمر وناقم على الاوضاع في بلاده.
اما عملية التجنيد، فقد تمت في الولايات المتحدة، اثناء تلقيه دورة تدريبة هناك، بواسطة عميلات الموساد.
كونه يقود طائرة ميغ 21 وهي أحدث طائرة سوفيتية يتسلمها قطر عربي وقتئذ، وكان الغرب يبدي اهتماما غير عادي لمعرفة اسرار هذه الطائرة.
وكانت الدوائر الاسرائيلية اكثر الجهات اهتماما بالحصول على مثل هذه الطائرة لاقتناعها الكامل بأنها ستشكل العمود الفقري لأسلحة الجو العربية. ولقد ثبتت بالدليل القاطع بعد ذلك أن اسرائيل درست وحللت هذه الطائرة، وشخصت مزاياها وعيوبها واستخلصت دروسا منها، عمدت بعدها الى تطبيقها في سلاحها الجوي، استعدادا لمنازلة هذا النوع من الطائرات في المستقبل، وبالفعل فلقد تم استيعاب كل مواصفات هذه الطائرة، وخاصة ما يتعلق منها بطرق عملها مثل كيفية: الاقلاع والهبوط والهجوم والاغارة والتجهيز الفني والعتاد. وقد تدرب معظم الطيارين الاسرائيليين على هذه الطائرة ليستوعبوا خصائصها وليكونوا على دراية تامة بها عند الاشتباك معها.
ان هذه الطائرة أعطيت رقم 007 وهو اسم الوكيل السري الوهمي لجيمس بوند، لتضفي على تلك العملية، الطابع الاستخباري وقد افصحت بذلك عن طبيعة تلك العملية، وكشفت بنفسها السر الكامن وراء عملية هرب الطيار منير روفا بطائرته.
خامساً: ان مجلة (بول) الاسرائيلية التي تخصصت في كشف أدق الأسرار والفضائح في اسرائيل، نشرت في مطلع عام 1966 خبرا تحت عنوان -قنفذ تحت مدرج مطار بغداد- أما مضمون الخبر فكان مبتورا، بفعل تدخل الرقابة، ولم يبق سوى العنوان الذي لم يكن بوسعه أن يثير الانتباه.
ان الطيران والدفاعات الجوية في اسرائيل لم تعترض طائرة الميغ 21 على الرغم من ان الطيار غير مسار الطائرة، وهبط باحدى القواعد الجوية بالقرب من منطقة البحر الميت، في الوقت الذي كان من المفروض ان يهبط بطائرته في قاعدة رمات دافيد ويرجع تغييره للمسار، لاعتراضه من قبل طائرات اردنية من طراز هوكرهنتر.
يتضح من خلال المثالين السابقين تماثل التفاصيل في كلتا العمليتين، فيما يتعلق باصرار المصادر الاسرائيلية على اظهارهما وكأنهما عمليات عرضية، وهذا ينسحب أيضا على العملية الاخيرة، وأن كانت العملية الاخيرة اكثر اثارة . وتعود الى السؤال الذي سبق طرحه قبل الدخول في تفاصيل عمليات تمت على غرار عملية هروب الطائرة السورية.
ان الاجابة على السؤال المشار اليه يمكن ان تتحدد في ضوء ما سبق تناوله وفق الآتي:
ان هذه العملية لم تكن عملية عرضية، وانما كانت من تدبير وتخطيط أجهزة المخابرات الاسرائيلية، نقول ذلك، على الرغم من ادراكنا لحقيقة ان معرفة خلفية وتفاصيل ووقائع هرب الطيار، ليست مهمة الباحث، فالباحث يعتمد على المصادر العلنية في تحليله لأية واقعة او ظاهرة، وهو ليس مطالباً بالضرورة، أن تكون المصادر التي ينهل منها معلوماته، مصادر سرية ومحدودة، فذلك ملك لاجهزة اخرى غير مؤسسات الابحاث والباحثين. لكن ذلك لا يمنع من بذل محاولة جادة، للتمحيص في ضوء استقراء المعلومات والمعطيات المتاحة والمتداولة، وصولاً الى استخلاص نتائج لا تنأى عن الحقيقة او الواقع بعيدا.
ويمكن أن ننطلق في محاولتنا هذه من عدة اعتبارات ومفاهيم:
على الرغم من التطورات التي شهدتها المنطقة منذ عام 1974، خاصة ما يتعلق منها بالمتغيرات التي طرأت على موقف بعض الانظمة العربية من الصراع العربي – الاسرائيلي، فان اسرائيل اتجهت بشكل جاد الى تنمية وتحطيم قدراتها العسكرية، بالمقارنة مع حجم قوتها قبل ذلك التاريخ، سواء على صعيد التسليح التقليدي وفوق التقليدي وغير التقليدي، وبفضل تعظيم هذه القدرات، تحولت الى اكبر قوة عسكرية اقليمية، هذه الجهود المكثفة والمتواصلة لبناء القوة العسكرية الجاهزة، لتحقيق اهداف استراتيجية في المنطقة، وصفها خبير لشؤون الاستراتيجية، الاسرائيلي المعروف (البروفيسور يحزقيل درور) في كتابه (الاستراتيجية العظمى لاسرائيل).
هذه الاستراتيجية، تسعى عبر الاداتين الدبلوماسية والعسكرية، الى تكريس السطوة الاسرائيلية في المنطقة، وتعتقد الدوائر الاسرائيلية ان المنطقة اصبحت منطقة نزاع وان اسرائيل قادرة ان تملأ هذا الفراغ بمفردها.
واكبت الحركة الاسرائيلية الحثيثة على صعيد تعظيم القوة العسكرية خطوات اخرى على صعيد آخر هو صعيد الانشطة الاستخبارية. ففي سنة 1980 عقدت لجنة التنسيق المركزية بين اجهزة الاستخبارات الموساد وأمان وشفاخ سلسلة من الاجتماعات بهدف صياغة استراتيجية عمل جديد لهذه الاجهزة خلال الثمانينات والتسعينات.
وتضمنت تلك الاستراتيجية، خطة لتكثيف وتوسيع دائرة النشاط الاستخباراتي في جميع الاقطار العربية بدون استثناء في المجالات التالية:
مجال جمع المعلومات الشاملة عن الاقطار العربية.
مجال العمليات الخاصة كالاغتيال والتخريب والخطف.
مجال تنظيم شبكات الجمع وعمليات الاختراق والاغراء والاغواء.
مجال الحرب النفسية بجوانبها المختلفة لزعزعة ثقة الجانب الاخر بنفسه عن طريق الترويج للاشاعات واشاعة الفرقة بين الجماعات التي تتكون منها المجتمعات العربية.
وفي ضوء ذلك بدأت تلك الاجهزة في تكريس جهودها، للاختراق ومد نشاطها الى اقصى ناحية في المنطقة العربية، لكن قدرة هذه الاجهزة على تنفيذ خططها، اعتمدت أساسا على استثمار عدة عوامل مساعدة وقنوات لتمرير هذا النشاط مع اقامة محطات التجسس ونشر الوكلاء. وقد بدأ هذا الاستثمار للعوامل التي تهيأت، والقنوات التي اتيحت للكيان الاسرائيلي بعد عام 1967، ثم تعززت بعد عام 1974، يأخذ اشكالا مختلفة منها:

استثمار القنوات المباشرة:
هذه القنوات لم تكن مهيأة او قائمة قبل عام 1967، الامر الذي تعذر على تلك الاجهزة الاسرائيلية استخدامها مباشرة، مما اضطرها الى الانطلاق في نشاطها من محطات اخرى في البلدان الاوروبية او الافريقية او الآسيوية. وقد استخدمت هذه القنوات لارسال بعثات التجسس والوكلاء الى الاقطار العربية القريبة منها او البعيدة، الذين بدأوا ينتقلون من اسرائيل مباشرة الى الاقطار العربية، عبر منافذ عديدة على النحو التالي:
استخدام بعض العناصر من عرب الضفة وقطاع غزة وايفادهم الى الاقطار العربية، بدعوى زيارة ذويهم، او الدراسة في جامعاتها، والعمل فيها، او تحت ستار اداء فريضة الحج. وقد دفعت اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بعشرات من هؤلاء، بعد ان تم تجنيدهم بوسائل مختلفة، سواء كان منها الترهيب او الترغيب او الابتزاز، وليس المجال هنا يتسع للخوض في تفاصيل ومفردات حول هذا النشاط، لكن ذلك لا يمنع من التذكير بحادثة زرع جاسوس في السفارة السعودية في عمان، اعطت له الموساد اسما حركيا هو “شيكيد” ثم قامت بايفاد كل من حسين عيسى الخالدي، وعبد الوهاب محمد حسن الزعبي، وفلاح سالم جلود، لتنظيم شبكات جاسوسية في عدة اقطار عربية، مستعينة بأقربائهم الذين يعملون في اجهزة حساسة.
استخدام السياح الاجانب من اليهود وغير اليهود والذين يزورون اسرائيل ثم ينتقلون الى الاقطاؤر العربية مباشرة في مجال جمع المعلومات ومعرفة النوايا، لدى هذه الاقطار.
ج- استخدام اليهود الاسرائيليين، وبعض العرب من المناطق المحتلة عام 1948، في مهمات تجسسية عن طريق محاولة هؤلاء استغلال تنقلاتهم، ولقاءاتهم مع فلسطينيين وعرب يقيمون في اوروبا الغربية والولايات المتحدة، وفي بعض الاقطار العربية، فضلاً عن استخدامهم لاشخاص يهود يدعون معارضتهم للسياسة الاسرائيلية الرسمية.
وكان بن ناتان، اول من استخدم عام 1968، لمهمة تجسس استطلاعية، بمقتضاها يقوم بتصوير قاعدة صواريخ مضادة للطائرات في مصر. عندما هبط بطائرته غربي القناة والتي كانت مجهزة بآلات دقيقة، وكان قد قدم الى مصر بدعوى قيامه بمهمة سلمية، ولكن تكشفت عام 1971 معلومات حول تلك المهمة الاستطلاعية الخطيرة التي أداها “بن ناتان”، بينما أخفقت كل الرحلات الاستطلاعية للطائرات الاسرائيلية في تنفيذ تلك المهمة، بفعل اعتراض وسائل الدفاع الجوي المصري لتلك الطائرات.
اما القنوات غير المباشرة التي بدأ جهاز الجاسوسية الاسرائيلي يعتمد عليها، منها تجنيد بعض العناصر من العمالة الاجنبية العاملة في الاقطار العربية، سواء كانت اوروبية او آسيوية او امريكية او افريقية لجمع المعلومات، وقد تولت محطاته الاستخبارية في تلك القارات تجنيد هذه العناصر واغوائهم، اما بالمال او عن طريق تأمين وكالات لها لشركات اجنبية.
د- استخدام الشركات المتعددة الجنسيات التي لها تعاقدات في الاقطار العربية لهذا الغرض استنادا الى بعض هذه الشركات مملوكة لاسرائيليين، وتم تسجيلها في الدول الاوروبية وامريكا الشمالية، تعمل في مجالات النقل البحري والمشاريع الانشائية والصناعية والخدمات وقد استطاعت احدى الشركات الاسرائيلية والتعاون مع شركة امريكية، ان تقوم بتنفيذ مشاريع عمرانية في بلد عربي مثل اقامة مدن ومراكز ومباني عامة، وتمكنت من ايفاد عدد من خبرائها الى اقطار عربية من خلال تزويدهم بجوازات سفر امريكية.
هـ- استخدام العنصر النسائي من اليهود في تجنيد الطلبة الذين يدرسون في الاقطار العربية، او الموفدون في بعثات عسكرية، بالمال او توريطهم تحت اي ظرف.
بعد ان عرضنا بشيء من الايجاز لجهود اجهزة المخابرات الاسرائيلية المركزة، وأنشطتها المختلفة، ضد اقطار الوطن العربي، نصل الى طرح سؤال هام، هو: ما علاقة ذلك بحادثة هرب الطيار السوري الرائد محمد باسم العدل؟
وللاجابة على هذا التساؤل نقول: من تحليل قرار أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بتكثيف نشاطها وتوسيعه في الاقطار العربية بغية احداث اختراقات خطيرة، نخلص الى ان ليس من المستبعد ان تكون عملية هروب الطيار نتاج احدى الاختراقات الاسرائيلية للجيوش العربية.
وبغض النظر عن الظروف والملابسات التي احاطت بهذه العملية، والتي يصعب على اية دراسة او باحث سبر أغوارها قبل واثناء حدوثها، لابتعاد ذلك عن مهمة الاثنين، فالامر الهام هنا الذي يستحق التوقف هو: ان اذاعة صوت اسرائيل الناطقة بالعربية دأبت منذ عام 1980، وعلى فترات منقطعة على اذاعة نبأ لافت للنظر ضمن برنامجها المعروف –صباح الخير- في يوم 1/ 6/ 1982 هذا نصه:
“نشرت احدى المجلات الامريكية ان وكالة المخابرات المركزية الامريكية، اعلنت مكافأة قدرها ثلاثة ملايين دولار لأي طيار يفر بطائرة ميغ 23 او 25 الى الولايات المتحدة او أية دولة حليفة للولايات المتحدة”.
وفي اذار 1968، أذاع نفس الراديو النبأ التالي: “تهتم المخابرات الامريكية بمعرفة اسرار الطائرة الروسية الميغ 25، وقد رصدت مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لأي طيار روسي، او من اوروبا الشرقية او من افغانستان او دول الشرق الاوسط، يمتلك هذا النوع من الطائرات”.
وقال الراديو “ان الاعلان نشر في عدة صحف امريكية كصحيفة “نوفويا روسكيا سلوفو ” التي تصدر باللغة الروسية بالولايات المتحدة، بالاضافة الى صحف النيويورك تايمز، ومجلة تايم وغيرها.
في يوم الجمعة 22/ 9/ 1989، 29/ 9/ 1989 أذاع نفس الراديو الخبر التالي “تبدي الدوائر الامريكية قلقها الشديد ازاء حصول دول في الشرق الاوسط على طائرات روسية متطورة مثل طائرات ميغ 29، الموجودة في سوريا والعراق وليبيا، وكذلك افغانستان بالاضافة الى الطائرات القاذفة المتطورة من طراز سوخوى 24”.
وقد دفع هذا القلق بالاجهزة السرية الامريكية الى تخصيص مكافأة قدرها سبعة ملايين دولار لأي طيار يفر بطائرة من طراز ميغ 29 وسوخوى 24.
من ناحيتها، أشارت مجلة “مطرا” الاسرائيلية المتخصصة بشؤون الاستخبارات في عددها رقم 1 الصادر عام 1987، الى ان دوائر الاستخبارات الامريكية تتوقع لجوء طيارين بطائرات روسية متطورة الى الولايات المتحدة او دولة حليفة في أقرب وقت بعد الاعلان عن هذه المكافأة السخية”.
وكانت نفس المجلة قد أشارت في عددها رقم (1989) الى ان الولايات المتحدة قد دفعت مكافأة قيمتها ربع مليون دولار، لعدد من الافغان نجحوا في تهريب دبابة سوفيتية من طراز تي 62 المحسن.
ومن الامور التي لفتت الانظار ايضا ما اذاعه راديو الجيش الاسرائيلي (جالي تساهال) في نشرته الاخبارية الموجزة الساعة (3.30) من صباح يوم 13 تشرين الاول، والخبر اذيع خارج اطار النشرة وسرد على شكل احدى الطرائف، قال الراديو “الطيور لا تعرف الحدود، واحد النسور اجتاز الحدود الشمالية وانضم الى مجموعة من النسور تعشعش فوق رأس جبل الشيخ، ليعيش معها، بأمان واطمئنان”.
وبغض النظر عن مدى العلاقة بين هذه الانباء التي تكرر بثها عبر وسائل اتصال مسموعة ومقروءة في اسرائيل وبين واقعة هروب الطيار محمد باسم العدل، فاننا لا يمكننا بالطبع الفصل بينها وبين الجهود الاسرائيلية التي تكثفت وتصاعدت وتيرتها في السنوات الاخيرة، لتحقيق اختراقات استراتيجية في الاقطار العربية داخل المؤسسات العسكرية والسياسية والمجالات الاخرى في نطاق من الحرب الخفية، بغية احداث تصدعات داخل هذه الاقطار.
قد يثار جدل حول اسباب اختيار طيار سوري وطائرة ميغ متطورة لتكون هدفا لعملية الاستخبارات الاسرائيلية.
بادئ ذى بدء، لا بد من القول بان الاستخبارات الاسرائيلية اهتمت بالدرجة الاولى بالحصول على طائرة متطورة ووسائل قتالية اخرى تصنع خارج اطار الدول التي تتعامل معها اسرائيل. ولما كانت سوريا من بين ثلاث دول عربية هي العراق وليبيا تمتلك مثل هذه الطائرات والوسائل، فانه من البديهي ان يتحول طيار سوري الى هدف وهدف قريب، لا يحتاج الى قطع مسافات كبيرة قد تكون مشبعة بالاخطار.
اما اختيار الطائرة ميغ 23، فانه نابع – كما أسلفنا – من اهتمام اسرائيل بمعرفة قدرة الجيوش العربية التي تحصل على السلاح من خارج اسواق السلاح الغربية. وفيما يتعلق بالسلاح الغربي الاوروبي والامريكي ليست اسرائيل بحاجة الى عناء لمعرفة أدق الاسرار عنه، اما عن طريق الحصول عليها مباشرة، او عن طريق الحصول على تصميماتها وخطط انتاجها وتقنياتها من الشركات المنتجة مباشرة.
اما بالنسبة للاسلحة المصنوعة خارج هذه الدوائر وبالذات في الاتحاد السوفيتي السابق، فان الوقوف على اسرارها ليس بهذه السهولة.
من هنا اتجه الجهد الاستخباري الاسرائيلي الى هذه الطائرات، والى طائرات اخرى اكثر تطورا فضلا عن وسائل قتال اخرى سيسعى الى توجيه جهده للحصول عليها في المستقبل، انطلاقا من عدة دوافع اهمها:
اولا: الابقاء على عامل التفوق في جانب اسرائيل وتكريس عامل الضعف والتدني في الجانب العربي، وتسعى اسرائيل لضمان هذا التفوق بوسيلتين:
حيازة أكثر أنواع الاسلحة التقليدية وغير التقليدية تطورا من الناحية التقنية والعملياتية عن طريق الشراء او التصنيع المحلي.
منع العرب من امتلاك الاسلحة المتطورة عن طريق التأثير على الدول الموردة للأسلحة مثل الولايات المتحدة او الحصول عليها من بعض الاقطار العربية بطريقة او باخرى. ويتم ذلك بواسطة الحصول على هذه الاسلحة بطريقة جيمس بوندية من اجل معرفة اسرارها وتحديد نقاط الضعف والقوة فيها واستنباط دروس تفيد في تعديل وتحوير الاسلحة الاسرائيلية، بما يمكنها من مواجهة الاسلحة العربية.
احداث التأثير المعنوي والنفسي المدمر لدى الجيوش وافراد الشعب في الاقطار العربية اذ تحاول اسرائيل ان تستثمر حالة التردي التي تعيشها المنطقة، من اجل دفع هذه الحالة الى مزيد من التردي والانهيار، في هذه الاقطار، في ذات الوقت فان الدوائر الاسرائيلية التي تواجه ثورة جماهيرية عارمة في المناطق المحتلة منذ عقد الثمانينات واخفقت في اخمادها، ارادت توجيه ضربة معنوية قاصمة الى هذه الانتفاضات عبر هذا النوع من العمليات، كاغتيال قادة الانتفاضات، ثم تهريب الطائرة السورية.
وبالفعل فان الاعلام الاسرائيلي يستغل هذه الحادثة بشكل محموم ويحاول اقناع جماهير الارض المحتلة انها تحرث في البحر وانه لا جدوى من وراء الاستمرار في اعمال العنف اما السبب المباشر من وجهة نظر وسائل الاعلام – أن الارض التي تنطلق منها هذه الاعمال، أرض هشة وان الظهير العربي ظهير وهمي يعاني من انهيارات وتصدعات مختلفة شاملة.
اخيراً، ليس من شك ان هذه العملية ستكون لها أثار، لن تقتصر على سوريا وحدها، وانما ستمتد على طول الساحة الاقليمية. وهذه الآثار، قد تتعدد مجالاتها، عسكريا واستراتجيا ونفسيا، فالمواطن العربي يتساءل الآن، كيف حدث هروب ثلاث طيارين من اسلحة جو عربية محتلفة ولجوئهم بهذا الشكل الى كيان معادي، بينما لم يقدم جندي اسرائيلي واحد على تسليم نفسه، أو اللجوء الى دولة عربية، يحمل معه ولو مسدس صغير؟
هذا السؤال المطروح في الشارع العربي لا يعبر بالطبع عن انهيار معنوي، كما توخت الدوائر الاسرائيلية وانما يعكس حالة من القلق ورغبة في معالجة الموقف عن طريق رفع مستوى الحيطة والحذر، ليس لدى اجهزة الامن العربية فحسب، ولكن لدى كل مواطن حريص على أمن بلده، وسلامته من الأخطار الخارجية، التي ما زالت تحيق بالوطن العربي، على الرغم من مظاهر الهدوء الخادع.
والنتيجة التي يمكن استخلاصها هي ان أجهزة استخبارات الكيان الاسرائيلي لن تألو جهداً في سبيل تنفيذ المزيد من عمليات من هذا القبيل في الستقبل، وربما عمليات ذات طابع أكثر خطورة، واثارة، الامر الذي يستوجب، التشدد في الاجراءات الامنية لاحباط أية نشاطات اختراقية للمؤسسات العسكرية العربية.

* المفاعل العراقي اوزيراك
على أثر الضجة العالمية التي واجهتها اسرائيل عقب اعلانها عن مسؤليتها في تدمير المفاعل النووي العراقي (اوزيراك) في ايلول 1981، حدث تحول في السياسة الاسرائيلية تجاه التعامل مع الاهداف الاستراتيجية العربية ذات الصبغة العسكرية. حيث تبنت القيادة الاسرائيلية أساليب المخابرات التحتية في استخدام العمليات الخاصة لتدمير هذه الاهداف بهدف حرمان العرب من امتلاك اي سلاح ردع مضاد يمكنه ان يحد من فاعلية احتكارهم النووي والصاروخي الذي تشهره اسرائيل كسلاح ردع جسيم في مواجهة الدول العربية، إذا ما تصدت الاخيرة للاهداف الاسرائيلية في البلدان العربية القائمة على التوسع في القوة وضم الاراضي العربية واستيطانها بواسطة جحافل المهاجرين اليهود من كافة أنحاء العالم. وفي حقيقة الامر ان هذا النمط في استخدام اساليب المخابرات التحتية من خلال العمليات الخاصة ليس تجديد على السياسة او الاستراتيجية الاسرائيلية، فقد مارسته من قبل ومنذ الخمسينيات والستينيات، الا انها كشفت عن استخدامه في الآونة الاخيرة، مع تنامي القوة العسكرية العربية، واصرار الدول العربية على امتلاك سلاح ردع مضاد للردع الاسرائيلي، يكبح من جماح الاطماع الاسرائيلية ويؤمن الحد الادنى من متطلبات الأمن القومي العربي.
عندما وافقت فرنسا في 18 ت2 1975 على تزويد العراق بمفاعل نووي قدرته 70 ميجاوات (اي ثلاثة اضعاف قدرة المفاعل النووي الاسرائيلي في ديمونا عند بدء تشغيله)، بالاضافة الى مساهمته في انشاء مركز كبير للدراسات والابحاث النووية بالقرب من بغداد، بدأت الموساد الاسرائيلية تعد العدة لتخريب البرنامج النووي العراقي بمختلف الاساليب والاشكال مهددة العراق تارة، ومنددة بفرنسا، ومثيرة للرأي العام تارة اخرى عن طريق تكبير حجم القنبلة النووية العربية- غير الموجودة اصلا- الى حد ان صحيفة هاأرتس الاسرائيلية صدرت صفحتها الاولى وفيها ما نشيت بقول (القنبلة النووية العربية… هي نهاية اسرائيل). كما ارسل وزير خارجية اسرائيل سفيره في باريس عام 1976 بتقديم احتجاج لوزير خارجية فرنسا على بيع المفاعل النووي للعراق محاولا اقناعه بعدم اتمام الصفقة. وفي 4 نيسان 1979 أقدمت الموساد على تخريب أجزاء من المفاعل النووي الذي كان يجري الاعداد لشحنه الى العراق من ميناء يقع بالقرب من مدينة مرسيليا يسمى (لاسين سورمير)، وذلك قبل نقله الى العراق بـ 48 ساعة. وقد كشف عن دور الموساد في هذه العملية في مقابلة بين أحد رجال الموساد ومجلة ألمانية، اعترف فيها أنه اشترك مع ستة من زملائه في نسف المفاعل النووي الذي كان على وشك ان يشحن الى العراق.
وقد أعلن أحد المسؤولين الفرنسيين عقب الحادث ان ما حدث في مرسيليا سوف يؤخر تسليم المفاعل النووي لمدة ثلاثة اشهر. وكعادة المخابرات الاسرائيلية لجأت الى الاعتماد على اسلوب التمويه فألصقت التهمة بالمخابرات الليبية بحجة حرص ليبيا على تفوقها النووي، في حين ألصقت المخابرات الأمريكية التهمة بالمخابرات الفرنسية نفسها، برغم ان فرنسا في ذلك الحين كانت تريد انقاذ نفسها من الورطة التي وقعت فيها بالموافقة على مد العراق بمفاعل نووي. وفي نفس الوقت بدأت اسرائيل تتعقب علماء الذرة المشاركين في البرنامج النووي العراقي وعلى رأسهم عالم الذرة المصري الدكتور يحيى المشد، الذي نبغ في الطبيعة النووية ووضعه العراق مشرفا على البرنامج النووي الخاص به، وتعقبته أجهزة الموساد ودبرت له حادثة اغتيال في فندقه بباريس. وقد علقت اذاعة اسرائيل آنذاك على مقتل الدكتور يحيى المشد، بأن موته سوف يؤخر البرنامج النووي العراقي سنتين، وقد اتجهت أصابع الاتهام الى الموساد بالرغم من اعلان حركة تسمى نفسها (حماية الثورة الإسلامية) عن مسؤليتها عن العملية. وفي نفس الوقت بدأت أنظار الموساد تتجه نحو الشركات الفرنسية المتعاونة مع البرنامج النووي العراقي، وكانت آخر خطوة في هذا الاتجاه تتمثل في التهديدات التي تمت باسم منظمة سرية ادعت أن اسمها “اجنحة حماية الثورة الاسلامية”، بنسف منشآت مجموعات الشركات العاملة في بناء المفاعل النووي العراقي، اذا ما سلمت مفاعل الابحاث النووي للعراق.
كذلك حاولت الموساد نسف منزل عالم الذرة الفرنسي الكبير (جان جاك جراف) الذي كان يعمل في مشروع (أوزيراك) – الاسم الرمزي للمفاعل النووي العراقي – الا ان المنزل الذي نسف كان يخص بائع كتب يحمل نفس اسم عالم الذرة الفرنسي، وكانت نهاية المطاف في البرنامج النووي العراقي، تتمثل في الهجمة الجوية الاسرائيلية التي شاركت فيها القاذفات المقاتلة من طرازات ف -15 و ف- 16 تحت اسم عملية (بابل)، والذي أشرف على تنفيذها مناحم بيجين رئيس وزراء اسرائيل آنذاك ومعه اسحق شامير وأرييل شارون ومعهم رئيس الاركان الاسرائيلي الجنرال روفائيل ايتان ورئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية الجنرال يهوشاع ساجي وقائد القوات الجوية الاسرائيلية الجنرال دافيد عفري.
وقد استغرقت هذه الغارة دقيقتين فقط انتهى بعدها كل شيء ففي 1981، قام سلاح الطيران الإسرائيلي بإحدى عملياته لنسف المفاعل الذري العراقي المخصص للاغراض السلمية دون ان يسبب وفاة اي انسان يهودياً كان او عربياً. وهذا الانجاز يرجع الى كفاءة طياري سلاح الطيران الذين نفذوا عملية سليمة أوجدت لهم شهرة دولية. ولكن هذه العملية لم تكن لتنفيذ لولا العمليات الاستخباراتية الواسعة التي سبقتها خلال عشر سنوات على اقل تقدير.
لقد كان على الاستخبارات الحصول على معلومات عن الهدف والخطط الرامية الى انشاء المفاعل الذري وعن مكانه وقدراته التكنولوجية وعن نوع المواد التي صنعت منه، والموعد الذي يمكن ان يضرب فيه المفاعل قبل أن يبث إشاعات قاتلة. وقد نشرت في وسائل الإعلام الدولية بعض المعلومات عن محاولات لتشويش عملية البناء مع المساس بعملية الانتاج ومع محاولة ردع العلماء الاجانب للاشتراك في عمليات التطوير والبناء.
إن هذه الانجازات كانت بفضل نشاط الهيئة الاستخباراتية، والذين شاركوها في جمع المعلومات وتحليلها.
بعد ذلك جاءت مرحلة تقديم المعلومات والتقديرات للمسؤولين، والذي كان عليهم اتخاذ قرار من حيث المبدأ حول مهاجمة المفاعل الذري وموعد تنفيذ عملية الهجوم. فقد كانت هذه المعلومات وفيرة ومن مصادر موثوق بها، وكان التقدير دقيقاً قام به خيرة المحللين في مجال التكنولوجيا الموجوين في الهيئة الاستخباراتية.
وعندما صدر القرار بالقيام بالهجوم، كانت هناك حاجة ماسة إلى معلومات كثيرة في مرحلة التخطيط التي تعتبر مرحلة معقدة للغاية. لقد كانت ثمة ضرورة للحصول على معلومات عن خط الرحلة الجوية وتقدير العراقيل المتوقعة لحين وصول المهاجمين الى هدفهم، في أقصر مدة ممكنة، وتنفيذ المهمة بدقة متناهية. لقد كانت هذه المعلومات ذات أهمية كبيرة نظراً لطول مدى الرحلة الجوية وكمية الوقود اللازمة أيضاً. ويجب أن نضيف إلى هذا أنه في مرحلة اتخاذ القرار كانت هناك ضرورة لتقدير ردود الفعل المتوقعة من العراق، والدول العربية الاخرى بالاضافة الى الدول العظمى ويتضمن ذلك تقدير احتمال قيام العراق بعملية انتقامية ضد اسرائيل.
في هذه المرحلة الخطيرة كان هناك شيء من التردد والتحفظ، واعتراض من جانب قادة شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” وقد قام رئيس الاستخبارات الاسرائيلية –الموساد- في ذلك الوقت بتأييد عملية الإنقاذ الحيوية. وإعداد الخطة التي بنيت على المعلومات التي وفرتها الاستخبارات ثم بدأت مرحلة التنفيذ.
وهنا كانت حاجة الى معلومات دقيقة وواسعة، لمرافقة الطائرات المهاجمة حتى وصولها الى الهدف وفي رحلة عودتها. في هذا المجال نفذت استخبارات سلاح الطيران الاسرائيلي عملاً فنياً متقناً وعندما تم تدمير المفاعل الذري تنفست اسرائيل الصعداء. وكما هو متوقع نجد ان التقديرات نسبت كلها الى سلاح الطيران الإسرائيلي. إن مؤلفي الكتب ممن تطرقوا لهذه العملية أشاروا الى ان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عارض هذه العملية عبر تقديره السلبي للردود المحتملة من جانب الدول العربية والعراق.
وقد اعترفت الحكومة الاسرائيلية رسميا بهذه العملية وعلى الملأ. وقد ثبت ان هناك عميلا اسرائيليا بين العاملين الفرنسيين في المفاعل النووي العراقي قام بزرع بعض المعدات الالكترونية داخل المفاعل مما سهل مهمة الاسرائيليين. وكان أخطر ما أذاعه بيغين حول هذا الموضوع العبارة التالية: “ان التعاون كان قائما مع الولايات المتحدة لمعرفة ما كان يجري داخل المفاعل النووي العراقي”. ولعل ذلك يفسر تساؤلنا التالي: لماذا لم تبلغ طائرات الأواكس التي كان يقودها الامريكيون من السعودية عن الغارة الاسرائيلية رغم قدرتها الفائقة على رصد كل كبيرة وصغيرة تحدث في المنطقة. كما جاء على لسان رئيس جهاز المخابرات الاسرائيلية (الجنرال حوفي) ان بعض اجهزة المخابرات الاجنبية قد تعاونت مع المخابرات الاسرائيلية لتسهيل مهمتها في تدمير المفاعل – ولعله كان يشير بذلك الى اجهزة المخابرات الامريكية والفرنسية – وقد أيد بيغين هذا التصريح.

* حادثة مصنع الصواريخ العراقية عام 1989:
كشفت مجلة (مطرا) التي تعنى بشؤون الاستخبارات والأمن عدد 13 عام 1990، كذلك مجلة (با أفير) التي تعني بشؤون الطيران الاسرائيلي، نقلا عن مصادر أجنبية ان المخابرات الاسرائيلية – الموساد – كانت وراء حادث تدمير منشأة عسكرية عراقية لإنتاج وتركيب الصواريخ في صيف عام 1989، وقالت مجلة (با أفير) عدد 16 شباط 1990 أن عملاء الموساد استطاعوا التسلل الى المصنع وتدميره، وقد نقلت المجلة هذه المعلومات عن مجلة ( ARMADA)، وقد اختلفت التقديرات حول كنه المصنع الذي تعرض للعملية التخريبية الاسرائيلية، فبينما ذكرت بعض المصادر انه المصنع الخاص بانتاج الصاروخ (كوندور 200) ذو الأصل الارجنتيني والذي شاركت العراق مصر في تصنيعه، ذكرت مصادر أخرى انه مصنع آخر خاص بتطوير الصواريخ السوفيتية (سكود- ب) بتكنولوجيا المانية غربية، والذي قام بانتاج الصواريخ الحسين (650 كم) والعباس (900 كم) وتموز الذي أطلق الى الفضاء الخارجي، والعابد (2000 كم).
ولقد كان لنجاح العراق في تطوير هذه الصواريخ أصداء في اسرائيل، بسبب قدرة هذه الصواريخ على النيل من العمق الاسرائيلي، ذلك العمق الذي كان في مأمن من الأسلحة العربية طوال الحروب الماضية أصبح اليوم تحت رحمة أسلحة الردع العربية من صواريخ أرض/ أرض بالستية وقاذفات مقاتلة حديثة (مثل السوخوي 24)، لذلك فهو متغير استراتيجي خطير على ساحة الصراع العربي- الاسرائيلي من الممكن أن يقلب الكثير من الموازين الاستراتيجية في المنطقة. ولما كان العراق سباقا في هذا الميدان بحكم ظروف حرب الخليج، فقد ركز – الموساد- الاسرائيلي جهوده تجاه العراق، ومنحه اولوية في عملياتها الخاصة التخريبية، ولم تعلن اي من اسرائيل او العراق عن هذا الحادث، لذلك تضاربت المعلومات حول حجم الخسائر في المنشآت والافراد. إلا أنه من المؤكد أن إسرائيل لم تنجح بعملياتها الخاصة هذه في تحجيم النشاط العراقي في تطوير ترسانته الصاروخية، حيث تمكن العراق بعد هذه العملية من اطلاق صاروخه – تموز – الى الفضاء، كذلك تجربة صاروخه الاستراتيجي -العابد- ذي المدى 2000 كم. وقد كشفت بعض مصادر المعلومات عن اهمية هذه العملية التي خططتها – الموساد- الاسرائيلية قد استخدمت في تنفيذها بعض العملاء من الاجانب العاملين في هذه المصانع.

* مصنع الرابطة الليبي
كانت كل من الولايات المتحدة واسرائيل قد شاركتا في شن حملة سياسية واعلامية ضد ليبيا، بحجة امتلاكها مصنعا لانتاج مواد الحرب الكيمياوية في منطقة الرابطة جنوب طرابلس بحوالي 80 كم. وبينما ذكر كتاب (سيبرى) لعام 1987، والذي يصدره مركز الدراسات الاستراتيجية في سويسرا، ان امتلاك ليبيا للاسلحة الكيمياوية غير مؤكد، الا ان تقارير المصادر الاعلامية الامريكية مثل شبكة (ان. بي. سي) في ايلول 1988، والاسرائيلية مثل التقرير السنوي لمركز (يافي) للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة تل ابيب، قد دأبت على التأكيد بأن ليبيا لديها في الرابطة مصنع كيمياويات ينتج 10 الاف طن من الغازات الكيمياوية. وقد أكد اكثر من متحدث رسمي باسم الخارجية الامريكية ما ذكرته الشبكة التلفزيونية الامريكية، حيث قالوا ان الولايات المتحدة لديها ادلة قوية تشير الى قيام ليبيا بانشاء مصنع قادر على انتاج الاسلحة الكيمياوية، وان المصنع الليبي وبحلول عام 1990 سيوشك على الوصول الى طاقته الانتاجية الكاملة. الا ان المسؤولين الليبيين قد نفوا هذا الزعيم، وذكروا ان المصنع المشار اليه هو مصنع للادوية، وانهم لا يمانعون في اجراء التفتيش الدولي عليه. الا أن المسؤولين الامريكيين أصروا على انه مصنع للمواد الكيمياوية، بل اضافوا ايضا انهم لا يستطيعون استبعاد احتمال اللجوء الى العمل العسكري لايقاف نشاط هذا المصنع الذي تساهم في انشائه احدى الشركات الالمانية للكيمياويات.
وفي خلال شهر شباط واذار من عام 1990 تجددت الاتهامات الامريكية والاسرائيلية ضد ليبيا حول نشاط مصنع الرابطة، ثم فوجئ العالم في 15 اذار بنبأ نشوب حريق بهذا المصنع دمر معظم منشآته. وقد أشارت التحقيقات الليبية ان الحريق حدث بفعل فاعل، واتهمت ليبيا المخابرات الالمانية بالتورط في هذا الحريق بالتعاون مع كل من المخابرات الامريكية والاسرائيلية، واعلن الرئيس الليبي الراحل القذافي عن خطوات لتصفية الوجود الاقتصادي الالماني في ليبيا ردا على التورط الالماني. الا ان كلا من الرئيس الامريكي بوش الاب والمسؤولين الالمان نفوا علاقتهم بهذا الحريق. وادعى وزير الدفاع الامريكي وقتها ديك شينى أن سبب اندلاع الحريق بمصنع الرابطة يرجع الى وقوع حادث داخلي بسبب عدم كفاءة العاملين في المصنع وأعرب شينى في تصريح له اذاعه راديو صوت امريكا عن ارتياحه لان المصنع اصبح على ما يبدو غير قادر على الانتاج. كما صرح مارلين فيتزووتر المتحدث الرسمي باسم البيت الابيض بان الحريق كان بداية لا بأس بها من منظور التدمير الكامل للمصنع.
الا أن النشرة الاسرائيلية (موليدت) رقم 17 الصادرة في شهر اذار/ 1990، كانت اكثر صراحة في القاء الضوء على الدور الاسرائيلي في عملية حريق مصنع الرابطة الليبي، حيث أشارت الى ان اسرائيل هي صاحبة المصلحة الاولى والاخيرة في تدمير المنشأة الليبية التي اقيمت لانتاج اسلحة الحرب الكيمياوية، وذلك على الرغم من ان الولايات المتحدة هي الاخرى ذات مصلحة في تدمير هذا المصنع. وقالت النشرة ان اسرائيل ترى ان تدمير المنشآت التي تشكل خطورة على امنها داخل الدول العربية، يمكن ان يتم بوسائل غير تقليدية، حتى لا تترك أية عمليات معلنة مضاعفات سياسية على غرار عمليات (جيمس بوند) وكانت تعنى بذلك القيام بعمليات تخريبية باسلوب (تحتي) غاية في السرية دون الاعلان عنها، كما اعلن عن ضرب المفاعل النووي العراقي – او الكشف عن الواقفين وراءها. كما وجهت حكومة المانيا الغربية الاتهام الى رجل اعمال الماني غربي، يدعى ( جرجن هيبنسابل ايمهاوزن) الذي يملك شركة (ايمهاوزن للكيمياويات) بانتهاك قوانين الصادرات الالمانية، لمساعدته في بناء مصنع الرابطة الليبي. وقد نفى ذلك الشخص مساعدته في شحن معدات الى المصنع الليبي.

* عملية ليلهمر
لعل اسم مايك هراري من اكثر الاسماء شيوعاً في عناوين الصحف. ويميل كثير من الناس الى ربط اسم هذا الشخص، والذي كان رئيسا للعمليات في الموساد بالفشل في ليلهمر. واستنادا الى بعض المصادر الاجنبية نقول:
إنه في ايلول 1972 أطلقت النار على “اوفير تسادوك” واصابته، وكان يعمل لصالح الموساد في سفارة اسرائيل في بروكسل، وكان عمله سري للغاية، وفي هذا اليوم من شهر ايلول كان لديه موعدا ليسلم المشرف عليه معلومات سرية عن احتمال قيام اعتداء على مؤسسات يهودية في بلجيكا. وقد نجا الوكيل “اوفير تسادوك” من هذا الحادث، وأصيب بدلا منه فتى له ملامح شرقية، مغربي الاصل، له ماض إجرامي ووقع هذا الحادث في مقهى محلي.
وفي نفس الوقت عثر على جثة “خضر كانو” أحد العاملين في اذاعة دمشق، حيث كان يعمل وكيلا للموساد ولم يثق فيه المشرفون عليه الى حد كبير، كما انه كان المنفذ لجريمة قتل رجال ” منظمة أيلول الاسود”. وبناء على ذلك، فعندما عثروا على جثته التي اخترقها الرصاص، لم ينبه هذا الحادث أيا من رجال الموساد، ولم يستطع أحدهم عقد صلة بين هذا الاغتيال ومحاولة اغتيال اوفير تسادوك.
بعد هذين الحدثين بشهور معدودة، في كانون ثاني 1973، خرج باروخ كوهين رجل عمليات – الموساد- الشهير في اوروبا للقاء مع وكيل في مدريد عاصمة اسبانيا. كان من المقرر أن يكون هذا لقاء مألوفا ككل اللقاءات التي تتم بين الوكلاء والمشرفين عليهم، والتي كانت تتم في اسبانيا، ولذا لم تتخذ اجراءات أمنية خاصة. وحتى يومنا هذا ظل ما حدث في هذا اللقاء الذي لم يعد، منه باروخ كوهين طي الكتمان. وكل ما ذكرته التقارير المشوشة والمتناقضة التي وضعتها الشرطة الاسبانية، هو انه فور سماع طلقات نارية، شوهد شخصان لهما ملامح عربية يهربان بالقرب من اونيديا جوزيه انتونيو، أحد الشوارع الرئيسية والمزدحمة في اسبانيا.
وبعد ذلك أمكن الاعتقاد، بأنه كانت ثمة صلة بين اغتيال “خضر كانو” وبين محاولة اغتيال “اوفير تسادوك”، فقد برهن اغتيال “باروخ كوهين” في مدريد على انه كانت لدى رجال منظمة ايلول الاسود معلومات جمة عن نشاط الموساد في اوروبا، ومتابعة متقصية لرجال العمليات والمجندين، وأغلب الظن بأن الفلسطينيين قد استمدوا المعلومات من وكيل عربي كان يعمل لحساب الموساد وقد اثار حادث الاغتيال هذا، والذي تم في مدريد البلبلة في رئاسة الموساد في تل ابيب، وبالاستناد الى مصادر اجنبية، وبناء على قرارات “تسفى زمير”، رئيس الموساد آنذاك، تقرر إعادة تنظيم رجال العمليات والوكلاء في اوروبا.
واستغرقت عملية تغيير الاشخاص المحوريين، وتم حل شبكات بأكملها، وبدت نقطة ضعف اعادة تنظيم في نقص التجربة العملية العملية للمشرفين الجدد، وهي حقيقة أدت فيما يبدو الى الفترة التي كان يعاني فيها الموساد من احباط شديد، وإلا فكيف لنا ان نفهم سقوطه في شرك، وهو المنطقة الاستخبارية القديرة، الذكية والتي تتمتع بشهرة واسعة، وكيف نفسر تورطه في قضية اغتيال مخزية، كتلك التي حدثت في ليلمهر.
وهناك عدة عوامل اخرى خارجية بوسعنا ان نضيفها الى جانب نقص خبرة رجال العمليات الاسرائيلية في اوروبا، منها السلوك المتحرر من جانب حكومة السويد، ونمط التأمين الاجتماعي، وربما ايضا الفتيات السويديات الشقراوات التي جعلت من السويد مزارا ومركزا لليسار الجديد في اوروبا، وهو اليسار الذي يؤيد الفوضى والفدائيين الفلسطينيين. وقد اتخذت الدول الاوروبية كلها إجراءات أمنية خاصة. بناء على عمليات خطف الطائرات التي قام بها فدائييون فلسطينيون.
اما الدول الإسكندنافية، فانها لم تتخذ أية إجراءات، استنادا الى اعتقاد ساذج بأنها ليست طرفا في النزاع الشرق اوسطي، وأن تلك حقيقة تجعلها بمأمن من الارهاب، ولعل تلك العوامل وغيرها، مما جعل من الدول الإسكندنافية مرتعا خصبا لنشاط المخربين.
ولذا، فليس ثمة ما يدعو للدهشة، اذا اعتمدنا على مصادر اجنبية، والتي تقول بأن معلومات “طازجة” وصلت من بيروت الى رئاسة الموساد حول احتمال خطف طائرة ركاب نرويجية وسلمت على الفور (للخدمات السرية) لكل من النرويج والسويد والدانمارك. أما عن المعلومات التي تفيد ان المخرب المطلوب القبض عليه “علي حسن سلامة” والذي أطلق عليه لقب “الامير الاحمر” من قادة “أيلول الاسود” أقام قاعدة مؤقتة في النرويج وينوي أن يجند شبكة مخربين للقيام باعتداءات في جميع انحاء اوروبا، فقد كانت هذه المعلومات أهم ما دفع الموساد الى اعادة تنظيم وبشكل سريع، والى اقامة خلية متابعة وتصفية لهذا المخرب الذي فر هاربا من محاولة اغتياله في بيروت.
وقد رأى الموساد في تصفية علي حسن سلامة عملية لها أهمية واولوية من الدرجة الاولى، الى الحد الذي وضع مايك هراري الذي كان رئيسا لقسم العمليات في الموساد، شخصيا على رأس خلية التصفية.
ويتبين من خلال المعلومات الضئيلة التي جمعت عن هذه العملية، ان مايك هراري شكل خلية عمليات مكونة من اربعة عشر شخصاً، ضمت رجال تصفية ومساندة وشؤون ادارية ومعدات ورجل إشارة وعدة اشخاص للمراقبة والمتابعة.
ولم تكن هذه الخلية متجانسة او مدربة بأية حال، وانما كانت تشكيلا شخصيا غريبا تم جمعه بغرض القيام بالعملية. وقد استخدم الموساد – وفقا لما نشر- اسرائيليين خدموا في الجيش الاسرائيلي لاعمال المتابعة واجتازوا تدريبات مناسبة، ولكنهم لم يكونوا رجال موساد مستديمين. وبالفعل جند لهذه العملية عدة اشخاص كانوا يبدون مناسبين للمهمة بسبب صفاتهم الشخصية المميزة، ومن بينهم: سيلفيا رفائيل، من مواليد جنوب افريقيا. دان اربل، من مواليد الدانمارك. ماريانا جلدنيكوف، من مواليد السويد. وقد تم تجنيدهم بسبب اصلهم الاسكندنافي، والمامهم باللغة ومعرفتهم بعادات وتقاليد المكان، ثم انضم اليهم تشفى شتاينبرج، من مواليد البرازيل، وميخائيل دورف.
وقد استخدام مايك هراري للعملية جواز سفر فرنسي يحمل اسم ادوارد ستينسلس لاسكير، اما ابراهام جيمر، الذي كان المسؤول عن عمل المراقبة، فقد ظهر كمدير مدرسة من انجلترا باسم “ليسلى اوربام” ولا تتوفر لدى من كتبوا عن هذه العملية كثير من التفاصيل عمن قام بعملية التصفية، غير انهم – اي مؤلفوا الكتاب – علمنا من شهود عيان، انه كان أشقر اللون طويلا، وسيما، ويحمل جواز سفر انجليزي باسم “يوناتان اينجليي”.
كانت بداية العملية هي في متابعة لفلسطيني اسمه “كامل بن نعمان”، الذي كان يقيم في جنيف، وكان من المقرر حسب المعلومات ان يكون بمثابة حلقة اتصال حسن سلامة، ولما كان في طريقه من جنيف الى النرويج، لم يشك أي من التابعين في ان تتبع آثاره ستؤدي الى حسن سلامة وإلا فلم بذل كل هذا الجهد ليقطع طريقا طويلا من جنيف في سويسرا الى ليلهمر في النرويج؟ ثم تبين فيما بعد، أنه سافر لمقابلة سفرجي مغربي اسمه “احمد يوشيكي” لمحاولة تجنيده في نشاط تخريبي.
وفي 21 تموز 1973 وصلت مجموعة التصفية المكونة من ثلاثة أشخاص الى ليلهمر، يستقلون سيارة مرسيدس خضراء وسجلوا اسماءهم في فندق “أوبلنت توريست اوتيل” بأسماء يوناتان إينجليي – انجليري، رولف باهر – الماني، جيرار إميل لافوند- فرنسي، وبالطبع كانت جوازات السفر الثلاثة مزورة. وفي نفس الوقت سجل في فندق يحمل اسم “اسواولرود” عميل آخر باسم كال، كان لمايك هراري شكوك بخصوص ليلهمر كمكان يلتقي فيه حسن سلامة مع كامل بنعمان، ولذلك قسم مجموعة المتابعة وترك ثلاثة أشخاص في اوسلو عاصمة النرويج لربما يكون سفر بنعمان الى ليلهمر يقصد به التضليل. غير أنه في مقهى “كارولين” في ليلهمر التقى كامل بنعمان بعربي تم التعرف عليه حسب صورة كان يحملها المتابعون، وقد كانت صورة حسن سلامة الذي غادر المكان بعد المقابلة راكبا دراجة، وبالرغم من ان حسن سلامة (ذا الالف وجه) كان معرفا بحبه للحياة المترفة، إلا ان مشاهدته راكبا دراجة لم يثر دهشة المتابعين.
وبعد ان ترك ليلهمر وكان واضحاً لمجموعة المتابعة في اوسلو ان كامل بنعمان قد غادر النرويج ايضا في طريق عودته الى جنيف، وبناء عليه انضمت سيلفيا رفائيل ودان اربل وابراهام جيمر الى زملائهم في ليلهمر، وأعطت الموافقة للعملية.

* عملية جبل الكرمل- هار هاكرمل-
في ساعات ما بعد ظهر نفس اليوم 21/ 7/ 1973، قامت جماعة من الفدائيين مكونة من فلسطينيين ويابانيين، بخطف طائرة جامبو تابعة لشركة الخطوط الجوية اليابانية (چال) في أثناء رحلتها من امستردام الى طوكيو، سمى الخاطفون عملية الخطف هذه باسم عملية “جبل الكرمل”. وبالرجوع الى مصادر أجنبية، كان لدى الموساد معلومات عن احتمال خطف طائرة ركاب بهدف اسقاطها فوق منطقة مزدحمة بالسكان في اسرائيل، وإحداث خسائر فادحة في الارواح. ولذا فقد أعلن في رئاسة الموساد بتل أبيب عن حالة استعداد قصوى، ووجه كل الاهتمام الى الطائرة المخطوفة، والتي شقت طريقها الى اجواء الشرق الاوسط. وكانت ذكرى اعتداء الفدائيين اليابانيين على مطار اللد ما تزال ماثلة في اذهان الجميع، وقد كان هذا التشكيل المكون من فدائيين فلسطينيين ويابانيين بعواقب وخيمة، وتبين فيما بعد، ان قائدة العملية فتاة عراقية، وأنها قتلت إثر انفجار قنبلة يدوية على جسمها وهبط باقي أعضاء الخلية بالطائرة في دبي وانتظروا التعليمات، وعندما وصل طلب التصديق بتنفيذ العملية في ليلهمر، كانت القلوب معلقة والعيون شاخصة الى الطائرة المخطوفة، وصدر التصديق بتنفيذ العملية بدون مراجعة اخرى.
في الساعة العاشرة والنصف ليلا، خرج من دار السينما المحلية “أحمد بوشيكي” السفرجي المغربي الأصل وزوجته النرويجية الحامل، وكانا في طريقهما الى منزلهما. ولم يشعرا بسيارة “مازدا” تتابعهما، ولما تنبها لذلك، لم يكن بوسعهما عمل شيء، فقد انطلق شخصان من السيارة يمسكان ببندقية “برتا”، وفجأة سقط يوشيكي مضرجا في دمائه، ولم يكن قد ارتكب إثماً سوى أنه قريب الشبه بعلي حسن سلامة.
وفي ليلهمر، وهي بلدة صغيرة يعرف السكان فيها بعضهم البعض، تمكن هؤلاء السكان من التعرف على الاجانب الذين وطأوا المكان وقدموا تفاصيل مميزة عنهم، وبالرغم من ان الشرطة النرويجية عملت بصورة بطيئة، إلا ان غباء مجموعة المقاومة، أدى الى القبض على اعضائها الستة، وتم إبلاغ جميع المطارات برقم السيارة البيجو البيضاء التي كان يستخدمها، وان اربل وماريانان جلاد نيكوف. وفي اليوم التالي تم تحديد مكان الاثنين، وكانا مستقلين نفس السيارة في مطار اوسلو، وألقى القبض عليهما، ثم أرشد الإثنان رجال الشرطة الى الشقة التي كانت مأوى لهم، ومن ثم فقد ألقى القبض كذلك على ابراهام جيمر وسيلفيا رفائيل، ثم علي تسفى شتاينبرج وميخائيل دورف في شقة أحد العاملين في سفارة إسرائيل في النرويج. وقدموا جميعا الى المحاكمة، وارسلوا لقضاء فترة السجن التي تراوحت بين عام وخمسة اعوام ونصف وقد أطلق سراحهم بعد تقصير مدة السجن. ومن المبادئ المعروفة في عملية كهذه، أن تخلى المنطقة، ثم تدخل بعدها مجموعة التصفية لتأدية عملها. وفي هذه العملية لم تتم مراعاة حتى هذه المبادئ الاساسية، فبقيت مجموعة المتابعة في الخلف وتصرفت بغباء، فهرب المحترفون، وتم بعد ذلك تحديد مكان السيارة المرسيدس في كوبنهاجن. واختفى باقي افراد الخلية وعلى رأسهم مايك هراري بنفس الطريقة التي ظهروا بها، هذا باستثناء أفراد الخلية الستة الذين تم القبض عليهم.

* منظمة التحرير الفلسطينية
لقد حققت شعبة الاستخبارات الاسرائيلية انجازات كبيرة خلال سنوات عملها في مجال التقدير. وليس ثمة شك في أن هذا التقدير الواقعي انما جاء بفضل المعلومات التي جمعت من شعبة الاستخبارات “أمان” ومن “الموساد”، بواسطة الجهات الصديقة، ولنا أن نذكر من خلال ما ذكرته النشرات الاستخباراتية الخاصة ما حدث في الماضي حين اخطأت شعبة الاستخبارات في تقديرها على الرغم من المعلومات الوفيرة التي كانت متوفرة لديها. وفي تلك الحالة التي نحن بصددها فليس ثمة خطأ. فقد قدرت شعبة الاستخبارات في السنوات الماضية تقديراً سلمياً لقوة منظمة التحرير الفلسطينية في المناطق وفي تونس وثقلها على الساحة الدولية. إن شعبة الاستخبارات الاسرائيلية تقدر أنها هي القوة الرئيسية التي لا تحظى بمنافسين وليس ثمة أمل في ايجاد بديل لها في المناطق المحتلة.
وهذه المعلومات وتلك التقديرات يمكن ان تساعد القيادة الاسرائيلية على تكوين فكرة سليمة نحو عوامل القوة الحقيقية، ومن هي القوات الفلسطينية التي يمكنها اجراء مفاوضات اذا ما ارادت ذلك.
وكذلك كان الحال بشأن موضوع التحول في سياسة الولايات المتحدة بالنسبة الى منظمة التحرير الفلسطينية، في اواخر فترة حكومة ريغان وشولتز، والذي يعتبر تحولاً مهما طرأ على الظروف العربية والدولية. وقد قدرت شعبة الاستخبارات تقديراً سلمياً لم يفاجئ زعماء اسرائيل بان الولايات المتحدة اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية وبدأت معها بمفاوضات في تونس.

* حرب سلام الجليل
وحتى في حرب سلام الجليل، التي كانت حرباً فاشلة غير ذات أهمية، لعبت هيئات الاستخبارات الاسرائيلية “الموساد”، و “أمان” دوراً هاما فيها وكأي حرب من الحروب، نجد ان حرب سلام الجليل كانت بحاجة الى معلومات كثيرة تحتاجها اسرائيل عن الاهداف وعن طبيعة الارض وانتشار القوات العربية وقواتها الاحتياطية وتقدير طبيعة عملها وقت الحرب. هذا بالنسبة لقوات منظمة التحرير الفلسطينية والجيش السوري. كما كانت هناك ضرورة للحصول على معلومات جمة عن تضاريس الارض، ومجموعة متنوعة من الخرائط وصور جوية كثيرة وذلك بغية التخطيط والتحرك. وذلك لمعرفة التقديرات الدقيقة لقوة العرب في كل موقع.
ان ذروة انجازات الاستحبارات في الحرب كانت تلك المتعلقة بالمساعدات التي قدمت لسلاح الطيران الاسرائيلي، والتي مكنته من إسقاط 85- 100 طائرة سورية في المعارك الجوية دون فقده لأية طائرة، ومكن ايضا من ضرب الدفاعات الجوية السورية في سهل البقاع. وقد كانت هناك ضرورة ملحة للحصول على معلومات على المستوى الاسترايجي بين العرب، وهذا ايضا مما وفرته هيئة الاستخبارات الاسرائيلية في مجالٍ مرضٍ.

* سلاح الطيران الإسرائيلي كقوة رادعة
ان سوريا لم تتعرض للهجوم بصورة عامة عام 1982 بسبب أخطاء القيادة على المستوى السياسي والاستراتيجي. وما تم من الانجازات على قلته الا انه كان من الانجازات العظيمة التي حققت ضد سلاح الطيران السوري ودفاعاته الجوية. وليس ثمة شك في ان النتائج التي تحققت في هذه المواجهة أعطت الرئيس السوري الراحل الذي كان في الماضي طياراً وقائداً لسلاح الطيران، مبرراً للتفكير في قوة سلاح الطيران.
وهذه الحقيقة هي إحدى عوامل الردع الهامة التي كبحته عن المبادرة بالحرب ضد اسرائيل. ومنذ انتهاء حرب لبنان كانت شعبة الاستخبارات الإسرائيلية “أمان” تواجه مشكلة حول كيفية تقدير موقف سوريا وإمكانية تدبيرها شن حرب ضد اسرائيل.
وخلافاً لموقف رئيس شعبة الاستخبارات الاسرائيلية، الذي عمل خلال الفترة ما بين 1970 و 1982، والذي يرى ان سوريا تتطلع الى مهاجمة اسرائيل، وحتى وان استقالته من هذا المنصب لم تغير فكرته تلك بل انها كانت مما يردده دائماً على وسائل الاعلام، إلا أننا نجد الاستخبارات الاسرائيلية وقد اعتقدت بعد 1983 اعتقاداً آخر.
ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، تقدم شعبة الاستخبارات الاسرائيلية كل عام تقديراً عاماً يستبعد قيام سوريا بالهجوم وهذه التقديرات كانت تعتبر وعلى مدى الست سنوات الماضية تقديرات صائبة وليس هذا بالامر الهين، نظراً لأن هذا التقدير قد يعرض اليهود وغيرهم لاخطار جسيمة. وينتابنا العجب ترى لم تبد الاستخبارات الاسرائيلية جرأة كي تقدر وتتنبأ عما سيحدث خلال الثلاث سنوات القادمة، تذكر ان سوريا لن تقوم بشن حرب ضد اسرائيل؟ وهذا احتمال قائم استناداً الى الظروف السياسية السورية العربية والدولية. إن هذا التقدير يبلغ ذروة الاهمية بالنسبة لمجال التخطيط الاقتصادي لعدة سنوات، الامر الذي قد يكون له تأثير على تخصيص موارد الأمن، وطغيان هذه المخصصات على باقي مجالات نشاط المجتمع.
ولهذا فمن الجائز أن تجرؤ الاستخبارات يوماً على وضع تقدير لمدة ثلاث سنوات فيه بعدم نشوب حرب، وذلك كي لا تضطر الى زيادة مخصصات ميزانية الدفاع على حساب النمو والازدهار الاقتصادي، والتعليم والصحة وغير ذلك من الخدمات. ويمكن تقديم مثل هذا التقرير الذي يعتمد على رقابة وظيفية مرنة يمكن بواسطتها تغيير الخطة وزيادة الاموال المخصصة للأمن، هذا وفقا لتغير الظروف والعوامل الاستراتيجية المؤثرة مثل تغيير نظام الحكم في العراق والاردن ومصر.
ولكن الاسرائيليين المتخصصين يسرفون في تصوراتهم ان طلبوا مثل هذه التقديرات الجريئة من شعبة الاستخبارات الاسرائيلي الخاطئة في تشرين اول 1973 لم تمح بعد من العقلية الاسرائيلية. الا ان الانجاز الذي حققته شعبة الاستخبارات وفي مجال حيوي لأمن اسرائيل يشيد به من قبل اكثر المتخصصين الاسرائييلين ونذكر أنه يفوق ويمحى بعض النكسات التي منيت بها في مجالات اخرى لم يكن بها كبير اهمية.

* اخيرا …
وتأسيساً على ذلك، فان من البديهي ان نتوقع تصعيدا في الانشطة الاستخباراتية للكيان الاسرائيلي ضد الاقطار العربية التي تسعى الى تأمين قدرات دفاعية، بالاستناد الى امتلاك ناحية التكنولوجيا العسكرية المتطورة. وهذا النشاط المحموم يتركز بالدرجة الاولى على مجموعة من الاقطار العربية التي قطعت شوطا في هذا المضمار، ومن بينها مصر والعراق وسوريا وليبيا. وقد جاء الكشف عن شبكات تجسس اسرائيلية عديدة التي اقامتها المخابرات الاسرائيلية في مصر، ليؤكد حقيقة ما تردد عن أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية تقوم بنشاط محموم، لمراقبة النشاط التسليحي في بعض الاقطار العربية بدعوى تجنب اسرائيل مفاجأة في المستقبل. وكانت عدة اوساط قد أشارت في هذا الشأن الى محاولات اسرائيل لاغراء بعض العناصر، وعرض مبالغ طائلة عليها للتوجه الى هذه الاقطار والاستقرار فيها، تحت ستار اقامة مشاريع زراعية لمراقبة هذا النشاط. وكانت دراسة صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية الاسرائيلي قد حذرت من مغبة ولوج العراق وليبيا المجال النووي، وضرورة التصدي وبشتى الوسائل لاي برنامج نووي عربي.
واذا كانت هذه الاجهزة تقصر نشاطها في مصر على جمع المعلومات والمراقبة، فان انشطتها ضد الاقطار العربية الاخرى (العراق وسوريا وليبيا) وربما ضد دول غير عربية، مثل باكستان ستتجاوز هذا الحد الى القيام بأنشطة تخريبية، لمنعها من امتلاك وسائل الردع والتقدم التكنولوجي.
* المـــراجـــع
1- حازم حسن العلي- اجهزة مخابرات الكيان الصهيوني، الدار العربية للنشر والترجمة، القاهرة.
2- شلو جازيت – تقديرات في مواجهة التنبؤ في العمل الاستخباراتي. ترجمة محدودة التداول.
3- ن.ج- تقرير سري لـ C.I.A – المخابرات الاسرائيلية في العالم العربي، مجلة الاسبوع العربي (باريس)، العدد 20/ 4/ 1987.
4- يعقوب كروز – اجهزة الاستخبارات العربية.
5- كبار جواسيس اسرائيل، ترجمة محدودة التداول.
6- اجهزة المخابرات الاسرائيلية، نشرة دراسات، الدار العربية للنشر والترجمة.
7- شؤون اسرائيل العسكرية، العدد 115 (تموز/ 1990) الدار العربية للنشر والترجمة.
8- مجلة مطرا لشؤون الاستخبارات والامن، اسرائيل.
9-التقرير العسكري والعلمي والتكنولوجي ، العدد 29 (ك2/ 1990 ) الدار العربية للنشر والترجمة ، القاهرة ، نشرة محدودة التداول
11-نير اليعزر – ايلي كوهين ، مجلة معراخوت ، نشرة محدودة التداول
12-مجموعة مؤلفين – دقيقتان فوق بغداد ،ترجمة موسى علي – مديرية التطوير القتالي –بغداد
13- Israel foreign intellegence and security sevices./مديرية التطوير القتالي ، بغداد ، ترجمة محدودة التداول