19 ديسمبر، 2024 5:48 ص

الموت .. والقش .. والظهيرة

الموت .. والقش .. والظهيرة

( 1 )

وأفقنا
نحنُ خمسون صبيّـاً وصبيّــة
حقلنا خلف التلال الساحليــه
بيننا خمس صحارى،
فحملنا الأفؤس البيض الفتيّــه
وتركنا بيتنا الراكعَ في الليل .. وأسرجنا الخيول العربيه
وانطلقنا .. نتبارى ..ونغنِّـي
ونجوم الليل تفاح ضياء ِ
وشذى الرمل بخورٌ . والمدى دون انتهاء ِ
….
( 2 )
حينما اجتزنا ربا الصبّـار .. أصبحنا رفوفْ
ــ كلُ رفٍّ عشرةٌ منا ــ
ولكنّـا انطلقنا
دون أن نسمع أصوات الكهوفْ
فلقد أغْـلَـقَـنَـا عنها هوانا :
ربوةٌ .
أخرى .
وأخرى
والخيولْ
كرماح النار تجتاز القفار 
بعدُ لم نلمحْ على الأفق مناديلَ النهار .

( 3 )
ها هنا بعض ُ بقايا مقبره
أتعبتها الريحُ، لفتها الرمال
لم تزل فيها بقايا مقصلة
تحتها بعضُ عظام ٍ وطرابيشُ وصُرّه
وبقايا من رماح صدئات ٍ وسيوف
غرست في الرمل ِ، لم نسأل،
ولكنا انطلقنا من جديد ِ
غير أَنّــا قد نقصنا نصف رفْ
….
( 4 )
لم نزلْ نركض، والفجر أطلْ
فوقنا تركضُ أفراسُ غمامْ
وزقازيق حمامْ .
قد بلغنا من صحارانا الأخيره
لم نزل فيها ، ولكنّــا افترقنا :
بعضنا سار على أقصى اليسار
شاهرا ألوية ًحُمراً بألوان الحرائق
 وأهازيجَ وأعواد َ مشانق.
بعضنا  سار على أقصى اليمينْ
حالما، مستسلما، يبحث عن بئر ٍ فقيد
فتركناه وحيدا، وانطلقنا من جديد
ــ لم نعد إلاّ ثلاثين صبيّــاً وصبيّــة ــ
نتبارى .
لم نزل نركض والفجر أطلْ .
….
( 5 )
قد وصلنا حقلنا عند الظّهيره
فأقمنا خيمة ً من فرح ِ
ونزعنا عندها عبءَ الطريق
شبحٌ كان فذرْذرنا حُطامَ الشّبح ِ
وحملنا بأغانينا المحاريث الكبيره
ومضينا نزرع الخبزَ لأطفال قرانا
ــ لم نكن إلاّ ثلاثين صبيّـاً وصبيّـة ــ
آه ٍ ما أحلى الظهيرة
حينما تشهد ميلاداً جديداً لقرانا ..؟!
….
( 6 )
حقلنا كان جزيرة :
من هنا تلٌ .. وتلٌ من هناك
من هنا كهفٌ .. وكهفٌ من هناك
وإذ ِ انداحت أيادينا القصيرة
تسحب الشمسَ إلى شاطي الجزيرة
هزَّنا صوتٌ مخيفٌ من بعيد
مثل حبل ٍ من دم ٍ خضَّ سفينة .
كان في شاطئنا الآخر شيخ ٌ يطلب الغوثَ ويبكي :
( أنا أجوفْ ،
أنا مملوء ٌ بقشٍّ وغبارْ
أرضُنا أمست يبابا،
أطبق الموتُ علينا). 
لم نشخ نحن، هتفنا :
ــ  مَـن هو الصارخ ُ؟
– (إني أنا إليوتُ العجوز ْ)
كان قطّاً شاخَ في ليل ِ المدينه 
فركضنا نحوه ُ نحن المليئين بأرحام سكينة
….
( 7 )
لم أخفْ قطُ ، ولكنّ رفاقي
رنّحوا الشمسَ ، وضجّوا باختناق :
( لم يعدْ من حولنا غير أفاع ٍ، وضبابْ
ها هو الأفقُ مغطّىً بالسراب
وبأشباح الظلامْ
قلقٌ يأكلنا.. يَـفْري دمانا)
نظروا ..
لم يبصروا كفَّ المسيح ِ
عائداً يحملُ كالورد ِ عيونَ الشهداء 
لم يرو ِ رأس ” برومثيوس ” المورِّدْ
يتحدى الريح في درب ِ الفداء
لم يروا نور محمد
ــ (أي جدوى ) ؟!
– ألف جدوى
              حينما نكسرُ أنيابَ أسانا ،
                     قبل أن تنشب َ في لحم ِ سوانا 
                      أن نلاقي الموتَ بالورد ــ بطوله
                             فلقد ملَّ دمَ الطّافينَ في قيءِ الرجوله .
( 8)                  
أنكروا شمسَ الظهيره
فإذا الحبّ عويلُ
وإذا الأعين أبوابُ قبور ٍ، والدمُ الساخنُ تَـفْـلٌ ووحولُ
خيلُـهم صارت خيولاً من تمور ٍ أكلوها !
وإذا اليأس ُ علامه
حفرتها قطّـة ٌ فوق جباه الشعراءْ
أصبح الكلُ (مليئين بقشٍّ وغبار)
(غرباءْ)
وتهاووا
( 9 )
وبلا ــ طين ٍ بعينيَّ ــ تطلّعتُ إلى أفقي المنوّر
فإذا قَّبة ُ عطر، ومرايا،
وشراع ٌ أخضرُ البوْح ِ منشّرْ
وإذا حقلي فمٌ فكَّ لجامَـهْ
صار في قلبي حمامـــهْ
فضحكتُ
وتفّـتحتُ :
إلى ألف ِ جهنّـم
أيها الجوّفُ المليئون بقشٍّ وغبار
وانحنيتُ
أفتحُ الباب لإنسان بلادي
ليرى الله على كلّ الوهاد ِ
ويوارى بالحكايات السعيده
صَحبَـنا الجوفَ .. الضحايا ..
ولتعش في أرضنا البكر البطوله
وأيادينا القصيره
والغناء
ولتعش شمسُ الظهيره .

أحدث المقالات

أحدث المقالات