-1-
من أكبر الأسباب التي جعلت عتاة الارهابيين يمضون في تنفيذ مخططاتهم الارهابية بنجاح ، أنهم وضعوا الخطط المدروسة لجرائمهم، وبكل دقة وعناية، في حين أننا لم نستطيع ان نتقدم كثيراً في ميدان التخطيط والعمل الاستخباراتي الدقيق …
رغم ان المليارات الكثيرة قد خصصت لهذه الغاية وأنفقت ولكن دون أن تظهر آثارها الايجابية ..!!
-2-
يحدّثنا التاريخ :
ان الرسول (ص) لما فتح خيبر وأعرس بصفيّة بنت حيي بن أخطب ، جاءه الحجّاج بن علاط السلمي وقال :
” إنّ لي بمكة مالاً …
ولي مالٌ متفرق عند تجّار مكة “
واستأذن الرسول (ص) في العودة الى مكة، قبل وصول خبر اسلامه الى أهلها ، وقال :
( أخاف ان علموا باسلامي ان يذهب جميع مالي بمكة ، فائذن لي لعلي أخلصه ) .
فاذن له الرسول (ص) .
أقول :
ان الحجّاج خططّ لاستنقاذ ماله من أهل مكة، فلماذا لم نستفرغ وسعنا لانقاذ البلاد والعباد من براثن الارهاب ؟!
الارواح لاتقاس من حيث الاهمية بالأموال ؟!
حتى بعد ثبوت فشل أجهزة الكشف عن المتفجرات … بقي العمل بها قائماً حتى الساعة ..!!
وجاء في التاريخ ايضاً
ان الحجاج بن علاط السلمي أطلع الرسول (ص) على نيته في ان يخادع أهل مكة لاسترجاع ماله منهم ..
قال الحجاج السلمي :
(فخرجت ، فلما انتهت الى الثنية – ثنية البيضاء – وجدتُ رجالاً من قريش يتسمعون الاخبار ،وقد بَلَغَهمُ ان رسول الله (ص) سار الى خيبر ، فلما أبصروني .
قالوا :
هذا لعمر الله عنده الخبر ،
أَخبرنا ياحجاج فقد بلغنا ان القاطع – ويعنون به محمداً (ص) – قد سار الى خيبر .
قال :
قلت :
انه سار الى خيبر ، وعندي من الخبر ما يسركم .
قال :
فأحدقوا حول ناقتي يقولون :
ايه يا حجاج
قال :
فقلتُ هُزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ، وأُسر محمد ، وقالوا لانقتُله حتى نبعث به الى مكة فيقتلونه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم .
قالوا :
فصاحوا بمكة :
قد جاءكم الخبر ، وهذا محمد، انما تنتظرون ان يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم .
قال : فقلت :
أعينوني على جمع مالي من غرمائي فاني أريد ان أقدم خيبر فأغنم من ثقل محمد وآصحابه قبل ان يسبقني التجار الى هناك ،
فقاموا فجمعوا لي مالي كاحسن ما أحبّ .
فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر ، أقبل عليّ حتى وقف معي الى جانبي، وأنا في خيمة من خيام التجار فقال:
ياحجاج ماهذا الخبر الذي جئتَ به ؟
قال :
فقلتُ وهل عندك حفظ لما أودعه عندك من السرّ ؟
فقال :
نعم والله
قال :
قلتُ استأخر عني حتى ألقاك على خلاء (اي على انفراد )
فاني في جميع مالي كما ترى .
فانصرف عني حتى اذا فرغتُ من جميع كل شيء كان لي بمكة ، وأجمعت على الخروج ، لقيتُ العباس فقلت له :
احفظ علي حديثي يا أبا الفضل فاني أخشى ان يتبعوني ،
فاكتم علي ثلاثة ايام ثم قل ما شئتَ ،
قال :
لك عليّ ذلك
قال :
قلتُ والله ما تركتُ ابن اخيك الا عروساً على ابنة ملكهم – يعني صفية – وقد افتتح خيبراً ، وغنم ما فيها ، وصارت له ولأصحابه .
قال :
أحقٌ ما تقول ياحجّاج ؟
قال :
قلتُ : اي والله ، ولقد اسلمتُ وما جئت الا مسلماً لآخذ مالي خوفاً من ان أغلب عليه ،
فاذا مضت ثلاثة فَأَظْهِرْ امرك فهو والله على ما تحبّ .
قال :
فلما كان في اليوم الرابع ، لبس العباس حُلة له ، وتخلق بالطيب ، وأخذ عصاه ،ثم خرج حتى أتى الكعبة فطاف بها ، فلما رأوه قالوا :
يا ابا الفضل هذا والله هو التجلد لحر المصيبة .
قال :
كلا والذي حلفتم به
لقد فَتحَ محمد خيبر ، وترك عروساً على ابنة ملكهم ، وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابِهِ
قالوا :
من جاءك بهذا الخبر ؟
قال :
الذي جاءكم بما جاءكم، ولقد دخل عليكم مسلما ، وأخذ ماله ، وانطلق ليلحق محمداً وأصحابه ليكونوا معه .
قالوا :
عدو الله
أما لو علمنا به لكان لنا وله شأن
قال :
ولم يلبثوا ان جاءهم الخبر “
وهكذا خدع الحجاج بن علاط السلمي أهل مكة ، وحقق غايتين مهمتين :
1 – قطع عليهم الطريق لأرسال النجده لأعداء الاسلام …
2 – استنقذ حقه منهم كاملاً غير منقوص .
ولولا التخطيط الدقيق لما توصل الى شيء من ذلك .
ولقد تَفَوَّق بخططه تلك على كثير من صانعي الخطط المعاصرين، الذين لم نلمس منهم حتى الآن أية براعات تذكر ، ولا حول ولا قوة الاّ بالله العلي العظيم .