المواطن العراقي بين الانتماءالوطني والانتماءالطائفي

المواطن العراقي بين الانتماءالوطني والانتماءالطائفي

لقد عنونت مقالتي هذه بعنوان يحمل دلالات عميقة أثرت في نفوس أبناء الشعب العراقي الشرفاء الذين لا يعنيهم الصراع والاختلافات التي طرأت على التاريخ العراقي في العقدين الأخيرين، وما زالوا يعيشون على انتمائهم الوطني للدولة العراقية بكل أسسها وجذورها. إن الانتماء المذهبي أو الديني يمكن أن يكون موضوعًا، ولكن من زوايا فكرية اجتماعية، وأصبح في الوقت الحاضر ربما سياسيًا أيضًا تستفيد منه بعض الكتل والكيانات والأحزاب التي تعتاش على الطحالب وتريد أن تنمو في هذا المجتمع النظيف، وكأنهم أصحاب مبادئ ولديهم رسالة تهدف إلى بناء الإنسان العراقي الجديد ولكن بطرقهم الخبيثة التي جاءوا بها من خارج الحدود بحجة الديمقراطية، وما هي إلا صراعات على السلطة ولتغطية الفساد المالي لأحزابهم وكياناتهم.
إن التاريخ العراقي ومنذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ما زال ذلك المواطن يحمل هويته الوطنية رغم كل التحديات المتراكمة التي مرت به، ولكن أعظمها وأخطرها كانت ظهور هذه البقعة السوداء في تاريخ العراق بعد عام 2003، حيث أصبحت الانتماءات الطائفية والمذهبية تتصدر المشهد السياسي والاجتماعي، وأصبح الشعور بالانتماء الوطني شبه معدوم. وربما أصبح الانتماء لصالح الطائفة فقط وليس لصالح العراق، وهنا يعيش المواطن في وضع صعب جدًا فتجاذبه هويتان: هوية الوطن وهوية المذهب، وأصبحت فرصة كبيرة لتلك الأحزاب اغتنموها بحجة مذهبية ليمرروا مخططاتهم الطائفية الدنيئة، متجاهلين تاريخ هذا البلد صاحب الحضارة العريقة…
إن الهوية الوطنية العراقية ومنذ تأسيس اللبنة الأولى للدولة العراقية كانت متعددة ومتنوعة وجميعها أطياف جميلة، ففيها العرب والكرد والتركمان والشبك، وفيها المسلمون بشيعتهم وسنتهم والمسيحيون والصابئة والايزيدية، وهذا التنوع هو مصدر قوة للدولة وللشعب ولتعدد الثقافات وتنوع العادات والتقاليد في المجتمع، ولكنه من غير الممكن أن يكون كذلك إذا لم يكن هناك مشروع وطني كبير.. في الطائفة مهما كان عدد أفرادها وحجمها تكون دومًا أصغر من العراق وتجدها ضعيفة في بعض الأماكن لأنها تفتقر إلى رابطة أخوة الوطن.
لقد كان دور المحتل في تهيئة الأحزاب السياسية بكل مسمياتها وداخل كل أطياف المجتمع وإعطاء الإشارة على أن يكون تشكيلها ضمن منهاج طائفي، وهذا يدل على أن الغاية هي تقسيم العراق على أساس عرقي ومذهبي واضح.. وأصبح المواطن هو الضحية الذي ضاعت كل حقوقه وفقد ثقته بمؤسسات الدولة، ورأى أن الوطنية قد أصبحت بحكم الماضي وأنه لا يستطيع أن يأخذ حقه بالكامل باعتباره عضوًا مشاركًا في هذه الدولة…
وهنا ظهرت الحركات الاحتجاجية في عام 2019 والتي كان شعارها “نريد وطنًا ونرفض الطائفية بكل مسمياتها ونريد هوية وطنية تتجاوز كل الانتماءات الضيقة التي جاءت بها الأحزاب الحاكمة”، وأصبح الجميع يدرك سواء كانوا من السنة أو الشيعة أو العرب أو الكرد، مسلمين وغير مسلمين، أن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم أصبح في دوامة الخطر وأنه لا وطن بلا مواطنة ولا يمكن لدولة أن تقوم بلا عدالة ولا يمكن للعراق أن يعيش بعيدًا عن وحدة في أراضيه وفي مفهومه السيادي…
ويبقى السؤال الذي يردده الشارع العراقي دومًا: هل يمكن إعادة بناء الهوية العراقية على أسس ومفاهيم وطنية تتجاوز عنق الزجاجة الطائفية أم أن المذهب سوف يكون عائقًا وربما قاتلًا للدولة المدنية التي تجمع كل أطياف المجتمع…
عرض خطورة خطاب الازدراء والتحريض الطائفي المتصاعد ضد شيعة العراق.docx. صفحة 1 من إجمالي 4

أحدث المقالات

أحدث المقالات