23 ديسمبر، 2024 2:44 ص

المواطنة العراقية .. الهوية الضائعة

المواطنة العراقية .. الهوية الضائعة

فشلت حكومات هذا البلد منذ تأسيس الدولة الحديثة قبل ما يقارب الـ 100 و لغاية اليوم في إستثمار الخيرات الغزيرة المتاحة لبناء وطن حقيقي و تحسين جودة الفرد و المجتمع على حد سواء وفقا لمبادئ المواطنة و العدالة الإجتماعية و المساواة بين الأفراد في الحقوق و الواجبات دون أي تمييز جنسي أو عرقي أو ديني أو مذهبي أو فئوي أو غير ذلك .

هذا الفشل الذريع لا تتحمل مسؤوليته الحكومات و الأنظمة السياسية فحسب بل تتشارك فيه معها فئات الشعب عموما و ذوي النفوذ القبلي و الإجتماعي و الديني خصوصاً مع مراعاة إختلاف حجم تأثير هولاء في المجتمع .

شعبنا أمتلك من المقومات و الموارد البشرية و المادية ما كان ليجعله أعظم شعوب المعمورة و أكثرها تحضراً و تطوراً و تكاملاً في شتى المجالات و لسنوات طويلة قادمة خاصة اذا ما علمنا بأنه وريث إحدى أهم و أقدم حضارات الأرض و أشدها تأثيراً في تأريخ بني البشر .

لكن كل هذه المقومات لم تنجح الحكومات و الأنظمة المتعاقبة في إستغلالها بالشكل الأمثل الذي يسهم في بناء سليم للمواطن العراقي يمتلك فيه الوعي الكافي لإدارة حياته الشخصية و الأسرية و يشارك في بناء الدولة و حماية الوطن بالشكل الصحيح و السليم .

المنطق السليم يلزم الشعوب كل الشعوب بأن تعشق أوطانها و تفديها بكل ما تملك و تعطيها أقصى ما يمكن أن يُعطى و تحافظ عليها و تحميها من كل سوء أو خراب قد يصيبها من قريب أو بعيد ، لكن يبدو أن شعب العراق شذ عن القاعدة بإرادته او رغما عنه ، فنسب كبيرة منه تحلم اليوم بالهجرة و ترك البلاد لتكمل ما تبقى لها من سنوات العمر بعيداً هذه البقعة التي لم يعرفوا فيها سوى الخيبات الكبيرة و الكثيرة و إراقة الدماء و فساد مالي و إداري دمر البنى التحتية للبلد و هدم الأنظمة الصحية و التعليمية و القضائية و العسكرية ليفقد المواطن مع كل هذا الخراب أبسط مقومات العيش الكريم و الحد الأدنى من الكرامة و الأمان في هذه البلاد التي لم يعودوا يشعروا بالانتماء الحقيقي لها .

هذا الفشل البنيوي في المجتمع العراقي أسهم بشكل مباشر في عجز الجماهير العراقية على الدوام عن إفراز قادة وطنيين حقيقيين أو ممثلين في مجلس النواب يمتلكون من المؤهلات و الخبرات مستوى مرموق و يحظون بإجماع شعبي واسع و دعم نخبوي مهم يسمح لهم بتولي زمام القيادة و القيام بمشروع إصلاحي موضوعي يستهدف معالجة مواطن الخلل الجمة سواءا في النظام الإجتماعي السائد منذ عصور ما قبل الدولة و البائس في الكثير من عاداته و تقاليده السيئة و البعيدة كل البعد عن القيم و المثل الإنسانية و صبغة الله التي فطر الناس عليها ، أو في النظام الإقتصادي الهش الذي يحتاج إلى عدة عمليات جراحية لإصلاح ما يمكن إصلاحه بما يحقق العيش الكريم لجميع المواطنين و يعم الإزدهار و تسود الرفاهية ربوع البلاد .
كل المؤشرات و المعطيات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية تدفع لنا لحقيقة أن اطلال الدولة العراقية أيلة إلى السقوط و لا تمتلك القدرة على حماية نفسها فضلا عن المواطنين و حياتهم و ممتلكاتهم ، ذلك كله بالتوازي مع تعاظم سلطات جهات أخرى فئوية تسعى إلى أن تحل محل الدولة و مؤسساتها الطبيعية و تحكم قبضتها على مفاصل الحياة المختلفة وفق قوانين و أحكام من خارج الحدود .