23 ديسمبر، 2024 10:46 ص

المواطنة الحقوق والواجبات

المواطنة الحقوق والواجبات

أن تركزالدولة جهدها لتقوية وتعميق الروابط الوطنية من خلال نشر الثقافة الوطنية الديمقراطية وإقامة مؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب إحياء جميع ثقافات الأقليات الموجودة فيها، التي تُعد جزءاً أساسياً من الثقافة الوطنية العامة. وبذلك يسمو الشعور الوطني على جميع الانتماءات الأخرى، من دينية وإثنية. فالهوية الوطنية ينبغي  أن يكون لها الأولوية على جميع الهويات الأخرى، لتزولَ أي مشاعر قد تثار لدى الأغلبية أو الأقلية حول خصوصية هوية كل منهما، وكي لا تتقدم على ما هو أهم,المواطنة التي تجمعهما معا .
 إن النظام الديمقراطي الحقيقي كما اثبتت التجربة التاريخية والممارسات الديمقراطية يقوم في جوهره على فكرة الفصل بين السلطات وفكرة عدم  الفصل بين المجتمع المدني والسلطة ، لذلك فان اي نظام ديمقراطي هو النظام الذي يفعّل المشاركة الفعلية للمجتمع المدني من خلال التنظيمات والمؤسسات التي يضعها لاتخاذ القرار السياسي .
 في حالة الدولة التي تمر بتحولاتٍ سياسية مهمة، كخروجها من حروب أهلية  أو تخلّصت من نظام ديكتاتوري شمولي و نهجها سياسة التحول نحو الديمقراطية  تمثل العلاقة بين الدولة والأقليات تحدياً كبيراً , يعني ضرورةَ التركيز على مسألة التوازن بين الحقوق الفردية والحقوق الجماعية، واعتراف الدولة بالتنوع الثقافي والعرقي والديني من جهة، واحترام مبدأ المواطنة من جهة أخرى.
 فالمقصود بمفهوم المواطنة هو شعور الفرد بالانتماء إلى مجتمع تربطه  روابط اجتماعية وسياسية وثقافية موحدة. ويترتب على هذا المفهوم – وفقاً لنظرية جان جاك روسو في العقد الاجتماعي – أن يكون للفرد “المواطن الفعّال” في الدولة التي ينتمي إليها حقوقٌ يجب أن تقدم إليه، ويحمل على عاتقه ، في الوقت ذاته مجموعةً من المسؤوليات التي يلزم عليه تأديتها. ويترتب على مفهوم المواطنة أيضاً أن يكون الفرد فعالاً في المشاركة في رفع مستوى مجتمعه الذي يعيش فيه، سواء عن طريق العمل المأجور أو بالتطوع. ونظراً لأهمية مفهوم المواطنة تتجه الدول على التعريف به وإبراز الحقوق التي يجب أن يتمتع المواطنون بها، وكذلك المسؤوليات التي يجب على المواطنين تأديتها تجاه المجتمع. ولذلك فتفعيل هذا المفهوم، بتحديد حقوق وواجبات كل مواطن وعلى قدم المساواة، ضروري للحد من الصراعات الطائفية والعرقية وإزالة الخلافات وتجاوز الاختلافات بين مكونات الدولة من أغلبية وأقليات. ولا يتحقق مفهوم المواطنة إلا بالابتعاد عن تهميش أو إقصاء أو تمييز أي شخص على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو المعتقد، ضمن إطار دولة مدنية تضمن المساواةَ والعدل والإنصاف بين المواطنين أمام القانون، بالحفاظ على حقوق كلٍّ من الأغلبية والأقليات، واحترام التنوع والتعدد مع توفير وسائلَ تكفل مشاركةَ الجميع في إدارة شؤون الدولة.
 ما يجمع مكونات المجتمع العراقي هي المواطنة المنصوص عليها في الدستور والتي تجعل للجميع حقوقاً متساوية بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين. ولا بد من أجل تفعيل ذلك من إعلاء شأن المواطنة في الخطاب السياسي والديني والفكري، وأن نجعل الأقلية في دائرة  الاهتمام بدلاً من أن نتنصل عنها, لنكفل تعايشَ الجميع داخل وطن واحد وتحت راية واحدة، في وطن يحكمه دستورٌ يجعل المواطنين متساويين فيه في جميع الحقوق والواجبات. إن تجربة التعددية السياسية في العراق  تعد تجربة حديثة لم تترسخ بعد في الثقافة السياسية على مستوى القوى الاجتماعية المتواجدة في الساحة من خلال أحزاب سياسية حقيقية تفرض آليات التداول على السلطة عن طريق انتخابات تؤدي إلى وضع مؤسسات منتخبة على مستوى البرلمان وتفرز أغلبية برلمانية تفرض إرادة المنتخبين على القرار السياسي والى معارضة سياسية قوية في إمكانها التأثير على القرارات السياسية المصيرية للبلاد .                                                                     
إن الأنظمة الدستورية الديمقراطية هي أنظمة تمتاز بالاستقرار وان الممارسة السياسية تتم عبر مؤسسات هي الأخرى تمتاز بالاستقرار والثبات والديمومة وان هذه المؤسسات الدستورية قادرة على تطوير النظام السياسي للدولة دون حاجة إلى تعديلات دستورية متكررة  .  إن الاعتقاد بأنه يوجد نظام دستوري يكون صالحا لكل الدول والشعوب مهما كان تاريخها وثقافتها هو بالتأكيد اعتقاد خاطئ لان  الدساتير مهما كانت درجة ذكاء واضعيها  ووعي الشعوب التي تطبقها ,فانها تمتاز دائما وفي جميع الحالات بخصوصية ذاتية ، مصدرها تجربة الشعوب التاريخية والحضارية. فالدستور الفرنسي جاء كما هو معروف نتيجة الأزمات التي مرت بها فرنسا في خمسينات القرن الماضي في فترة الجمهورية الرابعة والتي تطلبت العدول عن نظامها الدستوري البرلماني واستبداله بنظام جديد يستجيب لضروريات ولمتطلبات معالجة الأزمة السياسية التي كانت فرنسا تعيشها .                                                                        
 وفي اعتقادي، فإن حالة الأزمة غير موجودة في إدارة العملية السياسية، أو تسميته أزمة سياسية، لأن الحلول التي طرحت لإدارة الحكم، تمت عمليات تنفيذها، ولم تواجه الصعوبات المتوقعة، كون الثقافة السياسية القائمة عندنا هي مجرد جدل حول مواضيع القشور، وليس المضمون، لأن الأمر سيختلف تماما في حالة وجود أزمة، والتجربة التي عشناها في العراق منذ سقوط النظام الديكتاتوري وإلى الان ، تؤكد ذلك باعتبار أن الأمر لم يخرج من إطار التعديلات الشكلية في الخريطة السياسية، إضافة إلى ذلك، فإن دور النخب السياسية، يبقى محدودا جدا كونها نخب غير منتجة للأفكار، وغير قادرة في الوقت نفسه، على مناقشة الأفكار، وهي نخب معطلة، وإلى أن يتم التحول الحقيقي الذي يتجاوز الأشياء والأشخاص، عندها  يمكن الحديث عن ثقافة سياسية أو نخب سياسية منتجة للمعاني والأفكار، وسائرة في إطار اتجاهات، وقادرة على التحكم في خيارات ومسارات تاريخية محددة.”  كما أنه من المستقر عليه في نظريات الفقه الدستوري التقليدية إن السلطة إنتاج التشريع بوصفها تعبير عن السيادة .
إن  تطور القانون الإداري والقانون الدستوري من خلال الممارسة العملية واتساع مجالات تدخل السلطة التنفيذية بالنظر إلى الوظائف الجديدة للدولة على حساب السلطات الأخرى جعل الأنظمة الدستورية المعاصرة انطلاقا من هذه الحقائق تمنح السلطة التنفيذية من خلال صلاحيات رئيس السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة تمتد إلى مجالات التشريع عن طريق الأوامر وعن طريق المراسيم التنظيمية المستقلة. إن هذا الرأي لا يمكن التسليم به لأنه يصطدم بأحكام الدستور التي تحدد كل من مجلات التشريع ومجالات التنظيم بحيث لا يمكن بأي حال من الأحوال  أن ترتقي نصوص التنظيم إلى مرتبة القانون . وهو ما جعل بعض الفقه يعتبر أن مجالات التنظيم عن طريق المراسيم لا ترتقي إلى مرتبة القانون وان الفرق بين النص التنظيمي والقانون ليس في الرتبة وإنما في الطبيعة، أما ألآثار فإنها قد تكون واحدة إما عن الثقافة السياسية السائدة في المجتمع ومدى تأثيرها على السياسة، فان التجربة التاريخية التي عاشها العراق بينت غياب الطبقة المثقفة أو بالأحرى تغيبها من دائرة القرار السياسي بالرغم من أن أي نظام سياسي هو دائما في حاجة إلى مرجعية ثقافية ومجموعة قيم يستوحيها من تاريخ الأمة ومن موروثها الروحي والديني والحضاري ، هذه القيم التي يساهم المثقفون في إنتاجها وتطويرها هي التي تعطي لهذا النظام شرعية تتجاوز الشرعية الدستورية.