23 ديسمبر، 2024 12:36 م

الموازنة للمواطن .. ام المواطن لموازنة 2015 ؟

الموازنة للمواطن .. ام المواطن لموازنة 2015 ؟

دافع السيد هوشيار زيباري وزير المالية خلال مؤتمر صحفي عقده ( الاثنين ) عن مشروع الموازنة الاتحادية لسنة 2015 المعروضة حاليا على مجلس النواب , حيث انهى قراءته الاولى لها في جلسة استثنائية بعد قطع اجازته لساعات , ووصف الوزير مقترحات الموازنة بأنها واقعية وليست ترقيعية وقد تمت صياغتها باستشارة خبراء محليين ودوليين , ولم تكن بمعزل عن مشاورة اللجان المختصة في البرلمان اذ تم اطلاعهم على تفاصيلها اولا بأول لضمان سرعة تمريرها وعدم تأخيرها في المناقشات , وعن الاعباء التي رتبتها الموازنة على المواطن من حيث فرض الرسوم والضرائب والاستقطاعات من الرواتب وإيقاف زياداتها , قال بان هذه الامور مطبقة في اغلب الموازنات العالمية , ووصف بان ما تمت صياغته من التزامات على المواطن في الموازنة هو اقل بكثير من المقترحات التي قدمت لرفع الدعم عن المواطنين , واعترف الوزير في المؤتمر الصحفي ذاته بأنه لا أحد راض عن الموازنة لا من الرئاسات ولا من ألشعب !!! .

ولا نعلم من هم الخبراء الذين تمت الاستعانة بهم لإخراج الموازنة بوضعها الحالي وهي تفتقر الى أي تغيير في مجال اعدادها , فهي موازنة ابواب وليست موازنة برامج او عقود كما انها لم تعتمد اي اساس يغاير الموازنات التي اتبعت منذ تأسيس الدولة العراقية لحد الآن , رغم ان هذه الطريقة لم تعد متبعة في اغلب البلدان ومنذ اكثر من ربع قرن , كما ان الموازنة المعدة هي موازنة ازمة لا غير ( باعتقاد معديها ) فإيراداتها افتراضية او تعتمد على الاقتراض الداخلي والخارجي , والهدف الاساسي من الموازنة هو التصدي للإيرادات المتناقصة بسبب انخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمية وتوفير متطلبات الدفاع عن الوطن لإخراج الدواعش من البلاد , ولكن الموازنة لم تتطرق بتفاصيل عن معالجة او تصحيح الوضع المأساوي للنازحين , وقد كان دفاع الوزير عن الموازنة بطريقة كادت ان تنسيه بان البلد بدون موازنة خلال سنة 2014 , لولا تذكيره من قبل احد الصحفيين بذلك حيث ذكر بان العمل جار لاعتماد ميزانية تاريخية لهذا الغرض .

وإذا كانت موازنة 2015 تعد مكسبا من حيث تاريخ موعد تقديمها , فنود التذكير بان الموعد الصحيح يفترض ان يكون قبل نهاية السنة المالية بشهرين على الاقل لكي تتم مناقشتها بشكل مستفيض قبل حلول موعد عطلة الفصل التشريعي لمجلس النواب بموجب الدستور , ورغم الشروع بالدخول في سنة 2015 إلا ان الموازنة في طور المناقشة فالقراءة الثانية ستتم في السابع من الشهر القادم , ولا نتوقع ان يتم تمرير الموازنة بشكلها الحالي لاحتوائها على الكثير من الاعباء بذمة المواطنين , كما انها تحابي مكون معين على حساب الاستحقاقات المشروعة للعراقيين كافة , ويبدو ان الموازنة التي نتحدث عنها قد أنست البعض موضوع الحسابات الختامية للسنوات السابقة , فبعد ان كان يتم التحدث عن طلب تلك الحسابات لإبراء ذمة الحكومة واعتمادها كأساس للموازنات اللاحقة , فان هذه الحسابات يجري التكتم عنها لأنه لا توجد موازنة لسنة 2014 أساسا ولم تتم المطالبة بمحاسبة المقصرين عن ابقاء البلد بدون موازنة والاجتهاد في الصرف لمليارات الدولارات التي نتحسر على بعضها اليوم .

وفي المجمل , فان موازنة 2015 ترتب اعباءا كبيرة على المواطنين لأنها تتضمن ايقاف التعيينات التي كان ينتظرها العاطلون , عدا ما يتعلق بوزارات الداخلية والدفاع والصحة فوزارة التربية والوزارات الاخرى بدون تعيينات , وقد اغفلت الموازنة الزيادة برواتب الموظفين الذين لا يتقاضون مخصصات والتي كان المفترض سريانها من بداية سنة 2014 , كما اغفلت مصير الدرجات الوظيفية للفضائيين الذين كشف عن وجود 50 الف منهم في اول مسح , وتضمنت الموازنة فرض ضرائب على كارتات الموبايل وخدمات الانترنيت وتذاكر السفر وعند شراء السيارات , وإلزام الوزارات بالتشدد في جباية الايرادات من المواطنين , فضلا عن دفع رسم طابع (على غرار طابع الملوية الذي كان محل سخرية الجميع ) اثناء المراجعة لانجاز المعاملات بمختلف انواعها وتطبيق الادخار الاجباري ( الوطني ) على رواتب الموظفين بمبلغ مقداره (2) تريليون دينار , وعلى حد قول وزير المالية فأن هناك ضرائب ورسوم اخرى سيتم فرضها خلال سنة 2015 , من خلال تفعيل القوانين الحالية وإرسال تشريعات اخرى الى مجلس النواب بهذا الخصوص .

وعند النظر الى الموازنة الاستثمارية التي تضمنتها الموازنة , فإنها بمقدار 45 تريليون دينار وهي مخصصة للدفاع والداخلية والنفط والكهرباء والدوائر غير المرتبطة بوزارة , اي ان فقراتها لم تتضمن مشاريع السكن او الماء او المجاري سوى اكمال الطريق الدولي , وكما هو واضح للعيان فان الفقرات التي تضمنتها الموازنة الاستثمارية لا تعطي نتائج ملموسة للمواطن , وهي لا تختلف عن موازنات السنوات السابقة التي خصصت لمواضيع لم تتم مشاهدتها ولمسها من قبل الجمهور , اما الموازنة التشغيلية فقد تضمنت تخفيضات في العديد من بنودها وبشكل يساعد على تطبيق مقولة ( شد الاحزمة على البطون ) , فالتخفيض شمل تخصيصات البطاقة التموينية وفقرات ذات علاقة بالحياة اليومية للناس , ولعل الفقرة التي تحتاج الى اكثر من سؤال هو جدوى تخصيص 3 مليارات دينار لبناية وزارة المالية , رغم ان البناية موجودة وقائمة وقد تم قطع الطريق الرئيسي المؤدي اليها ( محمد القاسم ) منذ سنوات والذي حجبت خدماته عن البغداديين كافة .

ولا تكتفي الموازنة بهذا القدر من زيادة الاعباء على المواطنين وحرمانهم من التنمية والبناء , بل انها تضمنت الدخول بمديونية داخلية وخارجية ربما ستشكل خطرا على نشاط الاسواق والطلب على السلع والخدمات , فانكماش الاقتصاد المحلي الى هذا الحد سيضعف من حركة التداول كما انه سيؤثر على كلف الاعمال في القطاع الخاص , وربما ستخرج مطالبات من وزارة المالية او غيرها لاحقا بزيادة أسعار المحروقات بحجة انها مدعومة مما سيرفع من الاسعار كافة وعلى غرار الارتفاع السابق الذي اشعل الاسعار في وقت ستقل فيه المدخولات , ونشير هنا بان قيمة العجز في الموازنة من المحتمل ان يكون اكثر من المخطط بكثير لان سعر برنت انخفض الى 57 دولار بتاريخ 30/ 12/ 2014 وهو مرشح للانخفاض اكثر , مما يعني بان عجز الموازنة سيرتفع الى الضعف بسبب عدم التأكد في تقدير الايرادات النفطية وكميات التصدير , وفي مثل هذه الحالة سيتم اتباع الاسلوب نفسه من خلال الضغط على المواطن لزيادة الايرادات .

ونعتقد بأن الانتقادات التي توجه للموازنة الحالية , ستلقي بمهام تأريخية على مجلس النواب من خلال ضرورة مناقشتها بشكل موضوعي وعدم الخضوع لضغط الوقت لإعادة صياغة أهدافها ومضامينها خارج اية مجاملات , وسيكون من المناسب الاستعانة بالخبرات والكفاءات الوطنية لإغنائها وليس من خلال الاعتماد على آراء وزارتي المالية والتخطيط فحسب , فإذا كان العذر في الموازنة هو لمواجهة الكيان الداعشي باعتبار ان البلد يعيش حالة حرب , فان جبهة المواجهة تصمد وتنتصر من خلال رضا المواطن وليس من خلال المعارك والتسليح فحسب , فالعدو ليس دولة وهو يعول على الحواضن والمتعاطفين معه , مما يعني بان التماسك والرضا والمواطنة هي من افضل الاسلحة في المواجهة , ولهذا يجب ان تكون الموازنة اداة للتعبئة والقبول بدلا من التذمر والنفور , فالموازنة المالية ليست ارقاما مجردة اذ تختلط فيها المشاعر والعواطف والرغبة للإحساس بالانتماء والأمان بما يجعل المواطن في حالة قناعة بأنها خصصت له لا عليه .