23 ديسمبر، 2024 5:30 ص

الموازنة الاتحادية والتعويل على المرجعية الدينية العليا

الموازنة الاتحادية والتعويل على المرجعية الدينية العليا

يبدو ان قطار الموازنة يسير بخطى ثابتة في المسار المرسوم له من قبل الجهات صاحبة القرار الفعلي , التي قد تكون الكتل السياسية او صندوق النقد الدولي او أي كان ، وهذه المسيرة تمضي قدما من دون مبالاة بالآراء المضادة او النصائح او النقد ، صحيح ان المسؤولين ليس لديهم الوقت للقراءة او الاستماع ولكن من غير المعقول ان يتفق الجميع على تمرير الموازنة , وهي حبلى بالأخطاء الفادحة ما لم يكن هناك ضغط من نوع ما على المسؤولين في الحكومة ومجلس النواب ومنهم الكثير من ذوي التخصص والحكمة والضمير , لا يوجد مبرر لاستمرار المعارضين لمنهج وأسلوب الموازنة بالدعوة لإعادة كتابة الموازنة شكلا ومضمونًا مادامت الأخبار المعلنة من اروقة اللجنة المالية النيابية تؤكد ان التعديلات التي سيتم اقرارها شكلية وغير مؤثرة على المضمون الجوهري ، وجاء تشكيل اللجنة العليا في مجلس الوزراء من السادة رئيس الوزراء ووزراء المالية والنفط والتخطيط ومحافظ البنك المركزي مؤكدا هذه الحقيقة ، فماذا ستفعل اللجنة وهي مؤلفة من أهم الشخصيات التي أقرت الموازنة نفسها ؟ , ان المسار المرسوم لموازنة العراق خلال العام الحالي يتمثل بما يلي :

– تقليل الإنفاق العام للدولة بما ينعكس سلبا على مستوى النشاط الاقتصادي

– إعتماد سياسة التقشف وزيادة الرسوم و الاعباء الضريبية والذي سوف يدفع ثمنه المستهلك النهائي في حقيقة الامر

– انفاق جميع ايرادات النفط من العملات الصعبة وجزء من احتياطي البنك المركزي في الاستيراد ومزاد الدولار

– انفاق جزء كبير من احتياطي البنك المركزي بحجة دعم الانتاج المحلي المعطل

– انخفاض اسعار السلع المستوردة بسبب انخفاض اسعار النفط

– ارتفاع تكاليف الانتاج المحلي خصوصا في الزراعة والصناعة بسبب ارتفاع تكاليف العمل في العراق نتيجة لسياسة التقشف وفقدان الهامش البسيط للمنافسة مع الانتاج المستورد

– تزايد أعداد العاطلين عن العمل وقلة تخصيصات الرعاية الاجتماعية والإعانات وانعكاس ذلك سلبا على الوضع الأمني

– تزايد حركة تهريب الأموال خارج العراق

– زيادة مديونية العراق

وفي المحصلة النهائية , ستكون هذه السنة صعبة على العراقيين وسيزداد الفقراء فقرا والعاطلون عددا والفاسدون جشعا وتهورا واستعجالا والمجرمون اجراما وتفننا وعددا والمرضى ألما ، وسوف يتدهور الانتاج المحلي وسيتم إنفاق اكثر من تسعين مليار دولار بالعملات الصعبة المتحصلة من مبيعات النفط ورصيد البنك المركزي والقروض الخارجية والداخلية وهذه المبالغ بالتأكيد سوف تذهب خارج العراق مادام النشاط المحلي معطلا وسياسة الاغراق الاستيرادي مستمرة ، وقد يأتي الإنفاق العام على رصيد البنك المركزي كله مادام جهابذة الدولة قد أفتوا بإمكانية إقراض المصارف المحلية لتقوم بإقراض قطاعات الانتاج المحلي وهي معطلة وستذهب هذه الأموال بالتأكيد الى القطاع التجاري ليستخدمها في استيراد البسكويت والمرطبات ، وقد نصحو يوما فلا نجد المصارف ولا مقترضي الأموال وكما يقول المثل ( عصفور كفل زرزور) .

ولكن مهلا فهناك ثمة أمل ، تذكروا ان المرجعية الدينية العليا قد تحدثت عن الموضوع في خطبة الجمعة السابقة ، وقد أشار السيد احمد الصافي وبكل وضوح ان حل مشاكل العراق الاقتصادية والاجتماعية والأمنية يكمن في تفعيل قطاعات الانتاج المحلي من زراعة وصناعة وبناء وخدمات ، وهذا الحل يجب على الموازنة ان تأخذه على محمل الجد , أما اذا تجاهلته فان من المتوقع ان تتدخل المرجعية بشكل اكثر قوة وصرامة في المستقبل القريب , فالموضوع لا يمثل صراعا بين السياسيين وإنما يتعلق بحياة المواطن ومستقبل الوطن والأجيال القادمة ، وقد تنقلب الأمور الى خير وهو ما يتمناه الجميع .