23 ديسمبر، 2024 7:35 ص

سعدي يوسف يكتب الشعر يوميا، في إمكانه أن يحوّل كلّ شيء يراه أو يلمسه أو يشم رائحته أو يسمع أصواته إلى شعر، هذا رجل مهنته الشعر.

قد يكون نصيف الناصري هو الشخص الوحيد في العالم الذي مهنته الشعر، ذلك ما يقوله جواز سفره العراقي الذي حصل عليه في تسعينات القرن العشرين، ولكن هل الشعر مهنة؟ يدخلنا ذلك السؤال إلى متاهات لن يمكننا الخروج من دروبها.

أعتقد أن الناصري الذي لا يمل من الضحك من كل ما مر به من مآس لن يكون في إمكانه أن يصدق كذبة أن يكون المرء شاعرا، غير أنه وقد وقف أمام سؤال موظف الجوازات عن مهنته حائرا لم يجد أمامه سوى الكتابة مهنة، وهي حرفة يعرف أنها لن تكون مؤقتة، ذلك لأن حياته صار لها معنى حين تعرف على شكل الحروف التي لم تكن من قبل بالنسبة إليه سوى أصوات.

أطلق الناصري الكذبة بثقة أمام موظف الجوازات الذي صدقها، لأنه بالصدفة كما أتوقع كان يتمنى أن يرى شاعرا واقفا أمامه، بلحمه ودمه باعتباره واحدا من الناس العاديين الذين يحتاجون في أسفارهم إلى وثيقة سفر، يبرزونها في المطارات ليؤكدوا من خلالها أنهم ليسوا كائنات متخيلة وليسوا أشباحا أو ملائكة.

ربما أخبر ذلك الموظف عائلته وهو يشعر بالفخر بأنه التقى صباح ذلك اليوم شاعرا، لا يلتقي المرء كل يوم شاعرا، يكون المرء محظوظا لو حدث له ذلك مرة في العمر، كان ذلك الموظف محظوظا بنصيف الناصري.

لا أعرف ما الذي فعله الناصري بجوازه العراقي بعد أن حصل على الجواز السويدي، سيكون مؤلما لو أنه أتلفه، فهو وثيقة تستحق أن تحتفي بها المتاحف العالمية، كونها تشير إلى اعتراف رسمي بأن الشعر مهنة.

“ولكن ذلك الاعتراف قد يفقد الشعر سحره”، سيعترض البعض، فالشعر ليس مهنة، الشعر رسالة، وهي جملة تجريدية لا معنى لها.

يكتب سعدي يوسف الشعر يوميا، في إمكانه أن يحوّل كلّ شيء يراه أو يلمسه أو يشم رائحته أو يسمع أصواته إلى شعر، هذا رجل مهنته الشعر.
نقلا عن العرب