22 ديسمبر، 2024 2:48 م

المهجرون والمهاجرون ومسؤولية الدولة

المهجرون والمهاجرون ومسؤولية الدولة

لقد أضحت قضايا اللجوء والنزوح من أشد التحديات تعقيداً و تهم المجتمع الدولي بُرَّمته سواء لارتباطها بحماية حقوق الإنسان أو لتعلقها بالمحافظة على السلم والأمن الدوليَّين، والتي تواجه الإنسانية في عصرنا هذا الذي يعدُّ بحق عصر اللاجئين والمضطهدين والمشردين، لأنّ العالم يمر بأحداث جسام وكوارث عظام، بعضها من فعل الطبيعة وكثير منها من صنع الإنسان. ولعل من أخطرها الهجرة من الأوطان التي تعد من الآفات التي ابتليت بها الشعوب التي وقعت ضحية الانظمة والحروب الداخلية، وضياع مفهوم الدولة، وغياب الحرية الفكرية، ولا أظن أن أمة ابتليت بمثل هذه الآفة بمثل ما مر به الشعب العراقي حيث ساهم النظام الصدامي المجرم بتهجير قرابة   600 الف من مواطنة بعد تجريدهم من كل وسائل المواطنة باتهامات مختلفة او اضطر الكثير من أهلها للهجرة للخلاص من ظلم النظام إلى المنافي القريبة والبعيدة للحفاظ على حياتهم وشرفهم، وادى ذلك ليس الى التدمير الروحي للمجتمع وفقط، بل والى الفتك بالأرواح وتدمير البلاد وعان المهجرون من العوز والفاقة والبطالة والمرض وتشرد الأطفال وضياع فرص التعليم وضعف في اللغة الام ومن الاحباطات النفسية والصحية.

 لقد ظهرت مشكلة التمييز الطائفي والتهجير وقضية اللاجئين العراقيين مع انقلاب 17 تموز سنة 1968 رغم إنها تفاقمت واتسعت وشملت مئات الآلاف من المواطنين وابناء الشعب العراقي وأصبحت إحدى مظاهر مآزق النظام الممعن في إجراءاته القمعية المعادية للحريات والحقوق الإنسانية والتي أدت إلى أن يعيش قرابة خمسة ملايين مواطن عراقي مكرهين خارج وطنهم .

 لقد أصبح التمييز الطائفي جزءا من الانظمة اثر تشكيل الدولة العراقية أوائل العشرينات “عام 1921 من القرن الماضي” والثغرات الشوفينية والتمييزية التي احتوتها صيغة أول قانون للجنسية العراقية رقم ( 42) لسنة 1924 وقانون الجنسية لسنة 1963 المرقم (243) .

ويتقسم مثل هؤلاء الى قسمين المهجرون من قبل حكومة البعث قبل سقوطها عامي 1970 و1980 والمهاجرون إلى دول العالم نجاة أنفسهم  اثر المطاردات والسجن والقتل والعنف والمعاناة لانقاذ انفسهم من شر النظام وهم في حيرة من امرهم رغم انهم كانوا على امل بأن تقف الحكومات المتعاقبة ” المسلفنة بالديمقراطية “التي جاءت بعد سقوط النظام البعثي الصدامي  عام 2003 بعين الاعتبار و أن تنظر الدول العراقية  الحقيقية  اليهم بعين المواطنة والوقوف الى جانبهم وتقديم العون اللازم للعودة إلى أحضان الوطن، والخلاص من حالة الضياع الفكري والنفسي والجسدي و السعي لتوفير الأرضية الصالحة لعودتهم الى احضان الوطن بكل دفئ. وخلاف ذلك بقى الملايين من العراقيين المهجرين في شتات الأرض في حالة ضياع تام وفقدانهم الهوية الوطنية كما نشاهده عند الاجيال الحالية التي عاشت في تلك البلدان وهناك نسبة ما منهم ذابت في المجتمعات التي هاجرت، أو هُجرت إليها  وهي نسبة قليلة و مازل هناك اخرون حتى اليوم غير مندمجة في المجتمعات التي رحلوا إليها لأسباب سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية حيث لا تتناسب مع فطرته الاصيلة ولا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد هم في الخارج، ويمكن تقديرهم، وبحسب إحصائيات سابقة لمفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، إن “هناك قرابة خمسة ملايين لاجئ عراقي في جميع أنحاء العالم؛،

ان الحد من الهجرة وتهجير يتطلب موقفا موحدا جادا من الدولة  والقوى السياسية الوطنية  العاملة في الساحة السياسية في سبيل الوفاق والمصالحة  الوطنية وتهيئة الأرضية اللازمة لعودة هؤلاء الى أرض الوطن. ويعتبر النظام الوطني الديمقراطي الذي يرتضيه الشعب بالانتخابات الحرة النزيهة في ظل دستور متكامل يضمن المستقبل لكل افراد المجتمع مصوت عليه من قبلهم و الدور المهم لمجلس النواب المنفذ الوحيد لتأمين حياة الاستقرار والطمأنينة وإشاعة الحريات وفي توفير الحياة الكريمة لكل المواطنين دون تمييز على أساس الطائفة والعشيرة والمناطقية…