في العراق اليوم تظاهرات للمشاغبة , والتظاهرة عمل سياسي مطلبي , والمطالب السياسية تقوم على رؤية معرفية , وللمعرفة منهج في الوصول للحق , والمطالبة بالحقوق لاتمتلك الحضور المعرفي مالم تكن منطلقة من اليقين بتلك الحقوق , واليقين أصطلاح معرفي يقوم على تحقق البرهان , والبرهان يقوم على ألاسس التالية :-
ألاوليات
التجريبيات
المحسوسات
الحدسيات
المتواترات
الفطريات
وهناك مبادئ أستدلال أخرى للتصديق بأي قضية مطروحة للبحث مثل قضية التظاهرات ألاحتجاجية في المنطقة الغربية من العراق , والتي أتخذت لنفسها أصرارا على موقف لاتشاركها فيها بقية محافظات العراق ولاسيما محافظات الوسط والجنوب التي عرفت بتضحياتها ضد التهميش والظلم والجبروت وعضت على جراحها بعد 2003 ولم تطالب بالثأر ممن كانوا سببا في محنتها , وقد أعترف بذلك الشيخ الدكتور أحمد الكبيسي من على منبر مسجد ألامام أبي حنيفة النعمان “رض ” بعد سقوط نظام صدام حسين , واليوم يحلو للبعض تناسي الواقع الموضوعي , وقلب الحقائق وألاكثار من التشهير والتزوير والكذب حتى أصبحت تظاهرات ألانبار وصلاح الدين لاسيما مايجري في سامراء , وتظاهرات الموصل وبعض مناطق ديالي والتي يسلط عليها ألاضواء من قبل فضائيات عرفت بالتحريض والفتنة , وبعد أن دخلت هذه التظاهرات شهرها الرابع وهي في حالة من التلاعب في الخطاب مما يجعل المراقب برؤية معرفية لما يجري ويقال في هذه التظاهرات من حماسة مفتعلة , ومطالب فيها من التدليس الشيئ الكثير , أذ كيف يعقل أن يبادر البعض للآعتراض على عقوبة القصاص من القتلة ألارهابيين الوهابيين الذين لايحتاجون الى البحث عن أدلة تدينهم وقد أعترفت القاعدة بأسم جناحها ” وهو مايسمى بدولة العراق ألاسلامية ” أعترفت بتنفيذ جرائم التفجيرات والمفخخات والعبوات التي راح ضحيتها عشرات بل مئات وألوف العراقيين ألابرياء , وألاعتراف سيد ألادلة كما يقال في القانون الوضعي , والشرعي “بل ألانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيرة ” .
وهناك أدلة أخرى غير أدلة البرهان “اليقين ” يذكرها مؤسس حزب الدعوة ألاسلامية ,فيلسوف القرن العشرين ,مكتشف نظرية التوالد الذاتي لتفسير المعرفة البشرية السيد الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه “ألاسس المنطقية للآستقراء – ص 378 – ” ومن تلك ألاسس هي :-
اليقينات الستة التي ذكرناها أعلاه .
المظنونات
المشهورات
المسلمات
المقبولات
الوهميات
المشبهات
ويقول الشهيد الفيلسوف الصدر : كل أستدلال يعتمد فقط على “اليقينيات ” يسمى برهانا .
وكل أستدلال يستخدم المشهورات والمسلمات يسمى “الجدل ” والقرأن الكريم يقول “ولقد صرفنا في هذا القرأن للناس من كل مثل وكان ألانسان أكثر شيئ جدلا ” فالجدل العقيم الذي يبتعد عن البرهان ويقينياته مرفوض وهذا مايجري في تظاهرات الغربية وما يتعلق ويثار حولها من نقاش وسجال عقيم .
وكل أستدلال يستخدم المظنونات والمقبولات فهو “خطابة ” والذين يتحدثون في تظاهرات الغربية لاسيما المعممون يمارسون منهج الخاطبة الخالي من منهج ” البرهان ” المنتج لليقين معرفيا .
وكل أستدلال يستخدم قضايا كاذبة يزورها ويقدمها بوصفها قضايا يقينية كما يفعل بعض المعممين لاسيما الذي يدعون صفة “ألافتاء ” ولايبدو عليهم وعلى أحاديثهم صلة بمنهج وهوية “ألافتاء ” لآن ألافتاء يكشف ولا يحرف , ويعض ولا يحرض , ونتيجة تكاثر هذا المعنى وغلبة تلك الصفة على المتحدثين سواء في التظاهرات أو في الفضائيات , لذلك أصبحت تلك التظاهرات تتصف “بالمشاغبة” والمشاغبة قال عنها أمام المتقيين ووصي رسول الله “ص” ” ويتلوه شاهد من نفسه ” ألامام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي قال : ” أذا شغب شاغب عوتب , فأن أبى قوتل ” وهذا النص لا أعتقد أن الشيخ رافع الرافعي ولو أجتمع معه كل من يحمل أسم ألافتاء أن يجدوا لهم مخرجا منه لا في الدنيا لوضوح بعدهم عن المنهج المعرفي وقوانينه العقلية , ولا في اليوم ألاخر لثبوت الحجة ” دم المسلم وماله وعرضه حرام على أخيه المسلم الى يوم القيامة ” , بألاضافة الى كثرة النصوص القرأنية التي تحرم الفرقة وألاختلاف ” ولاتكونوا كالذين تفرقوا وأختلفوا من بعد ماجاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ” -105- أل عمران – “فأن تنازعتم في شيئ فردوه الى الله والرسول أن كنتم تؤمنون بالله واليوم ألاخر ذلك خير وأحسن تأويلا “- 59- النساء – فهل رجع من يحرض المتظاهرين الى كتاب الله تعالى أو راجع سنة رسول الله “ص” وكيف يتغاضى بعضهم عن وجود راية ألارهابيين الوهابيين في صفوف المتظاهرات ويسكت عن ذلك , وهل وجود مثل هؤلاء وغيرهم من الذين لم يعرف منهجهم ” والورع هو الوقوف عند الشبهات ” ألم تكن راية القاعدة وراية مايسمى بالجيش الحر وهتافات بعض المتظاهرات بأثارة النعرات الطائفية هي شبهة كبيرة تجعل كل من يشتغل بالفقه والفتيا يراجع نفسه كثيرا قبل أن يزج نفسه في المشاغبة وقد ظهر كشفها معرفيا , أو يزج نفسه في الفتنة , وقد حرمت قرأنيا , أو يتحيز لطرف دون طرف , والحكومة في العراق التي قد نختلف معها ولكن لانسمح لآنفسها ومن معنا من أن يعاديها وهي فاتحة بابها للحوار , ومعترفة بوجود ألاخطاء , وتنتظر التعاون على تجاوزها من خلال الوقوف بوجه ألارهاب المدعوم من الخارج بأدوات من الداخل؟
أذن قد تبن لنا معرفيا وحسب منهج البرهان ويقينيات المعرفة المستندة الى مفهوم ” قصد الحكمة” وألاستدلال القرأني مع ألاخذ بنظر ألاعتبار للتجربة والملاحظة التي تقول أن أحتجاجات المنطقة الغربية فقدت بوصلة المنهج المعرفي وراحت في متاهات المشاغبة والتحريض الذي لايستند الى دليل عقلي ولا الى وسيلة من وسائل ألاستدلال التي يعرفها البشر ويصدق بها أصحاب العقول والنفوس السوية ؟
لذلك أحببنا تسجيل رأينا وبيان موقفنا وموقف من معنا وهم الغالبية والحمد للله من أبناء العراق الشرفاء المخلصين لوطنهم ووحدة شعبهم , ونقول لآخواننا الذين تمادوا كثيرا وغرهم بالله الغرور , أرجعوا الى رشدكم ففي عرقنا من الخيرات مايكفي الجميع لو وزعت بعدالة , والعدالة تحتاج الدولة الراعية للجميع , والجميع مطالبون بحسن الظن والصبر على المكاره , وأفساح المجال للدولة أن تعمل بأجواء هادئة مع ألاستمرار بالمطالبة بتغيير الفاسدين وغير المؤهلين .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]