المنطقة يدوسها أهلها بأقدامهم , ولا يتفاعلون معها برؤوسهم , لأنها معطلة وممنوعة من الصرف , وأكثرها مبنية للمجهول , وموجودات مستترة تقديرها هو وهو.
المنطقة مثل القشة في مهب الريح , وأهلها يأنسون لحالها , ويجدونها فرصة للتشكي والتظلم والإبداع الرثائي الحزين , ولا مَن يفكر بالخروج من مأزق الدائرة المفرغة , ذات الويلات والتداعيات المتراكمة على صدور الأجيال.
وتجدنا أمام أقلام تتوهم النباهة والمعرفة تترقب ماذا سيحصل بعد الذي جرى هنا وهناك في أرجاء الدنيا , وماذا ستقرر القوى القابضة على عنق المنطقة , التي تبدو وكأنها تجيد ردود الأفعال , ولا تجيد الإتيان بفعل مجيد.
وينسى أهلها قول الشاعر: ” مَن يهن يسهل الهوان عليه…ما لجرح بميتٍ إيلام”!!
إن مَن يدوس تراب وجوده وطريق مصيره بأقدامه ولا يأبه , تدوس رأسه قوة تجد إلى إفتراسه سبيلا , سواءً كانت داخلية , إقليمية أو عالمية , ذلك أن الدائسين على ذاتهم وموضوعهم , يحدثون فراغاً , وإضطرابا في توازن القوى المتفاعلة , ووفقا لقوانين الأواني المستطرقة , فأن أية قوة لديها الفرصة تنساب لتعيد مستويات الوجود إلى نسق مستوي.
الأمة بمفكريها وفلاسفتها وكتابها ونخبها المتنوعة , تدور في دائرة مفرغة من الخيبات وإستلطاف الويلات والتداعيات , ولا يخطر على بالها التحرر من قبضتها , وشق مسارها الواضح الذي يأخذها إلى مواطن إرادتها المتطلعة لمستقبل جديد.
والأمم بأبنائها , وكيفما يكون الأبناء تكون الأمم , ومَن ينكر أمته يفقد قيمته , ومَن يعزّها تعزّه وتتباهى بوجوده.
ومن لا يعرفها ويتوهمها كما يراد له أن يراها , يعيش في خنادق الظلامية , وقيعان البؤس واليأس , فيعكس ما ترسب فيه من خيبات وإنكسارات على ما حوله , فيرسم صورة قاتمة , لأمة حية قائمة , ويحاول تجسيد رؤيته العقيمة العمياء عنها.
وعليه فأن مسؤولية أبنائها النظر إليها بعيون العزة الكرامة , والثقة العالية بأنها فاعلة ومؤثرة في صناعة الدنيا المعاصرة , ومن يغمطها حقها ودورها يكون من الكائدين المعادين لجوهرها المشرق الفعال.
فهل لنا أن نكون بحجم أمتنا , ونمتلك القدرة على إطلاق صورتها الحقيقية؟!!