22 نوفمبر، 2024 5:04 م
Search
Close this search box.

المنطقة العربية: المخاطر الاستراتيجية لتفريغ الساحة من الاحزاب والقوى السياسية

المنطقة العربية: المخاطر الاستراتيجية لتفريغ الساحة من الاحزاب والقوى السياسية

ان من بين اشد ما يهدد المنطقة العربية، شعوبا واوطانا، وفي المقدمة منها، قضية فلسطين بل هي الاساس والمرتكز لكل ما يجري وما هو جاري الى الآن ؛ هو خلو الساحة من الاحزاب والقوى السياسية الفاعلة، التي تمتلك برنامج عمل وبوصلة سياسية، ومن الطبيعي هناك عوامل اخرى ربما هي لا تقل او هي بالفعل خطيرة على مآل الاوضاع العربية واتجاه حركتها في المستقبل المنظور. سوف اركز في هذه السطور على تفريغ الساحة العربية من الاحزاب والقوى السياسية ذات النهج الثابت لجهة مصالح الوطن والشعب، وهي تمتلك كما اسلفت القول فيه؛ برنامج وفكر وخطط توجه المسار، وضابطة لحركته في الميدان. قبل ان اناقش تأثير هذا على حاضر ومستقبل الشعب والوطن وهنا اقصد جميع الشعوب العربية وجميع اوطانها، من المهم التعريج ولو سريعا على الاسباب والعوامل التي قادت وادت الى افراغ الساحة العربية من الاحزاب والقوى السياسية التي تحمل على عاتقها هموم الشعوب والاوطان. وكي لا استطرد كثيرا في هذا الموضوع او ان ادخل في مناقشته فهو موضوع معلوم ومعروف للجميع؛ لذا سوف اختصره بجمل قليلة: هو طغيان واستبداد انظمة النظام الرسمي العربي الذي اعتبر نفسه ونظامه هو الماسك الوحيد للحقيقة، وهو الوحيد القادر على رسم السياسة التي تخدم الشعوب والاوطان، بينما الحقيقة هي بخلاف هذا. فقد درجت هذه الانظمة في خطابها السياسي والاعلامي؛ كسر اعناق الحقائق، وخداع الناس؛ بإخفاء ارتباطاتها مع الداعم الدولي لها، امريكا بالذات، بالإضافة الى غيرها الكثير. لحاجة هذه القوى العظمى الدولية، امريكا وغيرها، لوجود هذه الانظمة، خلال العقود التي خلت، حتى انفجار شعوب العرب في وجه ظالميها. السؤال الذي يطرحه المنطق؛ ما الذي جعل ثورات الربيع العربي تتجه في ثورتها على دروب ومسالك، بغير المنطلق الذي انطلقت منه؟ صحيح القوى الكبرى العالمية، هي من غيرت مساراته، لكن هل كان بإمكانها ان تتمكن من تحويل هذه المسارات الى مسارات اخرى مضادة تماما الى اهداف الشروع الاول لهذه الثورات. الجواب لم يكن في امكانها ان تقوم بما قامت به، لو كان هناك في الساحة قوى سياسة واحزاب لها كما قلت في اعلى هذا السطور، اضافة الى قيادات لها قاعدة شعبية تؤمن بها او تثق بها. انما الواقع كان مع الاسف الشديد لم يكن على هذه الصورة، فقد كانت الساحة العربية فارغة الى حد كبير من هكذا احزاب وقوى وقيادات. لأن الانظمة العربية قامت بتصفيتها ومحاربة وبعون من القوى الكبرى الدولية وعلى مدار عقود. لذا، عندما انطلقت ثورات الشعوب العربية وهي ترفع شعار الحرية والديمقراطية، والمطالبة بتنحي هذه الانظمة الرثة؛ وجدت نفسها تدور في الفراغ، في ساحات ملئت بالفوضى والاضطراب، لعدم وجود احزاب وقوى سياسية وقيادات تتولى توجيه حركة الثورة، وضبط ايقاعها على مسار تحقيق اهداف الناس. استمر الثوار العرب بعد خط الشروع بخطوات معدودة و محدودة، في مقارعة هذه الانظمة، لكن طريق الثورة تغير لاحقا، بعد هذه الخطوات؛ بطريقة الالتفاف وفتح بإرادة دولية واقليمية، طريق اخر للثورة، هو طريق الموت لها. على هذا الطريق؛ حصل التغيير الذي طالبت به الجماهير، في دول عربية بعينها، ولكن بطريقة انتاج هذه الانظمة لنفسها، بوجوه جديدة هي في الاول والاخير لا تختلف قيد شعرة وانملة عن الانظمة التي اطيح بها، ودول عربية اخرى لم تزل الى الآن تسبح في بحر من الفوضى والاضطراب والدم والدمار والخراب. كيف حدث هذا؟ ومن المسؤول عن هذا الانحراف؟ انها القوى الدولية العظمى والكبرى، ومن الطبيعي معها الكيان الصهيوني، بل هو العمود الفقري لها، اي لهذه القوى العظمى والكبرى، باستثناء الصين؛ لأسباب تتعلق بإمكانياتها حاليا وليس مستقبلا.. وخططها الحصرية في الاقتصاد والتجارة، والمال والسلاح. هذه القوى الدولية اسست لها قواعد ومريدين، تعتمد عليهم في تنفيذ اجندتها على حساب مصالح الشعوب والاوطان. لتدخل بعض هذه الدول التي كانت ميدان لثورات (الربيع العربي) في صراع مع ذاتها تنفيذا لمصالح قوى وراء الحدود. لايزال الوضع على هذه الحالة من الصراع العبثي غير المنتج، وهذا هو ما تريده القوى والدول الكبرى في الاقليم وفي العالم. حتى باتت الحلول تصدم بالطريق المسدود، وهنا اقصد الدول التي لاتزال تعاني من الحروب مع نفسها وبأذرع ابنائها، وليس الدول التي انتجت شكلا جديدا للنظام السابق. سوف اخذ اليمن كمثال، ما ينطبق عليه ينطبق على بقية الانظمة التي طالها الربيع العربي، بأشكال مختلفة ولكنها تقع في ذات الاطار وعين الخانة. في اليمن بعد الوحدة قام النظام بتصفية جميع معارضيه، بعد الانتصار في حرب الوحدة، وبالذات في الجنوب، فقد تم تصفية قوى اليسار في الجنوب والقوى الاخرى، حتى باتت الساحة في جنوب اليمن فارغة الى حد كبير من اي قوى سياسية وقيادات لها قاعدة شعبية، ربما اسستها لو كان لها حرية الحركة، وادامة التواصل معها. في الشمال قبل الوحدة وحتى بعدها تم تصفية جميع القوى السياسية والاحزاب، او تحجيمها والحد من حركتها على ارض الواقع، ولم يبق في الساحة الا الحزب الحاكم والذي اسسه الرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح. عليه، عندما دقت ساعة الحقيقة، وثار الشعب، مطالبا بحقه في الحياة الكريمة، وحريتها في قول ما يريد، واختيار من يحكمه.
لم تكن هناك قيادات فعلية لها فعل على الارض، ولها مقبولية لدى الشعب الثائر، ولم يكن هناك ايضا، احزاب وقوى سياسية لها وجود فعلي في الساحة وليس وجود هلامي، لا قوة فعل لديها في الساحة، بفعل تشتتها وتوزع قيادتها هروبا الى المنافي، من عقدين او اكثر للبعض، وعقود للبعض الاخر. عندها كانت الجماهير الثائرة من اجل الحياة، بلا قيادة تتولى توجيه بوصلة الغضب، بما يقود الى انتاج فعل على الارض؛ يترجم او يحول طموحات الشعب الى واقع، يفضى بالضرورة الى نظام ودولة يحترمان حق الشعب بالحياة والحرية والكرامة. هذا الواقع الذي صنعته القوى الكبرى الدولية والقوى الاقليمية العربية، وفي الجوار العربي، والنظام ايضا، كقاعدة استندت عليها تلك القوى في مفاعيلها في هذا الاتجاه؛ مما جعل الطريق مفتوحا وبسهولة للقوى الدولية وللقوى الاقليمية سواء ما كان منها عربيا او في الجوار العربي؛ كي يكون لها وجود فعلي في اليمن، يضمن لها مصالحها وسياستها، وصراعها مع القوى الدولية، امريكا وغيرها، وهنا اقصد الجوار العربي، ودعما لأمريكا وغيرها في مشاريعهما في هذه الدولة، من قوى الاقليم العربي، الامارات والسعودية. اليمن حاله كما هو حال بقية الاوطان العربية في الوطن العربي القاري؛ له موقع جيوسياسي يشكل إغراءا مهما للقوى الدولية والاقليمية على صعيد الحاضر والمستقبل؛ لذا نلاحظ ان الصراع في اليمن خرج من الشعب اليمني لجهة الواقع على الارض، بل ان الفاعلين في هذا الصراع المدمر هي القوى الدولية والاقليمية، لضمان مصالحها الجيوسياسية، والاستراتيجية. الشرعية في اليمن لا تمتلك اي قرار سياسي او عسكري، كل القرارات بيد السعودية والامارات، وان اختلفا في اجندتهما. المجلس الانتقالي والنخب والاحزمة الامنية تأتمر بأمر الامارات التي تشكل في المنطقة العربية وحتى في الجوار العربي، مركزا أو وكيلا وعرابا للتطبيع مع الكيان الصهيوني؛ لذا نقرأ في الفترة الاخيرة، تصريحات البعض من المجلس الانتقالي المؤيد او الداعي للتطبيع مع الكيان الصهيوني. في هذا الصدد وفي ذات السياق، من المفيد هنا؛ القول ان الامارات تلعب ولعبت دورا محوريا بين الدول العربية والكيان الصهيوني في ترطيب الاجواء، وتفكيك العقد بين هذا الكيان والبعض من هذه الدول، سواء في المحيط العربي، او في الجوار العربي؛ عبر مشاريع في الكهرباء والطاقة والمياه، او عبر الاستثمارات، او عبر تفكيك عزلة هذا النظام او ذاك النظام؛ في عملية لا تخلو من تقريب الحلول والمخارج، لبناء علاقة ما مع الكيان الصهيوني.. أما المملكة العربية السعودية فهي تسيطر على الشرعية بطريقة او بأخرى، ولها خططها ومشاريعها في اليمن، ولا تمتلك الشرعية اي تأثير على اي قرار سواء كان سياسيا او عسكريا. في الشمال حيث يسيطر الحوثيون على الارض، تلعب ايران دورا مهما وداعما وساندا ومجهزا لمشروع الحوثيون في اليمن.. يجري كل هذا الذي يجري في ظل غياب للقوى والاحزاب في اليمن، وهنا اقصد بهذا؛ احزاب وقوى ترتبط منهجا ومخططا وفعلا على الارض بمصالح الشعب اليمني، ارتباطا عضويا، ولا تتلقى الاوامر الا من ذاتها اليمنية، كان هذا الغياب حاضرا في الساحة اليمنية، سواء في الجنوب او في الشمال. ان اليمن كما قلت في اعلى هذا السطور، يتمتع بموقع جيوسياسي واستراتيجي يشكل اغراءا خطيرا ومهما، لجميع القوى الدولية والاقليمية، والأخيرة، سواء ما كان منها عربيا او في الجوار العربي؛ لها مطامع فيه ذات بعد استراتيجي. الامارات والكيان الصهيوني ( الاولى تعمل بالوكالة عن الثانية) يريدان ان يكون لهما موقع على البحر الاحمر، وفي مضيق باب المندب، وفي شرق افريقيا والقرن الافريقي. الكيان الصهيوني يتواجد عسكريا في جزيرتين ارتيريتين في البحر الاحمر، والامارات ايضا تسيطر على جزيرة سقطرى. ايران ايضا تعمل ان يكون لها وجود من خلال الحوثيين على البحر الاحمر ومضيق باب المندب، بالإضافة الى جعل الساحة اليمنية مصد، هو في الاول والنهاية.
واحد من المصدات الأخرى في المنطقة العربية؛ لحماية امنها القومي في صراعها مع امريكا. ومن الطبيعي للقوى الدولية الكبرى، امريكا وفرنسا وبريطانيا لها في اليمن ذات المصالح الاستراتيجية وان كانت بثقل وتأثير ووسائل مختلفة لكنها في ذات الاطار من حيث المطامع والاهداف. أما السعودية فلها هي الاخرى مصالح ومطامع؛ من بينها هو حماية حدودها الجنوبية، وايضا ان يكون لها منفذ على البحر العربي؛ لتصدير نفطها بديلا عن مضيق هرمز؛ من ميناء المهرة ليكون بديلا عن ميناء المكلا. في الخلاصة انه صراع دام بأيد اليمنيين وبالضد من مصالحهم؛ لعدم وجود قوى واحزاب ترتبط باليمن ارتباطا عضويا، وليس ارتباطا دوليا واقليميا. حتى الآن لا يوجد اي بارقة امل في انهاء هذه الحرب العبثية، اي ان هذه الحرب وصلت الى الطريق المسدود. القوى الكبرى، امريكا وغيرها، لم تركز في الفترة الاخيرة، الا على البعد الانساني اي تخفيف معاناة اليمنيين من ثقل هذه الحرب وتداعياتها، وهذه يعني انها اي هذه القوى الكبرى وفي مقدمتها امريكا لا تفكر الآن، وللأمد المنظور؛ في وضع نهاية لهذه الحرب، بل تعديل مساراتها بالشكل الذي لا يؤثر على المدنيين، ليس حبا بهم بل تجنبا لأصوات الادانة في العالم لهذه الحرب الدموية. لكن مع هذا لابد لهذه الحرب، من ان تنتهي ذات يوم، كما جميع الحروب والصراعات انتهت بالحوار والجلوس على طاولة التفاوض.
اعتقد ان السيناريو الاكثر احتمالا؛ هو التقسيم في ظل انسداد المخارج للحلول الاخرى المنتجة، ليس اعادته الى ما كان عليه اليمن قبل الوحدة، بل دولة اتحادية، دولة مركبة، وليست دولة بسيطة، اي كونفدراليات وليس فدراليات، الفرق هنا كبير جدا، الاولى دولتان، أو اكثر، داخل دولة اتحادية هشة، لكل دولة فيها، لها سياستها المستقلة، وهذا يخدم المشروع الصهيوني المعد سلفا للمنطقة العربية، بينما الثانية اقاليم داخل دولة واحدة في جميع المعايير والصعد، اي دولة اتحادية تمتلك جميع عناصر وعوامل القوة والنجاح والتطور.

أحدث المقالات