وقفت على قلعة كركوك انظر مدينتها المتوهجة بالنار الازلية ، اخذتني الرؤيا الى المستقبل وجائني هاتف من هواتفي فاذا مضيفي التركماني يهزني قائلا ها ابا عباس ابشر ماذا ترى؟ قلت انني ارى مدينة تسلخ.
تجمع القلعة اعمدة رخامية ضخمة لكنيسة ومقبرة جنود اتراك وسراي تركي وضريح تحته قبور مفترضة لثلاثة من انبياء بني اسرائيل، دانيال و عزير وحنين، كانت اعمال الترميم تشوه القلعة وتقتل روحها الاثارية فيما كانت نفايات طبية من كل صنف تفترش سطح احد القصور، النزول سريع، التعجيل الارضي لانحدار القلعة اوصلني الى كراج تازة، انفجرت عبوة لاصقة، اختبرت عدم رغبتي بالحياة حيث لم يحرك الامر اي ساكن فيَّ.
فوق تل تازة (قلا) كان علم الثورة الحسينية يرفرف، شرح لي مضيفي تاريخ المكان، انه انقاض لبيوت ابادها قائد منغولي بسبب مقتل ابنه في المنطقة، سرحت باعمق من الاول ماسحا تازة بنظرة دائرية، هزني مضيفي من كتفي صائحا ها ابا مدينابشر ماذا ترى؟ قلت ارى شعبا يختفي.
شاحنة مفخخة حصدت سكان تازة صلاة الجمعة، زرت المقبرة الجماعية ، تازة محمية عسكرية، سجن لاهلها، تدخل المدينة وتخرج منها عبر نقاط تفتيش تحيط بالمدينة من كل الجهات، خطة امنية عجيبة، السكان في داخل السجن والارهابيون في الخارج.
وقفت فوق طاوورقالاسي، القلعة الاشورية التي تعود الى 3 الاف عام ، هذه المرة في طوزخرماتو، التركمان يتساقطون قتلى مثل الخرما التمر ، سيارة محملة بمسلحين مرت على تجمع للاهالي ، تجمع مدني من الحياة اليومية، رشتهم بالرصاص ، تكومت الاجساد على الارض مثل ثياب مبللة، اوصل الارهابيون رسالة الى ذوي القتلى بان اي مجلس عزاء سوف يتم تفجيره،قال مضيفي، لماذا لاتكتب عن محنتنا؟ انت ترى الاحداث بعينك.
وقفنا على اولو تبة ، سرحت ثالثة باعمق من المرتين ، تلني مضيفي من حجزتي بيأس وقال، ها ماذا ترى هذه المرة؟ قلت ارى بلدا يقسم.
صمم الدستور العراقي لانجاب التوائم الثلاثة ( بنتين وولد) عربتان وحصان واحد، لايسمح بغير ذلك، الشعب العراقي صوت على الدستور وبضمنه التركمان ، هذا الدستور يطبق على الارض عمليا وان كانت هناك مناورات سياسية للايحاء بان تطبيقه قد توقف، الدستور رسم خارطة جديدة اسمها ( طز بيكو) ياعراقوكان من تطبيقاتها (طز بالطوز).
ينظر الاكراد للتركمان على انهم منافس قومي وانهم عملاء للعرب وينظر العرب السنة الى التركمان على انهم مجرد شيعة فيما ورثت المنطقة الخضراء عن النظام السابق النظرة للتركمان على انهم عملاء لتركيا.
لم يحصل ان فقد التركمان وضوح النظرة لانفسهم كما هم الان ، انهم مجموعة بشرية تاخذ اسمها الان من الترك بمعنى الاهمال.
في ذروة الاختطاف التاريخي الذي تعرض له العراقيون قامت عصابة باختطاف التركمان وتاجرت بهم وساومت عليهم ثم باعتهم.
التركمان مقطوعون عن نظيرهم القومي بضدهم القومي ومقطوعون عن مثيلهم المذهبي بنقيضهم الطائفي.
لم تعد مشكلة التركمان في العراق قومية دينية مذهبية طائفية لتحل بالمعايشة او الدعوة لتشكيل مليشيا او حتى جعل طوز خرماتو محافظة، ان مشكلة التركمان انهم يقعون على الحافات الحادة للتقسيم وتقسيم العراق هو روح الدستور الجديد.
زيارة حاكم بغداد الى حاكم اربيل وزيارة حاكم اربيل لحاكم بغداد اثبتت بالقطع ان الاثارات واللف والدوران والتصريحات النارية المتبادلة ماهي الا حركة ناعورية تصب في ساقية تقسيم العراق وان المسالة مسالة وقت لتولد بدون احكام تاريخية او مقولات وتبدو كانها امر منسجم مع ارادة الناس التي تم تثويلها الى حدود مريعة.
في مجالس عزائهم وفي دور عبادتهم وفي محلات عملهم كانت عيون التركمان تكتنز الدمع وشفاههم ترتسم عليها المرارة وكان السؤال الذي يحاولون اسكاته في دواخلهم ماهو مصيرنا؟
يشبه وضع التركمان تماما وضع الفلاحين الفلسطينيين الذين تاجر بهم ياسر عرفات ومحمود عباس وجبهة التحرير الفلسطينية ودلالون بمخلتف العناوين ثم كان الناجي منهم من حصل على الجنسية الاسرائيلية او على اللجوء في اوروبا بعد ان توجت الاتفاقات بمؤتمر مدريد ومؤتمر اوسلو هذا مايراهبام عينيه اوغلو.
في الثالثة فجرا كانت سيارة تلتقطني على حدود طوز خرماتو المنطقة الاكثر خطورة في العالم وهو يودعني قال مضيفي
ابا عباس اذا حصل وكتبت عن التركمان برايك ماذا يمكن ان تقول الحكومة في بغداد؟
ارتخت ايدينا وزادت حركة السيارة من تباعدنا لكنه ظل ينتظر ان تنفرج شفتي بكلمة وجاء صوت السائق الخائف والغاضب كانه يجيب بدلا عن الحكومة… دعنا نغادر…طز بالطوز…