23 ديسمبر، 2024 5:46 ص

منذ وقت طويل تحولت مجالس العزاء الحسينية الى مدارس لروادها. فقد صارت الثقافة الشعبية الدينية تنتقل عبر الاجيال من خلال هذه المنبر الحسيني الذي ينشط سنويا على مدى حوالي خمسين يوما، بدءا من الاول من محرم الى اليوم العشرين من شهر صفر الذي يتوج بزيارة الاربعين المعروفة.
يحضر الناس هذه المجالس طوعا وشغفا، باعداد تتزايد كل سنة، خاصة بعد سقوط النظام الدكتاتوري الذي سعى، دون جدوى، الى القضاء على هذه الظاهرة التاريخية الاصيلة. ويمثل المنبر الحسيني فرصة ثمينة نادرة، لا تتاح لغيره من مصادر التأثير والتثقيف، لتوجيه الرأي العام والحشد الشعبي ونشر الثقافة العامة. وزاد التقدم التكنولوجي من فعالية المنبر الحسيني وقوة انتشاره وتأثيره على الناس بشكل يضاهي، او ربما يفوق، قوة التأثير التي تملكها وسائل الاعلام الاخرى.
وامام هذه المعطيات يكون من الضروري التفكير بالاسلوب الامثل لتوظيف المنبر الحسيني واستثماره في التوعية والتثقيف الشعبيين السليمين والنافعين، حتى لا تخرج منه الجموع الشعبية التي تحضره بخفي حنين او بالقليل القليل من الثقافة والمعلومات التي قد لا تغني ولا تسمن من جوع.
لكن الملاحظ على بعض هذه المجالس انها ما زالت تعيد انتاج نفسها وتكرر نفس مقولاتها ومضامينها الثقافة والفكرية التي اعتادت عليها منذ عشرات السنين. احضر هذه الايام بعض المجالس الحسينية، وأفاجأ بان ما يطرح سبق ان سمعناه في وقت مبكر من حياتنا، رغم كل التطورات والتحولات الفكرية والسياسية والجتماعية التي شهدها العراق، في الاقل منذ عشر سنوات. ان بعض هذه المجالس تبدو وكانها تعيش خارج عصرها وبيئتها ومحيطها ولاتتفاعل مع الحاضر بقدر ما تتفاعل مع الماضي، ولا تتفاعل مع قضايا متحركة ومتغيرة بقدر ما تتعامل مع قضايا ثابتة مستقرة منذ مئات السنين.
وهذه حالة محزنة لأنها تحرم المنبر الحسيني ورواده من فرصة الاطلاع والتثقف والتفاعل مع قضايا العصر والزمان وتحولاته ومستجداته بطريقة سهلة طوعية غير مكلفة. ويتحمل الخطباء المسؤولية الكبرى عن هذا، لأنهم لم يستوعبوا بعد التحولات والضرورات التي يعيشها بلدنا ورواد المنبر الحسيني خاصة، اما لانه فاتهم الانتباه الى هذه المسألة، وهذا ما احاول ان اثير الانتباه بشانه، او لانهم غير قادرين على ذلك اصلا.
وهنا قد يكون بالامكان ان اطرح السؤال التالي: هل يجب ان يكون المتحدث الاساسي في المنبر الحسيني من رجال الدين او طلبة العلم الديني؟
باستثناء مقطع “النعي” الذي يستهدف ابكاء الحاضرين، لا يبدو ان ذلك من المحتمات التي لا يمكن التفكير بتغييرها. بل ان الضرورة تستدعي التفكير بتغييرها، وفسح المجال لغير المعممين لصعود المنبر الحسيني والتحدث من خلاله الى جمهور الرواد الكبير.
من الممكن جدا، في مجلس عزاء يكون معظم رواده من المثقفين والمسؤولين، ان يكون المتحدثون من اساتذه الجامعة والعلماء المتخصصين في شتى العلوم والمعارف، كأن يتحدث مرة عالم في الاقتصاد، ومرة ثانية عالم في الاجتماع، وثالثة في العلاقات الدولية وهكذا، ورابع مسؤول عن مشكلة تعاني منها الدولة، وهكذا، لكي يخرج الحاضرون بحصيلة معرفية وفكرية تستحق الانصات والاهتمام.
ما المانع من ذلك؟