22 ديسمبر، 2024 8:36 م

المناهل.. أغنية للحياة باللغة العربية

المناهل.. أغنية للحياة باللغة العربية

ما الذي قد يكون أجمل من ذكريات الطفولة، وما الذي قد يجعلها تدوم إلى الأبد أكثر من ارتباطها بحكمةٍ تعلمناها أو معلومةٍ استفدنا منها ورافقتنا إلى يومنا هذا، بل وعلمتنا العديد من المبادىء والأفكار وحتى قواعد اللغة التي ننطقها ونتباهى بها ككنزٍ ثقافي وارثٍ حضاري مشرف بين الأمم في قالبٍ فنيٍ راقٍ وأنيق شارك فيه أسماء ٌ كبيرة من عمالقة الفن والثقافة في الأردن وفلسطين ليعطونا تحفةً ثقافية خالدة للأطفال عرفناها بإسم..المناهل..

هذا البرنامج الرائع والذي تم عرضه للمرة الأولى عام ١٩٨٧ تحول إلى أحد أيقونات الزمن الجميل، والذي يصعب تكرار تجربته حالياً على أكثر من مستوى، من حيث الفكرة والمضمون ومخاطبته الأطفال بلغةٍ راقية ومشاركة ألمع الأسماء الفنية فيه تمثيلاً وأداءاً صوتياً وحتى على صعيد الكتابة، كونه يمثل حقبةً زمنية وتوجهاً فكرياً وسعياً لخلق مناخ ثقافي يكبر فيه الطفل على أساسٍ من الثقافة والخلق والوعي والمعرفة بهويته، ويجعله على اتصالٍ بها من خلال فقراتٍ محببة تقدم له لغته بجمالها وتنوعها وثراء معانيها وتحاول وصله بمحيطه العربي والعالم عموماً بكل بساطة لكن بمنتهى الحرفية..

ومن خلال هذه الجرعة اليومية المكثفة من المعلومات العامة والصور الجمالية والأفكار المبتكرة التي تنمي الميل الفني والمعرفي لدى الطفل، نرى أن هذا العالم الذي نشعر بالملل منه لا زال مليئاً بالكنوز والأسرار والمساحات الشاسعة التي يجب علينا استكشافها، من خلال صورٍ مرحة ومواقف طريفة ومبهجة عبر فقراتٍ محببة وشهيرة لا تزال في ذاكرة الكثيرين مثل (مغامرات أبي الحروف، خربوط، مطبخ فرحان، زيد وعمرو، سلوى والفنون، قصص للذكرى، كتاب قصير جداً، المكتشف العبقري)، وغيرها الكثير من خلال ورشةٍ مكثفة يقودها الفنان الأردني الكبير هشام يانس مع أهم الأسماء الفنية الأردنية والفلسطينية مثل (أمل دباس، ريم سعادة، قمر الصفدي، حسين أبو حمد، هلا خوري، ربيع شهاب، عبير عيسى، ماهر خماش، شفيقة الطل، غسان المشيني، لينا التل، تيسير عطية، نصر عناني، رفعت النجار، مازن عجاوي) وغيرهم الكثير..

ولا يمكننا أن ننسى الأغنيات الرائعة التي تضمنها البرنامج وحافظت على مستوى ً موسيقي عالي استطاع أن يوظف الكلمات والحالة ككل ليبسط اللغة العربية ويجعلها أكثر قرباً من الأطفال، فالمقاطع التي كان لا يتجاوز بعضها بضعة ثوانٍ كانت متميزةً ومختلفة ومتقنة عكس معظم النتاج الموسيقي اليوم، والذي لا يقدم أي جديد منذ سنوات على صعيد الكلمة أو اللحن أو التوزيع الموسيقي أو الروح والهوية التي باتت مفقودة..

وبنظرةٍ سريعة لطبيعة هذا البرنامج ومجموعة برامج الأطفال التي كانت موجودة في العالم العربي، وللمشاركين فيها والقائمين عليها وللفكر الذي كان يجمعهم لإنجاز مشاريع من هذا النوع ليس فقط في الأردن بل في العديد من الدول العربية، يمكننا أن نرى أين أصبحت مكانة اللغة العربيّة التي كانت نواةً للكثير من المشاريع الفنية وأين أصبحت مجتمعاتنا برمتها على صعيد الثقافة والذوق والتفكير وكم تحتاج إلى نهضة جديدة تبدأ من أساس متين هو اللغة، فيغازلها ويلاطفها ويراقصها تماماً كما سمعناها في أغنية البرنامج تقول “هذي لغتي فوق الشفةِ كالأغنيةِ..هيا إلى المناهل..هيا إلى الحياة” ..