18 ديسمبر، 2024 9:32 م

المناطق المستقطعة من إقليم كوردستان بين الأمس واليوم والاتفاق التأريخي بين بغداد وأربيل لتطبيق المادة 140

المناطق المستقطعة من إقليم كوردستان بين الأمس واليوم والاتفاق التأريخي بين بغداد وأربيل لتطبيق المادة 140

المنصفون من المؤرخين يعلمون جيدًا بأنه لا يوجد شعب على وجه الأرض مثل الشعب الكوردي تعرَّض إلى الظلم والجور والاضطهاد من قِبل الأنظمة الحاكمة من الإمبراطوريتين ( العثمانية والصفوية ) بحكم الموقع الجغرافية لوجود الشعب الكوردي بينهما ولازالت أطماعهما مستمرة بأنظمتها الحديثة ولكن العقلية لا تختلف عن سابقها فضلًا عن ظهور المملكة العراقية حديثًا وتأسيسها من قبل البريطانيين بعد استدعاء الأمير فيصل وتنصيبه ملكًا على العراق فالأطماع توزعت ما بين ثلاث قوميات ( العربية والفارسية والتركية ) تجاه ولاية الموصل ( جنوب كوردستان ) .
منذ تأسيس أول حكومة في المملكة العراقية في سنة 1921 لم تكن ولاية الموصل جزءًا جغرافيًا من العراق .
وبعد تنصيب الأمير فيصل ملكًا على العراق في سنة 1921 تبين من خلال نتائج الاستفتاء أنه حصل على نسبة 96% من أصوات العراقيين ، علمًا أن الملك فيصل لم يدخل العراق من قبل وهو ابن الحسين الهاشمي .
وصوّت الكورد ضده في لواء كركوك أما لواء السليمانية فلم يشترك في التصويت عليه ولوائا أربيل والموصل اشترطا عليه في نص البيعة ضمان حقوق الأقليات في تأسيس الإدارات التي وعدوا بها من قبل الحلفاء في معاهدة سيفر .
وبعد فشل الجانب البريطاني والعراقي في حل قضية ولاية الموصل أحيلت القضية إلى لجنة من عصبة الأمم وشكلت لجنة مختصة بذلك في 30أيلول من سنة 1924 وقدمت الحكومات ( العراقية والتركية والبريطانية) بيانات عن التركيبة القومية لولاية الموصل فكانت البيانات وفق هذه التقديرات :
1- الكورد والإيزيديون : 65% بحسب بيانات الحكومة العراقية و 56% بحسب بيانات الحكومة التركية و 57,9% بحسب البيانات الحكومة البريطانية.
2- العرب : 20,8% بحسب بيانات الحكومة العراقية و 8,6% بحسب بيانات الحكومة التركية و 23,8% بحسب بيانات الحكومة البريطانية.
3- الترك : 4,8% بحسب بيانات الحكومة العراقية و 29,2% بحسب بيانات الحكومة التركية و 8,4% بحسب بيانات الحكومة البريطانية.
4-المسيحيون : :7,7% بحسب بيانات الحكومة العراقية و6,2% بحسب بيانات الحكومة التركية و 7,9% بحسب بيانات الحكومة البريطانية.
وبعد الانتهاء من التحقيقات رفعت اللجنة تقريرها إلى مجلس عصبة الأمم في 16 تموز من سنة 1925 وملخص التقرير أن الكورد يشكلون خمسة أثمان سكان الولاية وأن العراق لا يمتد شمالًا إلى أبعد من منطقة حمرين !
وصدر قرار مجلس العصبة في 16 كانون الأول من سنة 1925 بضم ولاية الموصل إلى العراق.
وقد شهدت الساحة السياسية الكوردية استقرارًا أمنيًا بعد استقلال العراق إلى قيام الحرب العالمية الثانية بعد أن تنصلت الحكومة العراقية من أن تنفيذ وعودها للكورد ومنع استعمال اللغة الكوردية وتهميش حقوق الكورد فقام البارزاني الخالد بثورته من سنة 1943-1945 ضد السلطات العراقية محققًا انتصارات كبيرة على الساحة .
وطالب البارزاني الخالد بتشكيل ولاية كوردية تتضمن كركوك والسليمانيةوأربيل وأقضية الموصل الكوردية وهي : دهوك وزاخو وشنگال وكذلك قضائي خانقين ومندلي من محافظة ديالى وأن تتمتع بالاستقلال الذاتي في الجوانب الثقافية والاقتصادية وتعيين وكيل وزير كوردي في جميع الوزارات ووزير كوردي يكون مسؤولًا عن ولاية كوردستان وجعل اللغة الكوردية لغة رسمية في الولاية فوافقت الحكومة العراقية على طلبات البارزاني الخالد إلا أنها لم تبادر بذلك فعليًا بل قامت بتحريض العشائر الكوردية ضد البارزاني الخالد وضد حركته المسلحة وقاد الجيش العراقي حملة ضد ودخلوا إلى بارزان في سنة 1945 .
من خلال تصفح صفحات من التأريخ المعاصر تجد أن الحكومات العراقية كانت تلجأ إلى منطق القوة العسكرية وليس إلى الحوار السياسي الدبلوماسي وتغليب لغة العقل والمنطق بل قمعوا الحركات الكوردية وثوراتها وذلك من خلال عقد الاتفاقيات مع دول الجوار فعلى سبيل المثال :
– ميثاق ( سعد آباد ) في سنة 1937.
– الاتفاقية التركية – العراقية في سنة 1946.
– حلف بغداد في سنة 1955.
-اتفاقية الجزائر السيئة الصيت في سنة 1975.
كل هذه الاتفاقيات والمواثيق والأحلاف من أجل تضييق الخناق على الحركة التحررية الكوردية المسلحة التي تطالب بحقوق شعب كوردستان .
ثم بعد ذلك اتجه العراق من دكتاتورية الحزب الواحد إلى دكتاتورية الشخصية الواحدة المتمثلة بشخصية المقبور ( صدام حسين ) في سنة 1979 بعد الإطاحة بأحمد حسن البكر عن السلطة فأصبح رئيسًا لجمهورية العراق ورئيسًا للوزارء والقائد العام للقوات المسلحة والأمين العام للقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ورئيس مجلس قيادة الثورة .
فقام صدام حسين بحملة كبيرة من التعريب للمناطق الكوردستانية وتهجير الكورد من محل سكناهم واتباع سياسة تصحيح القومية بجعل الكورد عربًا وضرب الكورد بالأسلحة الكيمياوية في جريمة حلپچة ويقدر عدد الضحايا بـ 5000 مواطن كوردي مدني وسلسلة من حملة الأنفالات التي بدأت على 8 مراحل وعدد الضحايا 182000 مواطن كوردي ودفن 8000 بارزاني وهم أحياء ومسح 4500 قرية كوردية من الأرض فضلًا عن قتل 12000 كورديًا من الفيليين .
من سياسات التعريب المتبعة في محافظة كركوك الكوردستانية لا يسمح للتركماني أن يشتري من العربي بل يسمح له أن يشتري من الكوردي أو التركماني فقط والكوردي لا يسمح له بالشراء لا من العربي ولا من التركماني والعربي يحق له الشراء من الكوردي والتركماني في محاولة لتقليص النفوذ الكوردي وتوسيع النفوذ العربي ما عدا تسليم وتوزيع قطع الأراضي الكوردية على العرب الوافدين إليها.
كل هذه الممارسات الشوفينية مما جعل الحزب الديمقراطي الكوردستاني يشكّل الجبهة الكوردستانية في عام 1987مع الاتحاد الوطني الكوردستاني فضلًا عن الأحزاب الكوردستانية الأخرى لمواصلة مسيرة الكفاح ضد الحكومة البعثية مما جعلتهم أن يقوموا بانتفاضة شعبية واسعة بجميع المناطق الكوردستانية في عام 1991 وتحررت المناطق الكوردستانية من سيطرة البعث الصدامي وطردهم من مقراتهم .
وسيطر الكورد على ثلاث محافظات كوردستانية وهي :& ( أربيل والسليمانية ودهوك ) وبادرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا في عام 1991 بتشكيل منطقة آمنة للكورد لإبعاد خطر حكومة البعث عنهم .
مما أجبر نظام البعث بسحب الوحدات العسكرية والإدارية من المحافظات الثلاثة وعلى إثرها أوجد فراغًا قانونيًا وسياسًا وإداريًا مما فسح المجال أمام الأحزاب الكوردستانية بإجراء انتخابات نيابية في 19 أيار من عام 1992 وتشكل برلمان كوردستان وحكومته في 5تموز من عام 1992.
وبقي إقليم كوردستان خارج سيطرة الحكومة العراقية حتى تحرير العراق من حكومة البعث في عام 2003.
وبعد انتهاء حقبة حزب البعث والنظام الديكتاتوري بجميع سلبياته استرجعنا ثلاث محافظات وبقيت المناطق الكوردستانية تحت سيطرة الحكومة العراقية في حينها وبدأت حقبة سياسية أخرى من خلال بقاء المناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستانية معلقة ما بين الحكومتين الاتحادية وإقليم كوردستان واطّرت تلك المناطق بإطار قانوني ودستوري متوزعة ما بين محافظات كركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين وواسط وعرفت تلك المادة بالدستور العراقي بالمادة 140 وعرّفت الهيئة العامة في إقليم كوردستان للمناطق المتنازع عليها بالمناطق مصطلح ( المناطق المتنازع عليها ) وهي المناطق المستقطعة من كوردستان – العراق خلافًا للوقائع التأريخية والجغرافية والمشمولة بإجراءات التعريب وتغيير هويتها القومية من قبل نظام البعث .
ويؤسفني أن أقول بأن أغلب العراقيين والإعلاميين والكُتَّاب لا يعرفون بصورة دقيقة حدود إقليم كوردستان ويجهلون حقيقة المادة 140 من الدستور العراقي وقد جاءت مضمون هذه المادة بهذا الشكل :
أولًا : تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، بكل فقراتها.
ثانيًا : المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية، والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور، على أن تنجز كاملةً (التطبيع، الإحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، لتحديد إرادة مواطنيها) في مدةٍ أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول سنة ألفين وسبعة.
وقد جاء في الدستور الكوردستاني في المادة: 2 الذي يتحدث عن حدود كوردستان :
أولًا : كوردستان العراق كيان جغرافي تأريخي يتكون من محافظة دهوك بحدودها الإدارية الحالية، ومحافظات كركوك والسليمانية وأربيل، وأقضية عقرة والشيخان وسنجار وتلكيف وقرقوش، ونواحي زمار وبعشيقة وآسكي كلك من محافظة نينوى، وقضائي خانقين ومندلي من محافظة ديالى، وذلك بحدودها الإدارية قبل عام 1968.
فهذه هي هي حدود إقليم كوردستان – العراق ومن حق قوات الپيشمرگة أن يكونوا فيها بحسب الدستور الكوردستاني .
إلا أن هذه المادة الدستورية ( المادة 140) تم تعطيلها وعرقلتها من قبل بعض الساسة المرتبطين بالأجندات الإقليمية ويعملون لصالح تلك الأجندة باعتراف منهم !
والمناطق المستقطعة من كوردستان هي : ( محافظة كركوك كاملة بحدودها الإدارية قبل سنة 1968 وجميع الأقضية والنواحي التابعة لمحافظة نينوى ما عدا أقضية الموصل والبعاج والحضر وقضائي خانقين والمقدادية – شهربان – وناحية مندلي من محافظة ديالى وقضاء بدرة وناحية جصان من محافظة واسط )
وتجدر الإشارة إلى أن مساحة المناطق المتنازع عليها تقدر بــ ( 51,4 % ) من مجموع مساحة إقليم كوردستان وهو ما يعادل 18% من مساحة العراق .
وجميع هذه المناطق المستقطعة من كوردستان والمعروفة بالمتنازع عليها كانت جزءًا من ولاية الموصل إبان العهد العثماني عدا أقضية خانقين وشهربان ومندلي وبدرة كانت تقع ضمن حدود ولاية بغداد.
ومن الضروري جدًا أن يعرف المتلقي العربي أنه كان يقصد بالعراق ( ولايتي بغداد والبصرة ) إبان الحرب العالمية الأولى .
واعتمادًا على إحدى المذكرات السرية من قبل الوزارة الخارجية البريطانية في 21-11-1918 من خلال نص واضح وصريح مبينًا فيها أن كوردستان الجنوبية تمتد إلى الشرق من نهر دجلة وإلى ما وراء جبل حمرين !
والمقصود بجنوب كوردستان هو ولاية الموصل .
وبعد تحرير العراق من سيطرة البعث وأزلامه وضع دستور جديد للبلاد في عام 2005 وصوّت عليه من قبل الشعب العراقي ومن ضمنها مواد دستورية لم يتم تطبيقها ومعالجتها وعلى رأسها المادة 140 عرقلت منذ 15 سنة بسبب الأطماع الاقتصادية والسياسية والزراعية فيها .
وفي 9 تشرين الأول من عام 2020 عقد اتفاق تأريخي ما بين الحكومتين الاتحادية وإقليم كوردستان حول قضاء شنگال من خلال جعلها قضاءً خاليًا من جميع المظاهر المسلحة سواء أكانت محلية أم خارجية ويتم إدارتها بالتنسيق المشترك ما بين بغداد وأربيل بحضور ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت وسط ترحيب كبير للولايات المتحدة الأمريكية .
وهي نقطة الانطلاق لتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي كما أن من أولويات النسخة التاسعة من حكومة إقليم كوردستان هي العمل الجاد على تطبيق هذه المادة فعندما كانت قوات الپيشمرگة والجهاز الأمني( الآسايش ) موجودين في المناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان كان الأمان مستتبًا ولم تحدث خروقات أمنية فيها سواء قبل سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش ) أو بعد تحرريها منهم .
وبعد أحداث 16 أكتوبر في سنة 2017 وانسحاب قوات الپيشمرگة من جميع تلك المناطق فأصبح هناك انفلات أمني واضح فضلًا عن استمرار ممارسة سياسة التعريب من قبل محافظ 16 أكتوبر راكان الجبوري في كركوك ولهذا السبب وغيره من الأسباب حدث هذا الاتفاق التأريخي ما بين بغداد وأربيل وبمباركة الأمم المتحدة ودعمها للاتفاق .
إلا أن كثيرًا من الذيول الذين يحاولون تعكير الأجواء السياسية ما بين بغداد وأربيل عبر بياناتهم الشخصية من خلال الوسائل الإعلام المرئية والمقروءة .
والجهات المعترضة على هذه الاتفاقية هم :
– نواب العرب السنة من أطراف نينوى الذين يرفضون دخول قوات الپيشمرگة إلى شنگال وهؤلاء النواب أغلبهم لديهم حشود وغالبية تلك الحشود عليهم مؤشرات أمنية وارتباطاتهم بالجهات الإرهابية فرجوع الپيشمرگة بالتنسيق مع الجيش العراقي لا يرفضان بوجود الحشود في المناطق الكوردستانية بتاتًا فضلًا عن المطلوبين للقضاء !
– الجبهة التركمانية : سبب اعتراضها معروف لارتباطها بالأجندات الإقليمية !
– الإيزيديون الموجودون في شنگال : هؤلاء منقسمون على خمسة أطراف طرفان منهما وحدات حماية شنگال المعروفة بــ YBŞ المنضوية تحت أيدلوجية حزب العمال الكوردستاني الـ PKK والطرف الثاني من الإيزيدية التابعين لفوج لالش المنضوين تحت هيئة الحشد الشعبي !
الطرف الثالث : المدفوعون من قبل منظمة ( يزدا ) والذين يتم التلاعب بأغلب هؤلاء وغيرهم ممن يعملون معهم في الخفاء وكثير من المسؤولين متورطون معهم !
الطرف الرابع : نايف بن داود بن سليمان الذي نصّب نفسه أميرًا للإيزيدية في شنگال المعروف بالتوجه البعثي ويمكننا أن نصفه بالأمير اليتيم أو الفضائي ( توز وبا) وليست لديه أية شعبية .
الطرف الخامس : مجموعة من الناشطين المرتزقة المرتبطين بجهات سياسية المعروفة بموقفها تجاه إقليم كوردستان .
علاوة على ذلك هناك كثير من الإيزيدية الشرفاء الموجودين في شنگال والمخيمات أيضًا مسرورون جدًا بهذه الاتفاقية كنقطة الانطلاقة لحلحلة جميع المشكلات العالقة ما بين بغداد وأربيل منذ سنوات طويلة .
وقد أبدى فخامة الرئيس مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان السابق ورئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيس إقليم كوردستان السيد نيچيرڤان بارزاني ورئيس وزراء إقليم كوردستان السيد مسرور بارزاني ترحيبًا حول هذه الاتفاقية التي استغرقت وقتًا طويلًا من المفاوضات والمباحثات لتقريب وجهات النظر وحل جميع المشكلات عبر منصة الدستور العراقي وهي البداية لتطبيق المادة 140 لتطبيع الأوضاع فيها والإحصاء ثم الاستفتاء !
والأصوات التي بدأت ترتفع وتتعالى لا وجودها لها في الصف الوطني ولاسيما الانتهازيين والمتسلقين وسياسيي ( نص ردن ) الذين يبحثون عن مصالحهم الشخصية ولا يهمهم معاناة المواطنين وحقوقهم الضائعة والمسلوبة بدوافع شوفينية تهميشية إقصائية!