18 ديسمبر، 2024 10:51 م

المناضل الشيوعي العراقي عبد السلام الناصري في ذمة الخلود

المناضل الشيوعي العراقي عبد السلام الناصري في ذمة الخلود

رحل عنا يوم الاثنين الماضي 28 اذار 2016 المناضل الشيوعي المخضرم عبد السلام الناصري ( أنور مصطفى ـ ابو نصير) وهو من الرعيل الاول من الشيوعيين العراقيين او كما يسمى هذا الجيل ( الحرس القديم )، حيث عاصر الشهيد الخالد فهد وساهم في قيادة الحزب الشيوعي العراقي مبكرا كعضو في اللجنة المركزية، اعتقل في العهد الملكي من قبل الاجهزة الامنية ( مديرية التحقيقات الجنائية ). اطلق سراحه بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ليلتحق بقيادة الحزب ثم عضو مرشح للمكتب السياسي. ارسل بعدها للدراسة الحزبية في موسكو وضمن خطة صيانة، تتضمن ارسال قسم لا بأس به من القادة والكوادر المتقدمة للدراسة في البلدان الاشتراكية، كضمان احتياطي للحزب وخصوصا بعد ان قلب الزعيم عبد الكريم قاسم ظهر المجن للحزب على اثر احداث الموصل وكركوك عام 1959. بعد انقلاب 8 شباط الدموي 1963 نشط الفقيد الناصري في الخارج لقيادة حملة مناهضة للانقلاب وحرسه اللاقومي ولملمة الرفاق في الخارج للاتصال بما تبقى من قادة في الداخل واعادة بناء الحزب المشتت على اثر الضربة القاسية التي تعرض لها، وابرز من ساهم معه من الخارج في اعادة البناء هم القادة آرا خاجادور والفقيدين ثابت حبيب العاني وحسين سلطان صبي، برز الناصري في تلك الفترة كناطق رسمي باسم الحزب وبدعم من الكرملن، مما ولد انطباعا عاما بان الناصري هو السكرتير القادم للحزب الشيوعي العراقي، في اب 1964 وفي مدينة براغ عقد اجتماع لما تبقى من اعضاء اللجنة المركزية وبحضور بعض الكوادر، وهو الاجتماع الذي انبثق منه ما يعرف بخط آب، وتم فيه اختيار عزيز محمد سكرتيرا للحزب باعتباره عضوا اصيلا في المكتب السياسي قبل 8 شباط والناصري عضو مرشح للمكتب السياسي وفي اجواء لا تخلوا من هواجس وترددات طائفية، مهدت لمرحلة تكريد جديدة لقيادة الحزب استمرت لغاية 1993 حيث ابعد عزيز محمد من قيادة الحزب في ما يسمى بالمؤتمر الخامس، بعد تصاعد روائح نتنة من فساد مالي واخلاقي وخروقات امنية  وانحرافات حزبية لعزيز محمد وبطانته، تركت اثرها وتوابعها على مسيرة الحزب اللاحقة لينتهي به المطاف في دهاليز السياسة الانكلوأمريكية ومجلس الحكم البريمري  ومستنقعات الاحزاب الكردستانية واخيرا مسح الاكتاف واللهاث وراء الاحزاب الدينية .   على اثر اجتماع اب 1964 وانشقاق القيادة المركزية 1967، اعتبر الناصري من عرابي خط اب وناله ما ناله من محاولة اساءة وتهميش لغرض امتصاص نقمة واعتراض القاعدة الحزبية، في حين ان خط اب تم اقراره بقناعة عامة للجميع او الغالبية العظمى من قادة الحزب باستثناء اعتراضات وتحفظات قليلة وخجولة ( أكد الناصري تلك الحقيقة لأحد زائريه من الاصدقاء بعد الاحتلال الامريكي رغم صمته وشبه انعزاله وابتعاده عن الحزب في تلك الفترة )، ومع هذا تم الاطاحة ببعض الرفاق لارضاء القاعدة وليحتفظ الاخرين بمراكزهم  ضمن مناورة حزبية من عزيز محمد وبطانته. بعدها وصولا الى انقلاب البعث في 17 تموز 1968 ومباحثات الجبهة مع البعث، برز الجفاء بين الناصري وعزيز محمد، وجه خلاله الناصري نقد لاذع وشديد اللهجة لعزيز محمد عبر رسائل حزبية، في المؤتمر الوطني الثالث 1976 للحزب عاد ابو نصير الى قيادة الحزب بعد توسيعها الى 44 عضوا في اللجنة المركزية. خلال الهجمة الشرسة لاجهزة الطاغية صدام ضد الحزب 78 ــ 79 وما رافقها من هجرة جماعية لقيادة الحزب. آثر الناصري البقاء داخل العراق لاسباب وظروف غير معروفة ولم ينحني امام كل مغريات النظام البعثي، وعانى من ظروف معيشية صعبة وقاسية وخصوصا في فترة الحصار الاقتصادي على البلد. في المؤتمر اللاوطني الرابع ( سيء الصيت ) 1985 أعتبر الناصري خارج القيادة ضمن حملة التصفيات التي قادها عزيز محمد وبطانته العفنة لخيرة المناضلين في الحزب وتحت مسميات هزيلة ( اجتمعنا ليلغي نصفنا النصف الآخر، التخلص من الحواشي الرخوة في قيادة الحزب ). بعد الاحتلال الأنكلوأمريكي للعراق والتحاق الحزب الشيوعي العراقي بالقطار الامريكي ومجلس الحكم البريمري، اعتكف الناصري في منزله مبتعدا عن مستنقع الخيانة محافظا على تاريخه الثر والنقي رغم قساوة الظروف في جميع نواحي الحياة، رافضا كل محاولات الاتصال به من جهات اعلامية مختلفة وحتى الباحثين وطلاب الدراسات العليا للاستفادة من ذكرياته حول تاريخ الحزب الشيوعي العراقي والحركة اليسارية في العراق، ليرحل الى مثواه الاخير بهدوء. بعد الرحيل كتبت احدى الجهات نعيا للناصري، قفزت فيه على الكثير من المراحل واختلط عليها الاسم الحركي للناصري في محاولة بائسة لتجيير تاريخ الرجل لصالحها بعيدا عن اي نبل انساني من حاملي اسم النبل ظاهريا ولاغراض المدح الذاتي الغادوي .سيبقى انور مصطفى نورا صافيا في سماء العراقوداعا ابا نصير يا نصير الفقراءالمجد والخلود للمناضل عبد السلام الناصري