مادامت كل افكار وتوجهات حركاتنا السياسية جادة في السعي الحثيث لبناء اسس دولة النظام الديمقراطي والقانون المنصف، ومادام الجميع نبذوا وينبذون دكتاتورية السلطات المستبدة التي عانوا تعسفها واضطهادها عقودا سودا، وبغية اشراك جميع طبقات واطياف شعبنا المظلوم في القرار السياسي فلا بد من احياء مبادئ وقيم سياسية جديدة تتناسب مع تطلعات العهد العراقي الجديد وفي مقدمتها مبدأ مساءلة المسؤول، هذا المبدأ الذي طواه النسيان ودفنته سياسة التسلط، لتدفع بالناس الى المشاركة الميدانية والحقيقية في كل شؤون الحياة واولها الشان السياسي. وهذا البناء لا يستقيم الا بتصحيح مفاهيم مغلوطة عفا عليها الزمن وخلفتها شعوب العالم المتحرر وراءها، مفاهيم بالية زرعها الطغاة والمتنفذون والمتسلطون في اذهان الناس البسطاء – والذين حرصوا على تجهيلهم – ليتوارثوها جيلا عن جيل، وعلى رأس هذه المفاهيم المتخلفة تقديس الاشخاص وتأليههم، وهذا واجب يتحمل وزره المعنيون وذلك بافهام الناس بأن تقديس الاشخاص وعبادتهم فعل تحرمه الشرائع والاديان كافة كونه يمثل نوعا من انواع الشرك في الذات الالهية قبل ان يلغي كينونة وذات الانسان ويحيله الى عبد ذليل خانع لا حول له ولا قوة يقاد كما تقاد البهائم.
وكخطوة اولى يجب على المسؤولين تشجيع العامة على ممارسة دور الرقابة الشعبية ومساءلة المتصدين للقيادة وادراة شؤون البلاد وعلى كافة المستويات، وذلك باحياء روح المواطنة والشعور بالمسؤولية والواجب عند الجميع وبتسفيه طروحات الاتكالية والاستسلام لثقافة التصاغر بين ايدي المسؤولين وتقديم فروض الطاعة بترديد مفردات التخاذل والاستضعاف.
ان الجميع مدعوون، وكل من موقعه بالتذكير بأن الانسان كائن من كان مسؤول بشكل وبآخر عن جميع الامور التي تجري حوله سواء مسته او اصابت غيره ولذا جاء في الاحاديث القدسية الشريفة “من بات غير مهتم بامور الناس فليس منهم”. و “ملعون ملعون من بات شبعانا وجاره جائع”.
ومن هنا لابد ان يعلم الجميع ان المناصب والمراكز هي واجب تكليف وليست امتياز او تشريفاً، وان المسؤولية هي روح المشاركة مثلما فرضت المساءلة كواجب امر بمعروف ونهي عن منكر وبذلك فهي من القوة بحيث لا تستثني احدا ولا تصانع ولا تحابي ولا تجامل احدا على حساب حقوق الاخرين مهما كان منصبه ومركزه الوظيفي.
ان غياب روح المواطنة والشعور بالمسؤولية هي اولى مراحل استبداد الحاكم وتعسفه وهي اكبر واهم الدوافع لطغيانه ولذا ورد في الحديث الشريف “اذا تركتم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تسلط عليكم شراركم وتاخذون بالدعاء فلا يستجاب لكم”!. اذا فنحن احوج ما نكون لاحياء مبادئ المساءلة باطر حضارية واساليب وصيغ معاصرة كونها تشكل حجر الزاوية في انشاء دولة قوية يديرها نظام ديمقراطي حر. فترك المسؤول يمارس سلطاته بهواه وكما يحلو له وكانه ظل الله على الارض سيدفعه الى التمادي واستصغار الناس وهدر حقوقهم عل حساب المال العام وهدره وتبذيره على ملذات الحاكم وحاشيته. وذلك لان الحاكم ليس معصوما، كما “ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي”. ان الشعوب التي تهاونت في استخدام حقوقها المشروعة، واحاطت الحكّام بهالة من التقديس وتركتهم يعملون حسب اهوائهم دفعت الثمن غاليا بعد استفحال امر اولئك الحكام والمسؤولين وتنمرهم على من كان سببا في وصولهم الى مراكز السلطة وانتهاجهم اساليب الاستبداد التعسفية حيث تفرعنت تلك الدكتاتوريات واسست امبراطوريات وراثية استهانت بشعوبها وسامتها سوء العذاب والقهر والتنكيل بعدما جذرت حالة الخضوع والعبودية والانهزامية في دواخل نفوس تلك الشعوب. بحيث تفشت وتفاقمت وكأنها القدر المستحكم والداء الوبيل ولذا جهد الانبياء والمرسلون والاولياء والصلحاء على الغاء الفوارق الطبقية: “كلكم لآدم وآدم من تراب” الناس سواسية كأسنان المشط .المؤمن كفؤ المؤمن. كما نظموا العلاقة بين الحاكم والمحكوم: كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته. لا تكن على الرعية سبعا ضاريا فهم اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق. وحاولوا تثقيف الناس على الاعتزاز بنعمة الحرية التي وهبها الله تعالى:
* لا تكن عبدا لغيرك وقد خلقك الله حرا.
* متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا.
ان الخروج من نعمة الحرية والانخراط في عبودية الاشخاص بقدر ما تمتهن صاحبها وتزري به وتسقط اعتباره ستصعّر خد الحاكم وتملؤه غطرسة وتجبرا بما تضفيه عليه من صفات التعظيم حتى يصل الى حد يرى اوامره وتصرفاته معصومة من الخطأ وانتقادها ومناقشتها كفر والحاد ثم يستفحل به الامر حتى يقول: انا ربكم الاعلى!.
لا شك ان للاعلام الموجه دور كبير في اضعاف الوعي الثقافي والديمقراطي عند العامة واشعارهم بالدونية وترويضهم على الخنوع وفق سياسة الترغيب والترهيب.ولذا فنحن بحاجة ماسة لثقافة العيون المراقبة والالسن المطالبة جنب الآذان الصاغية وبحاجة اشد الى مسؤول يقول: اذا رأيتم فيّ اعوجاجا فقوموني.