23 ديسمبر، 2024 11:43 ص

المناصب القضائية

المناصب القضائية

جميعنا لاحظ مؤخراً عمليات سحب ثقة عن وزراء في الحكومة العراقية، وما رافقها من سيناريو سياسي واتفاقات بين الكتل خلف الكواليس ومفاجآت بخصوص آلية التصويت والخلاف عليها.
إسناد المناصب السياسية كما هو معروف سواء في السلطتين التشريعية والتنفيذية يخضع إلى اتفاقات سياسية واجتماعات تبقى حتى ساعات متأخرة من الليل، ولم نر أن ايا منهما اعتمد الجانب المهني فوجدنا أن وزيراً للخارجية اصبح في وقت لاحق ووزيراً للمالية، وأن وزيراً للإسكان تحول في حكومات لاحقة إلى وزير للداخلية ومن ثم المالية وصولاً إلى النقل.
وكذلك أن مقرّرة للجنة العلاقات الخارجية النيابية أصبحت في ما بعد وزيرة للصحة، وأن عضوة في لجنة النفط النيابية تحولت في دورة نيابية لاحقة إلى عضو في لجنة الاسرة والطفولة والامثلة كثيرة، كما أن مناصب استحدثت لغرض ارضاء شخصيات معنية كما هم نواب رئيسي الجمهورية والوزراء الذين جرى اقالتهم  بقرار من رئيس مجلس الوزراء تحت غطاء “الإصلاحات”.
لكّن ما يحسب للسلطة القضائية وهي موازية من الناحية الدستورية إلى السلطتين التنفيذية والتشريعية، أنها لم تدخل في هذا المضمار، وبقيت بعيدة كل البعد عن الاجتماعات في الغرف المظلمة وحافظت على مكانتها من الناحية الادارية.
إن عضو مجلس القضاء الاعلى يعتبر من مناصب الدرجات الخاصة ويوازي الوزير، برغم ذلك فأن اسناد منصبه إلى القاضي يتم وفق آليات قانونية بحتة تعتمد على معايير المهنية والكفاءة والنزاهة، بداية من اجراءات تعيينه داخل المؤسسة القضائية وصولاً إلى اصدار مرسوم جمهوري له.
وبرغم أن الدستور خرق مبدأ الفصل بين السلطات في موضوع التصويت على المرشحين  لمناصب رئيس واعضاء محكمة التمييز الاتحادية ومنصبي رئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي، وجعلها امام البرلمان فأن السلطة القضائية تحدت رغبة المشرّع في بعض الاحيان للسيطرة على القضاء وقامت بترشيح قضاة لمحكمة التمييز في سنة 2012، وجرى المصادقة عليهم.
 كما أنها رشحت قاضيا لرئاسة لمحكمة التمييز الاتحادية وجرى التصويت عليه بإجماع مكونات البرلمان في دليل على وقوف الفرقاء السياسيين مجبرين لا مخيرين أمام ضرورة احترام ارادة القضاء وخصوصاً في اجراءات تعيين المسؤولين عن هرمه.
إن توزيع المناصب في المؤسسة القضائية لا يتم على اعتبارات طائفية، بل هي درجات يجب أن يجتازها القاضي للوصول إلى المنصب بغض النظر عن خلفيته الدينية أو المذهبية، فنجد أن رئيساً لاستئناف من مكون اجتماعي معين يخلفه بعد خروجه من المنصب قاض اخر قد يكون من مكون ثان بحسب الاستحقاق المهني فقط.
هذه واحدة من صور الاستقلال القضائي في العراق ينبغي الاشارة لها واطلاع الرأي العام عليها، ومعرفة مقدار تمسك القضاء العراقي بالمعايير المهنية في منح المناصب لأن الاخيرة هي من تقع عليها المسؤولية الاولى في تطبيق العدالة بين اوساط المجتمع العراقي.