19 ديسمبر، 2024 4:05 ص

المملكـــة العراقيــــة المــــتحدة

المملكـــة العراقيــــة المــــتحدة

بالرغم من انني لم اعش في تلك السنوات ولكنني ارى نفسي قارئا متواضعا نوعا ما  لمجريات حكم النظام الملكي في العراق وماجرت فيه من تداعيات وحوادث ..فلابد الأشارة من البداية بأني لست من مشجعين قيام الملكية في العراق ولكني ارى ان النظام الجهوري اليوم الذي عشنا معه ايام كثيرة معظمها كان مطرزة بلون السواد وبأمتياز  , قد تكبد العراقيين من خلاله خسارة فادحة من انهار عظيمة من الدماء  وزهق اروحا بحق تارة او بدون وجه حق تارة اخرى ! ويعتقد البعض بان مقتل الملك فيصل الثاني على يد الظباط الاحرار حينها كان بمثابة ( بداية لسيل الدماء في العراق ) وانا شخصيا ارى ذلك مقنعا بعض الشيئ …عند كتابتي هذا المقال توقعت  جملة من المعترضين عن كلامي في التقليل من اهمية النظام الجمهوري ولكن الاختلاف في طرح الاراء لايفسد للود قضية …فالعديد من العراقيون وخصوصا كبار السن الذين عايشوا تلك الفترة او بالقرب منها يؤكدون بان الحياة ابان الحكم الملكي كانت اهدء نوعا ما عن  مجيرات ايام الجمهورية العراقية , بينما يجد البعض الاخر ان تغير نمط الحياة في العالم بأسره في يومنا هذا في عصر الانفتاح التكنلوجي والذي افتقر اليه حكم الملوك  هو الذي يجعل المنظر العراقي يغلي بشكل كبير اسوة بباقي الدول العربية وحتى العالمية, فيرى الدكتور مأمون امين زكي في كتابه ( أزدهار العراق تحت الحكم الملكي ) والذي صدر عن دار الحكمة في العاصمة البريطانية لندن , الذي تناول دراسة كبيرة ودقيقة للنظام الحكم الملكي في العراق  منذ عام 1921 ولغاية 1958 وبقرائة هذا الكتاب تجد ان الهدف الأول منه هو تسليط الأضواء بشكل أدق وأوسع على الخصائص المميزة للعهد الملكي في العراق والتي طالما تعرضت للتحريف والهجمات الظالمة وتحليل تلك الخصائص بأسلوب موضوعي خالٍ من التحيز والتملق والتزييف وبقدر عالي من المهنية ,  وكذلك فيه صورة لمناقشة المعتقدات الخاطئة التي سادت لعدة عقود واقتنع بها جيلنا والجيل الذي سبقنا بشكل ملحوظ كونها حقائق ثابتة لا تقبل الشك والنقاش. وكما يبين مؤلف الكتاب ايضا حقيقة اخرى فيقول « انه لابد من تحذير أبنائنا من الأجيال الجديدة ولتجنبهم الأخطاء التي ارتكبها جيلنا والجيل الذي سبقنا بالانجرار وراء الشعارات البراقة وتغيبهم لمنطق العقل السليم في التفكير والاستدلال الصحيح ». ويضيف ايضا  بأن الفترة الملكية كانت بؤرة تاريخية لتحقيق الفعل الحضاري والتعليمي بتأثيرات العقل الاقتصادي الذي كان من المؤمل له الانفجار وسط السوق التجارية الحرة لو سارت الامور كما رسم واعد لها سلفا في مملكة العراق، ويعتبر أن الحكم الملكي نموذج راق ومثالي ” على حد وصف الكاتب ”  للحكم المتوازن والخالي من الانفعالات الآنية والشخصية حيث الانفتاح الرؤيوي على العالم والحضارة ، ويوعز ذلك الى سعة أفق وبعد التصورات الفكرية لقادة الدولة العراقية آنذاك . ويختتم المؤلف كتابه بوصف تلك الحقبة الملكية  بأنها كانت (البوتقة)  التي صهرت المكونات السكانية الاتنية والدينية والعشائرية، ودمجها تحت الهُوية العراقية العربية بعدما كانت تحت لواء الحكم العثماني لعدة قرون طويلة ، حيث قام الملك فيصل وأتباعه المخلصين (النخبة الكلاسيكية) كما يصفهم المؤلف بتأسيس أركان الدولة الحديثة للعراق كافة، والحصول على اعتراف العالم به كدولة مستقلة وعضو  مهم في عصبة الامم ويؤكد المؤلف أن أهم إنجازات العهد الملكي كانت تتمثل بالتماسك بين جميع المكونات السكانية حيث كان نظام الحكم العراقي عصرياً عزل الدين عن الدولة أسوةً بالدول الديمقراطية الغربية الحديثة. اما من الجانب الاقتصادي والمالي فلم يختلط دخل الدولة العام بدخل الحكام انذاك على عكس تماما لمايجري الان ، بل كان الدخل القومي الكلي يخضع للسياسةِ المالية للدولة حصرا فزدادت حينها عدد المستشفيات والصيدليات والمدارس وبنيت عدد من المنشاة الحيويةالمهمة , وهنا نجد ان الدخل القومي العراقي حينها كان يندفع نحو الاتجاه الصحيح من اجل انفتاح العراق على دول العالم من خلال علاقته الجيدة مع جميع الدول وخصوصا الاوربية منها وقد تحققت تلك المنجزات بالفعل عن طريق رصانة رجالات الدولة الموجودين حينها في مراكز القيادة العراقية ان ذاك التي اشار اليها مؤلف الكتاب اعلاه الا انني اصحح عما ذكره في كتابه بان هنالك فصل بين الدين والسياسة فانا اجد شخصيا ان كان هنالك فصلا للسياسة عن الدين فربما كان مقرونا بالاجتهاد الوظيفي والاجتماعي حيث كان البعض من رجال الدين ومن المعممين اعضاءا في مجلس الامة (البرلمان سابقا) وكانوا لايشغل ذهنهم وعقولهم غير خدمة الوطن والمواطن وسجوا في صفحات التاريخ من خيرة رجالات العراق   …من الملاحظ اليوم ان البعض يحن و يحلم بقيام مملكة عراقية جديدة تجمع فيها قيادات العراق الشجاعة والمخلصة والمحبة للوطن والمستعدة للتضحية من اجله حتى ولو تربع على كرسي هذه المملكة ملك للعراق واحد فقط وهذه الفكرة اجدها شخصيا من السلبيات الخطيرة كون ان هذه الكرسي سيكون فخريا نوعا ما مماسيسبب مشاكل اخرى تقع على تلك المملكة والجميع منشغلين بخدمة الوطن والمواطن اخوة اعزاء في هذه البلاد.. وانا اجد انها احلام اليقظة فقط ليس الا لان النظام الملكي بمحاسنة وحتى بسلبياته لن ولم يعود لانه مرفوضا من واقعنا العراقي الذي نعيشه اليوم فكرة وتفصيلا كون الشارع اصبح مؤيدا لمنطق الجمهورية وقرب المسؤول من المواطن !!!! لاعلم لماذا يحن البعض من المراقبين والمحللين لتلك الفترة ؟؟ هل لفشل رجالات الجمهورية بكل ازمانها ؟؟ام لضعف اقتصاد الجهمورية مقارنتا بالملكية ؟ ام ان الشعب العراقي اختبر كلا النظامين وبين له الاصلح ؟  ولو اعتبرنا على سبيل المثال ان ايام العراق كانت جميلة ومزدهرة منذ تأسيسه ولغاية الان فأن (90%) هي تعود لايام الملكية في العراق حسب استطلاع للرأي اجريته شخصيا وسط نخب متنوعة من المجتمع العراقي… وفي النهاية تبقى تلك الافكار والمقالات والاعمدة الصحفية تتغنى بحلم اسمه المملكة العراقية المتحدة بعيدا  عن اسوار الجمهورية ودمائها فتبقى تلك الكلمات احلاما ورديا وسط صباح تتوسطه الغيوم السوداء في ظل واقع اسمه جمهورية العراق .

أحدث المقالات

أحدث المقالات