23 ديسمبر، 2024 5:58 ص

المليونير وصاحب التكتك

المليونير وصاحب التكتك

سألني شخص مليونير في آخر حديث قصير سيء وبلا طعم جمعني معه.. من سيأخذها في النهاية؟ قلت له: “نحن نأخذها” فضحك ومضى.
بعدها دار في ذهني اشياء كثيرة وصور كثيرة رسمها فنانون وغير فنانين في التظاهرة الاخيرة جسدوا حالات رائعة الجمال فيها، وقلت في نفسي هل ستذهب هذه التضحيات والضحايا سدى وتروح دماء الشهداء هدرا فالحكومة لم تنطق ولم تنسحب ولم تقرر وعلى سكوتها علامة تعجب تدل الى شيء ما لأنها لن تستسلم بسهولة لإرادة الناس ومطالب المظلومين ولن تلبي نداءهم فالرئيس والبرلماني وقادة الاحزاب لن يتخلى اي منهم عن منصبه وسلطته وامتيازاته طوعا لمشيئة شعبه، اما عن المتظاهر صاحب (التكتك) فهو مواطن لم يعد لديه امل وثقة بالمسؤول بل ان الناس جميعها الا ماندر تراه عدوا فهو المليونيرله السلطة والسيادة والحماية والرفاهية والاموال وهي لها الفقر والجوع والبطالة والاهمال والشقاء لأن ابو التكتك (خلك مواطن عادي) والمليونير (حضرة السيد) وحين يكون النظام غيرعادل والفساد قد ساد يملأ ارجاء البلاد سيخرج هذا (الخلك العادي) المظلوم عن سكوته ويتجرد من صبره وسيكون (للصبر حدود)، ولم يتوقع الساسة ان للصبر حدود ستكون حالة شعبية ثورية مدتها ايام وليالي وليست اغنية طربية مدتها دقائق او ساعة.

حقوق مشروعة

لقد خرج متظاهرون في الساحة العراقية من قبل وطالبوا بحقوقهم المشروعة وكالعادة اتجهت الحكومة الى زرق ابر المخدرفي بياناتها المنمقة وتصريحاتها المرونقة المتكررة عن مطالب المواطنين والخروج بحلول وهذه الحلول وهمية ولأن المسؤول مازال يتصور الفرد العراقي غير ذكي لكن في الحقيقة المواطن ذكي جدا الى ان وصل مرحلة يصرخ امام الكاميرات (طلعتونا عن طورنا). اعتقد ان تظاهرات اليوم مرهون نجاحها في توفرعناصر.. المبدأ الاستمرار الاصرار والمقاومة لإجراء عملية استئصال المرض بالكامل وشفاء الوطن منه. وابرز مايميز هذه الاحتجاجات عن غيرها او سابقتها ويكللها بالجمالية عدة نقاط:

1- تظاهرة موحدة بنفس واحد وروح واحدة وهدف واحد دون عنصرية او طائفية او عرقية.

2- تظاهرة سلمية تعبر عن الرأي الحر والمطاليب المشروعة ورفض الفساد هدفها تبديل النظام السياسي، التغيير وليس التبديل.

3- الخروج عن الصمت بعد سنوات منحها الشعب للطبقة السياسية كانت نتيجتها هدرالمليارات وسرقة الثروات ولم يكسب منها الا التبريرات.

4- الحس الوطني والوئام والانسجام تعاون المتظاهرين فيما بينهم خدمة للوطن ولساحة الاعتصام التي اصبحت مقدسة للجميع والجميع يتهافت فيها لخدمة الاخر بمختلف المجالات وعلى قدر المستطاع، لقد اصبحت ساحة التحرير كمتحف حي يعرض اندر ماموجود في الحياة وفي العالم من اعمال اثرية لاتزول مع التأريخ .

5- التحلي بالشجاعة والامل والبراءة من اليأس، والاصرار بنفس ثوري وطني وكان الفرد المنتفض لم يعد لديه شيء يخسره، كأن ساحة التحرير اصبحت بيته وملاذه خاصة وان الالفة والمحبة تعم المكان وهذه المحبة صنعت مواقف لكل موقف منها الف قصة تكتب فالصغير والكبير الشاب والشيخ والمراة وقوات الامن وحتى الطفل جميعم يقدمون المساعدة اللوجستية من مأكل ومشرب وطبابة واعمال تنظيف ومنام ومصلى .

6- زيادة وعي الشباب وتوظيف هذا الوعي الفكري والثقافي في جهود كريمة وهادفة عن طريق لصق الشعارات الوطنية وتوزيع منشورات تثقيفية ترشد المتظاهر من اجل دوره في التظاهرة وكيفية حفاظه على السلمية وتحقيق اهدافه دون الاساءة وذلك بكتابة وطباعة عبارات من ناشطين مدنيين هدفها المحافظة على الجانب الفكري والثقافي، وهذا ماادهشني بالفعل فالتظاهرات هذه ناضجة وصاخبة في عمقها الفكري تسودها الافكار التي توثقت على الجدران والبنايات والتكاتك والسيارات بما فيها سيارات الاسعاف وحتى على جذوع النخل والاشجار.. وهذا لم يحدث لولا وجود عقول واعية فذة كرست وقتها وخدمتها في تقديم دعم مهم مع الشباب المقاوم في الجزء الناري الخطر.

جذور التظاهرات

7- اهم نقطة اذكرها وبغض النظر عن جذور التظاهرات او وجود جهة داعمة ومنظمة فان التظاهرة بريئة وعفوية وخرجت عن اي خط نظامي تسودها الفكاهة والمزحة وتتوسطها اجواء الحب والتفاني والتضحية والعمل الدؤوب والاخلاص في خدمة الوطن والمواطن وكأن ساحة التحرير اصبحت الموطن والوطن وهناك كل يشعر بمواطنته . امس قلت لمتظاهر كان يحمل لافتة (لن انسحب اما النصر او النصر) : بدأت عمليات الخطف والتهديد رغبة مني ان اعرف ماهو رده فرد قائلا: لايهمني فليفعلوا مايفعلوا حتى لو انسحب المتظاهرون جميعا، واليوم كان يحمل لافتة بعبارة اخرى (ردها ان استطعت). ولعله رد مختلف تماما عن رد المليونيرالذي يهزأ من المتظاهرين ونجاح التظاهرات لكن قد يحصل مايهزأ منه والله اعلم.