19 ديسمبر، 2024 1:02 ص

الملل .. دفعني لقراءة الدستور

الملل .. دفعني لقراءة الدستور

مساء يوم بارد خلا البيت من جميع أفراد عائلتي كونهم عزموا الذهاب والمبيت عند جدتهم ، لم أتردد  بالموافقة على ذهابهم املآ بالحصول على ساعة هدوء والابتعاد عن الصياح وفك النزاع بين هذا وذاك ، ودعتهم وأغلقت الباب خلفهم بتأني وحذر شديد خوفآ من تراجع احدهم مرتقبآ خطواتهم من خلال ثقب الباب حتى انطلقت بهم سيارة التاكسي ، ساعتها أشعلت سكارتي وأسبلت جسدي على اقرب مقعد متاملآ بدخانها وبالفعل شعرت بشي من الارتياح  وحاولت مع نفسي إن استغل ذلك الصمت وأفسر بعض الأفكار العالقة في ذهني ، وجدت لبعض منها مخرج  وتعثرت بتفسير البعض الأخر ، وما إن  أسدل الليل ستاره حتى انتابني شي من الملل ، رحت أفتش في زوايا الدار عن شي يخرجني من ذلك الملل ، ذهبت صوب التلفاز اقلب القنوات واحدتآ تلو الآخرة عسى إن أجد برنامج أو مسلسل يشغلني بعض الوقت فلم أجد ذلك الأمر ، اتجهت  نحو جهاز الكمبيوتر اقلب صفحات الانترنيت فلم أجد شي يشدني لمتابعته ، فما كان مني إلا إن اتجه صوب المطبخ لأعد قدحآ من الشاي أخذته واتجهت نحو أوراق لي مبعثرة فوق الأرض عملت على فرزها عن أوراق الواجب ألبيتي ومسودات الإملاء لأطفالي  ، لانظدها مع ما عندي من أوراق احتفظ بها في مكتبة بسيطة تحتوي على بقايا كتب تركتها منذ  إن تعلمت  استخدام الانتر ن وأصبح ( كوكل) متصفحي الوحيد ، تأملت بعضها نافظآ عنها غبار الايام وإذ بناضري يقع على نسخة من دستور العراق لسنة 2005 أخذت اقلب صفحاته وأتمعن ببعض النصوص الواردة فيه ، وجدت إن بعضها من حيث المظهر يتفق مع طموح الفرد العراقي ولكن واقع الحال يفسر عكس ما جاء بها … قرأت :
– العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة  .. فلماذا يتكدس الشباب بالمئات إمام الدوائر والوزارات بحثآ عن فرصة عمل ، وإذا أعلن في احد موئسات الدولة عن وجود درجات وظيفية شاغرة ، ساعتها  تشهد الشوارع المحاذية  لتلك المؤسسات مارثون الخريجين .
– تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده وتنويع مصادره وتشجيع القطاع الخاص وتنميته .. فلماذا تحولت المصانع العراقية إلى إطلال ، وتوقفت عن الإنتاج ، ولما تحولت مساحات زراعية واسعة كانت غنية بنتاجها الزراعي إلى أراضي قاحلة وأصبحت سلة الغذاء العراقي مستوردة من دول الجوار. 
– الأسرة أساس المجتمع وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية.. فلماذا تعيش العديد من العوائل والاسر العراقية في مناطق سكنية عشوائية تفتقر الى ابسط مقومات الراحة والاستقرار بين متجاوز و ( حواسم ) ، وفي تلك الأجواء كيف يتم المحافظة على كيانها وقيمها ؟ ..
– تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة وترعى النشىء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية مكانتهم وقدراتهم .. لا ادري أين تكمن حماية الأمومة بالوقت الحاضر ، وماهي الجهود المبذولة لخدمة الطفولة والشيخوخة ومن هولاء الذين يجلسون على قارعة الرصيف من اجل ( صدقة جارية ) ؟ ، وأين هي الظروف المناسبة لتنمية مكانة وقدرة الشباب ؟ .. لا أرى سوى زيادة في عدد المقاهي يزداد معها كمية الدخان المتطاير من ( الناركيلة ) ! ..
– يحضر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصورة كافة وتتخذ الدولة الإجراءات كافة لحمايتهم .. فمن هولاء الذين يملئون الطرقات ويقفون عند التقاطعات في صيفآ حار ، وشتاءآ بارد يوهمون أنفسهم بإعمال عسى إن تثير عطف الآخرين من اجل  بضع دنانير ممزقه ، ومن هولاء الذين يكدحون في الأسواق ويدفعون بعربات تفوق أوزانها قدرتهم البدنية ..
– لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية وتعني الدولة بالصحة العامة وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية.. فلماذا يدفع المواطن للوقوف بباب المؤسسات الصحية يستجدي ورقة علاج في إحدى المستشفيات ومن هولاء الذين يقفون إمام الصيدليات بحثآ عن علاج الإمراض المزمنة بمشهد مهين وهو العزيز بحكم الدستور ، وصحة الفرد هي أساس صحة المجتمع ..
– التعليم المجاني حق لكل العراقيين في مختلف مراحلة ، ونص أخر تعليم الفرد هو الأساس في حياة وتقدم الشعوب .. فلماذا يصول ويجول طالب الدراسة بين الجامعات والسفارات من اجل الحصول على مقعد دراسي مناسب ويضطر البعض الدخول إلى الجامعات والمدارس الأهلية حتى وصل الأمر لتلميذ الأول الابتدائي ، وما معنى هذا الانتشار والكم الهائل من المدارس والجامعات الأهلية إذا كان التعليم حق لكل العراقيين ، وأي من الجامعات فتحت أبوابها لاستقبال من فاتهم  قطار الدراسة في العهد السابق نتيجة للظروف المختلفة آنذاك عدا الجامعة الأهلية المعروفة بجشاعة  تكاليفها ..
– للمواطن حقآ طبيعيآ ومكتسبآ ومشروعآ .. فلماذا يرغم المواطن بالبحث عن شفاعة ترافقها منه من المسؤول ، ليس من اجل الحصول على ما هو استثنائي أو ترفي أو كمالي أو ثانوي بل للحصول على أمر يفترض إن يكون حقآ مكفول بظل الدستور .
– العراقيين متساوين في الحقوق والواجبات .. فلماذا يصل الثراء عند البعض حد التخمة ، والبعض الأخر يتفنن في أدوات وأساليب التسول ، وهدر كرامته بالذلة والخضوع من اجل بضع دنانير تسد رمقه ورمق عيال بيته .. .. وهو الفخور بنفسه .. وهو الفخور بوطنه ..
– تكفل الدولة حماية البيئة والتنوع إلا حيائي والحفاظ عليهما.. فلماذا تحولت اغلب الحدائق والبساتين إلى أراضي قاحلة جرداء وبعضها قطع إلى أشلاء متناثرة باسم ( طابو زراعي )  ، وأخيرا .. ربما كل هذه التناقضات مجتمعة تثير الدهشة والاستغراب لغياب الحقوق الملزمة والاعتماد على عاطفة المجتمع والخطب العاطفية التي تجير وعي المتلقي بالحقوق لصالح الإحسان وتتناسى ( العدل ) ، فهناك ثمة خلل في الواقع الحالي يتوزع بنقاط الضعف على الحكومة والفرد وبنية الاتجاه الثقافي المرتكزة على أسس الأنظمة السابقة بالخضوع لأصحاب النفوذ عسى الأمر إن يدر بحفنة دنانير وربما عطية تسد رمق أو جوع ؟ وان تحولت في زمننا الحالي إلى ابعد من ذلك ( حسب متطلبات العصر ) ،  وربما هي الرغبة في بقاء حاجة العامة للخاصة أو حاجة المواطن للمسؤول ..