22 ديسمبر، 2024 2:19 م

 ماهي الا سويعات الا وكانت المرأة وطفليها وزوجها العاجز المسن تدفع دفعا الى وسيلة نقل تكتظ بمجاميع من النساء والاطفال والشيوخ وسط بكاء الاطفال ودموع النساء وانين الشيوخ ومما زاد الطين بلة زعقات الحراس الامنين الذين يحيطون تلك المركبات وهم ينظرون اليهم شزرا ويلوحون لهم بأعقاب البنادق ليسرعوا في تنفيذ الاوامر ولم يقف الامر عند هذا الحد بل كانت هي والاخرين تسمع من اولئك الحراس الكلمات النابية الجارحة هنا تذكرت فصل من فصول مقتل الامام الحسين عليه السلام حيث ازدحمت الضمائر الميتة لتسلب الحياة المقدسة من سيد الشهداء وريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اجل نوال جوائز من المال باعوا من أجلها دينهم واخلاقهم فباؤابالخسران المبين اذ خسروا الدنيا والاخرة وفي تلك اللحظات المريرة استحضرت في ذهنها وقفة الامام الحسين عليه السلام وقائد الجيش الاموي عمر بن سعد وما عرض الامام عليه السلام على ابن سعد من عروض لو قبلها كان يمكن ان تحفظ له دينه ومروءته لكنه ابى قبوله ورفضها رفضا قاطعا ممنيا نفسه بولاية الري فمضى بخطة الحرب ولم ينل ما كان يرجو من نوال الولاية .

الا بئسما قدمت له امانيه وبئسما كسبت يمينه وايضا استذكرت  خطاب الامام الحسين عليه السلام لجيش ابن سعد وهم يسعون نحو المخيم ليقتحموه ويضرموا النار فيه اذ هدر فيهم صوته كالرعد قائلا :

(ان لم يكن لكم دين ولا تخافون المعاد فعودوا الى اعرافكم ان كنتم عربا كما تدعون).

انهم ليس لهم دين ولا تأججت بهم نخوة انسانية او عربية ولا حتى ارثا قبلي لقد اعمتهم الرغبة في نوال ما وعدهم ابن سعد فصاروا صم بكم عمي فهم لا يفقهون ولا يعقلون ولا يسمعون ولا يروون .

الا لعنة الله على الظالمين في كل زمان ومكان الا لعنة الله على بائعي الاوطان والاديان والشعوب في كل زمان ومكان الا لعنة الله على من اشعل اوار الحروب التي تحرق الضعفاء والفقراء ولا تبقي ولا تذر فيملك المتنفذون بواسطة  المنفذون وهم في حقيقة الامر مجرد الات مجرد حطام اجل حطام من الارواح تسكن في اجساد تحيا كأنها خشب مسندة لا تملك من امر نفسها ضرا ولا نفعا تنوشها من كل حدب وصوب دعوات المظلومين ترفع لرب كريم في كل حين ويل للظالم من دعوة المظلوم.

ربما طال زمن البؤس والاذى وبقيت الحال على ماهي عليه دون ان تلوح بارقة امل او ينبثق فجر للرجاء ومضت المركبات بما تحمل من محكومين ظلما الى افاق يجهلونها ومناطق لم يعرفونها وكم من طفل فارق الحياة وسط تلك المعاناة وكم من أمراءه حاصرها المخاض في تلك اللحظات الصعبة ووسط تلك الجموع المتراصة فكن النسوة الاخريات يبادرن الى النجدة بما يستطعن من عون رغم الشظف والعوز وسرعان ما تبتسم الشفاه وتعلوا دعوات الشكر الى الله اذ انتهى الامر بسلامة الوالدة والوليد وهنا ربما يطلقون اسماء على اولئك الاولاد يشير الى تلك الحوادث فمنهم من سمي غريب  ومنهم من سمي سفر ومن هذه الاسماء للبنات  هجران وهاجر….

……..

حط الرحال في منطقة بعيدة عن العمران وكانت بعض المؤسسات المدنية قد وفرت بعض المخيمات فهم اليوم لهم تسمية جديدة اكتسبوها من التهجير او التسفير فصارت المرأة تسمى مهجرة او مسفرة وكذلك اسمي الرجل مهجر او مسفر.

تقاسموا المعاناة تقاسموا التسميات تقاسموا الانتظار الطويل ليحط كل رحاله في ما لا يعرف ولا يعلم ..

ان سألتهم الى متى …؟
قالوا لا ندري .
ان سألتهم الى اين …؟
قالوا :لا نعلم .
ان سألتهم ما هو السبب…؟
قالوا وجدنا انفسنا في هذا الظرف ,اجانب في بلد اردناه وطنا لكن السياسة والحرب اخرجتنا منه راغمين غير راغبين.

ومما يذكر ان البعض هو من اصول وطنييه وقومية لكن الاجداد تخلوا عن الجنسية الاصلية رغبة منهم في تجنب الدعوة الى الخدمة العسكرية وهذا فعل غير صحيح وهو ان نم عن شيء فإنما ينم عن جهل وقلة معرفة وعدم النظر الى عواقب الامور وربما لم يكن ذلك الجد يعتقد ان من اولويات المواطنة هو اداء الواجبات وليس التمتع بالحقوق ,لم يكن فعلا صحيحا ذلك الذي فعله ذلك الجد  لكن الاجيال اللاحقة ليست مسؤولة عنه وبهذا هجروا او سفروا بينما اعمامهم الحقيقيون واخوالهم لم يشملهم ذلك الامر  .

ومما يذكر في هذا الصدد ان احد هؤلاء الرجال حاور بلهجته الريفية احد المشاهد المقدسة حين مرت المركبة بالقرب منه قائلا:

صدك يا امام عون اني مو عربي ..

واغرورقت عيناه بالدموع وتهدج صوته وخنقته العبرات ..هو ليس                    مسؤولا عن فعل غير صحيح عمله جده ولكن هكذا الامر حدث.