ـ ولد الملك غازي في مكة المكرمة في 21 آذار / مارس/ العام 1912.. إثناء قيادة والده الأمير فيصل بن (شريف مكة / الحسين بن علي).. حملة عسكرية لتأديب محمد بن علي الإدريسي.. الذي خرج عن طاعة الدولة العثمانية في عسير.. لهذا سميً بـ (غازي).
ـ عاش غازي طفولته تحت رعاية جده (الشريف الحسين بن علي).. وعند انتهاء الحرب العالمية الأولى تولى والده عرش سورية العام 1920 ثم عرش العراق العام 1921.
ـ حاولت أمه تعويضه عن غياب أبيه وانشغال جده.. ويبدو إن تدليلها المفرط له باعتباره الولد الوحيد بين أربعة أطفال “غازي”.. وثلاث بنات “عزة وراجحة ورفيعة”.. وحرص أمه على أن يبقى دائما بقربها بين النساء.
ـ لم تتركه يعيش مثل بقية أبناء الأسرة سنواته الأولى بين القبائل في الصحراء.. بدافع خوفها عليه.. فقد نشأ خجولاً متردداً.
ـ لم يسعفه التعليم الملالي الذي تزود به على يد الشيخ ياسين البسيوني.. بالرغم من تعلمه القرآن الكريم.. والكتابة وعلوم الدين.. ظل حتى العام 1924 شبه أمي.
غازي.. في العراق:
ـ في حزيران / يونيو / 1924 نوقشت مواد القانون الأساسي في المجلس التأسيسي العراقي وبموجبها أصبح الأمير غازي وليا للعهد.
ـ فتقرر تأليف ثلاثة وفود لاستقباله.. التي رافقت الأسرة الملكية التي وصلت بغداد في 5 تشرين الأول / أكتوبر / 1924.
شخصيته.. ودراسته:
ـ اقترح ساطع ألحصري مدير المعارف العام على الملك فيصل الأول وضع خطة محكمة لدراسة الملك غازي بواسطة معلمين ومربين أكفاء.
ـ فاختير العقيد طه الهاشمي للإشراف على جميع شؤون دار التعليم الخاصة بالأمير غاز.
ـ وتم اختيار امهر المعلمين له العراقيين.
ـ وتولت المربية الانكليزية (المس فيرلي) مهمة العناية به.. وتدريسه وتدريبه على اللغة الانكليزية وعلى الألعاب اليدوية والفكرية.
ـ كما تم تعيين احد المرافقين له لغرض الاهتمام به.
مدرسة هارو:
ـ العام 1925 تبلورت فكرة لدى الملك فيصل بإرساله إلى انكلترا.. وذلك بعد أن اطلع على التقارير التي تشير بان تقدم الأمير غازي بطيء ونسيانه للمواد التي يدرسها.. وقد أيد الفكرة طبيب الملك الخاص (سندرسن).
ـ التحق الامير غازي إلى لندن نيسان / أبريل / العام 1926 بمدرسة (هارو العامة).. التي كانت تعد مدرسة “ايتن” من أرقى المدارس الانكليزية في التربية والتعليم آنذاك.. وتم اختيار أسرة الأسقف (جونسون) لكي يعيش معها الأمير.
بين نيسان وأيلول العام 1926 رفع الأسقف جونسون عدة تقارير عن (غازي) إلى الملك فيصل تؤكد التقدم الذي حصل عليه غازي.. حيث تم تعريفه بالحياة الاجتماعية الانكليزية.. وازدادت معرفته على تلك الحياة.. عن طريق الاجتماعات العديدة في لعب التنس والكركت وزياراته إلى بعض الجامعات والمدن الانكليزية.
ـ غادر “غازي” منزل “جونسون” إلى (مدرسة هارو).. أصبح شاباً جذاباً لطيفاً.. يتحدث دائما بما يسر من حوله.. انتقل (غازي) عند دخوله المدرسة إلى لندن.. وبعد تبادل الآراء وجد من الأفضل أن يسكن في منزل احد أساتذة المدرسة كي يساعده أكثر.. فشغل غرفة في منزل الأستاذ كود.. الذي تولى في منزله إعادة وتطوير المعلومات التي يتلقاها.
ـ حرصً الملك فيصل أن لا تغيب عنه لغته العربية.. فأوكل إلى الشيخ كاظم الدجيلي.. مهمة تدريسه اللغة العربية هناك.. وفي مدرسة (هارو) خلال العام 1926 اظهر غازي ذكاءً واضحاً.. خاصةً في الهندسة.. وتقدماً في دروسه.. وتحسن لغته الانكليزية.. ونمو جسمه.. ونجاحه في كسب الأصدقاء.. وتعلقه وحبه لمدرسة هارو.
ـ كانت خلاصة التقارير التي رفعتها مدرسة هارو.. انه كمبتدئ حقق نجاحا وتقدما ملحوظا.
ـ خلال إقامته في لندن بين عامي 1926ـ 1927 لا يخفي تذمُّره من المدرسة والمدرسين الإنكليز ومن إنكلترا نفسها.
التحاقه بالكلية العسكرية:
ـ العام 1928 التحق بالكلية العسكرية..
دراسته العسكرية:
ـ في الأول من سبتمبر/ أيلول عام 1929 والتحق بالكلية العسكرية، برقم 250.. وقُبِلَ فيها على أنه أحد أبناء العشائر.. لأنه لم تكن لديه مؤهلات علمية.. تنسجم مع الدراسة العسكرية.
ـ رغم من تأكيد (الملك فيصل) على ضرورة معاملة (غازي) كالآخرين.. ومع ان ادارة المدرسة العسكرية مارست تلك المعاملة مع (غازي) على العموم.
ـ الا انه كان يحدث ان تسعى ادارة المدرسة احيانا لإعطائه فرصاً استثنائية تهدف من خلالها اذكاء الروح العسكرية لديه.. وتعويده على اساليب التصرف العسكري والادارة العسكرية.. انطلاقاً من نظرتها الى كونه ولي عهد.
ـ فشاركته مثلا مع الطلاب المتفوقين.. الذين كانت توكل اليهم مهمة الاشراف على طلاب المدرسة.. بعد ان يحصلوا على لقب مساعد الضابط الاقدم.
ـ كما هيأت له دروسا خصوصية في: اللغة الانكليزية.. واللغة العربية.. والرياضيات.. بعد ان وجدته بحاجة الى تلك الدروس.
ـ عينت له لهذا الغرض المعلم محمد فاضل الجمالي.. (رئيس وزراء فيما بعد).. لتدريسه خمسة ايام في الاسبوع يقوم خلالها بتدريس الأمير من الساعة السادسة الى التاسعة مساء.
ـ ظل (محمد فاضل الجمالي) يؤدي تلك المهمة الى حين قبوله في البعثة الى امريكا في اواخر حزيران / يونيو/ 1929.
ـ اعتادت (المدرسة العسكرية) ان تزود طلابها.. اضافة الى المعلومات.. والتمارين العسكرية.. والالعاب الرياضية.. بمواد نظرية وعملية تقوم على اساس دراستهم الرياضيات.. واللغتين العربية والانكليزية.. والجغرافية.. والتاريخ.. والادارة.. والرسم.. وفي المجال الاخير كان مستوى (غازي) بين الطلاب ضعيفا.. فلم يهتم بتلك الدروس ووجه اهتمامه الى اعمال الميكانيك.
ـ لم يشبع ذلك اهتمام والده مثلما اشبعه تفوق غازي في الالعاب الرياضية.. والتمارين العسكرية.. وخصوصا تمارين الفروسية.
ـ فقرر الملك فيصل تعيين احد مرافقيه وهو الضابط (خالد الزهاوي) مرافقاً ومراقباً للأمير غازي في حزيران / يونيو / 1929 لتحري اسباب عدم اهتمامه بتلك الدروس.
ـ رافق (خالد الزهاوي) الأمير غازي في سفرته الى شمال العراق خلال عطلة المدرسة في صيف 1929 .. ورفع الى والد الأمير تقريرا في 31 اب / اغسطس 1929 اكد فيه ضعفه بالدروس وعدم اهتمامه بالنواحي الثقافية.. ولكن من ناحية اخرى بين التقرير بأن جرأة (غازي) وعزمه ونشاطه كلها صفات تدل على مقدرته وذكائه.
ـ وانه بحاجة فقط الى الخبرة التي سيكتسبها بمرور الزمن.. وكان رأي صاحب التقرير ان ارسال (غازي) الى مدرسة جديدة في الوقت الحاضر لا يضمن الغرض المتوخى بل يسبب ضياع زمن اخر من التبدل والتنقل.. فأوصى باستمرار وجوده في المدرسة العسكرية.. واقترح تعيين معلمين خصوصيين لرفع مستواه العلمي.
ـ ليجمع بين التهذيب العسكري والثقافة العلمية وعليه تلاشت فكرة ارسال (غازي) الى مدرسة (ساند هيرست).. واكتفى (الملك فيصل) بان يحصل ابنه على رتبة ملازم ثان في الجيش العراقي.. وتولى (ابراهيم الدباس- المعلم اللبناني) رفع مستواه في اللغة العربية واللغة الانكليزية والرياضيات.
بعد مضي شهرين من الدراسة رفع (ابراهيم الدباس) للملك فيصل بأن سبب عدم تقدم الأمير في دروسه هو عدم اهتمامه بدروسه وإجاباته السريعة التي لا تنم عن تفكير لذلك تأتي اجاباته مغلوطة.
ـ مؤكداً ليس عدم قابليته العقلية.. انما عدم اهتمامه بإجهاد نفسه. وبين (الدباس) بأن (غازي) لو اهتم بدروسه مقدار عشر اهتمامه بالألعاب الرياضية الميكانيكية لنال قسطا كبيرا من العلوم في وقت قصير.
ـ اقترح على الملك فيصل ان يعين للأمير غازي معلما خاصا يعيش معه ويرافقه في اكثر اوقاته.
ويصف الدباس غازياً بأنه: “لطيف العشرة.. حلو الحديث.. لا يصعب عليه ان يسر جالسيه بأنواع المحادثات والفكاهات.
ـ ويعتقد الدباس ان غازي احيانا يقول ما لا يعنيه.. كما انه عند الاستيضاح منه يقول: انه يقصد ما لم يصرح به.
ـ مهتماً بالألعاب الرياضية واللياقة العسكرية.
ـ ومهتماً بـإظهار: فروسيته.. ورشاقة.. وضعه العسكري اكثر من اي شيء اخر.
ـ اما اوقات فراغه ـ التي كان مفروضا ان يستغلها.. ملأها ولعه بأعمال الميكانيك.. وقيادة السيارات.. والطائرات.. والسفرات الداخلية.. ومناسبات المرح مع الاصدقاء.
ـ وليس كولي عهد يتهيأ لان يكون ملكا في مطالعته تجارب الماضي والتطورات الجديدة والمتوقعة لنواحي الحياة المختلفة.
ـ تخرج العام 1932 برتبة ملازم ثاني وعين مرافقا للملك فيصل الأول.
سلوكه:
ـ عرف عن غازي هوسه بالإذاعة.. بالطيران.. بأكلات المطبخ العراقي.. بحبه للقطط.. للصيد.. وربما للخمر.
ـ وبعد تخرجه من الكلية العسكرية ضابطا خيالا حمل صفات: الفارس الجريء.. الذي يتحلى بلياقة جسدية.. وروحا رياضية.. وتعشقا للفنون العسكرية.
ـ الا انه لم يكن يمتلك ايديولوجية فكرية ..او ثقافية تساعده على هضم العلاقات السياسية السائدة.. او تبني برنامج معين للإصلاح والتغيير.
ـ لهذا يمكن ان ندرك انه اصبح ملكا وهو لم يستكمل جوانب مهمة من شخصيته.. فترة المرافقة الرسمية لوالده (تموز/ يوليو 1932ـ حزيران / يونيو/ 1933)
ـ أراد والده ان يبقيه بقربه فقرر تعيينه مرافقاً له.. وكان يهدف من وراء ذلك تدريبه.
ولايته للعهد:
ـ سمّي ولياً للعهد العام 1924.. بسبب سفر والده الملك فيصل الاول خارج العراق للعلاج.
ـ فتولى الحكم وهو شاب يتروح عمره 23 عاماً.. ثم ملكا لعرش العراق العام 1933.
ـ لذا كان بحاجة للخبرة السياسية التي استعاض عنها بمجموعة من المستشارين من الضباط والساسة الوطنيين.
ـ تصرف (غازي) اثناء ولاية عهده العملية الرسمية بموجب الصلاحيات الدستورية المقترنة بنصائح والده.
ـ الا انه وقف موقفا دستورياً صرفاً.. مخالفا لرغبات والده خلال احداث الآثوريين.. اذ كان موقف (غازي) مطابقاً لموقف الوزارة العراقية في تلك المشكلة.
تتويجه :
ـ حال سماع الأمير غازي بوفاة والده في 8 أيلول / سبتمبر / العام 1933اتصل بالسفير البريطاني (فرانسيس همفريز).. وطلب منه أن يمد له يد المساعدة.. وعلى اثر طلب (غازي) اتصل السفير ب(ياسين الهاشمي).. ونصحه بأتباع الأصول الدستورية.. وإعلان ولي العهد الأمير (غازي) ملكاً باليوم نفسه.
ـ في احتفال بسيط حضره الوزراء ورئيسا مجلسي (الأعيان والنواب).. أقسم الامير غازي اليمين الدستورية.. ثم اعلن خبر تتويجه على الناس.. بإطلاق (101) إطلاقه مدفع.
زواجه:
ـ رغبً الملك غازي بالزواج من الآنسة (نعمت) اصغر بنات ياسين الهاشمي.. حيث كانت هناك صداقة بين بنات الهاشمي وبنات الملك فيصل (شقيقات الملك غازي).. لكن معارضة نوري السعيد الشديدة أفشل هذا الزواج.. وتمت خطوبة الملك غازي على الأميرة عالية (ابنة عمه).. حيث كلف الأمير عبد الإله (أخوها) بالذهاب إليها.. وإحضارها.. فجاءت إلى بغداد في يوم 2 كانون الأول العام 1933.. وتم عقد القران بشكل رسمي.. أما يوم الزفاف فقد تأجل إلى ما بعد انتهاء أيام الحداد على وفاة الملك فيصل الأول أي في يوم (25/ 1/ 1934).. من غير جلبة ولا ضوضاء.
سياسته الداخلية:
ـ شهد عهده صراع بين المدنيين والعسكريين من الذين ينتمون إلى تيارين متنازعين داخل الوزارة العراقية:
1ـ تيار مؤيد للنفوذ البريطاني.
2ـ تيار وطني ينادي بالتحرر من ذلك النفوذ حيث كان كل طرف يسعى إلى الهيمنة الى مقاليد السياسة في العراق.
ـ فوقف الملك غازي إلى جانب التيار المناهض للهيمنة البريطانية.. حيث ساند انقلاب بكر صدقي وهو أول انقلاب عسكري في الوطن العربي.
ـ منذ توليه العرش لم يسمح الملك غازي للسلطة التنفيذية أن تطغي على صلاحياته الدستورية.. فقد رفض شروط ياسين الهاشمي في تشكيل الوزارة.. واختار جميل المدفعي.. مما يدل على إن غازي كان يحاول أن يكون فوق التكتلات الحزبية والرغبات الانكليزية.
ـ كما جعل غازي صلاحياته الدستورية واقعاً ملموساً ففي عهده اهتم بالجيش.. وكان على بينة مما يدور فيه.. من خلال الرسائل التي كانت يتلقاها من أصدقائه الضباط .. الذين سبق أن كانوا معه في المدرسة الملكية العسكرية (الكلية العسكرية).
ـ كما شُرعً في عهده نظام الفتوة.. واعتبر غازي والعناصر الوطنية حركة الفتوة خطوة لإعداد الجيل لليوم الذي تدعى فيه الأمة كلها لحمل السلاح . كما كانت زياراته الى مدن الشمال والجنوب موفقة.
ـ شهد عهده صراع بين المدنيين والعسكريين من الذين ينتمون إلى تيارين متنازعين داخل الوزارة العراقية.. تيار مؤيد للنفوذ البريطاني.. وتيار وطني ينادي بالتحرر.. حيث كان كل طرف يسعى إلى الهيمنة على مقاليد السياسة في العراق.
معارضي سياسة غازي:
ـ تمثلت المعارضة للملك المتمثلة بنوري السعيد وأصحابه والسفارة البريطانية.. ب:
1ـ فقد شكل نوري السعيد والسفارة البريطانية جبهة معارضة.. وقد حاولوا استخدام جعفر العسكري.. وطالبوه بالعودة الى العراق.. لتولي منصب رئيس الديوان الملكي.. الذي أصبح شاغراً بإسناد رئاسة الوزارة الى علي جودت الأيوبي.. ومن خلال جعفر العسكري يمكن الإشراف على غازي والتأثير فيه.
2ـ ياسين الهاشمي.: أكد انه لابد من الوقوف بوجه غازي.
ـ مستخدماً الأخائيين أسلوباً إثارة العشائر.
ـ من أجل أن يستطيع علي جودت الأيوبي مواجهة موقف العشائر.. لا بد من أن يحل المجلس النيابي وإيجاد مجلس نيابي يستند إليه.. وبحل المجلس اشتدت المعارضة.. ولم تنتهي الضجة إلا بتشكيل ياسين الهاشمي رئاسة الوزارة.. الذي كان له مطاع قوية بتولي العرش وإعلان الجمهورية وإسقاط غازي والملكية.
سياسة.. غازي الخارجية:
ـ تميزت سياسة الملك غازي بالدعوة القومية.
ـ ومواقفه من الانكليز حيث كان يعلن غضبه لهم.. متذكراً عدم وفائهم بوعودهم التي قطعوها إلى جده الشريف حسين.. فقد عاش تجربة فريدة في طفولته حيث كان شاهداً على وحدة الأقاليم العربية إبان الحكم العثماني قبل تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت الوطن العربي إلى بلدان تحت النفوذ البريطاني أو الفرنسي.
ـ كما ناهض الملك غازي النفوذ البريطاني في العراق.. وأعتبره عقبة لبناء الدولة العراقية الفتية وتنميتها.. وأعتبره المسؤول عن نهب ثرواته النفطية والآثارية المكتشفة حديثاً.
غازي.. والمانيا:
ـ حاول الملك غازي التقرب من ألمانيا غريمة بريطانيا.. وسعى إلى توطيد العلاقات معها.. وقد قامت الحكومة الألمانية بإهداء الملك غازي محطة إذاعة.. تم نصبها في قصر الزهور الملكي.
ـ لعبت إذاعة قصر الزهور التي أقامها هو دوراً في تأجيج الشباب.. والتفافهم الى جانب سياسة الملك.. مما أغاض بعض رؤساء الوزارات.. وحاولوا تحجيم دوره وسلب سلطاته.
ـ حتى إن ياسين الهاشمي ..الذي أصبح رئيساً للوزراء.. إصدار أوامره بعدم السماح للملك بالإقلاع في طائرة لغرض التنزه.. ومن ثم وضع الجواسيس ومنع الضباط من الالتقاء مع الملك.. إلا بعد تقديم طلب حسب المراجع الرسمية.
الملك غازي.. ومشكلة الكويت:
ـ وضع الملك غازي نصب عينه مسألة إعادة الكويت إلى العراق.. حيث كانت الكويت أيام حكم العثمانيين جزءً من العراق.. وتابعة لولاية البصرة.. حتى احتلال البريطانيين لها العام 1895.
ـ كان الملك غازي يعتقد أن اقتطاعها من العراق سببً حرمانه من شواطئه البحرية على الخليج.. إلا من بقعة صغيرة جداً قرب مصب شط العرب.. وهكذا أصبح هاجسه في كيفية إعادة الكويت إلى العراق.. في ظل تعارض رغبته تلك مع إرادة الإنكليز المهيمنين على مقدرات العراق.
ـ حاول الملك غازي إعادة الكويت بالقوة.. أثناء غياب رئيس الوزراء ـ نوري السعيد ـ الذي كان قد سافر إلى لندن لحضور مؤتمر حول القضية الفلسطينية في 7 شباط / فبراير / 1939.. فقد استدعى الملك رئيس أركان الجيش الفريق حسين فوزي.. عند منتصف الليل.. وكلفه باحتلال الكويت فوراً.. كما اتصل بمتصرف البصرة داعياً إياه إلى تقديم كل التسهيلات اللازمة للجيش العراقي للعبور إلى الكويت واحتلالها.
ـ كما استدعى الملك صباح اليوم التالي نائب رئيس الوزراء ناجي شوكت بحضور وزير الدفاع.. ووكيل رئيس أركان الجيش.. ورئيس الديوان الملكي.. وأبلغهم قراره باحتلال الكويت.. لكن ناجي شوكت نصحه بالتريث.. لاسيما إن رئيس الوزراء ما زال في لندن.. وأبلغه أن العملية سوف تثير للعراق مشاكل جمة مع بريطانيا.. والمملكة العربية السعودية وإيران.. واستطاع ناجي شوكت أن يؤثر على قرار الملك غازي.. وتم إرجاء تنفيذ عملية احتلال الكويت.
غازي.. والقضية الفلسطينية:
ــ كانت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني.. وكانت في حالة حرب داخلية بسبب تعرضها لهجرات واسعة من المستوطنين اليهود من كافة أرجاء العالم.. ووقوف القوى الوطنية الفلسطينية بوجه هذه الهجرات.
ـ وقف الملك غازي إلى جانب قادة الثورة الفلسطينية.. كعزالدين القسام.. وغسان كنفاني ومفتي القدس الحاج أمين الحسيني.
وفاته.. والحقيقة الغامضة:
ـ توفي الملك غازي في 4 نيسان / ابريل/ 1939 في ظروف غامضة.. عندما كان يقود سيارته فاصطدمت بأحد الأعمدة الكهربائية.
ـ هناك الكثير من التكهنات حول وفاته بسبب بعض الدلائل التي تشير إلى وجود من يحاول التخلص منه بسبب تقربه من حكومة هتلر ضد الإنكليز ذوي النفوذ الواسع في العراق.. منها:
ـ التناقض بين تصريحات الأطباء الذين عاينوا الجثة وبين تقرير اللجنة الطبية الخاص بوفاته التي كان برئاسة الطبيب البريطاني سندرسن.
ـ ومنها أيضا إصابته المباشرة في خلف الرأس بآلة حادة وهو يقود سيارته.. في حين أعلن رسميا بأن سبب الوفاة كان جراء اصطدام سيارة الملك بعمود كهرباء.
ـ ذكرت التقارير الرسمية إن الملك كان قد ترك مقر إذاعته الملاصق لقصر الزهور متوجهاً إلى دار استراحته الخاص المسمى (قصر الحارثية) الذي يبعد مسافة كيلو متر عن قصر الزهور.. ومعه خادمه الخاص (عبد سعيد).. وملاحظ إذاعته (علي بن عبد الله).. بعد أن استلم نداءً تلفونياً في ساعة متأخرة من ليلة 3/4 نيسان / أبريل/ 1939.
ـ عند الانحناء الموجود في الطريق انحرف عن خط سيره.. واصطدم في عمود الكهرباء الموجود على الجانب الأيمن فسقط العمود على رأسه مسببا وفاته.
أما الروايات الأخرى فننقلها هنا حسب ما رواه أصحابها:
1ـ عبد الوهاب عبد اللطيف (المرافق الأقدم للملك).. قال: (كنتُ نائما في داري.. حين استدعيتُ هاتفيا من قبل المرافق الخفر في قصر الزهور.. وبعد وصولي عرفتُ من الملكة عالية بان الملك كان ينتظر في قصر الزهور وصول آلة لتصليح خلل في جهاز الإذاعة.. وبعد أن اخبر بواسطة التلفون بوصول الشخص الذي يحمل تلك الآلة إلى قصر الحارثية غادر قصر الزهور.. ثم سمعوا بوقوع الحادث.
2ـ سامي عبدا لقادر (مرافق الخفر).. قا: (كان من عادة الملك غازي انه إذا قال ليً: تصبح على خير.. فمعنى ذلك أذنً ليً بالانصراف إلى النوم.. وفي تلك الليلة ذهبتُ لأنام في حوالي الساعة العاشرة.. وبعد ساعة تقريبا رنً جرس التلفون.. وسمعتُ صوتا يناديني: (إسراع سيدنا في خطر).. وصلتُ مكان الحادث.. وحملنا الملك إلى قصر الحارثية.. وكنتُ اسمع تنفسه.. إلا انه لا يستطيع الكلام.. من وضعه راودني شك بان الخادم قد ضربه على رأسه من الخلف.. وقد حاولتُ تهديد الخادم وقلتُ له: (سأقتلك إن لم تخبرني بالحقيقة).. إلا إنني لم استطع أن احصل منه على إجابة.. أنا لم اصدق بان السرعة كانت سبباً في وقوع الحادث.. ففي عصر اليوم نفسه.. كنتُ قد سألتُ جلالته.. وأنا معه في السيارة نفسها: (ليس من عادتك يا سيدي أن تمشي بسرعة ثلاثين كيلو متر).. لقد كان ملما بميكانيكية السيارات.. فأجابني: (كما تعرف يا سامي لقد دشنتها اليوم ولا يجوز أن امشي بها بأكثر من هذه السرعة الآن).
3ـ الدكتور صائب شوكت / من الأطباء الذين استدعوا لفحص الملك.. قال: (وصلتُ إلى قصر الحارثية.. ورأيتُ الملكة عالية والأمير عبد الإله وبعض الوزراء وبعض أفراد الأسرة المالكة وعددا من المرافقين والخدم.. فبدأتُ افحص الملك الذي كان فاقداً للوعي.. وإذا بيدي تغور في مؤخرة رأسه.. وعندما سئلتُ عن رأيي أخبرتهم بان من الواضح انه مضروب بـ(هيم) من الخلف.. أدى إلى كسر الجمجمة وتمزيق المخ.. وانه سوف لن يعيش أكثر من دقائق معدودة..
ـ وعلمتُ من الملكة عالية إنها لا تعرف أكثر من إن صباح بن نوري السعيد طلبه بواسطة التلفون.. فترك قصر الزهور متوجهاً إلى قصر الحارثية.
ـ أما الأمير عبد الإله فقد حاول أن يقنعني بان اشهد إن الملك غازي فارق الحياة بعد أن أوصى له بان يكون وصياً على ولده من بعده.. فرفضتُ ذلك فقال ليً: (لا حاجة إليك فهناك راجحة).
ـ ويعتقد د. صائب شوكت: إن الضربة ليست بعمود كهرباء.. كما أن الصور عن سيارة الملك بعد الاصطدام حجبت تماما.. والتي بينت بان الاصطدام من جهة اليمين.. في حين كان الملك جالسا في جهة اليسار.. واختفاء خادم الملك عبد سعيد بعد الحادث.
4ـ سندرسن باشا (طبيب العائلة المالكة): يشير إلى إن رستم حيدر قد طلب منه بعد عشرين دقيقة من وفاة الملك بان يعلن إن الملك قبل وفاته قد عبر عن رغبته بان يتولى عبد الإله السلطة كوصي على العرش.. وانه رفض ذلك على اعتبار إن الملك لم يستعد وعيه.. وحتى إذا ما ارتكبت جريمة مثل هذا الادعاء الكاذب.. فلابد من أن يكون هناك الكثير من المستعدين لتكذيبه.
5ـ الأميرة بديعة: وهي أخت الأمير عبد الإله كتبت في مذكراتها بعنوان (وريثة العروش) تقول: (كنا في تلك الليلة في القصر نشاهد احد الأفلام.. وجاء الملك ومعه مهندس إذاعته فنزلت الملكة عالية وحدث بينهم كلام.. وكان الملك يتحدث بصوت عال فتأخرت الملكة.
ـ وطلبت مني أمي الملكة نفيسة أن انزل لأرى.. وبعد أن نزلتُ صعد الملك بسيارته وتحرك بسرعة أراد أن يصدم الباب الرئيسي مع المهندس.. فصعدنا إلى مكان جلوسنا في السينم.
ـ بعد دقائق سمعنا صوت ارتطام قوي انقطعت على أثره الكهرباء.. فنزلنا لنرى ما حدث.. وهرولنا إلى مكان الحادث وقد سبقتنا الملكة عالية.. وعند وصولنا شاهدنا الملك وهو ينزف والعمود ساقط على السيارة.. وبعد ذلك سألتُ الملكة عن كيفية وصولها قبلنا.. قالت وجدتُ جندي يركب دراجة فصعدتُ معه.. وأنكرت الأميرة بديعة الأقاويل بأنه مات بضربة هيم.. إن العمود وضع على السيارة لان وصولنا إلى مكان الحادث بعد دقائق معدودة).
6ـ تشير مراسلات خاصة بين السفير البريطاني في بغداد يومئذ السير موريس بيترسون والحكومة البريطانية حول ضرورة التخلص من الملك غازي وتنصيب الأمير زيد بن علي بدلاً عنه.. بسبب وجوده كحجر عثرة أمام تنفيذ السياسة البريطانية في العراق.. الذي ينعكس على الوضع في الشرق الأوسط والوطن العربي لما للمملكة العراقية من وزن مؤثر في السياسة العربية والدولية في المنطقة.
ـ لم ينكر السير موريس بيتر سون ذلك في مذكراته.. إذ قال إن الملك غازي يجب أن يبعد.. وقد كان في طريقة إلى إسبانيا عندما وقع الحادث.
ـ اهم الأحداث والمنجزات التي في عهده:
ـ الاول من تشرين الأول/ أكتوبر 1934.. منع التداول بعملة الروبية الهندية.. واستعمال النقود العراقية بدلا عنها.. التي صدرت العام 1932.
ـ الاول من حزيران / يونيو ألعام 1936.. افتتاح الإذاعة العراقية ببث تجريبي.. ثم أعقب ذلك بث رسمي في الاول من تموز / يوليو / العام 1937.
ـ انقلاب بكر صدقي في 29 تشرين الأول / أكتوبر 1936.. ثم مقتل بكر صدقي في 11 آب / أغسطس / العام 1938.
ـ افتتاح مطار البصرة في 24 آذار / مارس / العام 1938.
ـ صدور الأمر القانوني رقم 38 لتأسيس مصلحة نقل الركاب العام 1938.
ـ 29 آذار/ مارس / العام 1939.. افتتاح سدة الكوت.