تطرأ الأحداث عندما تتوفر أسبابها وتجد دوافع مبررة وظروف موضوعية تسمح لظهورها في الواقع، ولعلّ جملة المسببات ما هو مستجد أو متراكم لم تتم إزالة عواقبه أو معالجة مخلفاته وتأثيره على السياسة والعلاقات الدولية عربيا وإقليميا ودوليا. في زمن الثورة الرقمية والطوفان الإلكتروني لم تعد الحرب مقاربة تمتحن الذكاء على لوحة الشطرنج، العدو الأخطر داخل الإنسان، والكثير من الأعداء يمكن تسخيرهم بدهاء دبلوماسي يقلب معادلات الصراع رأسا على عقب، وذلك بالتحديد قضية الملف النووي الإيراني في ظل سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة. وعليه فإن مرحلة جديدة تدخلها السياسة العالمية وتحديدا المسار الأمريكي في مشروعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط، حيث يستوجب فيها إعادة تأهيل حكومات وتبديل البعض منها بالإضافة إلى تغيرات أخرى تخص الجغرافيا. مع العرض أن الملف النووي الإيراني في ظل السياسية الأمريكية الجديدة ربما يشمل حتى قضية الرئيس السوري بشار الأسد وقضية الإرهاب في المنطقة.
بلا شك أن السياسة الأمريكية لا تقف عند حدود رأي جنرالات العسكر، ويبدو أن الرئيس بايدن يسير على نفس منهج الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما، وبنصح مستشاريه في الأمن القومي لتقدير حجم الخطر الداهم الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة والمنطقة العربية تحديدا. بيد أن قضية الملف النووي الإيراني يدل على تخبط السياسة الأمريكية وعدم اتعاضها من الأخطاء الاسترتيجية ابتداء من إطلاق يد إيران في عدد من الدول العربية، والسماح لإيران بدفع ميليشياتها الطائفية في هذه الدول وإعلان تبعيتها لنظام طهران. الواقع يشير بوضوح أن الولايات المتحدة الأمريكية بقرار الرجوع إلى طاولة المفاوضات وإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وما شهدته فيينا في الفترة القليلة الماضية من زخما دبلوماسيا تمثل باختتام الجولة الثالثة من المفاوضات بين إيران والدول الموقعة على الاتفاق النووي، تدل على أن أمريكا تحاول أن تنأى بنفسها عن تعقيدات الساحة العربية بالاهتمام والتركيز على مصالحها وأمنها القومي، كذلك تعزيز قواعدها الدائمة في الشرق الأوسط بما يضمن حماية إسرائيل وتحقيق التوازن الاستراتيجي الدولي. ونحن بدورنا سنقيّم هذه الخطوة وما يترتب عليها من نتائج.
الفرضية الأولى:
سنفترض وبالتأكيد إن هذه المفاوضات جرت بالتنسيق مع الولايات المتحدة، هذه الفرضيّة تعني موافقة ضمنيّة على إعادة استمرا منح إيران مكافئة التوغل في العراق وسوريا ولبنان واليمن من خلال ميليشياتها، ويبدو أن هذه المليشيات لم يعد لديها أي خيار سوى الارتماء بحضن إيران، وإلا قد يتم بيعها في صفقة تكون بموجبها مجبرة على تنفيذ الأوامر الجديدة لكي يحسب حسابها ضمن تسوية الوضع على الساحة السياسة العربية. هذه الصفحة ستشمل ردع قوة حزب الله اللبناني، وسوف تكون ضربات حاسمة تنهي دوره العسكري وتحجم فاعليته سياسيا داخل لبنان. واضح جدا أن الموساد يحاول إنهاء توظيف حسن نصر الله وبعض زبانية حزبه من خلال وضعهم على لائحة الإرهاب وفرض عقوبات على أصولهم المالية، سواء كان التوظيف بعمالة أو بغباء سياسي. خلاف ذلك لا تمتلك هذه الميليشيات سوى ملاقاة حتفها وتصفيتها، ومعلوم إن المرتزقة دائما ينتهي مصيرها في القمامة بعد انتهاء مهماتها القتالية.
الفرضيّة الثانية:
والتي تتوافق مع قوة التحالف العربي التي تقوده المملكة العربية السعودية على الجبهة اليمنية، ضمن سلسلة إجراءات عسكرية واسعة تقوم بها القوات السعودية وتركز على مطالبة أمريكا والمجتمع الدولي بطرد ميليشيا الحوثي من جميع الأراضي اليمنية، هذه الإجراءات لم تترك خيار وسط أمام السياسة الأمريكية بحيث وضعتها على المحك، إما أن تختار أمريكا الوقوف مع حلفائها وأصدقائها العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية أو تختار إيران. الواقع يشير بأن تفضيل اختيار أمريكا لإيران على المملكة العربية السعودية سيؤدي إلى خسارة أمريكا لكل حلفائها وأصدقائها العرب، ثم اضطرار الدول العربية أن تذهب لتحالف استراتيجي مع روسيا أو الصين، وهذا سيشكل خطر كبير على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا معها، على ما يبدو إن الإدارة الأمريكية الجديدة تسعى إلى الرجوع وبكل قوة إلى طاولة المفاوضات مع طهران، والمحافظة على اتفاقيات الملف النووي الإيراني منذ عهد الرئيس أوباما، وتلبية مطالب الحليف الإيراني لدرجة الاستعجال برفع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض ميليشيا الحوثي من قائمة الإرهاب بذريعة تسهيل وصول مساعدات إنسانية للشعب اليمني. وهذا مؤشر جدا خطير ينذر باحتمال تصادم عسكري كبير في المنطقة.
الفرضية الثالثة:
فرضيّة التسوية الشاملة والتنسيق بين (الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وإيران) هذه الفرضية هي الأكثر احتمالا للواقع، بموجب هذه الفرضية يمكن لأمريكا أن تحقق بعض الأهداف أبرزها، أن إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية لا يريدون أن تتوسع ساحة الحرب قدر الإمكان وتقتصر على تدمير قدرات إيران المتوغلة في سوريا ولبنان تحديدا، لكن هذا السيناريو أبعد ما سوف يكون واقعيا لأنه يساوي هزيمة كبيرة للمشروع الإيراني.
الفرضية الرابعة:
تتعهد روسيا بموجب الاتفاق النووي الإيراني ألا تسمح لإيران بتعزيز نفوذها في سوريا بما يهدد أمن إسرائيل. في الوقت نفسه، أن يعاد تأهيل نظام بشار الأسد وفق عملية تسوية مع المعارضة السورية استنادا لمقررات مجلس الأمن ومباحثات ستوشي بما يضمن الاستقرار والقضاء على الإرهاب.
وتأسيسا لما تقدم، يتوجب على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تتعامل مع الملف النووي الإيراني وفق استحقاقات لابد من تنفيذها على الأرض لنزع فتيل اشتعال الحرب. وهي كالآتي:
أولا. انسحاب إيران كليا من سوريا والعراق واليمن ولبنان.
ثانيا. نزع القدرات الصاروخية لحزب الله في لبنان ووضع كل سلاح تحت مسؤولية الدول الشرعية وضمن مؤسساتها العسكرية.
ثالثا. وبناء على أولا وثانيا، بمعنى أوضح لا وجود لفصائل مسلحة أو مليشيات تحت أي ذرائع ومصنفات.
رابعا. في ظل التعقيدات الدولية القائمة حاليا واختلاف مشاريع وأجندات الدول المتشابكة في منطقة الشرق الأوسط، إضافة الى التحشيد العسكري والغارات المتكررة التي تنفذها دولة الكيان الصهيوني في سوريا مع سياسة الحصار على إيران والمزيد من العقوبات فلن يبقى أمام إيران سوى خيار الاستسلام.
خامسا. دخول إسرائيل على خط المفاوضات حتما، فقبل أكثر من عامين تقريبا أدلى (ليبرمان) وزير دفاع الكيان الصهيوني بتصريح خطير جدا قال فيه مخاطبا فيه الميليشيات الإيرانية قائلا” إذا أمطرت عندنا ستحدث عندكم فيضانات “؟؟ جاء ذلك على اعقاب تصريحات نارية من قبل بعض قادة الحرس الثوري الايراني؟ يجب على كل مسؤول في العراق وسوريا ولبنان وقطاع غزة خاصة أن يحسبون حسابهم بأن السياسة الإيرانية تضعهم دروع لها وسوف ينالهم التدمير الشامل قبل أن تصل المواجهة مع الحرس الثوري والجيش الايراني مباشرة.
بخلاف الفرضيات التي أشرنا إليها آنفا، فإن الملف النووي الإيراني في ظل السياسة الأمريكية الجديدة يعتبر خطوة خطيرة جدا، وفي هذه الحالة ستذهب المنطقة الى حرب إقليميّة. الحقيقة التي لابد من توضيحها هي أن منطقة الشرق الأوسط تشهد صراعات دولية تتقاطع فيها أجندات ومشاريع لا تضع وزنا للشعوب التي تعيش عليها، لقد أدى هذا الصراع الى تدمير شامل لمدن كبيرة ومناطق واسعة في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وكذلك إحداث تغيرات غير منسجمة على المستوى السياسي والاجتماعي بما في ذلك التغيير الديموغرافي وتهجير الملايين من مناطقهم التاريخية الى دول أوربا وغيرها. لعلّ أهم ما يجدر التنبيه له هو استهلاك الأدوات المحلية والمرتزقة في هذه اللعبة الدولية، كذلك تم استهلاك شعوب المنطقة ومصادرة إرادتها وأحلامها بالتحرر من الاستبداد أو العيش بكرامة وأمان على أرضها. لابد أيضا أن نصف جميع الدول المتورطة في هذه اللعبة القذرة بالطمع والانتهازية وعدم الاكتراث بالنتائج الوخيمة عن تدخلها الذي يتنافى مع الأخلاق والقوانين الدولية.
لكن في النهاية لا أحدا يثق بالسياسة الأمريكية بصورة عامة وعلاقة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص والدليل لعودة قليلا إلى فترة الرئيس السابق دونالد ترمب، قال رودي (جولياني) المستشار القانوني للرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إنه “سنكون واقعيين إذا قلنا إن نهاية النظام الإيراني قريبة”، مشيراً إلى أن سقوط نظام طهران سيكون خلال عام. وذكر جولياني في كلمته أمام مؤتمر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بقيادة منظمة مجاهدي خلق” إن القمع والعنف ضد المتظاهرين في إيران وعدد القتلى تؤكد أن الحرية قريبة جدا، ولا بد لهذا النظام أن يسقط”. وأضاف أن هذا كان من الممكن أن يحدث عام 2009 لكن حكومة أميركا آنذاك لم تقف مع تلك الاحتجاجات وهذا عار عليها، لكن الآن رئيس الولايات المتحدة دعم المتظاهرين في إيران حسب تعبيره. وهاجم مستشار ترمب الدول الأوروبية التي ما زالت تحتفظ بعلاقات تجارية واقتصادية مع النظام الإيراني قائلا إن “تلك البلدان التي لا تزال تدعم إيران وتتعاون معها اقتصاديا تدفع نقودا لنظام يحرم النساء والأطفال من حقوقهم ويقتل الناس، لأنهم يملكون عقيدة أو خلفية دينية مختلفة.