18 ديسمبر، 2024 11:55 م

المكر السيء …لا يحيق إلا بأهله

المكر السيء …لا يحيق إلا بأهله

ليس من الغريب أن تكون للشجاعة انواعٌ واشكالٌ متعددة فهنالك الكرم والتضحية والإيثار والعفو وكل فعلٍ فيه الخير والإصلاح للفاعل به,يقابله الضد النوعي نفوسٌ مريضة لا تعرف سوى الحقد والمكر والخديعة بالناس وأن كان على رقاب من أحسنوا أليهم ,فلن تثني الأفضال المقدمة من ارتكاب الأذى والسوء والرد الجميل بالإساءة ,وقول الشاعر: قد أسمعت لو ناديت حيا / ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت / ولكن أنت تنفخ في رماد ,فالجبن له أنواع منه عدم الوفاء بالعهد والالتفاف على الحقائق وتزييفها وخلط الاوراق لأجل السعي في التشهير والنيل من مقامات أصحاب المقام المكرم والتعريض بقيمتهم الاجتماعية والاعتبارية التي يتملكونها لصدقهم واستقامتهم وابتعادهم عن الرذيلة وعملهم بمسار الفضيلة شكلا ومضمونا ,حيث تذكرني الاساءة من المتدني النزق بسلوكه بقصة لها مدلول نعيشها في حياتنا يُحكى أن ملكًا من الملوك العظام رق قلبه لطفل يتيم التقطه بعض خدمه ، فأمر بتربيته وضمه إلى أهل بيته ، واختار له اسمًا كي ينادونه به سماه أحمد اليتيم ،كان أحمد طفلًا فطنًا ظهرت عليه أمارات النجابة والذكاء منذ حداثة سنه ، فعلمه الملك واعتنى به لما رآه فيه من أمارات الملوك,ولما دنى أجل الملك الكريم أوصى بأحمد إلى ابنه وولي عهده من بعده،وطلب منه أن يتخذه رجلًا من رجاله وأخذ عليه عهد بذلك ، فامتثل الأمير لأمر أبيه الملك ولما مات الملك تولى الأمير العرش وصار هو الملك الجديد ، ففعل بنصيحة أبيه وقرب أحمد اليتيم منه واصطفاه على غيره من رجال الحاشية كان خادمًا وفيًا وأمينًا للملك لذا قدمه في أعماله وصار له كلمة على كل حاشية الأمير ، كما أوكل له بالتصرف في شئون القصر لما رأه فيه من حسن التفكير وجودة التدبير ، وفي أحد الأيام طلب الملك من أحمد أن يحضر شيئًا من بعض حجرته الخاصة وأثناء مروره باتجاهها سمع صوتًا ما .فنظر ليتبين الأمر فإذا بجارية من جواري الملك المقربة تزني وتفسق مع خادم له ، فتوسلت إليه الجارية أن يكتم الخبر ولا يبوح بما رأى ، وحاولت أن تراوده عن نفسه حتى تضمن صمته وعدم إفشاءه لما رأى ، ولكنه رفض أن يزني بها وقال لها : اتقي الله يا جارية كيف أغضب الله وأسيء لمن أحسن إليّ !وبعدها هم أحمد بالانصراف وترك الجارية خلفه على أن يكتم السر ، ولكن الجارية اللعوب خافت أن يفشي أحمد سرها إلى الملك فيأمر بقطع رأسها ، لذا وضعت خطة للإيقاع بأحمد فلما حضر الملك إلى قصره ذهبت إليه وهي تبكي وتشكي مما فعله بها ذلك الشاب الذي رعاه الملك وقربه منه ، وقصت عليه أن أحمد اليتيم راودها عن نفسها وحاول قهرها على ذلك حتى ترضخ .فلما سمع الملك بذلك غضب أشد الغضب فكيف يتجرأ أحد خدمه على المساس بنسوته ، وبعدها قرر الملك قتله في الخفاء حتى لا يعلم بنية الملك ويفكر في الهرب ولأن كل من في المملكة كان يحبه أيضًا وموته إن ذاع كان سيشكل جلبةً كبيرةً .لذا أرسل الأمير في طلب كبير خدمه وقال له : إن بعثت إليك برسول يطلب منك طبق به كذا وكذا اقطع رأسه وضعها في الطبق ثم ابعث بها إليّ ، فامتثل الخادم لأمر الملك وقال له سمعًا وطاعة يا مولاي ، وفي اليوم التالي استدعى الملك أحمد اليتيم وأمره أن يذهب إلى الكبير الخدم ويطلب منه طبق به كذا وكذا ,فامتثل أحمد لأمر الملك وذهب إلى كبير الخدم ولكنه في الطريق وجد بعض الخدم وهم متخاصمون وطلبوا منه أن يحكم بينهم في الأمر ، فاعتذر منهم وأخبرهم أنه مكلف من قبل الملك بقضاء عملٍ ما ، فقالوا له فلتحكم بيننا ونبعث فلانًا الخادم يقضي الأمر عنك حتى تفصل في شأننا ,فأجابهم الشاب الأمين إلى ما طلبوه فأرسلوا منهم واحدًا كان هو نفسه الشاب الذي رآه أحمد يزني بالجارية،فلما وصل الخادم إلى كبير الخدم طلب منه الطبق الذي أمر به الملك ، فأخذه كبير الخدم إلى المكان الذي كان قد أعده ، وقطع رأسه على فجأة ثم وضعها في الطبق وغطاها كي يقدمها إلى الملك .فلما نظر الملك إلى الطبق وجد به رأسٍ غير رأس أحمد فتعجب من الأمر وأرسل في طلبه،ولما امتثل أحمد اليتيم بين يديه سأله عما فعله حينما أرسله إلى كبير الخدم ، فقص عليه أحمد ما جرى فقال الملك : أتعرف لهذا الخادم ذنبًا ؟ فقال أحمد نعم يا مولاي لقد رأيته مع الجارية وقد سألاني أن أكتم الخبر ,فلما سمع الملك بذلك أمر بقطع رأس الجارية وحمد الله على أنه لم يحدث مكروه لخادمه الأمين أحمد اليتيم،وعاد لما كان عليه من محبة الفتى وأكرمه وجزل له العطايا ، وكانت تلك هي مكافأة الوفاء ونهاية الخيانة فلا يحيق المكر السيئ إلا بأهله