تكوين الأسس والمبادئ لأي نظرية تكون صعبة على الدارس تبيينها وترسيخها. وذلك لأن تلك المبادئ والتعاريف البدائية سوف تضع كل العلوم والمعارف المصنفة تحت النظرية في معيار التعريف كلمة بكلمة. ولنفس الأسباب يتحفز الباحث أن يضع تعريفاً لجوهر النظرية ومكوناتها والمجالات المستخدم فيها وحدود محيطها.
نظرية الأنظمة هي من النظريات متعددة المجالات، وواسعة الاستخدام في شتى العلوم والفنون. وهي تعد وما تزال تعد نظرية تفكيرية فقط، مثلها مثل علم الرياضيات، حيث يقوم العالم في التفكير بواسطتها، ووضع خطط، وعمل تصرفات وسلوكيات على أساسها. لكنها عندي تعد أكبر من مجرد طريقة تفكير أو علم للتصنيف. نظرية الأنظمة أراها أسس التي شيدت بها الكون، وما فيه من شيء أو لا شيء يخضع لقوانينها. أراها مستمدة في جميع العوالم، الكبيرة منها والصغيرة، وفي كل الأزمان، الماضية منها والمستقبلية، وفي كل الأماكن، البعيدة منا والقريبة. جميع النظريات والقوانين الطبيعة الفيزيائية والأسرار الرياضياتية يمكن أن تندرج في داخلها.
إلا أنها تجذب أنتباه القليل من الدارسين، وتُدرس بشكل سطحي في الجامعات العلمية، ويتبناها القليل من العقول الذكية، ويتذكرها حفنة من الطالبين لها، ويسهم في إنشائها والإضافة عليها ندرة من علمائها. ربما تعود جزء من علة تركها لمواضيعها المملة، ودراستها المعقدة، وتطبيقاتها المبهمة، ومعلوماتها الجلية. إذ إنها فُهمت بشكل خاطئ على مر العصور، وامتزجت مع العلوم الأخرى، فأضيفت إليها ما أضيف لتلك العلوم، وحذفت منها ما حذف من تلك المعارف، وقام بدراستها علماء في تلك المجالات، منهم الأحيائي لودفيغ فون بيرتلنفي الذي قال عنها “أن نظرية الأنظمة العامة يجب أن يكون جهازاً متحكماً مهماً في كل العلوم”.
نظرية الانظمة هي نظرية العلوم تُدرس فيها انماط الانظمة المعروفة ومحاولة تشكيل هيكل بنائي حيث تتعمم صفاتها الى كل الانظمة الموجوة في الكون كالانظمة الحيوية، والانظمة الفيزيائة والانظمة الديناميكية. ايجاد تعريفٌ للنظام هو امر صعب بذاته و يمكن ان يقع الفرد لأخطاء فقط عن طريق محاولة فهم حدود النظام و اظهار صفاته الخاصة. يُعرِف قاموس مريم-ويبستر النظام على انه مجموعة متفاعلة او مترابطة و متناسقة من العناصر يشكلون كيان موحد، ويعطي مثالا لنظام الارقام في الرياضيات و مثالا اخر عن نظام الهضمي و يعرفه على انه مجموعة من اعضاء في الجسم يقومون بعملية حيوية. اذا ما هي المشكلة في هذا التعريف؟ الخلل في الجملة يقع في قصرها لتقديم وصف كامل لنظام و خواصه، فمثلا هناك انظمة لا ترتبط اجزاءها مع اجزاء اخرى في نفس النظام، مثلا لو اخذنا نظام الارض بشكل كامل فنرى مجموعة من اجزاءها كالقطب الشمالي و الجنوبي لا ترتبط مع نظام الشرق الاوسط، فعالم الموجود هناك و الحوادث التي يحصل فيه لا يسبب او يرتبط مع الحوادث الموجودة في الشرق الاوسط.اعلم بأن كثير من القراء سوف يفكرون بأن تغير المناخ و درجات الحرارة في القطب شمالي يعكس تغير المناخ بشكل كامل للارض وكذلك ذوبان الجلود يؤدي الى رفع مستويات البحر على مستوى العالم. هذه التغيرات عزيزي القارئ تأتي من تغير هائل على جميع بقاع الارض بدلا من تغيرات بسيطة الآتية من بقعة واحدة او اكثر. فالتغيرات التي يتحدث عنها في التعريف هي تظهر من جزيئة النظام نفسه وليس من مسببات هائلة من التي تظهر من عدة جزيئات. والامر الاخر في تعريف مريم-ويبستر يتبين في مثال الثاني نفسه (مثال جهاز الهضمي)، هذا نوع من النظام يختلف عن الانظمة الاخرى (يدعى نظام التسلسلي) لان فساد في جزء واحد من اجزاء النظام يؤدي الى فشل باقي اجزاءه. التعريف لا يبين لنا هذا الامر ولم يقل ما هي طبيعة الارتباط الموجود بين اجزاء النظام. الامر اخر الخاطئ في التعريف هو كلمة (متناسق) بين اجزاء النظام، فالاجابة على هذا المشكلة يمكن ان يستخرج من المعضلة أولى ، فيمكننا ان نقول اذا لم يرتبط اجزاء النظام معا اذا لا يوجد سبب يدعي الى تناسق واحد من اجزاء مع اي جزء اخرى فالنظام يمكن ان يكون فوضوياً بالكامل (راجع نظرية الفوضى، وكذلك بدايات ظهور انظمة متشابهة في رقع مختلفة اي تطور الانظمة). اذا التعريف ثلث ارباعه خاطئة ولا يعطي تعريف شامل للنظام.
الامر ليس واضحاً بالضبط. الكل لديه تعريفه الخاص للنظام، مستوحى من تجاربه من الحياة و خبرته في مجال دراسته. فهل يمكننا على الأقل ان نرى العامل المشترك بين هذه التعاريف التي توصف على حد علمنا نفس الفكرة الواحدة. يمكننا على الاقل ان نرجع الى اصل الكلمة بالاغريقية لنرى اين اشار الاغريقيون عندما نطقوا بكلمة النظام. الكلمة تُكتب بالاغريقية (σύστημα) وتُلفظ سيستيما، وهي نفسها اتية من تعديل كلمة (synistanai) تُلفظ سنستناي مكونة من جزءين : -syn معناها بالاغريقية معاً و histanai معناها سبب للوجود او للظهور. فالكلمة بأكملها تُترجَم : “اشياء معا تسبب شيئاً آخر للوجود”، وهذه الكلمة بحد ذاتها منطقية و تعطي صفة من صفات الانظمة وهي مجموعة من اشياء على مقربة من البعض يخلقون شيئا اسمه النظام.
إلا ان الاصل الكلمة يتجاهل عدة انظمة التي لا يكون اجزائها على مقربة من البعض، مثلا نظام اتصالات الهواتف ، فالمتصل ليس مشروط عليه ان يكون على المقربة من المتصل به ويمكن للمعلومات أن تعبر عدة انظمة اخرى حتى تصل الى الجزء الاخر من النظام وهو المتصل به. او مثلاً نظام الغدد الموجودة في جسم الانسان ليس على مقربة من الاهداف التي تؤثر عليها وهو اعضاء اخر فغدد النخامية (غدة موجودة داخل جمجمة في الدماغ) تفرز هرومونات (مواد كيميائية تُستخدم لإرسال الرسائل من الغدد الى الاعضاء اخرى) تصل تأثيرها الى حد عضلات الرجل. فمن واضح ان هذين النظامين ليسا مرتبطين بشكل كامل وبالرغم من ذلك نرى ان واحداً منهم يؤثر على الاخر عن طريق نظام ثالث اخر.
كل شيء في الكون يمكن أن يعد نظاماً، وداخل ذاك النظام توجد أنظمة وداخل تلك الأنظمة توجد أنظمة أخرى، فإلى ما لا نهاية تتواجد أنظمة داخل الأنظمة، التي يمكن التعرف عليها وأبصارها بعين دقيقة، أي كلما تقربنا من نظام معين، وفككنا أجزائه لدراسته على حدة، نجد أن تلك الأجزاء هي أنظمة بنفسها، ويمكن تجزئتها أيضاً إلى مجموعة من الأنظمة الأخرى، وهكذا كلما تصغرنا لرؤية الأنظمة الأساسية الدقيقة التي تبني نظام معين نفسه، نجد أن هناك نظام آخر بداخله.
كذلك الأمر عندما نريد أن نرى حدود النظام من صورة مكبرة، أي عندما نقوم بأختيار نظام معين كنظام نهائي (مثل أختيار الكون كنظام واحد نهائي لكل الانظمة الاخرى في داخله)، نرى أن هذا النظام ما هو إلا جزء من نظام أكبر آخر (حتى لو كان ذلك غير معروفاً في زماننا)، ويمتد إلى ما لا نهاية بنفسه.
يعسر على المشاهد أن يبصر حدود النظام بسهولة من الوهلة الأولى، فضلاً على أن يحكم ما هو من ضمن النظام وما هو من بيئة النظام خارج عن عناصره. قد يقول البعض أن أجزاء الأنظمة يجب أن تكون متصلة مع بعضها لكي تدخل في ضمنها، ونستطيع منها إقصاء جميع ما هو غير متصل مع الأجزاء وتصنيفه مع البيئة المحيطة بالنظام، إلا إن الأمر أعقد من ذلك، فكيف بنا أن نحكم على الإنسان الذي يلبس نعله عند الحاجة ويخلعه عند الراحة على أنهما (النعل والإنسان) من نظام متصل واحد!؟ أو كيف بنا أن نحكم أن الملابس الذي يلبسه الفرد يقع من ضمن نظام الإنسان ويعتبر جزءاً منه (كالجلد تماماً)؟
لعلنا نحتاج إلى عناصر دائمية متصلة مع بعضها لتشكل نظاماً خاصاً بها، وكل ما يتصل بالنظام بشكل مؤقت لا يعد من ضمن النظام (على الأقل لا يعد من ضمنه في الأوقات التي لا يتصل فيه مع العناصر). لكن ما هو الإتصال بالضبط؟ كيف نعلم أن جزء ما غير متصل مع النظام؟ أليس البيئة تتفاعل مع النظام باستمرار؟ ألا يعد ذلك إتصالاً من نوع ما؟ أو لا تؤثر البيئة على وظيفة النظام؟
كيف نعرف ما هو الجزء الضروري من النظام وما هو غير ذلك؟ علينا أن نفكر في وظيفة النظام وما هي الأجزاء الضرورية داخل النظام لإتمام الوظيفة بأحسن وجه، نستطيع أن نجرب نزع واحد من الأجزاء ثم نفحص إن كان النظام يؤدي وظيفته على اتم وجه أم لا، أو إن كانت الوظيفة نفسها أم تغيرت. فإن لم يقدر النظام على أداء وظيفته مثل سابقه، فإن ذلك الجزء المنزوع هو ضروري ومن ضمن النظام، وكذلك الأمر إذا تغيرت وظيفة النظام عند نزع ذلك الجزء منه. اما اذا استطاع النظام أن يقوم بواجبه مثل السابق دون الحاجة إلى ذلك الجزء، نحكم حينه على أن الجزء غير ضروري وليس من ضمن النظام.
لنأخذ واحدة من خلايا الكائنات الحية على سبيل المثال، يمكننا أن ننزع الميتوكوندريا (المسؤولة عن توليد الطاقة داخل الخلية) لنرى كيف تؤدي الخلية وظيفتها بدونها، ونشهد بأن الخلية الحيوانية سرعان ما تموت من دون جزيئة الميتوكوندريا في داخلها. إذاً، نحكم على الميتوكوندريا على أنها جزيئة ضرورية في نظام خلايا الحيوانية.
قد تدخل بعض من العناصر إلى النظام وذلك بسبب البيئة المتغيرة، والمثال على ذلك هو النعل والانسان، الذي يلبسه الانسان ويدخله الى ضمن نظامه بسبب بيئته، وإن تم نزع النعال من قدم الإنسان، لرأينا تغير واضح في وظيفة الانسان (أو في حركته بتعبير أصح) في بيئة وعرة التي تكون لبس النعل فيها حاجةً، ولكن في بيئة ودودة لقدم الإنسان، لا نرى أي تغير جلي في حركة الانسان أو في وظيفته بشكل عام.
أجزاء النظام هي الأنظمة الصغيرة الضرورية لبقاء النظام وضرورية كذلك لعمل النظام لوظيفته. أما غير ذلك من العناصر، فلا يعد جزءاً من تشكيلة النظام ولا عنصراً أساسياً لأداء وظيفته، إن كانت تلك العناصر متصلة بها أو غير متصلة، وبشكل مباشر أم غير مباشر.
الإتصال مع النظام أو بين أجزاء النظام أو بين نظامين مختلفين يصبح ممكناً بوسيلتين:
أن يكون هناك نظامٌ ثالث آخر يستطيع أن يربط النظامين المختلفين معاً، مثل الصمغ أو اي نظام يستطيع التعامل مع النظامين. النظام الثالث هو مزيج من النظامين المختلفين حيث انه يحتوي في احدى نهايتيه على جزء متفاعل مع نوع واحد من النظام المراد الارتباط به، وفي النهاية الثانية يحتوي على جزء متفاعل مع نوع آخر من النظام المختلف. قد يكون النظام الثالث هو المتعارف عليه من قبل بعض أجزاء النظامين المختلفين، فيتفاعل تلك الأجزاء لربط النظامين المختلفين معًا.
أن يكون هناك جزء مشترك بين النظامين يرتبطان معاً عند الاقتراب أو يتفاعلان معاً عن البُعد، مثل التفاعلات الكيميائية التي تؤدي الى مركبات تتشارك فيما بينها الإلكترونات. أو شبكات الاتصال التي تتواصل فيما بينها عن طريق المستقبلات التي تتشارك في تعاملها بالموجات الكهرومغناطيسية مع المرسلات. أجزاء النظام ما هي إلا أنظمة بنفسها أيضا كما قلنا في البداية، وهذه الانظمة الصغيرة لديها قدرة على التفاعل مع مختلف الأنظمة الكبيرة التي تتكون بعض من أجزائها من نفس ذلك النظام الصغير.
حدود النظام يمكن أن يعرف من قبل النظام نفسه أو من قبل الانظمة الاخرى، فحينما نرى عنصرا من عناصر النظام متكررة في حيز ما، فيمكن التأكد على أن ذلك الحيز هو جزء من النظام، أما اذا رأينا عدم وجود أي من عناصر النظام في مكان معين، نجزم عندها بعدم شمل ذلك الحيز مع النظام. إذاً يمكن التعرف على حدود النظام باختيار حيز معين لا يوجد فيه أي عنصر من عناصر النظام، او يوجد فيه عناصر تابعة للأنظمة الأخرى.
كل نظام لديه هيئة خاصة به، وبذلك التركيب يقوم بوظيفة معينة لتغيير بيئته إلى انتظامه الخاص. إن كان هناك تشابه مماثل في هيئة اي نظام، فهذا يعني أن وظيفتهما متماثلة، وكذلك الامر اذا كان النظامان يقومان بنفس الوظيفة، نستنتج عندها بأن لهما هيئة عينها. مثلاً، نقدر أن نستنتج على إن حيوان القرد لديه دائرة عصبية حسية مماثلة في دماغه لدائرتنا العصبية عندما نرى أنه يبكي عند موت أحد أقاربه من القرود.
وظيفة النظام يمكن أن تُعرف: كمجموع وظائف أجزاء عناصر النظام، فما يقوم به جزء من النظام، هو ما يقوم به النظام نفسه. واختلافات وتنوعات في وظائف العناصر يمكن أن تعطي للمراقب فكرة عن تعدد وظيفة النظام نفسه، ولكن النظام يبقى يعمل وظيفة واحدة فقط نظرا لهيئته بالرغم من قيام كل عنصر من عناصره بوظيفة مختلفة أو مستقلة عن الآخر. ويتجمع كل تلك الوظائف المختلفة للعناصر تحت اسم وظيفة واحدة وهي وظيفة النظام نفسه. وظيفة الإنسان في الحياة مثلاً هي البقاء على قيد الوجود والتكاثر ولو حاولنا أن نوحد تلك الوظيفتان تحت وظيفة واحدة أعظم منهما، لقلنا إن وظيفة نظام جسم الإنسان هو تحويل كل ما في بيئته إلى نظامه الخاص، إلى خلاياه إن صح التعبير، راجع مقالة (تحليل النمو و التكاثر عند الكائنات الحية والغير حية).
ينقسم النظام إلى ثلاث طبقات طبقاً للحجم :
طبقة النظام من نفس المستوى: وهي تلك الطبقة التي تُدرس النظام فيها مباشرةً من دون النظر إلى ما في داخلها من أجزاء، ومن دون الأخذ بعين الاعتبار ما يشكله من أنظمة كبرى. وتُدرس بيئته كذلك مثله، فيؤخذ من حوله فقط الانظمة التي تكون من مستواه حجمياً أو قريبة من ذلك، ولا تدخل في هذه الطبقة الانظمة الصغرى والكبرى التي تؤثر على النظام نفسه.
طبقة النظام من مستوى عالي: تقوم بمشاهدة النظام من مستوى أعلى من نفسه. في هذه الطبقة تكون النظام جزءاً من نظام آخر أكبر منه حجماً، أو تكون جزءاً من مجموعة من الأنظمة مشابهة التي تتكاثف على شكل أسراب وتتفاعل مع بعضها.
طبقة النظام من مستوى ادنى: وفي هذه الطبقة يُركز الدارس أو المشاهد على أجزاء النظام بدلاً من النظام نفسه، ويحاول معرفة بيئتهم وتأثير بعضهم على بعض الآخر. وهي الأجزاء الميكروسكوبية التي تُشكل نظامًا بنفسها لكنها لا تزال داخل النظام ومصنفة تحته.
يمكننا تمييز الطبقة الواحدة عن الاخرى عندما تقوم الانظمة في ذلك الطبقة بوظيفتها الشبه المستقلة. أي عندما يرى المشاهد أجزاء النظام يقومون بوظيفتهم الخاصة دون الاعتماد على جميع اجزاء الاخرى من النظام، فحينها يتأكد انه في الطبقة الادنى من النظام، وعندما يرى أن النظام لا يشكل سوى جزءاً آخر من الأجزاء العديدة الموجودة حوله، فإذا كان المشاهد في الطبقة الاعلى من طبقات ذاك النظام. مثلاً، رؤية النبات من مستوى الإنسان يوحي لنا بأننا في نفس مستوى نظام النبات، واننا في ذاك الطبقة من نفس المستوى، ويمكننا أن نبتعد قليلاً إلى الوراء لنرى الانظمة الأخرى حول ذلك النبات، ونتعرف من خلال ذلك النبات، ونتعرف من خلال ذلك على نظام أكبر من نظام نبات واحد، حيث تقوم فيه النبات بوظيفة معينة لتشكل جزءاً منه. وكذلك نقدر ان نضع النبات تحت المجهر لنرى الأنظمة الميكروسكوبية التي تشكلها، مشاهدة خلايا النبات هي دليل على اننا في طبقة الادنى من طبقات نظام النبات.
هذه الطبقات تؤثر وتتأثر فقط مع الانظمة القريبة من مستواها. فالطبقة من مستوى عالي او طبقة من مستوى ادنى البعيد لا يمكنه تأثير على نظام بشكل واضح او يكون تأثيره قليل للغاية أو ذات تأثير غير دقيق ومرغوب.
قد تبدو هذه الطبقات وهمية عندما نُخّرج الدارس من خارج دائرة المعادلة. لكن يجب علينا أن نأخذ نظام الدارس او المشاهد بنظر الاعتبار أيضاً كإطر الإسناد، ومن المستحيل تجاهله، لما في ذلك من إيهام وخروج عن أبعاد الحقيقة والواقع. من خلال أعيننا نحكم على احجام الانظمة بكونهم أنظمة من مستوانا أم من مستويات أدنى (كالبكتيريا) أم من مستويات أعلى (كالجبل).
كل ما ورد سابقاً حتى الآن ما هو سوى محاولة إفهام القارئ ماذا يجري حول النظام وكيف يكون النظام. نأتي لنحلل وننتقد تعاريف النظام المنتقاة من شتى المصادر، بدئاً من موقع مريم ويبستر الذي يعرف النظام كـ : مجموعة من عناصر منتظمة متفاعلة مع بعضها أو معتمدة على بعضها، يقومون بتكوين عنصر كامل متحد”، ويعطي مثالاً على نظام الترقيم.
يمكن للنظام أن يكون فوضوياً بدلاً من أن يكون منتظماً، فلنأخذ مثالاً معاصراً كالميكانيكا الكوانتم، التي تكون فوضوية غير منتظمة بأي شكل من الأشكال ولكن بالرغم منها تعطينا نظاماً معيناً. لذلك قول التعريف بأن عناصر النظام يجب أن تكون منتظمة ليس دقيقاً بالكامل. توجد في الطبيعة بعض من الانظمة التي تكون فوضوية الاجزاء.
وعنصر المتحد الذي يقوله التعريف قد لا يكون صحيحاً في جميع الانظمة الموجودة في الكون. ففقط الانظمة متناسقة العناصر تعطي نظاما موحدا او على ما يبدوا ذلك من وجهة نظر الانسان. اما الانظمة التي تكون عناصرها في صراع مع بعضها تعطي انطباعاً مختلفاً تماماً عن النظام الموحد، وقد يبدو انه نظام موحد من صورة المكبرة (من مستوى اعلى) إلا أنه في صراع مع أمثاله في مستواه النظامي.
ولم يقل لنا ما هي تلك العناصر؟ ما هي أحجامهم مقارنةً مع بعضهم البعض؟ هل هم متقاربون في شكل والهيئة وطبيعة مع بعضهم أم مختلفون؟ هل من الممكن لعنصر واحد أن يشكل نظاماً؟ أن كان الجواب لا، فما هي أقل عدد من العناصر التي تشكل نظاماً فعالاً؟ ما هي تلك الإنتظام التي تسيطر على ترتيب العناصر؟ هل ترتيب تلك العناصر داخل النظام يهم ام لا؟
هل يهم ترتيب العناصر بشكل منتظم وثابت في النظام؟ الامر يعتمد على نوع النظام، بعض الانظمة لا يهم فيها ترتيب النظام في مكان معين، توجد خليط متوازن وكثافة متوازنة من العناصر في داخلها، فتبديل في مكان عنصرين لا يؤثر اطلاقا على وظيفتهما ولا على تركيبة النظام. اما من طرف الآخر، فهناك بعض الانظمة التي تهم فيها ترتيب مكان عناصرها للغاية، حيث تبديل الأول مكان الثاني يؤدي الى خلل في تركيبة النظام وبالتالي عطل في وظيفته. هذه الانظمة نادرة في الطبيعة، لانها تنتهي أمرها بسرعة بتغير بسيط في بيئتها الديناميكية، غالبا يتحولون الى انظمة اخرى اقل حساسيةً للترتيبات. مثال على نظام خامل الذي لا يبالي بترتيب عناصره هو السوائل (نأخذ هنا مثال نظام سائل مكون من أكثر من عنصر واحد)، فلا يهم إذا تغيرت مكان تركيبة واحدة فيها بتركيبة اخرى من نفس عناصرها.
والمثال على انظمة الحساسة هو الذاكرة الالكترونية (أو حتى الذاكرة العضوية) التي تكون حساسة جداً لتغيرات في ترتيب عناصرها، لأنها تؤدي إلى تغيرات في وظيفتها. هذه الانظمة المعلوماتية ليست فقط مرتبة بالمكان، بل مرتبة أيضاً عن طريق الزمان؛ تغيرات في الترتيب الزمني للمعلومات قد تخلف فوضى في النظام بأكمله.
واحدة من شروط الاساسية للنظام هي يجب عليه أن لا يكون عشوائياً، أي لا يوجد نظام عشوائي في الكون على إطلاق (انتبه لا يوجد نظام عشوائي وليس نظام فوضوي). ويعود جزء من السبب في تغيرات عشوائية التي تحصل داخل النظام يجعله يتبنى عدة هيئات لعدة أنظمة في ازمان مختلفة وفي زوايا مختلفة مما يجعله غير متشابك أو غير فعال كنظام، وبالتالي سوف تقوم تلك التغيرات العشوائية بخلق شكل عشوائي متعدد وتدمر وظيفة النظام ويمنع ظهور أي نظام في ذلك الحيز. وحتى لو كان النظام غير معرف النمط لعقل الانسان، هذا ليس ضروريا أو شرطا من شروط النظام، ولكن عشوائية في النظام تعني موت النظام بأكمله ورجوعه الى عناصره الاولية الاكثر استقرارية منه (كما قلنا سابقا ان الانظمة تُبنى فوق انظمة اخرى منتظمة). يمكننا أن نعطي مثالا على ذلك التفسير بقولنا ان المركبات التي توجد في انسجة جسم الانسان تكون منتظمة، ولكن بعد تقديم العشوائية عليها عن طريق الحرارة (مثل تقريب شعلة نحو النسيج) نرى ان تلك الانسجة التي امتصت الحرارة أكثر من قدرتها تنكسر نظامها المعتاد وتعود الى عناصرها الاساسية وهي مركبات الاولية التي تتطاير من نظام النسيج الى عشوائية غير معروفة النمط (المركبات العضوية المتحررة من الانسجة كالدخان)، واذا زدنا الحرارة اكثر واكثر على تلك المركبات، نرى بأن نظام تلك المركبات العضوية المتحررة سوف ينهار ايضا يتحول الى ذرات متفردة انتظامية بدلاً من مركبات التي تتكون من مجموعة من الذرات، وكما استنتجت فلو زدنا الحرارة أكثر وأكثر على الذرات، نعلم بأن نظام ذرات سوف تنكسر الى عناصرها الأولية المنتظمة وهي البروتونات والإلكترونات والنيوترونات.
يجدر الذكر هنا أن عناصر النظام لا تشترط عليها ان تكون في انتظام مطلق، بل من المتوقع أن تكون في داخل عناصر النظام قليلٌ من العشوائية والفوضى، الا انها تقوم بوظيفتها الاساسية داخل النظام بالرغم من تلك العشوائية المُعترفة. وربما يخطر على بال القارئ أن تلك العشوائيات يجب ان لا تؤثر على وظيفة النظام لكي تصبح وجودها ممكنة داخل النظام، ولكن الأمر غير معروف الى حد الآن ما إذا كان ذلك بالفعل صحيح. الامر واضح من تلك العشوائيات هي أنها صغير للغاية بحيث لا يمكن لها التأثير بقوة على النظام بأكمله، ربما تستطيع تلك العشوائيات القضاء على عنصر واحد من عناصر النظام، ولكنها من النادر عليها القضاء على النظام بأكمله (يجب أن تتواجد العديد من عوامل المناسبة لحدوث ذلك).
يتم التعرف على النظام من وظيفته، ويتم التعرف على وظيفة النظام من هيئته، فالهيئة التي يأخذها والوظيفة التي يفعلها النظام في الكون تُصنفه تحت مُصنفٍ مُعين. وتصنف الانظمة الأخرى معه اذا كان يمتلك نفس الهيئة في داخله. يمكننا مثلاً أن نصنف البشر والقطط تحت صنف الفقريات، لأنهما يمتلكان هيئة معينة في داخلهما ويقومان بوظيفة نفسها. فكل نظام لديه شكل معين في داخله، فإذا تغير هيئته الداخلية، تغير وظيفته، وبالتالي يصنف تحت أصناف أخرى من المصنف السابق. والانظمة تختلف عن بعضها البعض بهيئته الخاصة ووظيفته المعينة.
النظام هو عبارة عن كيان في حيز معين لديه حدود واضحة المعالم، وعناصره تعمل بتناسق مع بعضها البعض (حتى لو كانت وظيفة إحداها متناقضة لوظيفة الآخر)، ولديه وظيفة معينة تعتمد على هيئته. وهذه الوظيفة هي تغيير الانظمة الاخرى لهيئة نظامه او هيئة عناصره أو انتظامه المعين.
أرجو أن تكونوا قد افدتُم من هذا التعريف مناسب للنظام، ومن تلك المناقشات وتحليلات الذي تطرقت إليه. لا يمكن القول بأن التعريف الذي قدمته سوف يبقى راسخاً على طول الزمان، بل ربما يتغير مع اكتساب معلومات جديدة حول النظام، وربما يثبت الأحوال زللاً وعللاً في التعريف وفي المنطق من أستخدامه. إلا أنه سوف يكفي للبدء في دراسة نظرية الأنظمة بشكل أوسع في الوقت الحالي.