17 نوفمبر، 2024 2:23 م
Search
Close this search box.

المقامة العراقية !

المقامة العراقية !

حدثنا صابر الساكت بن العليل العراقي ، ودموعه تهطل غزيرة من المآقي ، عن سوء احوال البلاد ، وتكالب الجيران على ارض السواد . فقيل له يا صابر : حدثنا عن اوضاع اهل الفراتين ، وماجرى عليهم بعد الثلاثة والالفين ، واذكر لناالايجابيات ، وعرّج لنا يرحمك الله علىٰ السلبيات ، حتى يرضى عنك السلطان ويقول عنك انك خير انسان ، فقال صابر والحسرة تملأ قلبه ، وهول الايام هيّج لبّه :

لا يكون ولا قد كان ، لا الان ولا في سالف الازمان … لا في بلاد الهند ولا في طبرستان ، لم نر ولم نسمع بمثل هكذا مرتع ، لاماء ولا كهرباء ، ولا صحة ولا شفاء .. فالكهرباء على الدوام مقطوعة ، والمهفات بالأيادي مرفوعة ، بلد بلا زراعة وكذلك انهارت الصناعة ، اسئلة الامتحانات مسرّبة واموال مزاد العملة مهربة ، الانتخابات قد جرت منذ عام والحكومة معطلة على الدوام . لم يحسمها الاطار ، ولم يشكلها التيار ، والناس في الانتظار والبلد الى مزيد من الانهيار ، المخدرات تفتك بالشباب ، والكرستال والحشيش من كل حدبٍ ينساب ، وفي الشمال اقليم مدلل ، لا يعطي شيئاً بل يأخد بلا كلل ، الدواعش و ( العمال ) مازالوا في الارض يعيثون ، وبالعراقيين شراً يتربصون ، كل يوم عواصف و غبار ، لا غيث ولا نسمة بردٍ ولا امطار ، فأرض السواد مجدبة ، واهل الرافدين في مسغبة ، الكل ينشد الرحيل ، لينجو من الواقع الرذيل .. الويل لمن تحدىٰ او انتقد ، والقبر لمن نطق او فنّد ، عشرون عاماً والبلاد في تراجع ، ومازال هناك باصرار من يدافع ، ترفع الناس اياديها الى خالقها وربها ومنقذها وباريها : يارب خلصنا واغثنا ، وعلى الظالمين اعنا .. لا جار مخلص نطمئن له ولاشقيق صادق نلجأ له .. التعليم الأولي خربان والتعليم العالي في خبر كان ، التلاميذ من المدارس يتسربون ، ولاهلهم يعملون ويعيلون ، وفي التقاطعات الماء والكيلنكس يبيعون .. الشهادات في سوق مريدي تُباع ، والغش والتدليس فيالامتحانات مشاع ، الخصوصيات مخترقة ، ووثائق الناس بفعل فاعل محترقة .. المطارات والموانيء والمنافذ بيد الحيتان والضباع والقنافذ ، اطفال على متن الطائرات يتسولون ، والركاب بلا تاشيرات يسافرون , الدول على ارض العراق تتصارع ، ونيابة عنها الارادات تتنازع ، لا حول ولا ارادة لنا ولا قوة ، مكبلون : تارة بالجوار واخرى بالاخوة .. المصانع تحولت الى خردة والمزارع من الجفاف اصبحت جردة ، نستورد الطماطم والرقي والخيار ، والبيض والالبان والثمار ،الفلاح هجر الارض والبستان والقرية ورحل الى المدينة ينتظر الحصة التموينية ، باع الارض والزرع والحلال ، وعافا لفلاحة وبقوت الناس غير مبال .

وهل اتاك حديث الموظفين ، الوف مؤلفون ، بلا عمل يتسكعون ، بالرشوة والملايين علناً يتحدثون ، يساومون ولا يخافون ، والمتقاعدون في كل عام مئات يزيدون .. الميزانية نهبها النواب والمجاهدون والمستشارون ، والى الخارج وبالملايين حولها الرفحاويون ، الشعب يأكل الحصرم والعجاج ، والعلية والمعية والمسؤولون ياكلون الكنتاكي والدجاج .. كثرتالتيارات والكتل والأحزاب ، وقلت الاخلاق والمروة والاداب ، الشرفاء في البيوت قابعون والجهلة والأميون يتسيدون ،الانتحار لاتفه الاسباب في الناس ساري ، والقتل والطلاق على قدم وساق جاري ، انجازاتهم مولات واسواق ، وتجارتهم خمر وسموم وترياق .. الرياضة والفنون في تراجع ، ونتائج الفرق من تواضع الى تواضع وحلم تنظيم كاس الخليج بالزوال يتسارع ، الجمهور هجر المسارح ، ودور السينما اصبحت للسكراب مطارح ، القنوات باخبار السوء مليئة ،والضيوف يتراشقون بالفاظ بذيئة ….الجواز العراقي في الحضيض ، كأنه تماماً كوضع البلد المريض ، الجيران والاغراب في اوضاع البلد يتدخلون ولسيادته وكرامته كل يوم يمتهنون ، لارادع يردعهم ولا عين حمراء تمنعهم .

يقول الراوي : ولما جاء لسان صابر على ذكر ثوار تشرين ، تنهّد بعمق ذلك المسكين ، وضرب كفا بكف ولطم وجهه مرتين وهمهم ، وقال في سره : لقد اغتالوا الثورة ، وصار الحلم مجرد فورة .. وهنا ذكّره احد الحاضرين : لا تنس الايجابيات ياصابر فرمقه صابر بنظرة حائر ، وقال نعم : ربع عدس في الحصة قد زاد ، ومئة الف ننتظرها منذ زمن ثمود وعاد .. ومن الايجابيات ان زادت على المائة لدينا الفضائيات وكثرت ( من الاهلية ) المدارس والكليات والمستشفيات ، وكلهن يمنحن ( لقاء اجور فقط ) الشهادات والتاييدات ، حتى ان اي فرد من العلية او العسس تاتيه الشهادة موثقة وهو في بيته قد جلس , الوظائف والتعيينات الى الاحزاب محجوزة ، والدرجات الخاصة الى المحاصصة مفروزة ، واستبدلنا الحصة التموينية بالسلة الغذائية وكلهن بالحقيقة قصص وهمية .. ومن الإيجابيات انك تستطيع بقوتك ان تقطع شارعاً ،وبذراعك وبالواسطة تقدر ان تصبح لاعباً بارعاً .. ثم بفلوسك وبجال عشيرتك تصبح نائباً في البرلمان ، وبشطارتك وحدك ربما ستصبح سفيراً او مستشاراً ، او محللاً سياسياً يشار اليه بالبنان !..

ثم بكى صابر العليل كثيراً ، ورفع يده الى السماء كسيراً ، حتى بلت الدموع لحيته .. وكسرت كثرة الحاجة هيبته ، فقالمناجياً ربه :

لم يبق غيرك لنا يا

أحدث المقالات