حدثني رجل يدعى الصعفصار عن بلاد كانت غنية . لكنها, ابدا لم تكن سعيدة هنية .. شريفها مستبعد .. ووضيعها مستعبد , راض بالعبودية ويفاخر فيها جهارا نهارا . وقال الصعفصار مستطردا : كان لي صديق شريف في تلك البلاد , شقيا بين السواد . لم ينل عدلا , وقد ارهقه القوم جهلا . رئيسه كان ظالما على الدوام , ورفاقه يأكلون السُحت الحرام . ويقول الصعفصار اخبرني يوما ذلك الصديق , عن حادث ظلّ فيه الطريق . وأردف الصديق يروي للصعفصار ويقول : فاض بنا الظلم مرة , فشكونا لرئيسنا امره , فقال الرئيس لمرؤوسيه : بابي مفتوحة كالفناء “لمن يشعر بمظلومية” , يدخلها متى يشاء, سيجدني منصفا اياه , وأكون عندها خادمه ومولاه . ويكمل الصديق فيقول : قصدت الرئيس المسئول . فوجدت على بابه الاول حراسا غُلظ مستنفرين , يسألون يفتشون . وعلى الباب الثاني وجدتُ حراسا مُلسا كالافاعي ذات القرون , يلتفون على الاعناق , سمّاً ينفثون . وعلى الباب الثالث وجدتُ رجلا انيقا , تخاله اول الامر صديقا . ثم تعلم انه الرجل “الفلتر” يصفي القضايا التي تظهر , فاذا لم تكن انت وقضيتك وفق قياس “الفلتر , افتر وارجع يا اغبر” فقضيتك لن تُنظر . وراء الباب الرابعة يجلس الخليفة ببهاء , مُحاطا بالصحابة الاجلاء …. يدفعون عنه كل حرج , ويردون من على امره خرج . قال الصديق بعد ان رأى ما رأى سأكتب مظلومياتي على ورق وأقدمها للرئيس , ليس املا في نيل حق , بل تجنبا لأي منزلق , عنقي فيه قد يُدق .
المظلومية الاولى
بفضل توقيعك يا سيدي الرئيس – وعلى حساب المال العام – ذهبت انت وفريقك , مرات عديدة الى دول عديدة بعيدة . ذهب مثلكم الاقربون مرات ومرات وذهب القريبون مرات , وذهب المقربون الى المقربين اليكم اكثر من مرة . ولم اذهب انا مرة , صحيح انتم لم تسمحوا لي بها ولكني – انا – لمّا ازل رافضا اياها حتى اموت , لاني اراها فسادا وهدرا للمال . يا سيدي ذهبتم جميعا بصفة القادر على جلب خبرات او معارف او خدمات يحتاجها البلد من اجل النهوض والتقدم والازدهار والعدل . وقد منحت بتوقيعك الكريم صبية لم تبلغ الحلم بعدُ صفة مستشارة اعمار وتخطيط وتنمية لا لشيء إلا لأنها ابنة زميلة لك وكي تيسّر امر ايفادها الى الغرب البعيد على حساب المال العام . فانظر يا سيدي . على مدى عقد من الزمن اي تطور وعمران وازدهار وعدل تحقق في بلدنا !؟ نعم صرنا اعظم بلد في – شفط ولغف وعلس – المال العام .
المظلومية الثانية
من المال العام – يا سيدي – وبفضل توقيك البهي تصرف مكافآت ومكافآت لا ادري على ماذا تصرفونها !؟ ربما لبراعة المفسدين في الفساد لان من يستلمها هم الحاشية والبطانة والمقربون والمقربون للمقربين . تتكرر هذه المكافآت في العام الواحد مرات حتى يكاد الواحد من هؤلاء يستلمها كل شهر . اما انا واللذين مثلي والذين لا مقرب لديهم ولا صلة لهم بالخليفة فمكافأتهم دائما تأخير مستحقاتهم من علاوة او ترقية . حتى ان ترقية بستة دنانير لأحدهم استحال توفيرها بينما توفر اعتمادٌ بمأتي الف دينار من اجل ايفاد الذوات المدرجة في الاسفل اسمائهم لا نذكرها ادناه
المظلومية الثالثة
من المال العام – وبفضل موافقتكم – بعضهم يركبون سيارات – حكومية – فاخرة حديثة, وقودها وزيتها وتصليحها على حساب المال العام . وسيرها في الشوارع على حساب شرف الحكومة . يركبونها صبحا وهم قادمون الى الدوام وعصرا وفي الجُمع والعطل يزورون فيها اقاربهم ويقضون مشاغلهم وحاجياتهم الشخصية ويرفهون نسائهم واولادهم وعماتهم وتفاخر زوجاتهم بهذه السيارات زوجات الجيران وبعض الاقارب . “ونشاء الله ما يكون واحد مثلي جارا لهم والا ” طكت روح مرته وماتت من القهر ” لأنه منذ ولد لا يملك غير رينو 11 سا قين بركب ضربها السوفان وربلات وافخاذ مزقها الشد العضلي من كثر المشي والجري .
المظلومية الرابعة
بفضل توقيعك وتوقيع من سبقك يا سيدي حصل احدهم على 20 كتاب شكر وتقدير في عام واحد ومثل هذا الكثير . ترى ماذا فعل هؤلاء حتى يحصلوا على كتب الشكر والتقدير هذه , هل حولوا المدينة البائسة الى مدينة احلام !؟ هل حول شارعنا الاقرع من الاسفلت منذ ولدت الى شارع شاب بشعر قيري اسود !؟ هل جاءونا بأهرامات نيويورك وجنائن هولندا المعلقة ام جاءونا بباريس مدينة النور !؟ لمّا تزل تضرب في الوحل قدامنا في الشتاء ويعلوا تراب اقدامنا وجوهنا في الصيف . لم افعل كهولاء لذلك لم احصل على كتاب شكر واحد طوال خدمتي ولكني استطعت ان اضيء مصباحا داخل رأسي
المظلومية الخامسة
راتبي يا سيدي الرئيس لا يكفي لتسديد ثمن الدخان الذي انفثه كل شهر لاني لم انل شرف توقيعك البهي على طلبي لحق مخصصات الخطورة والمهنة ومخصصات تحسين المعيشة ومبلغ المكافأة المخصص لي كل عام
المظلومية السادسة
يا سيدي في مؤسسة كبيرة ومهمة مثل هذه يستحق الناس الذين تخدمهم والعاملون فيها يستحقون رؤساء ومسئولين ومدراء اكفاء نزيهين , ولكن بفضلكم وفضل من سبقكم في المسؤولية كان مدراؤنا عاهات , فاسدين لا يصلحوا ان يعملوا في “علوة مخضر او تمر او حتى علوة سمك” . حرمنا من حقوقنا بسبب حقدهم وجهلهم وفسادهم وانعدام الخبرة عندهم وارتفاع منسوب الانا لديهم وانت يا سيدي من يقف وراءهم داعما وساندا لهم . انتهى حديث صديق الصعفصار ومعه الخبر طار , على السن الصغار الكبار يشكون قولا كان صحيحا لكنه عندهم فضيحة.