17 نوفمبر، 2024 2:37 م
Search
Close this search box.

المقالة الثانية عن الفيلم “المثير للجدل” الذي تجاهله العرب عموما

المقالة الثانية عن الفيلم “المثير للجدل” الذي تجاهله العرب عموما

“ميونيخ لسبيلبيرغ/2005/2:

*ادعاء الحياد المصطنع والتشكيك بسياسة الاغتيالات “المستمرة” وتجميل الارهاب الصهيوني السافر والمسكوت عنه “عربيا وعالميا”!
*عمل فريق متكامل واجرام “مافيوزي” سافر متتابع في كل مكان وبلد وبلا معيقات: أكشن واثارة وجاسوسية وعمق درامي شيق ومؤثر لكنه غير مقنع وتضليلي ومزيف ولايستحق الجوائز!
*الفيلم مأخوذ عن كتاب “الانتقام”/عملية “غضب الله/ لجورج جوناس (مناضل مجري عتيق من اجل ما يسمى الحرية/1956/ عام غزو السوفيت لبودابست)/ والذي أصبح كاتبا سياسيا محافظا يقيم في تورنتو / كندا، فقد كان يتوجب على سبيلبيرغ المخرج الشهير تحويل الحقائق المدعاة في الفيلم، الى افعال وعواطف ومعتقدات وردود افعال وقتل واجرام وأكشن …
*يبدأ فيلم “ميونيخ”/2005 باعادة تمثيل مؤثرة ومتقطعة ودراماتيكية شيقة لعملية اختطاف وقتل الرياضيين الاسرائيليين في اوليمبياد ميونيخ عام 1972، ثم تظهر رئيسة الوزراء الاسرائيلية غولدا مئير (لين كوهين) مع أقطاب حكومتها في منزلها، وهي تقول بحزم: انسوا السلام الان”! وكأنهم نسوه يوما ما منذ بداية احتلالهم الغاشم الاستئصالي لفلسطين!
*ثم يتم تشكيل فرقة انتقامية سرية لقتل الفلسطينيين المسؤولين عن اغتيال الطاقم الاسرائيلي الرياضي، ويخلص كاتب السيناريو “الصهيوني المتحيز” بأنه بالرغم من القضاء على تسعة من أصل 11 في نهاية المطاف، فقد تم استبدالهم مرة اخرى برجال اكثر خطورة، بينما رد الارهابيون (حسب ادعاءه) بقتل المزيد، فما الذي تم انجازه حقا؟! يتساءل…

*الفيلم يكشف الخفايا الدفينة لليهودي الأمريكي “سبيلبيرغ” صاحب قائمة شندلر الشهير، ويحتوي على كشف للنوايا عندما تذكر الام ابنها بسبب تاسيس الدولة الصهيونية في العام 1948: “فقد كان علينا ان نأخذها لأن لا أحد سيعطيها لنا ابدا. مهما كلف الأمر، فلدينا مكان على الأرض اخيرا”…متناسية دور دولة الانتداب البريطانية الخبيث المتحيز ووعد بلفور وأدوار أمريكا وروسيا ودول الغرب الداعمة جميعها وصولا لتواطؤ الأنظمة والزعامات العربية والخيانات المتلاحقة، حتى مع دول التطبيع القديمة والحديثة المستسلمة الداعمة لوجود اسرائيل والمتعطشة لاقامة العلاقات معها والطاعنة بخنجر الخيانة المسموم لفلسطين وشعبها الأبي المناضل المقاوم والمستبسل…
*ويبدو كما لاحظت أن المخرج العالمي الشهير متوافق تماما مع طرح غولدا،الا انه حتى يبدو محايدا ومتوازنا، فهو يقدم فيلما يشكك اجمالا بسياسة الانتقام الاسرائيلية “السريعة والمتوافقة” مع الهجومات كما يدعي!
*ومع كل هذا الانحياز وهذه المغالاة الاجرامية، فقد صنف فيلم ميونيخ لسبيلبيرغ عالميا على أنه عمل “شجاع وضميري”، وضع مخرج “قائمة شندلر” نفسه (والذي سأتطرق له بمقالة مفصلة ايضا)، وهو نفسه المخرج الفذ الأكثر ظهورا ونجاحا وابداعا في عالم السينما الأمريكية/العالمية، فقد وضعه هذا الفيلم كحكم محايد بين اسرائيل والفلسطينيين، واضعا وجهة نظره الخالصة على منطق احد شخصياته هنا:”فلا يوجد سلام في نهاية هذا”: بالرغم من وصف الفيلم نقديا بأنه “هجوم متحيز” ضد الفلسطينيين، فهولا يخفي اعجابه بمنطق الاسرائيليين، متعللا بالحياد المزعوم وتبرير وجهات النظر لكلا الطرفين بشكل أو بآخر…حيث لا يظهر الفلسطينيون في الشريط الا ككائنات “كارتونية جامدة شريرة ولامبالية” وربما لا انسانية (مدانة مسبقا ومتبجحة وبيروقراطية)، فهي لا تستحق الا الملاحقة والقتل “وقلة الاحترام” كما يظهر خصوم البطل “الأشداء” في أفلام الحركة الاستفزازية التي تقاوم ببسالة، وهذه نقطة لم يتطرق اليها احد غيري من النقاد الأفاضل العرب خصوصا، اللذين تجاهلوا الفيلم اجمالا، ولم يعطوه حقه من الاستعراض والتحليل والنقد.
*لأكن صادقا فقد لمت العرب والمسلمين (عموما ودوما) ربما على عدم قدرتهم على العمل كفريق متكامل في معظم المجالات “الحياتية والعملية وربما الاستراتيجية الاستخبارية”، وحسدت الصهاينة على قدرتهم الفذة للعمل كفريق متكامل ناجح، كما لاحظنا أن القائد “أفنير” قد استقال من الموساد ليعمل بشكل غير رسمي زعيما لفريق الاغتيال المكون من اربعة أو خمسة متطوعين يهود (أصحاب سوابق جرمية) ومن عدة جنسيات ودول: كالسائق “الجنوب افريقي” ستيف، ثم كالبلجيكي وخبير المتفجرات روبرت، وكالجندي السابق،والذي يعمل بالفريق مجازا بدور “عامل النظافة” لأنه يزيل كل الاثار الدالة ويدعى كارل، ثم رابعا مزور الوثائق الدنماركي العجوز هانز، وكالمخبر الفرنسي لويس الذي تنحصر مهمته في اعطاء المعلومات الدقيقة ومواقع المعنيين…
*لقد استغربت حقا لأن هذا الشريط حصل على خمسة ترشيحات لجوائز الاوسكار ربما لا يستحقها كلها (فقط في المونتاج والتصوير يستحقها باعتقادي وربما)، ولكن المبالغة بتبجيل الفيلم ظهرت حقيقة في العام 2017، عندما فاز بجائزة “أفضل فيلم في القرن الحادي والعشرين حتى الآن” (السادس عشر) من قبل صحيفة نيويورك تايمز واسعة الانتشار، وهذا مؤشر جوهري على قيمة الفيلم ودرجة تأثيره “المرجعية” الكاسحة على الرأي العام الغربي عموما، وكذلك على مدى التأثير الصهيوني المستفحل على الرأي العام السينمائي الأمريكي والغربي عموما الذي يدعم تماما الدولة العبرية (وجودا وممارسة)، فيما يغيب التأثير العربي تماما بالمقارنة بالرغم من وجود القدرات الفنية السينمائية المميزة وامكانات التمويل الكبيرة، وحيث تظهر احيانا أفلاما روائية ووثائقية هزيلة لا ترقى للرؤيا الواقعية لممارسات الاحتلال ومعاناة الفلسطينيين تحت تاثير التمويل المشبوه المشروط “الاوروبي والعربي الخليجي تحديدا”… وهذا مؤسف ومحبط حقا ويجب دراسته بعمق لتقصي الأسباب ومعالجتها بموضوعية، وان كان بعضها معروفا ومسكوت عن اعلانه، وهذا لا ينفي أبدا تقصير “المؤسسات الفلسطينية ذاتها والأثرياء الفلسطينيين” أنفسهم المنتشرين في انحاء المعمورة، وقد أصبحوا “لامبالين وحياديين ومستسلمين” وربما غير مهتمين من منطلق سياسة (وانا مالي)…وأخيرا فقد لمست اللامبالاة حقيقة بضعف التفاعل والصدى تجاه مقالتي اللافتة الاولى حول الفيلم، فيما تلقى بعض المقالات السطحية “السياسية والاجتماعية” المثيرة خصوصا الكثير من اللايكات والتعليقات والجدل والنقاش والتي تكون أحيانا “مسلوقة” على عجل وبلا قصد ومغزى وتحفل بالتكرار الممل، وهذا مؤشر هام الى فقدان البوصلة والاهتمام “الوطني والقومي وحتى الثقافي” والله اعلم!
يتبع/3
/كاتب وناقد فلسطيني/

أحدث المقالات