على كثرة ما تختزنه ذاكرتنا الجمعية من أمثال تجمع بين غث موروثنا الشعبي وسمينه يكاد يكون المثل المعروف “المفلس بالقافلة أمين” واحدأ من اكثرها شهرة . شهرته وصلت الى أشهر محرك بحث “غوغل” فما أن تكتب كلمة “المفلس” حتى يكمل لك الموقع باقي العبارة وهي “بالقافلة أمين”.
أصل حكاية المثل أن قطاعأ للطرق تعرضوا لإحدى القوافل فقاموا بسلب أموال ومصوغات من كان بالقافلة ما عدا رجلأ لم يجدوا شيئأ عنده فلم يتعرض لأذاهم فصار من المحسودين حين قيل بحقه “المفلس بالقافلة أمين” بمعنى الأمان لا الأمانة. لكن سراق المال العام اليوم ممن أهدروا مئات مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية يختلفون عن لصوص أيام القوافل لا أيام إرتفاع أسعار النفط. قطاع الطرق آنذاك سرقوا الأغنياء ممن يملكون الأموال والذهب والمصوغات والحلي والزينة وكانوا بعكس سراق اليوم يتركون الفقير آمنا مطمئنا يكفيه قوت يومه مهما كان بسيطأ.
الفارق بين لصوص أيام زمان ولصوص اليوم أن أولئك يملكون قدرأ من الفروسية في التعامل مع ضحاياهم ممن يتولون سرقة منازلهم أو قوافلهم بينما سراق اليوم ولصوصهم طفيليون لا يراعون في الضحايا الأ ولا ذمة. الأموال الهائلة التي لايزال الجدل يحتدم بشأن كيفية ضياعها أو إهدارها بشكل متعمد من خلال التهريب أو عمليات غسيل الأموال أو عن طريق الفشل الإداري أو البذخ في كل شئ بدء من الإيفادات لاتفه الأسباب أو الولائم الضخمة التي تقام بمناسبة وبدونها تحولت الى مشكلة للفقراء والمساكين وأبناء السبيل.
إن أية نظرة سريعة للنتائج التي ترتبت والتي سوف تترتب على إنهيار أسعار النفط تؤشر حقيقة واحدة وهي أن الفقراء ومن جملتهم ملايين الموظفين والمتقاعدين من ذوي الدخل المحدود هم مفلسو القافلة الأزليون اليوم لا أيام زمان. لكن الفارق بين الامرين أن المفلس القديم كان يشعر بالأمان حين تتعرض القافلة التي هو أحد أفرادها الى السطو حتى لو كان مسلحا بالامان لأنه لايملك ما يخشى على سرقته, بينما موظف الدولة ومتقاعدها عينه على بورصة دبي ونيويورك لا قوافل الصحراء القديمة.
وبسبب ذلك فأن كل موظفي العراق ومتقاعديه أصبحوا اليوم أفضل من كل خبراء النفط في أوبك وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لأنهم يتابعون بدقة متناهية ما يمكن أن يترتب على إستمرار هذا الإنهيار الذي هبط الى مادون الثلاثين دولار بينما موازنتنا تم تحديد سعر برميلها النفطي عند عتبة الـ 45 دولار. وحتى على صعيد هذا السعر الإفتراضي فإن العجز فيها يبلغ أكثر من 23 ترليون دينار. وكلما هبط سعر البرميل إرتفع مؤشر العجز وقلت فرص تأمين الرواتب.
وإذا عدنا الى نظرية القافلة ثانية فإن أغنياءها أمنوا مستقبلهم حتى ما بعد عصر النفط بينما الفقراء لايملكون سوى الدعاء الى الله لكي يساعد الصين في إجتياز أزمة إنخفاض نموها, ويقضي في الوقت نفسه .. “على النفط الصخري وساعته السودة”.