لَقَد كانَ العِراقُ إبّانَ الاحْتِلالِ العُثماني, مُقسَّماً إلى ولايات أربع هي, شهره زور والموصل والبصرة, هذه الوِلاياتِ الثلَاثةِ تَحْتَ إمرةِ الوِلايةِ الرابعةِ بغداد.
لَقد وُصِفَ العِراقَ رَأسُ حَربَةِ الإسلام, لِذلِكَ فَهوَ خَطَرٌ كٌبيرٌ لكل من يريد هدم السيطرة عَلى البِلادِ الإسلامية؛ فَمَتى ما يَتَحَطَّمُ رأسُ الرُمْح تَسهلُ السَيطرة.
هُنا كان على من يَبغي احتِلالَ العراق, أن يَعمَلَ على تقسيمه, بشَتّى الحُجَجِ والوَسائِل.
دَرَسَ البريطانيونَ عَنْ كَثَب, مُكَوِّناتِ الشَعبِ العراقي, قَبلَ احتِلالِه, فَوجَدوا أنَّهُ مُكَوَّنٌ مِنِ العِرب المُسلمين, وهؤلاءِ بقسمَينِ رئيسيين, الشيعة والسنة, فَالجُنوبِ أغلبيةٌ شيعيَّةٌ وفي الشمالِ الأكراد, ولِعدَمِ رغبَةِ الشِيعَةِ في ذلك الوَقتِ بالحُكم, فَقَدْ قَرَّرَ الإنكليز, أن يَكونَ العِراقَ ثَلاثَة أقاليم, الجنوب للشِيعةِ والشَمالِ للأَكرادِ ويَكون الحُكم المركزي بإمْرةِ السُنَّة.
عِندَ بدء الثورةِ الشَعبيةِ في الجَنوب, والتي امتَدتْ إلى أغلبِ مُدنِ العِراق, ولِتَكبدهِم أفدَحَ الخَسائرَ قَرَّروا تأجيلَ المشروع.
في عام 2003 وبعد سُقوطِ صَدام, الّذي أوجَدَ الحُجَّةَ للأمريكان, لاحتِلالِ العِراق, عادَ الحُلمِ البريطاني بوجهٍ آخر, عن طريقِ السَفيرِ الأمَريكي للتَقسيمِ , وَقَفَ بَعضُ العراقيون, بالضِدِّ مِنْ هذا المَشروعِ القَديمِ المُستَحْدَث, فَقرَّرَ الأمريكان, تمزيق العراق بشكل آخر! قالَ عَميلُهُم الطاغيةُ صَدّام, استَلَمتُ العِراقَ وهو خَرائِب, وَلَنْ أُسَلِمْهُ إلا تُراباً.
يَبدو أنَّ المَشروعِ الأمِريكي قَد تَطَوَّرَ إلى تَشريحِ العِراق! ليس تقسيمه لأقاليم فقط, بَعْدَ أن يَموتَ الحِسُّ الوطني, وسَيطرةُ من يَعْبُدِ السُلطة.
كان العِراقُ لوَقتٍ قَريبٍ جِداً, ثمانية عشر محافظه, أما ألآن فَقَدْ ضاعَ العَدَدْ! فِكُلُّ مُحافظةٍ تُريدُ الانشِطارَ إلى ثلاثةَ أو أربعةَ مُحافظات! مِمّا يُسَهِّلُ كسر رأس الرمح.
عِندِ ذلِكَ لا نِدري هَلْ نَجِد وطَناً اسمهُ العراق؟ لَقَد سادَ العَداءُ بِكُلِّ جُزء في جِسْمِ الرُمْح, إنَّها كالأكسَدةِ الّتي تُصيبُ الحَديد, كُل ذلك بِسَبَبِ ما فيه من الكُنوز, فَفي صَحرائِه خيرٌ كَثير, لَمْ يُسْتَخرَجُ مِنهُ إلّا ما نَدَر, وباطِنٌ جنوبِه ما يَسيلُ لَهُ اللعاب من ثروةٍ نَفطيةٍ وغَيرها, أمّا وَسَطِه فيَمتازُ بالخِصْبِ, والسياحَةِ الدِينيّةِ والآثار.
سَيغادِرُنا اسمٌ لامِعٌ عِبرَ العُصورِ التاريخيةِ, فَهَلْ يأتي يوماً يَرجِع العِراق رأس الرُمْح للأُمَّةِ الإسلامِية؟
إن الشِعبَ في حَيره! فَقَدْ لا يَعود المُغادِر فيبقى تائِهاً, بلا وطن!
فما السَبيلُ إلى عَدمِ مُغادَرَةِ الوطَن؟ لقد ابتُلينا بالغِنى, بالرَغمِ من فَقرِنا! فلو كان العراق فقيراً, فهل يَحصَلُ الذي حصل؟
مع التحيه.
[email protected]