ما يعتمل في وعينا الجمعي يمكن إختصاره بالفردوس المفقود , فساد إبداعاتنا وآليات تفكيرنا البكاء والرثاء والنحيب والولولة , وسكب الدموع على السطور وفوق المنابر وفي وسائل الإعلام.
كل شيئ “يا ولدي , مفقودٌ , مفقود”!!
هل أن ذهنيتنا تحقق تشكيلها بهذا الشكل عن قصد , لكي ننقطع عن حاضرنا ونتمترس في ماضٍ متخيل , لا يمكنه أن يتأكد فوق التراب , وكأن أجدادنا ليسوا من البشر؟
الحقيقة المرعبة , أننا لم نكتسف تأريخنا , بل الآخرون الأجانب هم الذين إكتشفوه وقدموه لنا وفقا لتصوراتهم ومصالحهم ومطامعهم المتنوعة.
فمعظم مدوناتنا في حوزتهم , وهم الذين يحققون منها ما يشاؤون , ويقررون , ولا تزال النسبة الأكبر منها قيد التخزين والتطمير , ولا نمتلك الجرأة والمهارات الكافية للعمل الجاد على تحقيقها وتبيان ما فيها بلغتنا العربية المبينة.
إنه التشويش والتغذية المستمرة لمشاعر المفقودية , وتأكيد العجز والدونية والتبعية , وعدم القدرة على المواكبة والتنافس مع الغير الذي يتحدى بعقله لا بعواطفه , كما يحصل في ديارنا المرهونة بالأجيج الإنفعالي , والتعطيل العقلي.
وبموجبه , ترانا في عداد المفقودين كأمة وتأريخ وحاضر ومستقبل , وما يدور في أروقة تفاعلاتنا وممارساتنا يتصل بماضٍ بعيد , وحالات مرهونة بمكانها وزمانها , ونسعى بإندفاعية قاتلة لإستحضارها ونفخ الحياة فيها وهي رميم أجداث.
فحديثنا عن الأندلس لطميات ورثائيات , شعرا ونثرا , وعن أي فترة من تأريخنا , نكتب بسلبية وإحباطية وبحسرات وأنين , وكأننا قتلى منذ آلاف السنين.
ولن تجد كتابات تفاؤلية عن الحاضر والمستقبل , بل أن الدموع والدماء مداد السطور!!
و”إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”!!