23 ديسمبر، 2024 4:08 ص

المفاوضات التي تريدها حكومة الإقليم

المفاوضات التي تريدها حكومة الإقليم

منذ ممارسة شعب كوردستان لوسيلة دستورية ديمقراطية إسوة بشعوب العالم، من أجل صياغة مطلب شرعي، رغم التأكيد المستمر على المضي في طريق المحادثات السلمية مع الحكومة الإتحادية في بغداد لتطوير العلاقة معها. أصبحت تلك الممارسة موضع بحوث ومناقشات مستفيضة في مراكز القرار الدولية، وحشرت قادة وشعوب العالم الحر في زاوية ضيقة، ووضعتها أمام امتحان حرج وصعب جداً، حيث أنها لم تؤيد أو ترفض الاستفتاء صراحة. أما في بغداد، فقد ارتفعت أصوات النشاز ضد إرادة الشعب الكوردي، ووقع بعضهم في فخ الغطرسة السياسية، فلجأوا الى ممارسة سياسة لاتخدم مستقبل التعايش بين العراقيين، ولا تندرج في إطار الحرص على مصالحهم الأنية والمستقبلية، وأقدموا على تصرفات عنيفة ومغامرات خطيرة، كإغلاق المنافذ الحدودية مع الإقليم، وفرض الحصار الإقتصادي البشع، والإستعانة بالخارج وإقحامهم في الشؤون الداخلية العراقية، رغم اليقين بأن للخارجيين مطامع وغايات تقود إلى الابتزاز، وإشعال الفتن والدخول في متاهات سياسية جديدة لن تفيد أحداً.

لولا صبر حكومة إقليم كوردستان وتحمل مسؤولياتها القومية والوطنية والأخلاقية، ولولا حكمة وحنكة رئيسها(نيجيرفان بارزاني)، لتعرض الكوردستانيين الى كارثة إنسانية سواء جراء التجويع والإنتقام، أو الدخول في مواجهات دامية مع القوات العراقية. لقد قال رئيس حكومة الإقليم بصراحة ووضوح في عدة لقاءات ومؤتمرات صحفية بـأنه سيمضي في التفاهم والتفاوض البعيدين عن المساومة مع بغداد، من أجل حل كل أنواع الخلافات والمشكلات العالقة، وإقناع بغداد وتحفيزها وتشجيعها للتراجع عن كل الخطوات التي تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها للطرفين.

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، ما هو التفاوض الذي دعا اليه رئيس حكومة الإقليم، وما هي أهدافه؟

التفاوض، كما هو معلوم، أداة هامة لتسوية المشكلات وحل الخلافات ومعالجة الأزمات وزيادة التفاهم والتفاعل، وإقامة التوازن بين المصالح المتباينة وبين الآراء والمصالح المتناقضة وبين الحقوق والواجبات. ووسيلة إنسانية للحوار وتبادل الإقتراحات ووجهات النظر بين طرفين أو أكثر بخصوص السلم والحرب والقضايا البسيطة والمعقدة، والمشكلات الدستورية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية. وفي ظل تعقد العلاقات بين أربيل وبغداد، واختلاف الرؤى والمواقف بينهما، تم جدولة الموضوعات بين المهم والأهم للتفاوض والحوار بشأنها بغية تضييق الخلافات والوصول إلى اتفاق ملزم بشأنها أو نتيجة مرضية بالنسبة للطرفين.

المفاوضات السياسية والدبلوماسية التي جرت حتى الآن، رغم المساعي الخارجية لتنشيطها ورغم تقديم النصيحة والمساعدة والمشورة للطرفين، سواء في مرحلة الاستكشاف، أو مرحلة تقديم وجهات النظر والمقترحات بالنسبة لكل قضية من القضايا العالقة، أو بإنتهاج التفاوض المباشر بين البارزاني والعبادي في بغداد ودافوس وميونخ، واللجان الفنية والأمنية والإقتصادية، قطعت مسافات مهمة نحو الإفصاح عما في الخواطر، والنضج والاستقرار والوصول إلى نقطة التسوية، ووصلت الى مرحلة يدرك فيها كل طرف أن الاتفاق بينهما قد أصبح في متناول اليد، وأن الطرف الآخر رغم كتمان المشاعر واحتباسها، حريص على الإصغاء وإتاحة الفرصة أمام نجاح المفاوضات، والى نوع من التفاهم بخصوص مطالب الجانبين، ونوع من الإحساس المشترك بإطار الاتفاق الذي ينبغي تحقيقه بأسلوب بنّاء وإيجابي. لكنها لم تفض بشكل مباشر الى نتيجة تسر الإصدقاء وتغيض الأعداء. كالتزام الطرفان بالدستور نصا وروحا، وتطبيقه، وخاصة المادة 140منه، وإنهاء الحصار الاقتصادي على كوردستان، ومعالجة ازمة حصة الاقليم في الموازنة الاتحادية ومشكلات النفط، والاتفاق على تفاصيل وضع البيشمركه ورواتبهم وتزويدهم بالأسلحة والاعتدة والمعدات اللازمة لمواجهة الإرهاب وحفظ الأمن والإستقرار.

أما أهداف التفاوض لدى أربيل فتكمن في إظهار الاحترام المقرون بالفهم لإقرار الاتفاق بشكل مكتوب بمنتهى الدقة والوضوح، وتحديد التفاصيل القانونية ليكون نصراً للطرفين، دون التركيز على الماضي وحكاياته، وأخطاء الطرفين وأسباب الخلاف، أو التشبث بالمواقف التي تعلن في الإعلام، وضمان عدم قيام أي من الجانبين بتحركات مفاجئة إلى الخلف، أو محاولة إحراج الآخر وحشره في زاوية ضيقة، سواء بإعتبار ما حصل في السنوات السابقة مقياساً، أو عبر مشاركة أناس مختصصون بزرع الألغام بين سطورالإتفاقات ..