انبرى في الاونة الاخيرة الكثير من الشخصيات وخصوصا السياسيين منهم في حديث تغلب عليه الدعاية الشخصية البحتة ، عن ميناء الفاو الكبير والربط السككي وتصوير اسباب انشاؤهما على انهما جزء من المبادرة الصينية المسماة بمبادرة الحزام والطريق Belt and Road Initiative(BRI)) ) ، الذي ما انفك وعبر سنوات طوال عن القول انه رفض طلبا كويتيا للربط السككي مع العراق ومع ذلك يصف انه فعل ذلك بصمت وباربع كلمات لا غير ، واستكثر على السيد ابراهيم الصميدعي حديثه عن الموضوع واصفا اياه انه يتحدث عن موضوع ليس من اختصاصه ناسيا انه ايضا لم يخدم قطاع النقل الا مدة استيزاره لها وهي مهمة ادارية اكثر مما هي مهنية ، وهذا المنصب لا يتيح للوزير ان يطلع بشكل كبيرعلى المزايا الفنية لمفردات فروع النقل جميعا ، مثل الفرق بين خطي السكة المتري و القياسي واكرر الفرق بين خط السكة المتري والقياسي ، مع ان خطة انشاء ميناء الفاو تعود الى ما قبل سقوط النظام ، وان التصاميم اعدت اعدت فعليا من قبل شركات ايطالية منذ عام 2009 والهدف من انشاءه بعيد عن فكرة المبادرة الصينية التي اطلق عام 2013 بخمس سنوات ، ومبررات انشاءه متعلقة بخطط طموحة في تطوير البلد ، فليس من المعقول ان يكون العراق الزاخر بالطاقات المادية والبشرية وذي الموقع الجغرافي المهم خاليا من بنى تحتية مهمة مثل ميناء الفاو ، في وقت تقوم الامارات ذات المساحة المحدودة والفقيرة بعدد سكانها وموقع جغرافي لا يقارن العراق ان تمتلك موانيء كبيرة ومهمة ، او ان تخطط الكويت الصغيرة لاقامة ميناء كبير مثل ميناء مبارك ، وايضا جهودها بدأت في هذا الشأن قبل المبادرة الصينية ، هذه الجهود تدرج ضمن حرص الدول على توسيع بناها التحتية لأستيعاب الخطط التنموية الكبيرة بعد زوال عصر النفط
هذه الاحاديث والتصريحات ادت الى زيادة احتقان الشارع وخلقت مفاهيم مشوشة نتيجة تسطيح الموضوع وتجريده من العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة والفاعلة ، كما ان هذه التصريحات ولأنها ذات بعد شخصي تغفل عمدا خبايا مشاريع تعد سيناريوهاتها حاليا وتكاد ان تكون مكملة للتطبيع ببن بعض البلدان العربية و(اسرائيل) جوهرها الربط السككي ، وتحمل بين طياتها رغبة اميركية بعدم اقامة ميناء الفاو وعرقلة تفعيل ميناء طرطوس السوري او بيروت وتقديم البديل من خلال تفعيل خدمة الربط بين موانيء الامارات وحيفا من اجل منع نجاح مبادرة الحزام والطريق (1 )
ونخشى ان يكون لهذا الاحتقان ان يحرف المطالب الجماهيرية الحقة في التغيير المنشود في اعادة هيكلة العملية السياسية نحو خدمة المواطن لا الاحزاب ورجالاتها كما كان ذلك طيلة السبعة عشر عام مضت ، وبغير الاصلاح المنشود لا يمكن التعويل على حكومات مستقلة تأخذ على عاتقها تنفيذ مشاريع طموحه في اقامة بنى تحتية مهمة مثل الموانيء وخطوط السكك والطرق الدولية والمطارات التي من دونها لا يمكن أن يكتب النجاح لاية خطة تنموية طموحة في العراق
لذلك لابد من وضع الحقائق امام الجميع ومن ثم تقييمها من وجهة نظر مهنية ، لكي يطلع عامة الناس على صحة صدق تلك التصريحات
1- ان الحديث عن الربط السككي سابق لاوانه جدا ،حيث يفتقر العراق للبنى التحتية التي تتيح له ان يكون جزءا من الخطة الطموحة لمبادرة الحزام والطريق الصينية ، حيث ان اغلب هذه الخطوط قديمه وان عمرها الفني قد انتهى وتصاميهمها لا تلائم التطورات السريعة الجارية في العالم ، باستثناء جزء صغير جدا وغير ذي اهمية يربط كركوك بحديثة عبر بيجي تم انشاءه قبل اكثر من 35 سنة مضت وهي خطوط مفردة ، وبالاضافة الى قدم هذه الشبكة ، فانها تعرضت جميعها القديم منها والحديث نسبيا الى اضرارا بالغة جدا خلال الحصار ومن ثم العمليات العسكرية والاعمال الارهابية التي الحقت اذى كبير بخطوط السكك والابنية الخدمية ، ويحتاج العراق الى مبالغ مالية كبيرة فقط لنفخ الروح بالموجود من البنى التحتية القاصرة اصلا عن خدمة الداخل ناهيك عن اهداف برنامج طموح كالحزام والطريق
2- واذا اريد فعلا النهوض بقطاع السكك ، فالعراق بحاجة الى عشرة سنوات على اقل تقدير من الان ان تمت المباشرة اليوم باقامة شبكة خطوط سكك تغطي مساحة العراق وتعطي مرونة في النقل لكل الاتجاهات ، فمن المعروف ان تنفيذ مشاريع السكك تحتاج الى فترة تنفيذ طويلة الامد رغم تقدم التقنيات الحديثة في التنفيذ، ومما لايعلمه السادة المتحدثين ، ان العراق اعد تصاميم لأقامة شبكة سكك حديد مزدوجة وتعمل بالطاقة الكهربائية تغطي كل العراق بما فيها دولة كردستان الشقيقة تم انجازها في عقد ثمانينيات القرن الماضي لربط جميع مدن العراق مع بعضها وكانت متقدمة في مواصفاتها انذاك حتى على بعض البلدان الاوربية ، ووثائق التصاميم موجودة ، بعضها تم تحديثها بعد عام 2003 ، لكن يبقى القول ان تنفيذ هذه الخطوط على المدى القريب هو ضرب من الخيال لاننا نعرف ان الدولة التي اهرقت مئات المليارات من العائدات النفطية واثقلت كاهل العراق بديون ضخمة نتيجة الفساد وعدم الجدية في بناء الدولة ، غير قادرة على تنفيذ مثل هذه الشبكات الطموحة وبالتالي لا يمكن دمج العراق بمبادرة الحزام والطريق ، مما يجعل الاعتراضات على الربط السككي غير ذي جدوى . ومن التناقضات الاخرى التي وقع فيها السادة المتحدثون ،
3- لنذهب الى ميناء الفاو ، ولنرى ما ذا تحقق منذ عام 2008 و2009 ، عندما بدأ العراق بالتباحث مع الجانب الايطالي بخصوص اعداد التصاميم الاولية والتفصيلية للمشروع ، حيث كنت احد اعضاء الوفد في بداية الامر ، وبالمناسبة حتى اجور التصاميم التي قام بها الجانب الايطالي هي جزء من مبلغ المنحة الايطالية ، والان وقد مرت اكثر من عشرة سنوات على الهالة التي اثيرت وصورت المشروع على انه مشروع طموح ، لا يزال يراوح في مكانه ولم ينفذ منه سوى عقود كاسر الامواج وهي عقود متعثرة ، ولا نريد ان نعرج على تفاصيلها او تفاصيل الصراعات التي تحيط بها .( للحديث صلة )