هل هو القدر الذي يوجهنا في كل خياراتنا؟ وهل يمكننا الهروب من مصيرنا؟
اسئلة شائعة قد تصعب الاجابة عليها لاختلاف الرأي الديني او الفلسفي .
وهذا بلا شك أعمق لغز للإنسانية .
يمكن تعريف القدر بانه سلسلة من الأحداث التي تشكل نسيج حياة الإنسان . قد تبدو هذه الأحداث محددة مسبقًا ، بأمر من قوة الهيه او طبيعية في الكون .
او تتشكل بمحض ارادة الانسان دون تدخل قوى خارجية .
ينظر الى القدر من وجهة النظر الدينية بانه ارادة الله بعلمه وقدرته، وأن الله قدر كل الأشياء مسبقا ، ولادخل للانسان فيه . واي حدث لايتم الا بعلمه وقدرته وإرادته .
وعلى وفق هذا الرأي فان الحياة ليست سوى خضوع الانسان لهذا القدر المحتوم والمقدر سلفا .
وهناك من ينظر الى القدر على انه ترابط افعال انسانية وليس مصيرا ثابتا” . وهذه الافعال تتعلق بالجينات الموروثة او بماضينا ، وبيئتنا الاجتماعية ، اوثقافة عصرنا إلخ .
وبذلك فان مصيرنا الفردي هو فقط ما نفعله بحياتنا ، فنحن وحدنا المسؤولين عن ذلك .
يقول الكاتب الفرنسي غويوم ميسو ” القدر هو ذريعة لأولئك الذين لا يريدون أن يكونوا مسؤولين عن حياتهم. ”
من المسلم به أن كل الافعال التي نعيشها منذ الصغر تؤثر على مجرى حياتنا ، وان لدينا فسحة كبيرة من حرية الاختيار ، يقابلها احداث لادخل لنا فيها ولايمكننا الهروب منها ، وهذا هو المصير الذي لامفر منه كالموت مثلا” .
يبدو أن معظم الثقافات على مر التاريخ كرهت دائمًا فكرة وجود الصدفة او الارادة الحرة .
والى يومنا الحاضر يولي الأفراد أهمية كبيرة للقدر والحتمية .
الايمان المطلق بالقضاء والقدر اي ما يعرف بالقدرية تميل إلى إنكار المسؤولية الإنسانية .
ولكن إذا كان القدر هو سبب أفعالي ، فكيف أتحمل المسؤولية؟ ولماذا اعاقب او اتلقى الثواب ؟
وهنا تنعدم حرية الإنسان، ولا امل في الهروب من قدره !
في علم التنجيم ، هناك مخطط مرسوم على وفق تاريخ الولادة وخارطة الكواكب والنجوم وهذا أقرب شيء إلى “القدر” او مايسمى مسار الميلاد . ويؤمن كثير من الناس في وقتنا الحاضر بهذا المسار الذي يحدد حياتنا واقدارنا ، حتى اولئك الذين لايؤمنون بالاديان .
من وجهة النظر الاسلامية يقول المفتي في رده على سؤال لدار الافتاء المصرية . أن كل شىء يحدث للإنسان هو بقضاء الله وقدره ولا يرد القدر غير الدعاء .
عندما نفكر في القدر يجب ان ندرك حقيقتين متكاملتين :
الأولى المقدر المحتوم الذي لامفر منه .
والثانية حرية الارادة والاختيار .
هناك من يعتقد اننا سادة مصيرنا من البداية الى النهاية سواء أحببنا ذلك أم لا . وان قبول الاختلافات الشخصية ،والانفتاح على الاخرين ، والتغلب على العقبات ، والسقوط ، وعدم الاستسلام للقلق والخوف ، هي مفاتيح الحياة الجيدة .
اي ان القدر لا يتحكم في كل لحظة من حياتنا . بل ان هناك فسحة للاختيار .
ومع حرية الاختيار هنالك قوانين طبيعية او الهية تتحكم بمقدرات الانسان لافكاك منها .
ولكن الايمان بالقدر المطلق ، من دون حرية الارادة ، يحكم فقط أولئك الذين يوافقون عليه ، او يستسلمون له .
فعندما نواجه مواقف سيئة او عقبات في حياتنا وبامكاننا فعل شئ ، يجب علينا فعله للتخلص من النتائج غير المرغوبة . وهنا نقرر قدرنا وخط حياتنا بفعل الارادة الذاتية .
اما اذا كانت هذه المواقف اكبر من قدرتنا على معالجتها او تجاوزها، فهذه اقدار الهية نسلم بها ولا حول ولاقوة لنا بها .
وفي كل الاحوال ينبغي أن لا نكون قدريين فقط ، ونرفع أيدينا الى السماء للدعاء دون عمل .
إن علم الله المسبق لا ينفي مسؤولية الإنسان . الله يحاسبنا عما نستطيع فعله . لكنه لا يحملنا المسؤولية عند عجزنا عن مواجهة الامور التي تكون خارج ارادتنا .
وبناءً عليه يجب أن نفكر ونتخذ الخيارات الصحيحة ، ولكن إذا لم تسر الأمور بالطريقة التي نريدها ، فلا ينبغي أن نفقد الأمل أو ننغمس في الاكتئاب باعتبارها قدر مكتوب. بل علينا ان نكرر المحاولة وإذا فشلنا في تحقيق ما خططنا للقيام به ، فعلينا أن نقول أننا بذلنا قصارى جهدنا وألامر يعود الى ماقدره الله .
باختصار . هناك بعض الأحداث فوق إرادتنا تمامًا . لذلك ليس لدينا خيار الا القبول بها وهذا هو القدر .
لكن الاحداث الأخرى التي تواجهنا وباستطاعتنا التفاعل معها وحلها يمكننا النجاح بها .
والايام الصعبة التي تصادفنا يجب عدم الاستسلام لها بل ويتوجب العمل بكل الوسائل الممكنة لتخطيها وعدم اعتبارها من الاقدار المرسومة لنا . وهنا تكمن حرية الارادة . وان ليس للانسان الا ماسعى وان سعيه سوف يرى .
وهذا هو المعنى الحقيقي للقدر ، وما يقابله من حرية الارادة .
ادهم ابراهيم