وسط فوضى العولمة وتغير المفاهيم الاجتماعية، التي كانت تقدس المعلم وتجعله في مصاف الشخصيات المرموقة اجتماعيا، وغياب القوانين التي تراعي هذه الشريحة المهمة، ذات التأثير البالغ في المجتمع، كونها تضع اللبنات الأولى لشخصية الفرد التي سينشأ عليها في المستقبل، تأتي تحديات جمة تواجه أصحاب هذه المهنة.
المصاعب التي تواجه المعلمين هذا اليوم كثيرة وكبيرة، بعضها اجتماعي وبعضها إقتصادي وهي لا تخرج عن الإطار العام الذي تعانيه مختلف شرائح المجتمع، وسط غياب للقوانين والآليات التي تنظم عمل هذه الشريحة المهمة، التي لم تهتم فيها الحكومات المتعاقبة، وتضع النصوص القانونية لحمايتها والخطط اللازمة للنهوض بها.
فالاعتداءات التي تعرض لها المعلمون في مدارسهم، أثناء تأديتهم واجبهم تنوعت بين الضرب بالسكاكين من قبل بعض الطلبة، الذين تغيرت مفاهيمهم من احترام المعلم وتوقيره الى التعامل معه على انه أجير يعمل عندهم، والتهديدات العشائرية التي طالت مدارس كثيرة وصلت الى إغلاقها، خوفا على حياة المعلمين من المخاطر التي يتعرضون لها، بسبب قيامهم بواجبهم دون محاباة أو مجاملة.
بيئة تدريسية صعبة يتحتم على المعلم أن يتكيف معها، فالمدارس عبارة عن خرائب آيلة للسقوط مكتظة بالطلبة، ينقصها الكثير من الوسائل التدريسية، التي تساعد المعلم في إيصال المواد العلمية الى الطلبة، وظروف أمنية واجتماعية أحاطت بأوضاع التدريس، جعلت من المعلم أشبه بالمقاتل الذاهب الى ساحة المعركة، لا أحد يعرف أيعود أم يستشهد.
حكومات متعاقبة على مدى تاريخ العراق لم تنصفه، ولم توازن بين جهد المعلم ووضعه الاقتصادي والمعاشي، وكأنه كتب على هذه الشريحة الشقاء، ففي زمن حكومة البعث كان على المعلم أن يخدم في الجيش لمدة سنتين، يعود بعدها للتدريس مقابل راتب شهري لا يكفيه ليوم واحد، وبعد التغيير نجد هذه الشريحة لم تنصف أيضا سواء ماديا أو اجتماعيا، وغابت القوانين التي تحميها وتوفر لها بيئة صالحة للتعليم، بعيدا عن المنغصات الكثيرة.
أمنياتنا أن هذا العيد الأخير، الذي يمر على المعلمين وهم يعانون هذه الأوضاع، وان يتم تحسين ظروفهم الاقتصادية التي تجعلهم مبدعين في عملهم، يفجرون طاقاتهم الإبداعية في خدمة وطنهم، وتنشئة أجيال تساهم في بناء غد زاه مشرق، وتشريع قوانين تحمي المعلم وتعطيه دوره الحقيقي، الذي سلب منه على مدى السنين الماضية .