هذا المقال مكتوب للرد على حجة (إله الفراغات) التي تقول إن فكرة الإله موجودة لملئ الفراغ العلمي والمعلوماتي في عالمنا المعاصر. أي كلما عرف الإنسان بميكانيكية عمل نظام ما في الطبيعة، تضائلت قدرة الإله وتدابيره في ذلك المجال.
مثال على طريقة سير النقاش كالآتي : سابقاً كانوا يظنون بأن الله هو الذي يحرك الشمس والقمر، ولكن بعد اكتشاف الجاذبية، اختفى دور الله في تحريكهما، وتراجع إلى السيطرة على الجاذبية التي تتحكم بهما واقتصر دوره عليها، لأن العلم لا يعلم ما هو الجاذبية بالضبط، فإن الله يجب أن يكون مسؤولاً عنها.
هذه هي المسألة بأختصار، كلما تقدم العلم، تضائل دور الإله إلى شيء مجهول لم يمسسه العلم بعد أو يكتشفه (مثل الطاقة المظلمة)، حتى ينتهي وظيفته في أنه خلق الكون فقط، أو ينقرض فكرة وجود الإله بالكامل.
هل هذا فعلاً صحيح؟ دعني أوضح ردي بمثال أولاً : كان البشر يد العاملة الرئيسية في المعامل في بدايات القرن التاسع عشر، فهُم كانوا ينتجون ويهندسون ويعملون ويديرون، لكن مع مرور الزمن و بالتدريج، أصبحت المعامل توظف الآلات لتستبدل عمال البشر فيها، حتى وصلنا اليوم إلى نسبة إنتاج 25% من قبلنا والباقي من قبل الآلات. ولنفترض أن الآلات سوف تستمر باستبدال البشر في جميع طبقات المعمل – من العمال إلى المدراء والحراس والناقلين – ويبقى لنا سوى الاستهلاك فقط.
لو أتى أحدنا داخل هذا المعمل المستقبلي ورأى كل تلك الآلات تعمل وتدير وتنقل البضائع، وكل تلك المكائن تتحرك وتفعل وظيفتها على أتم وجه، هل يستطيع القول إن البشر لا يتواجدون على هذا الارض ولم يأتوا بفكرة المعامل وليس لهم علاقة بها (لو تخيلنا إن المعمل هي لإنتاج قطع غيار لآلات أخرى)؟
هل يمكنه إنكار وجود الإنسان طبقاً لنظرته لهذا المعمل؟ أعني لا يوجد أي إنسان في المعمل ولا حتى بصمة لهم. بالطبع لا يمكنه، لإن الإنسان يمثل جزءاً مهماً في خلق المعامل وتطويرها، وهو مرتبط بتاريخها.
حتى لو لم يكن عندنا دور في مستقبل المعامل، نحن خلقناها. يجب على هؤلاء الذين لا يؤمنون بوجود الله لا يتقنوا من منطقهم، لأنها ناقصة تنقصها التاريخ والمعرفة التامة بالكون، ليس لأن الله محشي في الفراغات المعرفية، بل لأن احتمالية وجوده لا يمكن ادحاضه بالعلم والمنطق بالمعلومات التي نملكها وسوف نملكها في المستقبل كمعطيات.
يمكن لله أن يوجد حتى لو لم يكن يلعب دوراً واضحاً في الطبيعة، على الأقل دوراً مباشراً. كما أننا عندما نخلق معملاً مُداراً بالكامل من قبل الروبوتات، لن يكون لنا دوراً فيها بعد ذلك، لكننا موجودون وسنبقى موجودين.
صحيح إن الزلازل والبراكين والفيضانات فيها تفاسير علمية ومنطقية، وصحيح إننا لن نعلم أبداً ما إذا تدخل قوة خارجية إلهية ما في تفعيلهم، إلا إننا لا نقدر أن نبرهن العكس كذلك، ببساطة لأنها خارج نظرياتنا وعلومنا ومعارفنا.
لمن يقول بأن الله يقع في آخر الكون أو أن الله هو الطاقة المظلمة أو أن الله يتحكم في الذرات وهو يحرك الأشياء عن طريق تحريك الجزيئات ما دون الذرية الصغيرة، هؤلاء جهلاء وغلطانين أكثر من الذين سبقوهم. نحن لا نعلم كيف يدبر الله الكون، فكيف نفسره ونحدده ونعلنه. هذه أشياء غيبية محجوبة عنا وعن عقولنا تماماً، مثلما وجود الانسان هو محجوب من الشخص الذي دخل الى المعمل المدار بالآلات.