مفهوم المعارضة البناءة أو المعارضة الإيجابية لازال غير معمول به لدى أغلب القوى السياسية الناشطة سواء في العراق أو في غيره . ولازال القاموس السياسي يخلو من مثل هذه المصطلحات وبالتالي فإنها مفاهيم لم تطبق لحد الآن في الواقع العملي.
واعتقد أن السبب في كل ذلك يعود إلى غياب الديمقراطية وسيادة نظم الحكم الشمولية لعقود طويلة…. أضف إلى ذلك ، نوايا قوى المعارضة وتطلعها إلى الاستحواذ على السلطة ومقاليد الحكم ، مما أدى إلى وجود الروح العدائية في العلاقة بين طرفي المعادلة ، وهذا ما أدى إلى فقدان الثقة بين الحاكم والمعارضة وأصبح المبدأ السائد هو إن لم تكن معي فأنت ضدي.
واعتقد أن مثل هذه المفاهيم هي مفاهيم لازالت في دور المراهقة السياسية إن لم تكن في مرحلة الرضاعة ولاسيما عندنا ، وبالتالي لابد من السعي إلى محاولة إنضاج هذه المفاهيم لدى السلطة –أية سلطة– ولدى المعارضة على السواء . فالارتقاء بصيغ عمل المعارضة وابتعادها عن وسائل العنف وقربها من الوسائل السلمية في إبداء معارضتها ، وسائل هامة للاقتراب من مفهوم المعارضة البناءة أو المعارضة الايجابية . كذلك فإن اللجوء إلى طرح برامج شاملة وكاملة ومتكاملة لحل الكثير من المشكلات التي تعترض عمل الطرفين وإبداء وجهات النظر في النقاط محل الخلاف بطريقة حضارية وعملية مبنية على الحجة والبرهان وسيلة هامة أيضاً من وسائل المعارضة الايجابية في إبداء معارضتها . ناهيك عن الأهمية القصوى للحوار الديمقراطي البناء بين كافة الأطراف وأهمية اللقاءات في توضيح ماغمض من الأمور بدلاً من اللجوء إلى العنف والاغتيال للشخصيات والرموز من كلا الطرفين والاستعاضة عن كل ذلك بالحجج والبراهين العلمية والعملية.
ولأن الشعب هو مصدر السلطات ، فإن الشرعية والاستقرار شرطان لازمان لأي نظام حكم أو معارضة ، وعليه فإن الديمقراطية تتيح لهذا الشعب أن يختار نوابه إلى مجلسه البرلماني الذين سيكلفون بدور السلطة التشريعية والقيام بمهمة الرقابة على السلطة التنفيذية في جميع أعمالها ، وعليه فإن النواب هم محل الثقة من الشعب وبالتالي فإن اختيار الشعب هو الحاسم ، وأي شخص يتم انتخابه هو محل ثقة واحترام ، وعليه فلابد أن يقبل الطرفان بحكم الشعب واختياره ، ومن داخل البرلمان تتشكل المعارضة البناءة التي تقوم بأداء دورها وإبداء النصح والإرشاد والتوجيه للحكومة . ومادام الحوار السلمي سيد الموقف فإن الحالة سوف تبقى صحية ومفيدة للجانبين ، أما إذا توقف الحوار فإن استعمال العقل يكون قد توقف واللجوء إلى القوة يصبح أمراً وشيكاً.
نتمنى أن تكون المعارضة والحكومة في وطننا راهناً ومستقبلاً قد استوعبت الدروس التي مر بها وطننا ، واستخلصت الدروس من تجارب الآخرين، ونتمنى أن نجنب بلدنا كل عثرة أو تصادم لاقدر الله ، ونتمنى أن تكون أساليب العمل السياسي وكذلك الأنشطة المتفرعة عنه قد تجاوزت المراحل البدائية وارتقت إلى المستوى الحضاري الذي وصلت إليه الإنسانية ونحن جزء منها ، وأن ترتقي أيضاً في التعامل مع أقطاب المعارضة باعتبار أنها ليست خصماً وإنما شريك كامل في عملية البناء والإصلاح وأنها بالتالي تمثل رأياً آخر يجب احترامه.