23 ديسمبر، 2024 5:45 ص

المعادلة الغريبة .. هدوء سياسي = تصعيد امني  !!

المعادلة الغريبة .. هدوء سياسي = تصعيد امني  !!

تشهد العملية السياسية الآن معادلة قد تبدو غريبة أو غير مطروحة بالحسابات السياسية والواقعية ، ومخالفة لتوقعات وتحليلات المحللين والباحثين في دراسة الحالة العراقية .
حيث بات من حكم  المتعارف عليه هو أن يكون الوضع الأمني انعكاس للوضع السياسي  وبالعكس ، فكلاهما يتأثر ويؤثر بالأخر .

ولكن ما يحدث الآن قد يكون وضعا شاذا أو غير مألوفا حيث لا تتطابق مفردات المعادلة الحالية ولا تتآلف نتائجها مع حقيقة ما يجري على الأرض .

فرغم الهدوء والتوافق السياسي الجميل إلا إن الوضع الأمني يشهد تصعيدا غير مسبوقا يترافق مع حالة الاستقرار السياسي مخالفا بذلك كل التوقعات وكل النظريات التي ربطت الاستقرار الأمني بالوضع السياسي.

وهنا علينا أن نطرح عدة أسئلة منها هل كان ارتباط استقرار الوضع الأمني بالوضع السياسي أو بالعكس أكذوبة صدقناها وانطلت علينا ؟؟.

 أم إن حالتي الاستقرار الأمني والسياسي تحرك خيوطهما أيادي خفية تفعل ما تشاء ووقت ما تشاء ؟؟.

وعلى ضوء ما يحدث ألان يبدو إن الوضع السياسي لا يؤثر بالوضع الأمني إلا في حالات نادرة ، وان الوضع الأمني لا علاقة له بالوضع السياسي إلا إذا أراد من أراد ذلك .

فيمكن للوضع السياسي أن يتأزم  فتستغله العصابات المأجورة والمجاميع الإرهابية لتنفيذ مخططاتها ، كما يمكن أن يتأزم الوضع الأمني فتعمل بعض الجهات السياسية المشاركة بالعملية السياسية على استغلاله للنيل من الحكومة عن طريق التشهير والتسقيط  لأغراض انتخابية مسبقة .

والشيء الذي أصبح مكشوفا إن بعض الجهات السياسية التي تتبرقع بشعارات تقديم أفضل الخدمات للمواطنين أصبحت اليوم أكثر الجهات التي تعمل على إعاقة وتدمير أي خطوة باتجاه استقرار الوضع السياسي أو الأمني .

بل إن هذه الجهات باتت تنتهج نفس أسلوب الجهات المرتبطة بالقاعدة والدول المعادية للعراق مع اختلاف المبدأ ، فيما تتوافق مع بعضها البعض بالهدف المشترك المتمثل بالمال والسلطة .

فاليوم هنالك من يحاول أن يستغل الاضطراب الأمني ليؤجج لمفاهيم سادية أساسها القتل والإرهاب تحمل مسميات عدة مثل التحريم والتجريم وفق منظار عقيم لا تقره الكتب السماوية ولا الشرائع ولا الأعراف والتقاليد الاجتماعية .

وهنالك من يحاول أن يتخذ من التأزم الأمني عنوانا للتنفيس عما تبقى من سمومه لنفثها متخذا من الحكومة واجهة أو حجة للتعبير عن مفاهيمه وإيديولوجيته المتخلفة .

إن الوضع الأمني في أي حال من الأحوال لابد أن يكون انعكاسا لعدة عوامل إحداها الوضع السياسي ، ولكن هنالك عوامل أخرى مؤثرة فيه مثل الأجندات الخارجية والاختراقات والولاءات الحزبية والفئوية والإغراءات المالية .

وحتى يتم الوصول إلى حالة الاستقرار الثابت للأمن لابد من اتخاذ عدة إجراءات أهمها العمل على تهيئة كوادر أمنية متدربة ومحترفة لا تؤمن بغير الولاء للعراق هذا من جهة، وتمتاز بالأمانة والنزاهة والمهنية من جهة أخرى .

ولكن يبقى استقرار الوضع السياسي عاملا مساعدا للحل وليس الحل برمته ، فمتى ما استقرت الأوضاع السياسية تمكنا من خلق أجواء ايجابية لمفاصل مهمة مثل الجانب الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وهذه الجوانب مجتمعة ستلقي بظلالها على الوضع الأمني وتأخذه نحو التحسن ثم الاستقرار .

وقبل كل هذا لابد أن يحدث تغيير في متبنيات وخطاب ومواقف بعض الجهات  التي سعت للتحريض والدعوة للطائفية والفتنة وإشاعة الفوضى بسلوك عدة طرق لعل في مقدمتها التظاهرات المأجورة والمسيسة لتحقيق أهداف فوضوية وليس لأجل مطالب حقيقية ومشروعة.

كما يجب أن يتحلى البعض بالواقعية وعدم خلط الأوراق والتنصل من تحمل جزء من المسؤولية عن الأحداث الجارية في البلد وتحميل تبعات ما يجري على شخص واحد وهو رئيس الوزراء،

 لان هكذا سلوك يدفع بنا  للتفكير بان هذا البعض يستغل الأحداث للتعبير عن فشله شخصيا وليس فشل رئيس الوزراء ،  وهذا ليس دفاعا عن رئيس الوزراء  ، بل هي الحقيقة التي دائما ما تحجب عنا ويحاول الكثير تضليلنا بمفاهيم مغلوطة لا تتناسب وحجم وأهمية الحدث الجاري .

نحن قد نكون مؤمنين بمعادلة الحالة السياسية تؤثر بالحالة الأمنية ، وقد نبني توقعاتنا وتحليلاتنا على أساسها ، ولكن ما يحدث الآن يجعلنا نعيد الحسابات بتطبيق وتطابق هذه المعادلة مع النتائج التي تحققها مادامت القراءات الحقيقة للوقائع تثبت عكس ما آتت به تلك المعادلة .

وبالعودة إلى طرفي المعادلة المتمثل بـ هدوء سياسي = تصعيد امني  ، نجد إن كل طرف من المعادلة بات لا يتناسب طرديا أو عكسيا مع الطرف الأخر.

 بل إن ما يحدد نوع التناسب بشقيه هو الجهات المحركة لإطراف المعادلة .

أي إن المعادلة يمكن تغييرها بين لحظة وأخرى ، لأنها في حالة دوران مستمر ولا يوجد استقرار دائم وثابت لها ، فمثلا يمكن أن يرافق التصعيد السياسي هدوء امني أو يحدث العكس .
 أو يمكن أن يحدث كلاهما في وقت واحد ،  أو قد لا يحدث كلا الأمرين في نفس الوقت .

وهذا التفصيل والترميز يوصلنا إلى نتيجة مؤكدة فحواها انه لا توجد معادلة اسمها الواقع السياسي يؤثر بالواقع الأمني أو الأخير يؤثر بالأول .

 وبهكذا حال فان الادعاء بوجود معادلة تربط الحالتين ببعضهما البعض هي أكذوبة لا يمكن الاعتداد بها أو الإيمان بواقعيتها ما دامت غير مستقرة وقابلة للحركة والتغيير في كل زمان ومكان .