لا يُغُرَّنْكَ مظهرٌ مُستعارٌ
فكثيرٌ من الأصحاء مرضى
-1-
هناك نوعان من الأمراض :
أمراض ظاهرة الأعراض ، يمكنُك أنْ تراها وقد تركت بصماتها على وجوه أصحابها وأجسادهم .
وهؤلاء تدعو الله لهم بالشفاء مما ألَمَّ بهم من السقام والأوجاع .
وتُذكّرهُم بقوله تعالى :
{ واذا مرضتُ فهو يشفيني }
وثمة نوع آخر ، وهو المرض الخفيّ العصيّ على الاكتشاف ، دون تجارب مريرة، ومخاضات صعبة،
والمرضى من النوع الثاني هم الأكثر عدداً ، وهم الأخطر فعلاً وقولاً ..!!
إنّهم في أعماقهم ، مراجلُ تغلي من الحسد والغلّ والخبث واللؤم وحب الوقيعة ، لا لعداوةٍ بينك وبينهم ، ولكنهم يستكثرون عليك القليل ، ولا يكفّون عن نسج خيوط الايلام والايذاء ، إرضاء لنزعة الشرّ الكامنة في اعماقِهِم .
إنّ هؤلاء لايُرضيهم عنك أنْ تكونَ الأمثل في رعايتهم والإحسان اليهم واغتنام الفرص لابداء المشاعر الفياضة ازاءهم …
انهم كما قال الفرزدق – برواية المبرد في الكامل – :
فلو أسقَيتَهُم عَسَلاً مصفَّى
بماء المُزن أو ماءِ الفراتِ
لقالوا : إنَّه مِلْحٌ أُجاجٌ
أراد به لنا احدى الهَناتِ
-2-
لا أنسى أَنَّ احدهم جاءني زائراً ، ولم يتركني حتى قال لي بالحرف الواحد :
” إنّك تحارب فلاناً “
-وفلان هو حبيبُه وقائدهُ وقدوتهُ –
قال هذا دون أنْ يشير من قريب أو بعيد الى دليلٍ يُؤيدُه أو حجة تسندُه..!!
وحقيقة الأمر :
إنه كان منزعجاً غاية الانزعاج لان ثلةً من العلماء الأعلام ، والرساليين الكرام ، كانوا يرون (كاتب السطور) مؤهلا (لموقعٍ) كان صاحبُنا يريده لحبيبه ..!!
وحيث أنهم اتجهوا الى اختيار كاتب السطور، وليس لمن يريده الزائر المذكور ، أطلق الإتهام بل لم يتروع عن البهتان ..!!
-3-
إنّ كثيرا ممن يُظهرون لك المودة ، انما يغرونك بالانفتاح عليهم ، والادلاء ببعض الأخبار والأسرار ، بُغيةَ المسارعة الى نقلها الى خصومك ..!!
وقد يضيفون اليها ما يروق لهم مما ليس صحيحاً ، ولا غرض لهم من كل ذلكّ الا إثارة القلاقل والمشاكل ..!!
انه السعي المحموم للايقاع بين الناس ، والمسلك المذموم بكّل المعايير الأخلاقية والانسانية ….
-4-
ومن أشد تلك الأمراض الخفيّة، المبالغة المنكرة في ما يملكون من قدرات ومواهب ومؤهلات ، يرون أنفسهم – طَبْقَها – القمم السامقة التي لا يرقى اليها أحد ..!!
ولو أنصفوا أنفسهم ، وانصفوا الناس ، لأدركوا أنّ بينهم وبين السمّو والتحليق في فضاءات المكارم بَوْنا شاسعا ..!!
-5-
انهم صرعى أخليه زائفة ، وقراءات خاطئة ، وانتزاعات لا تستند الى مدرك سليم ، وكل هذه هي أعراضُ مَرَضٍ خطير اسمه النرجسية …
-6-
لا يبالي النرجسي بحجم معاناة الآخرين مهما بلغ ..
لا يبالي بالكوارث والفواجع التي تحل بالوطن والمواطنين
انه يريد أنْ يكون الآمر الناهي وليكن بعد ذلك ما يكون ..!!
-7-
إنّ (الذاتية) أخطر من (السل) والكثير من الأمراض المعدية … ذلك أن السل له علاج معروف ، وأما (الذاتية) فهي (كالحماقة) ليس لها دواء :
لكلّ داءٍ دواءٌ يُستطب به
إلا الحماقَة أعيتْ مَنْ يداويها
-8-
ليس سهلاً إدراك مغزى القول المأثور :
{ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فقد عَرَفَ رَبَّهُ }
فأين هم العارفون لأنفسهم حق المعرفة ، والواقفون بها عند حدود الاستحقاق – وقد ضيّق النرجسيون علينا الخناق -؟!