18 ديسمبر، 2024 5:53 م

المظاهرات، وخارطة طريق إستثمارها؟

المظاهرات، وخارطة طريق إستثمارها؟

المحلل السياسي عمله شبيه بعمل الطبيب، فكلاهما يشخصان الداء، ولا تقف مسؤوليتهم الأخلاقية عند هذا الحد، بل لا بد من علاج للداء الذي يشخصانه، وإلا فلا فائدة من تشخيص المشكلة دون وضع الحلول، والمصادفة في هذا
التشبيه المجازي، إن كلا الطرفين أي الطبيب والمحلل السياسي(أو الخبير السياسي أو الأستراتيجي) كلاهما يتعملان مع الجسد، فالطبيب مهمته تتعامل مع جسد المريض، والمحلل السياسي مع جسد المجتمع، من هنا نستطيع أن نقول مهمة صناع الرأي أو خبراء التحليل السياسي، هي الأصعب بل والأخطر لأنها تتعامل من كيان المجتمع العملاق، فوصف العلاج السياسي الخاطيء عند الأزمات قد يتسبب بجريمة قتل للمجتمع بأكمله( كبرت كلمة تخرج من
أفواههم).

بعد هذه المقدمة البسيطة، أود أن أخوض بأزمة التظاهر وما يحصل فيها من خلط للأوراق، وإستغلال لعاطفة الشباب المندفع نحو تحقيق مطالبه الحقة، سواء إن ذلك الإستغلال يأتي من فبركة الأحداث(أكشن) أو عبر صناع الرأي المأجورين من قبل أبناء السفارات من المحللين والإعلاميين وبعض ممن هم يعتبرهم المجتمع (النخبة) ومن هنا أبين ما يلي:

1_ إن التظاهر حق كفله الدستور العراقي في المادة 38،وقد تعمدت الأحزاب السياسية منذ عام 2005 ولحد ألان بعدم تنظيمه بقانون.

2_ إن المتظاهرين(المحتجين) خرجوا بعد أن ضاقت نفوسهم بحجم الفساد المالي والإداري الكبير، الذي كان سببا” بصنع طبقة سياسية مترفة مستأثرة بالمال العام والمناصب السيادية للبلد، تقابلها طبقة معدمة لشريحة كبيرة من الشعب العراقي.

3_ أزمة البطالة والفساد وسوء الخدمات وتردي قطاعات الصناعة والزراعة والإستثمار وكثير من المشاكل الأخرى، السؤال هل حدث كل ذلك في حكومة عادل عبد المهدي؟ أم في مرحلةلسابقة؟ قطعا هي أزمة متجذرة ومرحلة من الحكومات السابقة، أي أن من يتحمل مسؤوليتها الأحزاب السياسية المتشبثة بالسلطة منذ سقوط نظام صدام المقبور، والتي فكرت ببناء دولة الغنيمة لا دولة المؤسسات.

4_ هل هنالك إحتمال لإستغلال هذه الأزمة من قبل الخارج؟ نعم، السبب محاولة بعض الدول جر العراق لسياسة التمحمور لجهة على حساب جهة أخرى، خصوصا وأن المنطقة تشهد صراعا” دوليا” كبير منذ أكثر من عقد من السنين، والأنكى من ذلك وجود أحزاب سياسية عراقية تأتمر بأمر الخارج مما يهيئ جوا” مناسبا” للتدخل الخارجي وإستغلال الأزمات الداخلية من أجل تحقيق مصالح خارجية، وإهمال حقوق الداخل.. وهذا ما يخطط له ألان لإستغلال غضب المتظاهرين وركوب موجة التظاهر.

في ظل هذه الأزمة يعمل الأعلام العربي والغربي، على ((تأطير)) مطالب المتظاهرين بمطلبين دون غيرهما، إسقاط الحكومة وحل البرلمان، لإجراء إنتخابات مبكرة وهذه مطالب سياسية!، بينما لوعدنا إلى بداية المظاهرات لوجدنا إن المطاليب السياسية لم تكن حاضرة في مطالب المحتجين، وكانت طلباتهم وقتها معالجة الفساد والبطالة والمحاصصة الحزبية وإلغاء الأمتيازات للرئاسات الثلاثة وجميع المسؤولين الحكومين والبرلمانين وأصحاب الدرجات الخاصة وحل مجالس المحافظات والأقضية والبلدية وتشريع وتعديل قوانين مهمة، وكل هذه المطالب تلامس صميم حاجة المجتمع العراقي، وجاءت بدون تصنع وبحالة فطرية من عموم المتظاهرين، وتأتي ضمن الإستحقاق الدستوري والقانوني.

هنا أتمنى على القاريء الحصيف، إن يركز على ما أقوله وما سأفصله من شرح، وسأبدأ بالمطالب الدستورية والقانونية التي ذكرت جزء” منها في سالف ورقتي البحثية، إن هذه المطالب تحتاج لوجود حكومة وبرلمان وحتى السلطة القضائية، من أجل تحقيقها على أرض الواقع، لذا فدفع المحتجيين من قبل صناع الرأي المشكوك بأمرهم وكذلك (الإعلام الأصفر) نحو حل الحكومة والبرلمان وإجراء إنتخابات مبكرة، فتحقق هذا المطلب يعني تأجيل تحقق كل مطالب المتظاهرين وسوف تعود نفس الطبقة السياسية الفاسدة لأن الإنتخابات
ستكون على قانون الإنتخابات القديم (فالذي يخرج من الباب سوف يعود من الشباك) ناهيك عن مشكلة الكتلة الأكبر ومن الذي سوف يشكل الحكومة وكم سيستغرق وقت تشكيلها.
إن عقدة العملية السياسية في العراق، هو سطوة الأحزاب السياسية الماسكة بالسلطة كما أسمتها المرجعية، فهي كانت ولحد وقت الإنتخابات تقييد عمل السلطات لا سيما التنفيذية منها والتشريعية، إلا أن جاءت مظاهرات تشرين الأول والتي هي مستمرة لحد ألان، لتزلزل الأرض تحت ساسة العراق، لتبدأ الأحزاب بفك قيود الحكومة وتخول رئيس مجلس الوزراء صلاحيات لطالما كانت مصادرة، وهذه النقطة بالذات من أهم جاءت به المظاهرات
فكانت بمثابة الصفعة القوية لكل الأحزاب السياسية والتي أيقضتها من نوم الغفلة العميق، لنشهد ظهور حزم الإصلاح، تعرفون لماذا؟ أستشعرت تلك الأحزاب الفاسدة حجم الغضب العارم للجماهير المحتجة على فسادهم، وهنا لا بد من معرفة ما يحتاجه الجمهور للمرحلة القادمة، وهو تحديد المطالب منها ما هو تنفيذي وأخر تشريعي وكذلك قضائي، وأنا أقترح أن تكون المطالب
كالأتي:

1_ إلغاء جميع الرواتب التقاعدية من أعضاء مجلس الحكم وصولا” للدورة الإنتخابية الثالثة( حكومة العبادي).

2_ تعديل قانون الإنتخابات بالشكل الذي يسمح بأختيار المرشح مباشرة”، ولدوائر إنتخابية متعددة لكل محافظة، وحسب الكثافة السكانية لكل منطقة، على أن يتم أختيار أعلى الأصوات ثم الأدنى فالأدنى مع تقليص عدد أعضاء
البرلمان، مع تضمين فقرة في قانون الإنتخابات المعدل( لا يجوز لكل شخص الترشيح للدورة القادمة، من أعضاء البرلمان الحاليين والدورات السابقة).

3_ الشروع بتهيئة أراضي سكنية مخدومة( متكاملة من حيث البنى التحتية) في كل محافظات العراق وضمن سقف زمني محدد للحكومة العراقية.

4_ يتم الحجز على كل أموال المسؤولين السابقين والحالين، تحت بند ( المسؤول متهم حتى تثبت برائته) بتفعيل (قانون من أين لك هذا) يتم تشريعه من قبل خبراء مختصيين.

5_ تعديل سلم الرواتب وكذلك قانون التقاعد بما يضمنان العدالة الإجتماعية لكل شرائح المجتمع.

6_ يتم تحديد خطة إسترتيجية لبناء وحدات سكنية ومدارس ومستشفيات من قبل شركات أجنبية متخصصة بضمان نفط العراق مباشرة (النفط مقابل البناء) بما يتناسب وحاجة العراق.. وهذا الأمر بذاته سوف يكون سببا” مباشرا” لتوفير آلاف فرص العمل.

7_ إجراء تعديلات دستورية لكثير من مواد الدستور النافذ من قبل لجنة متخصصة من الكفاءات العراقية وضمن سقف زمني محدد.

8_ تنظيم قوانين لكثير من مواد الدستور العراقي، لا سيما التي تقع في باب الحقوق والحريات كقانون حق التظاهر وقوانين اخرى كالضمان الصحي والإجتماعي وحق التعليم وقانون حق السكن والعيش الكريم وتمكين تلك القوانين وتفعيلها.

9_أقرار الحقوق لكل لشهداء وجرحى المظاهرات سواء من المتظاهرين أو القوات الأمنية.. بما يضمن العيش الكريم لعوائلهم.
10_ تقليص عدد الهيئات المستقلة(المستغلة) وعدد الدرجات الخاصة، كموضوع السفراء الذين يتواجدون في دول ليست لدينا فيها جاليات أو مصالح للبلد، من أجل خفض نفقات الدولة التي هي من حساب المواطن البسيط.
11_ تعديل قانون الإستثمار وهيئته التي عاثت في الأرض فسادا، بما يهيئ بيئة سليمة لجذب الأستثمار الخارجي والمستثمرين نحو السوق العراقية، لتنشيط الإقتصاد العراقي وينعكس إيجابا”، على السوق العراقية والمواطن
وكل تلك المطاليب وغيرها، لا يمكن سنها وتشريعها إلا وفق طرق دستورية وقانونية، تتطلب وجود حكومة وبرلمان، فأقتراح القوانين يقدم في الغالب من السلطة التنفيذية، ثم يقوم البرلمان بتشريعه، مثال ذلك مقترح قانون الموازنة العامة الذي ستقوم حكومة السيد عبد المهدي بتقديمه، ليتم قراءته وإقراره من قبل البرلمان العرقي، هل ذلك يعني بقاء الطغمة الفاسدة على سدة الحكم؟ كيف يمكن البقاء وقد إتفقنا على تعديل قانون الإنتخابات بما يسمح بإزالة كل فاسد من السلطة وإنتخاب من هو الأكفأ والأنزه من عامة المجتمع، كلامي لكل عراقي شريف يعشق العراق وأهله بعيدا” عن كل المسميات الفرعية، لا بد أن نغادر الغضب ونعود لرجاحة العقل من أجل إستثمار هذه الفرصة العظيمة لتصحيح مسار العملية السياسية، بما يحجم الفساد المالي والإداري، ويعيد سلطة القانون وهيبة الدولة العراقية