المظلومية – الثورة – الإصلاح
((لا تستوحشوا طريق الفكر الحق لقلة سالكيه))
في البدء لابد من التنويه إلى أن هذه الورقة النقدية تنظر بعين الفكر ومضامينه العقلية والإنسانية ، لا بعين الوجدان و العاطفة و الطقوس الشعبية ،كونها تتخذ من فكر ،ورؤية الامام الحسين لنفسها اطارا مرجعيا و نقديا تأويليا فاعلا ،كما في المقولة أعلاه .
للبحث في المضامين الثقافية، والاجتماعية ، والنفسية لفكر الامام الحسين يجب علينا العودة الى جذورها التاريخية الأولى ، تحديدا لحظة انبثاقها كخطاب وهوية وأهداف معلنة عند الامام الحسين (ع) أي اللحظة التي شكلت فيه اطارا فكريا وبنية منظوميه أراد الامام من خلالها ترسيخ مضامينه الفكرية اجتماعيا ، وثقافيا ، و قيميا يؤسس من خلاله لواقع أنساني جديد بدل الواقع السائد الذي ظل يخضع لتجاذبات سياسية ومادية مزقت خصوصيته الثقافية بل جعلته واقعا تابعا بعد ما كان متبوعا ، اضافه الى الدور الذي يلعبه الجانب الوجداني والعاطفي متخذا من بشاعة و مأساوية يوم (عاشوراء ) اطارا وجدانيا للتعبير عن قوة هذا الحزن من خلال جلد الذات لدرجة الشعور بعقدة الذنب المستمرة والتي تمثلت في التقاعس والتقصير عن نصرة الامام الحسين (ع) ، وهو ما عبرت عنه هذه الجماهير في يوم العاشر من محرم في ركضة طويريج الشهيرة والتي تعكس لحظة الصدمة التي تحاول هذه الحشود استعادتها لنصرة الامام ، كجانب تعويضي نفسي يعبر عن عقدة الذنب المتأصلة في ووعي ملايين المسلمين نظرا لما يحمله الحسين من رمزية دينية مقدسة . لكننا ووفق مقدماتنا سننظر لحادثة مقتل الامام بمنظار مختلف ورؤية اعمق من الشكل للوصول الى عمق المضمون أي سنتمثل هذه الحادثة كونها انتهاك وقتل للقيم الفكرية ،والإنسانية ، والعدالة الاجتماعية ، التي لم يسلط عليها الضوء بالشكل الذي يجعلها قيمة عليا وهدفا سامي ، وهو ما دفعنا لاتخاذ البحث الفكري طريقا و حيزا تحليليا ننحاز له ونعلي من أهميته اتجاه المضامين الأخرى ، لذا انصب جل اهتمامنا في هذه الورقة النقدية على ثلاث مضامين مركزية في فكر الامام الحسين (ع) : المظلومية – الثورة – الإصلاح ، مع الاخذ بعين الاعتبار أهمية الجانب الوجداني والروحي كاتجاه عاطفي سائد ومهيمن لكن لا يعبر بالضرورة عن ابرز المضامين التي جاء من اجلها الحسين بصورة حقيقية وذلك بفعل التأثيرات السياسية والمذهبية ،والعاطفية المهيمنة .
ولوعدنا للبحث عن هذه المضامين و الأسباب التي استشهد من اجلها ، سنكتشف انها ترتبط بأبعاد فكرية أساسية تشكل جوهر فكر الامام الحسين وقضيته المركزية والتي تتبلور وترتبط بمفردة الإصلاح بكل دلالاتها الفكرية والإنسانية والقيمية والروحية ، التي اتخذها كقضية مصيرية وموقف أتجاه السلطة الظالمة والتي تجلت في مقولته الرائعة ( إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا أنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي ) وهو ما يبرر وقوفه الشجاع بوجه سلطة مستبدة وفاسدة رغم علمه بقوة بطشها وأطماعها بالحكم لذا كان الشعور بالمظلومية هي الخطوة الأولى على طريق الثورة التي تنتهي بالإصلاح من اجل اعلاء هذه المضامين الروحية والإنسانية (لا أرى الموت إلا شهادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما) ،فكان للظلم الاجتماعي والسياسي وسيطرة القيم المادية على الروحية والإنسانية المبدأ الأول للنهوض بخطاب الثورة على الحاكم الظالم ليشكل فيما بعد صيرورة زمنية متوهجة ترفض الذل والخنوع والاستسلام لقوى الشر والاستبداد والفساد ، وللخلاص منها ومن تبعاتها جعل من مضمون الإصلاح الطريق الوحيد للأجيال القادمة وخارطة الوصول للعدل والحرية والكرامة ، والذي تتجلى في لحظة مختلفة عن باقي اللحظات ، تمثلت في انتصار الدم على السيف في يوم العاشر من محرم الذي مثل الصورة الناصعة التي تجلت بها هذه المضامين بوضح تام في يوم العاشر من محرم ، ما شكل انعطافه تأريخيه متقدمة كانت الدرس والمنهج للشعوب حيث كانت ال (لا) الخطوة الأولى لهذا الدرس لا لكونها رفض فقط بل( لا ) التحول من السكون الى الحركة والفعل، و ذات دلالات فكرية عميقة في الرفض للذل و رفض الاستسلام من خلالها يتجلى الموقف والإرادة الحرة ، ضد سياسة توريث الحكم من الاب الى الابن على الرغم من كل المحاولات الكثيرة لإضعافه وثنيه عنها حتى قتل هو واتباعه على يد جيش يزيد ، إضافة الى كونها شكلت عاملا مؤثرا في استنهاض الروح الثورية للقبائل التي كانت مستسلمة للسلطة وفسادها لذا كانت مساندتها للأمام الحسين (ع) من خلال المخاطبات والرسائل التي بايعت الحسين من مختلف المدن والأصقاع المجاورة تمثل استفاقة لشعورها بأهمية الإصلاح ، وهو ما عزز من شعوره بالمسؤولية اتجاه ما يحدث من استهتار وفساد السلطة الحاكمة ومن خطورة الدور السياسي والاجتماعي والديني الذي تلعبه السلطة في حياة الناس خصوصا انها تحكم بقوة السيف والمال لا بقوة الشرع والعقل والمنطق الإنساني .
بعد أن سلطنا الضوء على تجليات هذه المضامين كمنهج عمل اتبعه الامام الحسين ونادى من اجله ليكون هو لحظة انبثاقه الأولى كرؤية مرجعية ، كان لزاما علينا تتبع مدى انعكاس واستلهام هذه المضامين الفكرية والاجتماعي على أرض الواقع الراهن ، لكن وفق رؤية حديثة تسعى وتجتهد لإعادة احياء القيم الفكرية والإنسانية المغيبة ،مقابل رؤية طقوسية عاطفية بكائية ممسرحة سائدة تحديدا عند كل من اتخذ من الحسين اطارا روحيا وفكريا ومرجعيا يديم التواصل معه ومن خلاله ويعيد إنتاجه باعتباره فكرا صالحا لكل زمان ومكان ، و شاهدا حيا على عظمة الحسين مقابل وحشية ودناءة السلطة . لذا اتخذنا من حدث استذكار حادثة عاشوراء فضاء محوريا لما تحمله من رمزية في الوعي الجمعي الشعبي ، والنخبوي ارتبطت بجسامة ما وقع على الحسين و ال بيته (ع) واتباعه القلائل من اهوال مؤلمة.
شكلت واقعة عاشوراء لحظة مفصلية مفارقة لحركة الزمان والمكان كونها تشير الى زمنين مختلفين داخل مكان واحد ، زمن الحدوث وهو زمن تأريخي لحظة استشهاد الامام الحسين في واقعة الطف( 10 محرم 61 هجري)) ، و زمن حديث إعادة إنتاج هذا الحدث التاريخي كلحظة حية حاضرة بقوة ضمن الزمن الراهن (15 محرم 1440 هجري وهو ما يديم التماس والتلاحم ما بين الماضي والحاضر داخل مكان واحد جامع للزمنين هي (كربلاء) ليكون الحاضر ناقلا للحدث الأول عبر محاكاة احداثه الكبرى وهو ما عبر عنه في المقولة الشهيرة (كل ارض كربلاء وكل يوما عاشوراء ) .
يظهر مما تقدم هناك اتجاهان بارزان مختلفان في الرؤية والدلالة وطريقة تمثلهما للواقعة لكنهما متساوقان من حيث الغاية ، الأول اتجاه وجداني رمزي طقوسي شعبي يعتمد مسرحة احداث واقعة الطف بأسلوب تراجيدي سردي فجائعي يسعى محاكاة الواقعة عبر التشابيه وركضة طوريج و الردات الحسينية واللطميات الجماعية من خلاله يتم إعادة لحظة قتل سيد شباب اهل الجنة وهو الأكثر حضورا وتأثيرا اليوم . اما الاتجاه الاخر هو الاتجاه الدلالي الفكري ،الذي ينطلق من إعادة التذكير في المضامين الفكرية والثقافية التي سعى الحسين الى ايصالها للعالم كرسالة ذات اهداف إنسانية خالدة ترتبط بوجودنا كبشر وشعوب تنزع لتأصيل حالة السلام والحرية والعدالة الإنسانية كخطاب عابر للحدود المذهبية والدينية والعرقية على الرغم من قلة تداوله إلا عند عدد القليل من خطباء المنابر وعلماء الدين والمرجعيات الدينية من الطرفين الشيعي والسني ،وكذلك عند بعض المثقفين والمفكرين والمؤرخين ، حيث ظل هذا الاتجاه يعيد التأكيد على أهمية ترسيخ المضامين الفكرية والإنسانية التي غيبتها الطقوسية العاطفية والوجدانية بفعل سياسات التجهيل المستمرة التي أتبعتها الحكومات المتعاقبة على البلاد والتي ادت الى احياء البعد العاطفي مقابل تغييب البعد العقلي، والفكري النقدي الساعي إلى أبراز عمق الفكر الحسيني مبينا أهم هذه المضامين من خلال أقول الامام وافعاله وأهدافه الحقيقية والتي تجلت في يوم عاشوراء وهي:
. لو تمعقنا جيدا في هذا الاتجاه الفكري خصوصا عند أبرز ممثلية من الأموات والاحياء على سبيل المثال لا الحصر سنجد أنه اتجاه ارتبط بشخصيات تعتمد منهج البحث والتفكير ،كالسيد الشهيد الصدر الأول ، والثاني ، الشيخ الوائلي، وفضل الله ،والسيد السستاني ،والحيدري، وأحمد القبنجي ،وفرقد القزويني ، وغيرهم رعاهم الله ، سنجد ان هذه المضامين شكلت الخيط الناظم والعمود الفقري الذي تنتظم داخله ابرز سمات الفكر الحسيني بأوضح صورها وأجمل تجلياتها كتيمة مركزية في خطبها ومؤلفاتها عن مضامين الحسين وهو ما يعطيها الأهمية في رسم استراتيجية الامام الحسين الحقيقية على الرغم من قوة وخطورة التحديات الثقافية الأخرى الوافدة والدخيلة التي تسعى جاهدة لا إحداث شرخ ثقافي وفكري بين مضامين ثورة الحسين الحقيقة وترسيخ تجليتها على أرض الواقع ،وبين وابعادها وتحريفها عن مسارها الحقيقي ومعناها الإنساني الكوني وذلك بحصرها في اطار ضيق وسطحي وهو التباكي واللطم والشعور بالمظلومية الدائمة واذية النفس بالظرب والتمرغ بالوحل وافتعال الخرافات لبث روح الضعف والتجهيل والقضاء والقدر من خلال توجيه الخطاب باتجاه التحريض والعنف والنفس الطائفي وتحييد العقول عن الصواب من خلال ابعادها عن تطبيق وتحقيق هذه المضامين على ارض الواقع المعاش، تساندهم في ذلك حكومات فاسدة توهم الناس أنها مع الحسين ومضامينه الثورية وهي اول من تضرب مضامينه عرض الحائط لتحقيق غاياتها القذرة .
– الثورة ضد الظالم من خلال دفع الاخرين على عدم الاكتفاء بشعور المظلومية والاستكانة والخضوع للحاكم الظالم بل السعي للثورة عليه وكشف زيفه واستغلاله للسلطة، يتضح ذلك في مقولته (لا والله لا اعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد ) .
– الإصلاح من خلال نصرة للذات الإنسانية الحرة ضد العبودية للمال والسلطة وضد الجشع والفساد وذلك في مخاطبته لأعدائه ( إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم )
. لو تمعقنا جيدا في هذا الاتجاه الفكري خصوصا عند أبرز ممثلية من الأموات والاحياء على سبيل المثال لا الحصر سنجد أنه اتجاه ارتبط بشخصيات تعتمد منهج البحث والتفكير ،كالسيد الشهيد الصدر الأول ، والثاني ، الشيخ الوائلي، وفضل الله ،والسيد السستاني ،والحيدري، وأحمد القبنجي ،وفرقد القزويني ، وغيرهم رعاهم الله ، سنجد ان هذه المضامين شكلت الخيط الناظم والعمود الفقري الذي تنتظم داخله ابرز سمات الفكر الحسيني بأوضح صورها وأجمل تجلياتها كثيمة مركزية في خطبها ومؤلفاتها عن مضامين الحسين وهو ما يعطيها الأهمية في رسم استراتيجية الامام الحسين الحقيقية على الرغم من قوة وخطورة التحديات الثقافية الأخرى الوافدة والدخيلة التي تسعى جاهدة لا إحداث شرخ ثقافي وفكري بين مضامين ثورة الحسين الحقيقة وترسيخ تجليتها على أرض الواقع ،وبين وابعادها وتحريفها عن مسارها الحقيقي ومعناها الإنساني الكوني وذلك بحصرها في اطار ضيق وسطحي وهو التباكي واللطم والشعور بالمظلومية الدائمة واذية النفس بالظرب والتمرغ بالوحل وافتعال الخرافات لبث روح الضعف والتجهيل والقضاء والقدر من خلال توجيه الخطاب باتجاه التحريض والعنف والنفس الطائفي وتحييد العقول عن الصواب من خلال ابعادها عن تطبيق وتحقيق هذه المضامين على ارض الواقع المعاش، تساندهم في ذلك حكومات فاسدة توهم الناس أنها مع الحسين ومضامينه الثورية وهي اول من تضرب مضامينه عرض الحائط لتحقيق غاياتها القذرة .
إن أي محاولة لاستعادة الامام الحسين وتطبيق مقولاته وقيمه الروحية والفكرية لا تتم ولن تتحقق دون فهم واستلهام هذه المضامين، لا وجود لفكر الحسين بدونها وبالتالي كل من يريد حصر وتقويض قضية الحسين بالطقوس والتباكي واللطم يساهم من حيث لا يشعر بحرف القضية وتميعها وضياع أهدافها وتغيب مكتسباتها على أرض الواقع .
– الإصلاح من خلال نصرة للذات الإنسانية الحرة ضد العبودية للمال والسلطة وضد الجشع والفساد وذلك في مخاطبته لأعدائه ( إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم ) .
لو تمعقنا جيدا في هذا الاتجاه الفكري خصوصا عند أبرز ممثلية من الأموات والاحياء على سبيل المثال لا الحصر سنجد أنه اتجاه ارتبط بشخصيات تعتمد منهج البحث والتفكير ،كالسيد الشهيد الصدر الأول ، والثاني ، الشيخ الوائلي، وفضل الله ،والسيد السستاني ،والحيدري، وأحمد القبنجي ،وفرقد القزويني ، وغيرهم رعاهم الله ، سنجد ان هذه المضامين شكلت الخيط الناظم والعمود الفقري الذي تنتظم داخله ابرز سمات الفكر الحسيني بأوضح صورها وأجمل تجلياتها كتيمة مركزية في خطبها ومؤلفاتها عن مضامين الحسين وهو ما يعطيها الأهمية في رسم استراتيجية الامام الحسين الحقيقية على الرغم من قوة وخطورة التحديات الثقافية الأخرى الوافدة والدخيلة التي تسعى جاهدة لا إحداث شرخ ثقافي وفكري بين مضامين ثورة الحسين الحقيقة وترسيخ تجليتها على أرض الواقع ،وبين وابعادها وتحريفها عن مسارها الحقيقي ومعناها الإنساني الكوني وذلك بحصرها في اطار ضيق وسطحي وهو التباكي واللطم والشعور بالمظلومية الدائمة واذية النفس بالظرب والتمرغ بالوحل وافتعال الخرافات لبث روح الضعف والتجهيل والقضاء والقدر من خلال توجيه الخطاب باتجاه التحريض والعنف والنفس الطائفي وتحييد العقول عن الصواب من خلال ابعادها عن تطبيق وتحقيق هذه المضامين على ارض الواقع المعاش، تساندهم في ذلك حكومات فاسدة توهم الناس أنها مع الحسين ومضامينه الثورية وهي اول من تضرب مضامينه عرض الحائط لتحقيق غاياتها القذرة .
إن اي محاولة لاستعادة الامام الحسين وتطبيق مقولاته وقيمه الروحية والفكرية لا تتم ولن تتحقق دون فهم واستلهام هذه المضامين، لا وجود لفكر الحسين بدونها وبالتالي كل من يريد حصر وتقويض قضية الحسين بالطقوس والتباكي واللطم يساهم من حيث لا يشعر بحرف القضية وتميعها وضياع أهدافها وتغيب مكتسباتها على أرض الواقع .