23 ديسمبر، 2024 2:20 ص

المشهد السياسي المعارض في العراق

المشهد السياسي المعارض في العراق

لم تشهد حركة معارضة لنظام حكم في وطننا تفرقا وتشتتا كالذي تشهده ما تسمي نفسها بالمعارضة في الساحة العراقية في يومنا هذا.
وليست هناك أبعاداً فكرية أو سياسية أو فلسفية تكمن وراء هذا التشتت بل ربما تكون أغلب هذه ” القوى” خالية من أي أساس فكري أو رؤيا سياسية متكاملة تجعلها في مواجهة أسس فكرية أو منظومات سياسية أخرى.
تصدمنا هنا شخصيات أقرب إلى الكارتونية ترفع شعار إسقاط النظام مع أن الحالة الآن في العراق تتكون من منظومات عديدة في إطار نظام أفرزها وتبناها. وهنا مكمن الخرافة السياسية في العراق التي لم نشهد لها مثيلا في تاريخ البلدان عدا ما تفرزه الحروب الأهلية بين أقاليم عدة في بعض الدول.
تتكون أغلب هذه القوى! من تجمعات لعدة أفراد إن لم تكن من شخص واحد معه زوجته وواحد فقط من بنيه الكثر. وخلافا لما يطرحه التاريخ العريق من شروط انبثاق التنظيمات السياسية من ضرورات قومية أو طبقية أو وطنية فإن اغلب هذه المجاميع تكونت بقرار شخصي يعكس رغبة في الظهور ولو في جلسات خاصة ومغلقة على الأقل.
لا يخفى علينا أن البعض الآخر من هذه المجاميع تكون بقرار من أحزاب كبيرة سواء أكانت في الحكم أو في المعارضة أو في منطقة البين بين، لتكون لها ظلا أو امتدادا في ساحات يصعب عليها التواجد فيها أو غطاءً لنشاط ما أو واجهات لأغراض أخرى.
المشكلة أن هذه التجمعات تعبر أحيانا عن أحلام وردية جامحة فيتصور بعض الزعماء! أنه انتهى من كل ما يجب ترتيبه ليتسلم رئاسة الوزراء أو أي موقع كبير آخر. وتبدو علي بعضهم علامات الزهو والفخفخة عندما يجلس في التجمعات واللقاءات مرتديا البدلة ألأنيقة وواضعا ساق على ساق ويتكلم بالمثاقيل على طريقة خير الكلام ما قلَّ ودلّ. وأكثر ما يضحك في هذه الهيئة هي نبرة الصوت القيادية المفتعلة!! مع النظرات التي يراد لها أن تكون ثاقبة على طريقة قادة العالم الثالث المسكين.
ما كان لي أبدا أن أشغل نفسي والقارئ الكريم بهذه الصور الكاريكاتيرية والمهزلة لولا جانبها المأساوي. فتلك التجمعات غدت أدوات تخدير يسمح لها قانون عابث يسمى قانون الأحزاب الذي جُلَّ ما فيه من شروط هو توفر مبلغ التسديد وانتهى ، ثم يتاح لمن سجل كيانه ( أكثر من 300 كيانا) أن يعبث بعقول الناس وكراماتهم.
من بين مؤسسي وقادة!! هذه التجمعات وزراء سابقون فاشلون ونواب أكثر فشلا وشخصيات عامة ركيكة وإعلاميون على قدر الحال وعناصر تظن نفسها هبطت علينا من السماوات العلى تحمل رسالة الإصلاح لكن تحت آباطها تماثيل صغيرة لتمجيدها وعبادتها وصوراً لرحلاتها بين البلدان ولا تفوتهم صور مع منظمات شعبية ومهنية لإضفاء الطابع القيادي على شخصوهم البائسة من دواخلها. في حين أن أكبر أحلامهم هي العودة إلى الكراسي وعروش السلطة وامتيازاتها.
من أخطر ما تقوم به هذه المجموعات هو الإمعان في تقسيم الشعب العراقي. فبعد أن كنا نخشى انشطار الشعب إلى طوائف صرنا الآن نتابع وأمام أعيننا كيف أن هذه المجاميع تستقطب أعداداً محدودة تلتف حولها وتساهم في حفر الأخاديد بين أبناء الشعب رغم صغر عدد أعضاء هذه المجموعات لكنها تتخندق مخدوعة أو مجرورة أو تتأمل فائدةً ما.
كان بالإمكان دمج كل هذه التجمعات في كيان واحد رغم أنني أتمسك بنظرية الجبر التاريخي كشرط جوهري في تشكيل الأحزاب أصلا, كما أن بإمكان هذه المجاميع الدخول في الكيانات السياسية الوطنية المعارضة القائمة في البلاد بدلا من التمسك بالتمزق والسير وراء الأوهام والخيالات المريضة.
والعتب الناقد يتوجه الآن إلى الأحزاب السياسية الوطنية المعارضة اليسارية والديمقراطية والمدنية التي ترى بعينها انتشار هذه التجمعات البائسة كالهشيم في النار وترى أضرارها في المشهد السياسي العراقي وفي عموم القضية الوطنية دون أن تبادر إلى استيعابها واحتواء جهودها في جهد وطني موحد كبير. بل ليس خافيا على أحد أن هذه القوى الوطنية الكبيرة ذاتها راحت تعاني من خلل في تماسكها وهشاشة في علاقاتها وأتوقع أنها سوف تخضع عاجلا أم آجلا لعمليات جراحية داخلية في محاولات لتجاوز السلبيات وترميم بنيانها.
إن أنظمة الحكم !! المتسلطة على رقابنا اليوم في العراق والتي تجاوزت كل ما فعلته الأنظمة الأخرى تحتاج إلى معارضة من طراز آخر. معارضة وطنية قوية متماسكة وجماهيرية تستند في شرعيتها إلى غضب الشعب الذي عبر عنه في تظاهراته البطولية الصاخبة والتي دخلت التاريخ باسم ثورة تشرين.
كلامي هذا يتعلق بكل الأطراف ومن كل الأطياف ولست مستهدفا لأحد بعينه دون غيره ، إنما أرى أنكم أيها السادة تتسببون في أضرار كبيرة لبلادنا وشعبنا لذا اقتضى التنويه!.